الأربعاء، 30 يوليو 2008,2:42 م
حلاق المدينة

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٣٠ تموز ٢٠٠٨

في ذاك الحيّ الطرابلسي في منطقة الزاهريّة، صالون حلاقة. لسنوات طويلة خلال الحرب الأهليّة، كان الصالون مقفلاً، وبابه الحديديّ منتفخاً كما لو أنّ انفجاراً قد وقع داخله. لقد وقع الانفجار فعلاً بداية الثمانينيّات. إلا أنّه، حتّى بعد انتهاء المعارك، وعودة الأمور إلى طبيعتها، بقي الباب منتفخاً. تغيّرت أمور كثيرة في الحيّ. توفّي مصلّح الشنط والجزادين الجلديّة، بائع التوابيت بات يشكو قلّة الحركة في السوق، وتحوّلت مكتبة الحيّ إلى سوبر ماركت بعدما نُهبت تعاونيّة المعلّمين أثناء الاشتباكات... إلا أنّ الصالون بقي مقفلاً، كشاهد ربّما على أنّ الحياة لم تعد إلى طبيعتها تماماً، وأنّ المدينة التي لملمت جراحها لم تعد كما كانت بالضبط. كأنّها ارتكبت خطيئة كبرى ستظلّ آثارها بادية على الجبين.

حين أُخبِرنا أنّنا دخلنا مرحلة السلم الأهلي، وأنّ الميليشيات قد سلّمت أسلحتها، عاد الصالون ليفتح أبوابه. لكنّ صاحبه تبدّل. الأرجح أنّ الحلّاق الأصليّ قد قتلته الحسرة، فورث أحد أنسبائه مهنته. اختفى فجأة ذاك الباب الحديديّ الشاهد على حرب مرّت من هنا. وعاد الموسى والمقصّ إلى العمل، جنباً إلى جنب بيع المسابح للكهول القادمين لنزع الشعيرات البيضاء من لحاهم.

الصالون أقفِل من جديد قبل أيّام. لقد أُحرق وسُلبت محتوياته بالتزامن مع الحروب المشتعلة بين منطقتي باب التبانة وبعل محسن. ورغم أنّ حيّ الزاهرية بعيد نسبيّاً عن خطوط النار، إلا أنّ حسابات أخرى غير الجغرافيا جعلت الصالون هدفاً للاعتداء.

الآن فقط توضّحت أسباب ذاك الباب الحديديّ المنتفخ. لقد ارتكب صاحبه، على ما يبدو، خطأً فادحاً وفقاً للمعايير اللبنانية. لقد تجرّأ الحلاق العلويّ على فتح صالون للحلاقة في قلب المدينة السنّيّة!

بعد حرب أهليّة استمرّت قرابة خمسة عشر عاماً، بات من المحرّمات أن يسكن سنّي في الضاحية، أو شيعيّ في الطريق الجديدة، أو علويّ في الزاهريّة، أو فلسطينيّ أو سوريّ بين لبنانيّين... «التطهير» آخذ بالتمدّد في بلاد يقال إنّها مقبلة على انتخابات. لقد بدأ الفقراء يدفعون بدمائهم ثمن ورقة الاقتراع.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 29 يوليو 2008,2:34 م
إنّّّهم عائدون!
خالد صاغية
الأخبار عدد الثلاثاء ٢٩ تموز ٢٠٠٨
يحاول بعض السياسيّين إخراج الصراع بشأن صياغة البيان الوزاري من دائرة التنافس بين الأحزاب والقوى السياسيّة، لإعطائه بُعداً وطنيّاً، كالادّعاء مثلاً أنّ سلاح المقاومة ليس هو ما يؤخّر صدور البيان، بل النقاش حول توجّهات وطنيّة عامّة. أصحاب هذا الرأي يحملون نيّات طيّبة من دون شك، ويرون أنّ إظهار الخلاف على هذه الصورة قد يسرّع في إيجاد الحلول، وخصوصاً بعد اتّفاق جميع القوى على المشاركة في حكومة سُمّيت حكومة وحدة وطنيّة. منعاً لأيّ تفاؤل في غير محلّه، ينبغي القول إنّ الصراع الدائر الآن بشأن البيان الوزاري ليس إلا غيضاً من فيض سيأتينا لاحقاً خلال اجتماعات الحكومة. إنّ الاتفاق على عناوين وطنية عامّة، بعكس ما يعتقد كثيرون، لن يسهم إلا في تأجيج الصراعات، وإن كانت صراعات من نوع مختلف.
لقد بات موضوع المحكمة الدوليّة شأناً دوليّاً، وعُلِّق عملياً النقاش حول سلاح المقاومة بعد حوادث السابع من أيّار (لم يبقَ إلا النجاح في التخفيف من حماسة فؤاد السنيورة لتأييد الثورة الشعبيّة)، والجيش السوري انسحب عام 2005. هذه هي اللحظة المناسبة إذاً كي يهجر أمراء الطوائف الساحات والمنابر، ليعودوا إلى حسابات الدكاكين حيث يعمل كلّ منهم على نتش حصّته من الموازنة، ومن المساعدات، ومن الوظائف... وهذه المرّة من دون تقاسمها مع «عنجر». هل كانت الصدفة وحدها وراء التذكير بباريس 3 فور انتخاب الرئيس ميشال سليمان؟ هل هو الخوف على معيشة اللبنانيين الذي أدّى إلى هذا الاستذكار، أم أنّ عملية فرك الأيادي قد بدأت تمهيداً للحس الأصابع؟
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استذكر أحد الزعماء اللبنانيين العبارة الشهيرة من فيلم «العرّاب»: «سأعطيك عرضاً لن تتمكّن من رفضه»، لوصف العرض الذي قيل آنذاك إنّ الرئيس بشّار الأسد قدّمه للحريري. عرضُ الـ«دون كورليوني» معروف: إمّا أن تفعل ما أريد، وإمّا أن تُقتَل. أمّا اليوم، فيمكن القول إنّ «عرّابي» الطوائف عائدون، يريدون حسابهم كاملاً، وسيقدّمون للشعب اللبناني بأسره عرضاً لن يتمكّن أحد من رفضه!

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 25 يوليو 2008,2:26 م
وطنٌ متخيَّل

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٢٥ تموز ٢٠٠٨

لقد تعبت بعض قيادات 14 آذار، لكنّ الأمانة العامّة لهذه الحركة المجيدة لم تتعب. فها هي تنظّم ورش العمل، وتعدّ لها وثائق للنقاش من أجل الوصول إلى «خلاصات مشتركة بين جميع مكوّنات 14 آذار». كأنّ مصير هذه الحركة مرتبط بتلك الخلاصات المشتركة، لا بقادة طوائف بدأت الحركة تقيّد مصالحهم. لكن، في جميع الأحوال، لا مانع من التسلية ما دامت الحاجة لم تنتفِ كليّاً بعد لإرث «ثورة الأرز». إلا أنّ ملل بعض قادة الصفّ الثاني يبدو أنّه قد ضرب أطنابه، ما شجّعهم على دفع السياسة إلى حافّة الهذيان، وهو ـــــ على أيّة حال ـــــ هواية مفضّلة لدى الأمناء العامّين في أحزاب كثيرة، على امتداد سنين طويلة.

بدأ أول ملامح هذا الهذيان مع البحث عن «سرّ هذه الحركة» الذي أعاده المجتمعون إلى بروز رأي عام «يناقش ولا يتبع». نعم، يقال هذا الكلام عن الرأي العام الذي «لا يتبع» في لحظة سياسيّة لم يعرف لبنان مثيلاً لها لجهة قوّة الاستقطاب الطائفي والتبعيّة المطلقة لقادة الطوائف. طبعاً ينطبق هذا الأمر على حركتَي الثامن والرابع عشر من آذار. إلا أنّ الأخيرة وحدها تملك وقاحة ادّعاء مخاطبتها لرأي عام مكوّن من مواطنين أفراد، لأنّها تدرك أنّ هذا جزء من دعايتها السياسيّة (الموجّهة للغرب كما لخداع الذات). أليست هي من يملك مفاتيح الحداثة في وجه التخلّف القادم من بلاد فارس؟

ليس المجال هنا لمناقشة الموضوع الأساسي لورشة عمل البريستول، أي «السلم الأهلي» و«المساكنة بين السلاح غير الشرعي (اقرأ سلاح المقاومة) والدولة». إلا أنّه يكفي ملاحظة منطلق التحليل الذي يرى أنّ المقاومة قد انكفأت نحو الداخل بعد اندلاع حرب تموز 2006 لتعطيل قيام الدولة، في مزج فاضح بين الدولة والسلطة المهيمَن عليها من قبل أكثريّة نيابيّة رفضت مشاركة الآخرين فيها، كما رفضت اللجوء إلى انتخابات مبكرة بعد زلزال حرب تمّوز وتبدّل موازين القوى. الآن فقط عرفنا مغزى رفض الانتخابات المبكرة، فالابتكار في ورقة 14 آذار يكمن في إيحائها باستحالة الاحتكام إلى الانتخابات النيابية لبتّ الخلافات في ظلّ سلاح المقاومة. وكأنّ السلاح هو ما عطّل حكم الأكثريّة، وليس إصرار هذه الأكثريّة على تهميش ممثّلي طائفتين كبيرتين في ظلّ النظام الطائفي اللبناني، تارةً بحجّة انقلاب «الرأي العام» المسيحي على التيار الوطني الحر، وطوراً بحجّة استمطار «التنوير الشيعي» الذي لن يترك لحزب الله موطئ قدم بين أبناء الطائفة الشيعيّة.

رغم ذلك، يمكننا أن نزفّ البشرى إلى أهل لبنان، والجنوبيين منهم خصوصاً. فصحيح أنّ ورقة 14 آذار قد رفضت التعايش مع سلاح حزب الله الذي تراه تعايشاً مستحيلاً، فإنّها واعية لضرورة حماية لبنان. أمّا كيف تتأمّن هذه الحماية؟ فـ«من خلال توكيد انتمائه (أي لبنان) إلى نظام إقليمي عربي جديد، حديث ومنفتح على العالم، على غرار التجربة الأوروبية المعاصرة، تعيّنت أهم مبادئه في إعلان الرياض»! لقد باتت حماية الجنوبيّين مؤمّنة إذاً شرط انتمائهم إلى عروبة حديثة أرسيت دعائمها ـــــ ويا لسخرية القدر ـــــ في الرياض، عاصمة الحداثة والتنوير وحرية المرأة وحقوق الإنسان. وسيتولّى المجتمع الدولي إقناع إسرائيل بوقف اعتداءاتها على لبنان لأنّ هذا البلد بات حديثاً، وهي حجّة مقنعة، وخصوصاً أنّ كلّ ما تطلبه وتطمح إليه إسرائيل هو اقتداء العالم العربي بالتجربة الأوروبية الحديثة.

هنا يأخذ الهذيان مداه، لم تعد الحداثة شعاراً تواجَه به أيديولوجيّة حزب الله الدينيّة وحسب، بل أصبحت طلسماً تنجلي معه كلّ الأمور المستعصية.

يستمرّ العرض المشوّق طويلاً، وسط التعامي في تحليل الواقع اللبناني عن المسألة الطائفية التي تغيب تماماً، باستثناء الإشارة ربّما إلى الاحتقان المذهبي الذي يتحمّل مسؤوليته طرف لبناني واحد، على ما يبدو. آه... نسينا. من يحتاج إلى أخذ الطائفية بعين الاعتبار بعدما تحوّل اللبنانيون إلى «رأي عام سياسي يحاسب، يتراجع، ويتقدّم، يناقش ولا يتبع». هكذا لم يتّسع التحليل المعمّق إلا لتكرار شعارات «تحييد لبنان» و«حق الدولة في احتكار السلاح» و«ثقافة الوصل»، وصولاً إلى تمجيد «القيم اللبنانية» التي تعرّضت لـ«انتهاكات بالغة جراء الحرب والوصاية السورية والفساد المتوطن في مؤسسات الدولة»! وكأنّ هذا الفساد وتلك الحرب لا علاقة لهما بقيم لبنانية أصيلة يحملها شعب متخيّل يُدعى شعب 14 آذار.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 24 يوليو 2008,2:23 م
ضيق البطريرك
خالد صاغيةا
الأخبار عدد الخميس ٢٤ تموز ٢٠٠٨
لبطريرك الماروني نصر الله صفير يشعر بالضيق من ظاهرة الهجرة. أمّا السبب، فهو أنّ الهجرة تؤدّي إلى تناقص عدد اللبنانيّين، ممّا يؤثر على التوازن المسيحي ـــــ الإسلامي. لقد وجد البطريرك أخيراً في التوازن الطائفي سبباً كي يكره الهجرة التي لطالما نُظمت فيها الأشعار، وسبباً كي يتوجّس من مديح ذاك اللبناني الذي «كيف ما شلحتو بيجي واقف». الغريب أنّ ذاك اللبناني لا يحبّ أن «يأتي واقفاً» إلا بعد ركوب الطائرة. لكنّ البطريرك القلق لم يفصح لنا عمّا يقترحه بديلاً من الهجرة في وطن لا ينتج ولا يريد أن ينتج شيئاً إلا تلك الأدبيّات عن التعايش والتوازن بين الطوائف. فبخلاف ما يحلو للبعض أن يتخيّل، لم تكن الأسباب السياسية أساس الهجرة من هذه البلاد. فلا انسحاب الجيش السوري أعاد المغتربين إلى ربوع الوطن، ولا تحرير مزارع شبعا سيبثّ الحنين إلى صحون الحمّص والأرزات الخالدات.
يجب أن يواجه اللبنانيون حقيقة ما صنعته أيديهم. إنّ الاقتصاد اللبناني، كما جرى تركيبه منذ الاستقلال، لا يتّسع لكلّ اللبنانيّين الراغبين في عيش كريم. حدث أن كان ذلك أحد الأسباب المتعدّدة لنشوب حرب أهليّة. لكن لم يرغب أحد في الانتباه إلى ذلك. أعيدت هيكلة الاقتصاد اللبناني في مرحلة ما بعد الحرب وفقاً لسياسات أعادت إنتاج الظروف نفسها. ولم يُعرَف عن البطريرك معارضته لتلك السياسات. فعدا بعض العظات الأخلاقيّة التي ردّدت كلاماً عامّاً بشأن البطالة والفقر... إلخ، لم يُبدِ البطريرك إلا كلّ ترحيب بمشروع إفقار اللبنانيين تحت عنوان إعمار مدينتهم العريقة للمستقبل.
لم يكن هذا الموقف بديهيّاً. فحتّى الخبراء المقرّبون من الكنيسة المارونيّة كان لهم رأي مختلف. والوثيقة الاقتصادية الصادرة عن المجمع الماروني تصلح لبرنامج عمل إصلاحيّ. إلا أنّ أولويّات البطريرك كانت في مكان آخر. وهو، بعد رحلته السياسية الطويلة، ما عاد يملك إلا التباكي على أبناء ملّته المهاجرين. أمّا الباقون منهم، فيدلّهم سيّد بكركي إلى طريق البريستول حيث ينتظرهم فارس سعيد برتبة أمين عام.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 23 يوليو 2008,2:18 م
الساموراي الأخير

خالد صاغية

الأخبار عدد الأربعاء ٢٣ تموز ٢٠٠٨

يبدو أنّ الموالاة والمعارضة السابقتين مصرّتان على المضيّ بعيداً في مسرحيّة الوحدة الوطنيّة. فبعد الصورة التذكاريّة للحكومة، دخل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وسنافِره وبعضٌ من الوزراء الآخرين في ورشة تفكير عميقة لإصدار البيان الوزاري. فالبيان المذكور ينبغي أن يعكس نصُّه روح الوحدة الوطنية التي سادت خلال تأليف الحكومة، وأن يؤسّس لخطّة العمل في الأشهر المقبلة.

لقد سبق لنا أن شاهدنا الفيلم نفسه قبل ثلاثة أعوام. يومها، استغلّ فريق من اللبنانيّين أوضاعاً إقليميّة ودوليّة ليحقّق انتصاراً على فريق آخر. وفي نشوة النصر، تصنّع الفريقان المودّة، وألّفا حكومة وحدة وطنيّة. وبالمناسبة، وضعا لها أيضاً بياناً وزارياً شاملاً. وعند أوّل مفترق طرق، وجد البيان نفسه يتيماً... مجرّد حبر على ورق.

الواقع أنّ عمليّة استيلاد البيان الوزاري لا تكاد تتجاوز حفظ ماء الوجه. وسيجهد الوزراء لإيجاد عبارات لا معنى لها سوى أنّها تخفي تراجع فريق عن شعارات ردّدها طيلة ثلاث سنوات. وهو تراجع يسير وفقاً لخطّ بياني انحداريّ ينبغي أن لا يُسعد أحداً.

كان يمكن لهذا التراجع أن يكون أقلّ كلفةً لو لم يصرّ البعض على التعامي عن رؤية الواقع، والتطوّع للعب أدوار لا تناسب أحجامه. كان يمكن لهذا التراجع أن يكون أقلّ فضائحيّةً لو لم يبلغ الرهان على تطوّرات دوليّة حدّاً باتت معه اللعبة الداخليّة غير ذات معنى. كان يمكن لهذا التراجع أن يكون أقلّ حدّةً لو لم يُنظَر إلى حرب تمّوز على أنّها حدث عابر، وأنّ المنتصر فيها لن يتمكّن من استثمار انتصاره داخلياً. العبارة الأخيرة لا تثير إلا الضحك، وخصوصاً حين يكون المنتصر قد تعرّض طيلة أيّام الحرب لمحاولات دفعه إلى الاستسلام، على أقلّ تقدير.

في 14 آب 2006، كان على الأكثريّة النيابيّة أن تملك الشجاعة الكافية للدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة. كان ذلك ليقيها شرّ الفضيحة، وليحفظ للبلاد بعض توازنها بدلاً من هذا الانهيار السريع لثورة الأرز وأحلامها الحلوة والمرّة. لم يبقَ في الساحة إلا الساموراي الأخير محمّد علي الجوزو.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 22 يوليو 2008,2:15 م
الأمّهات الصابرات
خالد صاغية
الأخبار عدد الثلاثاء ٢٢ تموز ٢٠٠٨
تجمّع أمس أهالي اللبنانيّين الموقوفين في السجون السوريّة للتذكير بقضيّتهم، بالتزامن مع زيارة الوزير وليد المعلّم إلى لبنان. تحوّل المشهد من اعتصام لأصحاب قضيّة حقّ إلى محاولة من بعض الزعماء الصغار لإبراز مواهبهم على ظهر الأمّهات والزوجات الصابرات. لكنّ المشهد الدنيء الذي افتعله هؤلاء «المُعَرْبشون» لا يلغي حقيقة أنّ الجيش بات يستسهل قمع التجمّعات الاحتجاجيّة، ولم تسلم حتّى الأمّهات المسنّات من «التدفيش» والسقوط أرضاً. وجاء كلام إحداهنّ معبّراً حين صرخت على الشاشة: أنا إسرائيل ما دفّشتني، وسوريا ما دفّشتني!لكنّ الواقع أنّ الجيش لا يتحمّل وحده مسؤولية إطلاق يديه على هذا النحو، في مجتمع لا يكفّ عن التصفيق لإنجازات مؤسّسته العسكريّة. فهذا الجيش هو نفسه الذي نُظمت فيه قصائد المديح لدى تدميره مخيّم نهر البارد. وهو نفسه الذي أطلق النار على متظاهري مار مخايل (أين أصبح التحقيق بالمناسبة؟). وفي كلّ مرّة، كان يظنّ الجيش أنّه يقوم بواجبه، كان «المجتمع المدني» يصفّق له، طالباً المزيد. وها هو رئيس الجمهوريّة قد أتى من القيادة العسكرية مباشرةً إلى سدّة الرئاسة على وقع الهتاف والزغاريد وتأييد الكون كلّه... لقد اعتادت بعض الأصابع الضغط على الزناد. بعد سكّان المخيّمات، وفقراء الضواحي، جاء دور أمّهات المعتقلين.
ليست هذه خطيئة المجتمع الوحيدة التي كشفها اعتصام الأمّهات. ثمّة خطيئة أخرى أشدّ فداحة. فمن المفترض أن تبادر الدولة اللبنانية إلى مطالبة زميلتها السورية بكشف مصير مفقودين على أراضٍ سوريّة، وهي لم تتمكّن بعد من إقناع أركانها، أي أركان الدولة اللبنانية، أي أمراء الحرب السابقين، بكشف مصير المفقودين على الأراضي اللبنانية خلال الحرب الأهليّة. والمؤسف أنّ بعض الأصوات العالية في ادّعاء الدفاع عن المعتقلين في السجون السوريّة هي نفسها صاحبة الفضل في إخفاء عدد من مفقودي الحرب الأهليّة الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.
إنّ هذه النقطة لا تضعف موقف الدولة اللبنانية وحسب، بل تطرح أسئلة بشأن المجتمع اللبناني الذي لا يتوقّف عن جلد نفسه. ترقّبوا الموسم الجديد في الانتخابات النيابية المقبلة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 21 يوليو 2008,2:12 م
«الشيطان الأكبر»
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ٢١ تموز ٢٠٠٨
من بين الآثام الكثيرة للنظامين السوري والإيراني، يختار بعض السياسيّين والمتابعين لأحوال العالم الأخذ على هذين النظامين بعض المرونة التي بدت أخيراً في علاقاتهما مع الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل. فحين أعلنت سوريا مشاركتها في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية تركية، ارتفعت بعض الأصوات ساخرة من مصير الممانعة والممانعين. وحين سادت أخيراً بعض التفاهمات بين إيران والإدارة الأميركية، وبدا أنّ منطقة الشرق الأوسط قد دخلت مرحلة من التهدئة بناءً على قواعد جديدة لا علاقة لها بأحلام الشرق الأوسط الجديد، ارتفعت الأصوات نفسها لتعيّر إيران.
الغريب أنّ تلك الأصوات تصدر من حناجر كانت قد بُحّت سابقاً وهي تشتم أيّ اعتراض على المدّ الأميركي في المنطقة، وهي تسخر من أيّ تفكير في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية. إنّها حناجر لم تصدح إلا بالدعوات إلى الاستسلام، وكانت تغتاظ من شعارات المقاومة والممانعة والنضال ضدّ الأمبرياليّة، أي من كلّ ما كانت تطلق عليه اسم «اللغة الخشبيّة».
وفقاً لأبسط قواعد المنطق، كان ينبغي أن يشعر أصحاب تلك الأصوات بالبهجة إذا ما استؤنِفت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وإذا ما تكاثرت التفاهمات بين إيران وأميركا. لكن، لسبب ما، جاءت ردود الفعل عكسيّة. نحن إذاً أمام احتمالين: إمّا أنّ أصحاب تلك الحناجر شديدو الراديكاليّة في دفاعهم عن المشروع الأميركي بنسخته الأصليّة، وإمّا أنّهم شديدو الراديكاليّة في عدائهم لأميركا وإسرائيل. إذا ما صدق الاحتمال الأوّل، نكون أمام مصيبة. وإذا ما صدق الاحتمال الثاني، نكون أمام مصيبة أكبر، لكن من نوع آخر.
لقد رفعت إيران شعار «أميركا الشيطان الأكبر» بيد، وخاضت بيدها الأخرى سياسة شديدة البراغماتية مع الإدارة الأميركية. وفيما كانت الأخيرة تدخل بمحض إرادتها إلى نار جهنّم، بقيت الثانية تتفرّج. لكن، في الطريق، ثمّة من استعاد صدّاميّته المكبوتة، وقذف سمّه العنصريّ في وجه «الفرس» و«الصفويّين» و«الشعوبيّين»، من دون أن يدري أنّه يتبنّى خطاباً يهتف ضدّه، وأنّه بات من دعاة رفع شعار «الشيطان الأكبر» معكوساً.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 18 يوليو 2008,2:09 م
إعلان وفاة
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ١٨ تموز ٢٠٠٨
خبر عاجل: «صدر عن مفوضيّة الإعلام في الحزب التقدّمي الاشتراكي التوضيح الآتي: ورد في الكلمة الموزّعة للنائب وليد جنبلاط في حفل استقبال الأسير المحرّر سمير القنطار في عبيه ما يلي: «أقول أن لا تناقض بين الحرية والمقاومة، وأن لا تناقض بين الاستقلال والمقاومة وبين السيادة والمقاومة». أمّا الصحيح والمقصود، فهو: أتمنّى ألا يكون تناقض بين الحرية والمقاومة، ولا تناقض بين الاستقلال والمقاومة، ولا تناقض بين السيادة والمقاومة». لذا، اقتضى التوضيح». انتهى الخبر.
طبعاً، لا يصحّح هذا الخبر كلمة وليد جنبلاط، بل يؤكّد خطورة ما جاء فيها، وخصوصاً أنّ الكلمة الموزّعة التي سمعها المواطنون مباشرة على الشاشات حملت عبارة «برأيي أن لا تناقض...»، ما يعني أنّ الزعيم «الاشتراكي» عبّر عن رأي لا مكان للتمنّيات فيه، كما حاول أن يوحي خبر التصحيح.
أمّا مكمن الخطورة في تصريح جنبلاط، فهو في قوله أن لا تناقض بين المقاومة وشعارات 14 آذار (حرية، سيادة، استقلال). وهذا بالضبط إعلان وفاة، أو انتهاء صلاحيّة لحركة 14 آذار المجيدة التي تحوّلت منذ زمن إلى حركة مطالبة بنزع سلاح حزب اللّه بحجّة «بناء الدولة».
والواقع أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي يلمّح فيها جنبلاط إلى حادث الوفاة هذا. فقد سبق أن فعل ذلك من القصر الجمهوري، حين أعلن للمرّة الأولى تأييده (اللفظي) للنسبيّة للتمكّن من الخروج من الاستقطابات السياسيّة الحاليّة بين فريقي 8 و14 آذار.
يعرف الجميع المعارك التي خاضها جنبلاط ضدّ النسبيّة. وما رفعُ رايتها اليوم إلا تعبير عن ضيقه من الانتماء إلى قوى 14 آذار. قد يكون للتغييرات في المنطقة ولحوادث 7 أيّار دور في ذلك، إلا أنّ الكلمة الفاصلة تبقى لقرب موعد الانتخابات النيابية. إنّها اللحظة التي يختارها جنبلاط دائماً لمفاجأة الجميع، فيستعيد تارة «بطولات» الحرب الأهليّة، وطوراً «ثورة» كمال جنبلاط على الرأسماليّة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 17 يوليو 2008,2:05 م
احذروا هذا الرجل!
خالد صاغية
الأخبار عدد الخميس ١٧ تموز ٢٠٠٨
تقدّم بعض الصحف على صفحات التسلية لعبةً تُدعى «لعبة الفوارق». تتألّف هذه اللعبة من رسمين متشابهين، إلا أنّ أحدهما يحمل بعض الإشارات الزائدة التي لا وجود لها في الرسم الآخر. على اللاعب أن يكتشف هذه الإشارات التي تمثِّل الفوارق بين الرسمين، وذلك في مدّة قصيرة من الوقت. انضمّ التلفزيون أمس إلى تقديم هذا النوع من الألعاب. فعرض لنا مشهد استقبال الأسرى المحرّرين في مطار رفيق الحريري الدولي، لكن مع إضافة بعض الإشارات والوجوه الزائدة التي على المشاهد أن يكتشفها حتّى يتمكّن من إعادة تكوين المشهد الأصليّ، أي المشهد الذي كان ينبغي أن يكون.
فقد وقف صف طويل من الرسميّين في حفل الاستقبال. يمكن احترام البروتوكول، ويمكن مراعاة مشاعر الجميع. لكنّ رجلاً واحداً وُجد خطأً في الصورة. بعض الآخرين جاؤوا رغماً عنهم، أو على مضض، أو لإثبات الوجود ليس إلا. أمّا ذاك الرجل، فقد جاء ليسلّينا، فنلعب معه لعبة الفوارق إيّاها.
كان الجوّ مشحوناً بالعواطف، فلم يفهم سمير القنطار ورفاقه اللعبة، وصافحوا جميعاً الرجل وقبّلوه أيضاً. كاد الرجل أن يصرخ: لا، أنا لستُ هنا. إنّها لعبة وحسب. اسألوا التلفزيون! إلا أنّه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة، وبادل الأسرى المحرّرين القبلات، كأنّ شيئاً لم يكن. كاد الرجل أن يصارحهم: لقد سعيت جهدي كي لا يأتي هذا اليوم، إلا أنّ الرياح لم تكن مؤاتية. كاد الرجل أن يتأفّف: تفوح منكم رائحة الشرق الأوسط القديم. لكنّه لم يفعل. كان شديد التهذيب، ولم تدمع له عين هذه المرّة، لا حزناً ولا فرحاًً.
تقدّم بعض الصحف على صفحات التسلية لعبةً تُدعى «لعبة الفوارق». تتألّف هذه اللعبة من رسمين متشابهين، إلا أنّ أحدهما يحمل بعض الإشارات الزائدة التي لا وجود لها في الرسم الآخر. على اللاعب أن يكتشف هذه الإشارات التي تمثّل الفوارق بين الرسمين، وذلك في مدّة قصيرة من الوقت. احذروا هذا الرجل!

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 16 يوليو 2008,1:59 م
عرسٌ واحدٌ وغربان كثيرة
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ١٦ تموز ٢٠٠٨

تتسابق القوى والشخصيات اللبنانية للترحيب بعودة الأسرى من السجون الإسرائيليّة. وبين المتدافعين مَن يسارع إلى القول: «بالرغم من تحفّظنا على...»، أو «بالرغم من اعتراضنا على...»، وغالباً ما تضاف عبارة من نوع انفراد حزب اللّه في إدارة ملف المفاوضات. من يستمع إلى هذه الأحاديث، ويتعرّف إلى وجوه مطلقيها، يظنّ أنّ حسن نصر اللّه مفاوض بارع ارتكز في مفاوضاته بشأن الأسرى على جمال الطبيعة في لبنان، محاولاً إقناع الإسرائيليّين بقدرة هذا البلد الصغير على جذب المستثمرين.<1--break-->
غالباً ما يتناسى هؤلاء أنّ تحرير الأسرى لم يأتِ نتيجة إدارة مفاوضات بالدرجة الأولى، بل جاء أصلاً بسبب تمكّن حزب الله من إجبار إسرائيل على القبول بالتفاوض غير المباشر. وما كان ذلك ليحدث لولا عمليّة أسر الجنديّين الإسرائيليّين. يومها، انهالت الشتائم على المقاومة التي اتُّهمت بارتكاب المغامرات. وشُنّت حملة دوليّة لتجريدها من سلاحها، وسرعان ما وجدت هذه الحملة مؤيّدين في لبنان.
يتناسى هؤلاء أيضاً أنّ عمليّة الأسر وحدها لم تحرّر الأسرى، بل صرخة «...حتّى لو جاء الكون كلّه»، والقدرة على الصمود حين جاء فعلاً الكون كلّه ليجبر المقاومة على الإفراج عن الأسيرين. يومها، ابتهجت الوجوه نفسها التي تستعدّ الآن لاستقبال الأسرى، معتبرةً أنّ الأوان قد آن لمطالبة حزب اللّه بتسليم سلاحه، ذلك أنّ ساعة ولادة الشرق الأوسط الجديد قد أزفت. فكان عناق مع كوندوليزا رايس، وكان تربيت بوش كتف «الاعتدال اللبناني».
حتّى بعد ذلك، وحين تولّى نصر الله إدارة الحرب النفسية مع الإسرائيليين، متحدّثاً عن أشلاء جنود لا تزال محتجزة لدى المقاومة، أثار هذا الكلام امتعاض من تراكمت في بيوتهم وأحزابهم أشلاء مواطنيهم خلال الحرب الأهلية.
يمكن أن نتناسى ذلك كلّه، وأن نشارك في عرس وطني جديد. فالأعراس عامرة في هذه البلاد، وكان آخرها عرس الدوحة الذي أقفل الحياة السياسية في لبنان حتّى إشعار آخر. فشُدّوا اليوم على أيدي الأسرى الذين سيكون عليهم اجتياز عتبات كثيرة قبل الدخول في الوطن.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 15 يوليو 2008,1:57 م
بانتظار الصورة التذكاريّة
خالد صاغية
الأخبار عدد الثلاثاء ١٥ تموز ٢٠٠٨
مَن تابع التطوّرات السياسيّة اللبنانيّة منذ انتهاء حرب تمّوز حتّى الأسبوع الماضي، لا بدّ أنّ شوقاً كبيراً انتابه لرؤية حكومة الوحدة الوطنيّة، تلك الحكومة التي جرى الاعتصام من أجلها في الساحات شهوراً طوالاً، ونُظِّمت لها الأغاني والأناشيد، وعُقدت من أجلها مؤتمرات واجتماعات شارك في حضورها ممثّلون عن دول العالم كلّه. نحن حتماً بانتظار الصورة التذكاريّة. لكن، حتّى قبل النظر إلى تلك الصورة، بإمكاننا أن نقول مبروك.
مبروك لحزب اللّه استخدام سلاحه في الداخل للوصول إلى تأليف حكومة يرأسها من استغلّ العدوان الإسرائيلي على لبنان كي يعمل على نزع سلاح المقاومة. مبروك لرئيس الحكومة الذي تمكّن من فرض عدد من سنافره وزراء، مثبّتاً يوماً بعد يوم أهميّته الاستراتيجيّة من أجل نشر الاعتدال العربي.
مبروك للوزراء الذين أبدوا نجاحاً منقطع النظير في وزاراتهم، فعادوا إليها نفسها، من دون أن يرفّ لأحد جفن.
مبروك لوليد بك جنبلاط الذي اكتشف على أبواب الانتخابات النيابيّة أنّ القوّات اللبنانيّة تحاول أن تأخذ حجماً أكبر من حجمها، وذلك بعد مشاركته الشخصية، طيلة ثلاث سنوات، في نفخ ذلك الحجم. ومبروك للقوّات اللبنانيّة وزارة العدل التي تليق بتاريخها.
مبروك لرئيس الجمهوريّة اختياره إلياس المرّ وزيراً للدفاع بعد إدارته السياسية الناجحة لمعارك نهر البارد. مبروك للّبنانيين جميعاً وزارة المال التي تنتقل من يد اليمين إلى يد أقصى اليمين، وكلتاهما تحت عباءة «رجل الدولة»، صاحب مآثر الدَين والضرائب. مبروك إهداء وزارة الزراعة إلى أبناء الإقطاعيّين.
مبروك علي قانصو. لكن، ألم تكن من الأجدى إعادته إلى وزارة العمل ليستكمل عمله في تفكيك ما بقي من نقابات؟ مبروك الوزارة لبنك عودة. مبروك الوزارة لأنصار «التنوير» الشيعي. لقد أعمانا النور فعلاً. أطفئوا الأضواء قليلاً حتّى نتمكّن من النوم!

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 14 يوليو 2008,1:54 م
المغامرة مستمرة

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٤ تموز ٢٠٠٨

في 14 آب 2006، حين صدر العدد الأوّل من صحيفة «الأخبار»، كان رئيس التحرير المؤسّس جوزف سماحة يحمل حلمين كبيرين: حلم سياسي بالتغيير مدفوعاً بنتائج حرب تمّوز، وحلم مهنيّ بتجديد الصحافة اللبنانيّة والعربيّة. وكان أستاذنا الراحل يعتقد أنّ لـ«الأخبار» دوراً تؤدّيه على هاتين الجبهتين. حين توقّف قلب جوزف عن الخفقان، كان قد بات واضحاً أنّ التغيير السياسي ما زال عصيّاً في هذا الوطن المعلّق. وقد عبّرت عن ذلك مقالات جوزف الأخيرة. كتب فواز طرابلسي في رثائه آنذاك: «أعرف أمراً واحداً: كنتَ تتمزّق بين رغبتك في «تغيير» نذرنا له العمر كلّه... وخوفك من تكرار الاقتتال اﻷهلي». كان جوزف يتمزّق فعلاً، لكنّ مقالاته بقيت تراقص الكلمات. أمّا «الأخبار»، طفلته وحبيبته وحلمه المهني، فرغم النجاح في إصدارها، ورغم اتّساع حجم انتشارها الذي فاق توقّعات رئيس التحرير الراحل، فإنّ صدورها المُبكر (بعد حرب تمّوز مباشرةً) حمل الكثير من «تشوّهات الولادة» التي زادها الاستقطاب السياسي حدّةً.

تصدر «الأخبار» اليوم بحلّة جديدة، وهي لم تكمل سنتها الثانية بعد. الصفحات التي بين أيديكم ليست تماماً الجريدة التي حلم بها جوزف ذات يوم. لكنّها حتماً خطوة هامّة باتّجاه سدّ الثغرات والرغبة في التطوير التي حدّدها سماحة في افتتاحيّته الأولى، «الانتقال بـ«الأخبار» إلى صورتنا عنها، إلى عدد الصفحات الذي كان مقرراً، إلى استعادة الأبواب والزوايا التي اضطررنا إلى تعليقها، إلى نشر المواضيع التي كنا نتمنّى الخوض فيها».

وتماماً كما أعلنت «الأخبار» في عددها الأوّل، نكرّر اليوم إعلان رفضنا الوقوف على الحياد، والانتماء سياسياً إلى «معسكر رافضي الهيمنة، وهو معسكر يمتدّ من قلب الولايات المتحدة الأميركية إلى أقاصي الشرق وأفريقيا وأميركا الجنوبية وأوروبا».

غير أنّ طريقاً طويلةً لا تزال أمامنا لنحقّق «صورتنا» عن «الأخبار». هذه محطّة ثانية وحسب، في المغامرة التي دعانا جوزف إليها، والتي، بدورنا، ندعو القرّاء إلى الالتحاق بها، واعدين إيّاهم بأن نستمرّ في ممارسة هوايتنا المفضّلة، «أن نرمي غير بحصة في بحيرة الإعلام اللبناني».

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 11 يوليو 2008,1:51 م
دقّة الملاحظة
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الجمعة ١١ تموز ٢٠٠٨
في تصريح ينمّ عن دقّة شديدة في الملاحظة، رأى النائب سيرج طورسركيسيان أنّ أموراً عديدة تحصل على الساحة اللبنانية في ما يتعلق بموضوع السكن لغير اللبنانيين. أمور تزعج نائب الأمّة. فقد «خصّصت الدول الغربيّة مبالغ هائلة» لإعادة إعمار نهر البارد! لكن، حتّى لا يُفسَّر موقف سعادة النائب خطأً، أوضح أنّه كان يطالب دائماً بحياة كريمة لـ«إخوتنا الفلسطينيّين».
إذاً، ما المزعج في الأمر؟ إنّها المؤامرة على «المجتمع المسيحي». فصاحب الملاحظة الدقيقة أعلاه، لاحظ أيضاً أنّ «السفارة الكنديّة تسهّل على أيّ لبناني السفر إلى الخارج». وقد قادت هاتان الملاحظتان النبيهتان إلى استنتاج لا يقلّ ذكاءً، وهو أنّ ثمّة «نوعاً من التواطؤ الخفيّ من ناحية إسكان عدد من غير اللبنانيّين، ومن ناحية تسهيل سفر اللبنانيّين إلى الخارج».
أمام هذا الاستنتاج، كان لا بدّ للسيّد سيرج من تقديم حلّ. فاقترح نائب الأمّة أن تساهم السفارة الكنديّة «في تسفير عدد معيّن من الإخوان الفلسطينيّين إلى كندا»، بدلاً من تسفير اللبنانيّين.
وبهذا الاقتراح الفذّ، يزول التناقض الظاهري في موقف النائب السياديّ. فالسيّد سيرج يريد حقاً حياة كريمة لـ«إخوته» الفلسطينيّين، لكنّه يريد لهم هذه الحياة الكريمة خارج لبنان!
يحدث كلّ ذلك بعدما قام الجيش اللبناني بتدمير مخيّم نهر البارد بحثاً عن رجل يُدعى شاكر العبسي. هل كان المطلوب تدمير المخيّم على رؤوس المدنيّين كي يطمئنّ نائب الأمّة إلى أحوال هجرة المسيحيّين؟

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 9 يوليو 2008,1:48 م
ليس دفاعاً عن جعجع
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ٩ تموز ٢٠٠٨
سمير جعجع وزيراً للعدل! راجت هذه «الشائعة» لبعض الوقت، وكان مصدرها أنّ القوات اللبنانية طالبت فعلاً بحقيبة العدل في الحكومة المزمع تأليفها. أثار الأمر امتعاض كثيرين بحجّة أنّ جعجع مرتكب لجرائم حرب ولاغتيالات، وقد جرت محاكمته في بعض هذه الجرائم، قبل أن يصدر عفو ملتبس ليخرجه من السجن.
الحجّة مقنعة. ووصول شخص كجعجع إلى وزارة العدل، أو إعطاء هذه الحقيبة لقوّاتي (وما أدراك ما القوّات!)، يثير الامتعاض حقاً. لكنّ السؤال لا يطال الاعتراض على جعجع، بل السكوت عن غيره.
فماذا عن وزارة المال مثلاً؟ ماذا عن تولّي السيّد فؤاد السنيورة وزارة المال؟ وهو الذي انهارت الميزانية العامة حين سبق له أن تولّى هذه الوزارة... وهو الذي حوّل حياة عامّة اللبنانيّين إلى جحيم اقتصادي.
وماذا عن وزارة المهجّرين؟ ألم يتولَّ وليد جنبلاط شخصيّاً هذه الوزارة بعد انتهاء الحرب مباشرةً؟ ألم يتعاقب وزراء منتمون إلى الحزب التقدّمي الاشتراكي على هذه الوزارة؟
لكن، لمَ التوقّف عند الحقائب. ماذا عن رئاسة مجلس الوزراء نفسها؟ أيخدش حياء اللبنانيّين أن يصل سمير جعجع إلى وزارة العدل، ولا يخدش حياءهم أن يعود إلى سدّة رئاسة مجلس الوزراء «رجل الدولة» الذي أوصل البلاد إلى ضفاف الحرب الأهليّة؟
لندع كلّ هذه التساؤلات جانباً. ما يثير الأسى حقاً ليس طلب القوات اللبنانية لوزارة العدل، إنّما إبعاد الدكتور أحمد فتفت عن هذه الحكومة وحقائبها
.... حزن عارم لدى الشباب. خبر سيّئ للرياضة، وحداد عام في مرجعيون وضواحيها.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments