الخميس، 27 مايو 2010,2:00 م
الشراكة على الأبواب

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ٢٧ أيار ٢٠١٠

لا يمكن النيوليبراليّة أن تعيش مع نقابات قويّة. على أحدهما أن يدمّر الآخر. من قطاع الطيران، بدأ الرئيس الأميركي رونالد ريغان ضرب النقابات. ومن الطيران، يستعدّ لبنان للقفز نحو مرحلة جديدة من «تحرير» القطاعات.
في 5 آب 1981، اتخّذ رونالد ريغان قراراً ما زالت ارتداداته حاضرةً إلى اليوم. فردّاً على إضراب موظّفي مراقبة حركة الطيران، أعلن طرد قرابة 11000 موظّف من القطاع العام، لم يمتثلوا للعودة إلى العمل. لم يكن لهذا القرار وقعه على أولئك الموظّفين الذين فقدوا وظائفهم وحسب، لكنّه مثّل أيضاً بدايةً للحرب على النقابات. فسرعان ما فهم القطاع الخاص الرسالة، وبدأ خوض معركته مع عمّاله وموظّفيه الذين باتت نقاباتهم تتلقّى الضربة تلو الأخرى، تحت أعين الدولة وتشجيعها.
في 2010، وبعد قرابة عقد ونيّف من بدء تطبيق سلسلة من السياسات النيوليبرالية في لبنان، عاد حديث الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص إلى السطح. وها هي وزيرة المال والفريق السياسي الذي انتدبها لوظيفتها الجديدة، يشنّون «حملة تشهير» ضدّ أيّ وزير يعترض على المضيّ بهذه السياسات الظالمة. وكلّ ذلك تحت شعار «تحرير» الاقتصاد. وقد بدأت الموجة الجديدة من هذا «التحرير» في قطاع الطيران.
فثمّة في الحكومة، وفي مغارة طيران الشرق الأوسط، من يريد تقمّص دور ريغان في الضرب بيد من حديد في مواجهة الموظّفين المضربين. هكذا، ردّاً على إضراب الطيّارين، عمدت شركة «الميدل إيست» إلى التعاقد مع طيّارين أجانب من الهند وباكستان، لقيادة طائرات الـ«ميدل إيست» بدلاً من طيّاريها الأساسيين، في مخالفة واضحة للقانون.
حين يقال «تحرير» القطاعات إذاً، يُقصَد تحرير الشركات من القوانين التي تحمي العمّال والموظّفين. وحين يحدث هذا الأمر في شركة للقطاع العام حصّة كبيرة فيها، نكون أمام إشارة خطيرة ترسلها الدولة للقطاع الخاص، وخصوصاً أنّ القطاعين على أبواب شراكة.
إذا انكسر طيّارو «الميدل إيست» اليوم، فستكون الشركات الخاصة في البلاد حرّة طليقة، من الآن فصاعداً، في القضاء على ما بقي من مكاسب لموظّفيها. وسيكون ذلك، تماماً كما حدث في أميركا 1981، برعاية الدولة وتشجيعها.

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 21 مايو 2010,2:01 م
«تاتا» ريّا... «تاتا»

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٢١ أيار ٢٠١٠


رغم مرور عشرين عاماً على مغادرتها منصبها، لا تزال رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر تمثّل رمزاً عالمياً، أو بالأحرى الرمز العالمي، للسياسات الاقتصادية الظالمة. ففي أوائل الثمانينيات، رفعت «المرأة الحديديّة» شعار «تينا» (TINA) المركّب من الأحرف الأولى للعبارة الإنكليزيّة (There Is No Alternative): «لا يوجد بديل»، للدفاع عن سياساتها الرامية إلى رفع الرقابة عن العمليّات الماليّة، وفتح الأسواق، وضرب النقابات، وتقليص القطاع العام وبيع شركاته... وأمام الكساد وارتفاع البطالة، بدأ ابتزاز المواطنين بحجّة أن لا بدائل متاحة. وقد نشأت عمارة أيديولوجيّة كاملة للترويج لهذا الشعار. وللّذين لم يقتنعوا، يمكن دائماً إعادتهم إلى الحظيرة «الوطنيّة» عبر اختراع حروب قوميّة (الفولكلاندز نموذجاً) أو حروب ضدّ الإرهاب.
«لا يوجد بديل» هو الشعار نفسه الذي جرى ابتزاز اللبنانيّين به. أرادوا لنا أن نقبل خفض الضريبة على دخل الشركات، ورفع الضريبة على استهلاكنا اليومي بحجّة أنّه «لا يوجد بديل». أرادوا لنا أن ندفع ثلث فاتورة البنزين وثلثَيْ فاتورة الخلوي رسوماً وضرائب، بحجّة أنّه «لا يوجد بديل». أرادوا لنا أن نتفرّج بصمت على المضاربات العقاريّة المعفاة من الضرائب وعلى أسعار الشقق التي ترتفع بجنون، بحجّة أنّه «لا يوجد بديل». أرادوا لنا أن نبتسم كلّما أُقفل مصنعٌ وافتُتح مكانه فرع لمصرف، وأن نهلّل لتزايد الأرباح التي تحقّقها كلّ عام مصارف تعمل بالبطالة المقنّعة، بحجّة أنّه «لا يوجد بديل».
نقاش الموازنة فرصة للخروج من هذه الحلقة السوداء. فرصة للتذكّر أنّه في وجه نظريّة (TINA)، ثمّة من رفع شعار «تاتا» (TATA)، المركّب من الأحرف الأولى للعبارة الإنكليزيّة (There Are Thousands of Alternatives): «يوجد آلاف البدائل». الورقة التي قُدِّمت أمس في مجلس الوزراء تمثّل أحد هذه البدائل التي قد تفتح باباً لاقتصاد أكثر عدالةً، ولوطن لا تكون الهجرة قدراً محتوماً لأبنائه.
«بعد الانتخابات، تبدأ ورشة الإصلاح»... قال رئيس الجمهوريّة ذات يوم. إذا كان من إصلاح، فهو الذي يبدأ من هنا. من توزيع الأعباء بطريقة عادلة. من شعور اللبنانيّين بأنّ الدولة ليست مجرّد جهاز لامتصاص ما في جيوبهم، وليست مطبعة لصكّ تأشيرات الهجرة.
«لا يوجد بديل»، تقول وزيرة المال ريّا الحسن وهي تهدّد برفع ضريبة الـTVA في 2011، مردّدة شعار تاتشر بعد قرابة ثلاثة قرون. كأنّ الزمن توقّف هناك. كأنّنا نكرّر مشاهد سبق للعالم أن جاهر بأوجاعه منها.
«تاتا» ريّا... «تاتا». «تاتا» فؤاد... «تاتا»؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 19 مايو 2010,9:40 م
كرنفال التسوّل

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ١٩ أيار ٢٠١٠


كلّما زار لبنانَ رأسُ دولة خليجيّة، لا يسع المواطن الصادق إلا الشعور بالخجل. فالمسؤولون عندنا يتدافعون لاستقباله، واللعاب يسيل من أفواههم. فهم لا يرون في الضيف الآتي إلا كيساً كبيراً من المال يقدّمه كمساعدات للشقيق الصغير، أو يضعه وديعة في المصرف المركزي، أو ينفقه في الأسواق اللبنانيّة في فصل الصيف. يلبسون فجأةً ثياب العيد، ويتدافعون للوصول إلى أرض المطار، ويوزّعون ابتساماتهم يمنة ويسرة، ولسان حالهم يقول: «إجت الرزقة».
والضيف عادةً يعرف تماماً ما يجول في خاطر اللبنانيين. لكنّه يدخل اللعبة معهم. فهو يحبّ الوجاهة والاحتفاء به وبأمواله. وقد يكنّ محبّة خالصة للبلد الذي يراه جميلاً ولأهله المضيافين، وقد يكون هذا الشعور متبادلاً. إلا أنّ ثمّة إحساساً عامّاً يقنعك دائماً بأنّ هذه المشاعر الجيّاشة ليست هي مصدر الحفاوة.
والواقع أنّ العلاقات اللبنانية الخليجية الممتازة، لم تكن تستدعي دائماً كلّ هذا الابتذال. لكنّ ما جرى على المستوى الاقتصادي منذ نهاية الحرب الأهليّة إلى اليوم، حوّل البلاد إلى كرنفال تسوّل دائم. فها نحن نمدّ أيدينا لنعمّر مدرسة. ونمدّ أيدينا لنعمّر قرية. ونمدّ أيدينا لأنّنا أنفقنا من دون حساب، وأسرفنا في الاستدانة. ونمدّ أيدينا لنرمّم قصراً. ونمدّ أيدينا لنخوض معركة انتخابيّة. ونمدّ أيدينا لاستضافة مؤتمر. ونمدّ أيدينا لنقبل بمصالحة بعضنا بعضاً...
ولا نكفّ خلال حفلة الذلّ هذه عن ابتزاز العالم. فنحن البلاد التي ينبغي إنقاذها لأنّها رسالة التعايش بين الأديان. ونحن عنوان الاعتدال في المنطقة. ونحن الرئة الحديثة التي يصدر عنها شعاع التنوير. ونحن صلة العرب بالغرب. ونحن الفرفور الذي ذنبه مغفور، فأنقذونا يا عرب.
لقد أعيدت هيكلة الاقتصاد اللبناني ليصبح اقتصاد تسوّل. لكنّه تسوّل متلازم مع النهب. فالحيتان تطوّع الدورة الاقتصادية لتصبّ أموال الخزينة في جيوبها، ثمّ تمارس التسوّل لرمي الفتات للمواطنين. والمواطن الذي يأكل الفتات، يعود، بدوره، ليتسوّل على أبواب المسؤولين. الكلّ يبدو سعيداً على التلفزيون، في المطار وأمام صناديق الاقتراع. غير أنّ رائحة المهانة تملأ المكان.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 18 مايو 2010,5:38 م
سياسة، ثأر، وطبقات

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١٨ أيار ٢٠١٠


من الصعب فصل معركة صيدا عن المرحلة الثانية من الانتخابات البلديّة. فتيّار المستقبل الذي سار في المسعى التوافقي في المدينة، لم يعد قادراً على الاستمرار فيه، بعدما تلقّى ضربتين في بيروت والبقاع.
ففي العاصمة حيث وضع رئيس الحكومة سعد الحريري ثقله لحثّ الناخبين على الاقتراع بكثافة، جاءت نسبة الاقتراع هزيلة لدرجة تهدّد بإلغاء الانتخابات لو كان قانون الانتخابات مختلفاً. وفي البقاع، خسر «المستقبل» بلدات وقرى مثّّلت معاقله الأساسيّة على مدى الأعوام الخمسة الماضية.
ليست خسارة بعض البلديّات هي الأساس هنا، بل فقدان المستقبل لوهج هيمنته على طائفة بكاملها. وهذا أصلاً ما جعل التوافق في بيروت مستحيلاً، إذ ما كان يمكن الحريري القبول بتمثيل المعارضة السنّية في العاصمة، لأنّ مبدأً كهذا يعني سقوط أحاديّة تمثيل الطائفة.
إذاً، بعد خروج قسم لا بأس به من البقاع من تحت العباءة الحريريّة، وبعد عدم تلبية أبناء بيروت نداء زعيمهم، وبعد الإدراك منذ الانتخابات النيابية أنّ طرابلس لا يمكن أن تكون لقمة سائغة للمستقبل، بات التمسّك بخوض معركة في صيدا لا مفرّ منه.
إضافة إلى هذه الأسباب السياسيّة، لا يمكن إغفال مستوى ثأريّ. فعلى المستوى الشخصي، لا يمكن النائبة بهيّة الحريري أن تنسى هزيمة الانتخابات البلديّة في 2004، التي كانت الضربة الأقسى التي تلقّاها الرئيس المغدور رفيق الحريري خلال حياته السياسيّة. وإلى جانب بهيّة، هناك فؤاد السنيورة الذي يرى في أسامة سعد تجسيداً لكلّ المعارضة السابقة، ويحاول كسره في صيدا تعويضاً عن كلّ ما حقّقته تلك المعارضة من مكاسب منذ اتفاق الدوحة إلى اليوم.
مقابل ذلك، كان سعد يصرّ على إعطاء المعركة جانباً طبقيّاً. فيتحدّث عن السياسات الاقتصادية الظالمة، عن ضرورة تمثيل الفئات الشعبية في المجلس البلدي، عن مصالح الكادحين من أبناء صيدا... التراجيديا الفعليّة هي أنّه كلّما ارتفع «الدوز» الطبقي لدى سعد، كان آل الحريري يسعون لتأمين مزيد من الوظائف لأبناء صيدا في شركاتهم وشركات أصدقائهم، حتّى باتت الساحة ملائمة تماماً لتصريح فظّ أدلى به المرشّح التوافقي سابقاً محمّد السعودي (يا لتصادف الأسماء)، وأعلن فيه أنّ برنامجه يسعى إلى تحويل مدينة صيدا إلى «سوليدير».
فليتهيّأ الصيداويّون إذاً. نصفهم سترسله طائرات الحريري إلى الخليج، ونصفهم الآخر سترميه جرّافات الحريري في الشارع.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 17 مايو 2010,5:40 م
تعطيل الموازنة

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٧ أيار ٢٠١٠


ينتشر هذه الأيام على ألسنة جوقة من السياسيين عنوان «تعطيل الموازنة». والمقصود أنّ بعض الوزراء سيصرّون على مناقشة بنود الموازنة نقاشاً حقيقيّاً، ما يسهم في تأخير إقرارها، وهذا يسمّى، على ما يبدو، تعطيلاً. إذاً، المطلوب، وفقاً لجوقة السياسيّين نفسها، تعطيل النقاش في الموازنة من أجل عدم تعطيلها. بكلام آخر، إنقاذ الموازنة يتطلّب عدم مناقشتها. إنّ هذا، بحدّ ذاته، يعطينا فكرة وافية عمّا تتضمّنه.
لكنّ كلمة تعطيل تبدو ملطّفة. ففي لقاء وزيرة المال ريّا الحسن، الجمعة الفائت، مع رجال أعمال وفاعليات اقتصادية، اقترح أحدهم كلمة «ابتزاز سياسي». ولتكتمل الصورة، أعلنت الحسن أنّه «لا مشاكل بنيويّة في المشروع من الناحية التقنية، وإذا لم تكن ثمّة أسباب سياسيّة معطّلة، فلا أعتقد أنّ في الظاهر ما يعرقل هذه الموازنة». الموازنة، إذاً، وفقاً لوزيرة المال، مجرّد أرقام تقنيّة ما إن تكون حساباتها صحيحة حتّى يمرّ المشروع. وكلّ ما يعرقل هذا المرور هو نوع من الابتزاز أو التعطيل السياسي.
هكذا يصبح الاعتراض على حجم ضريبة البنزين والاتصالات والضريبة على القيمة المضافة (التي تباكت الحسن على عدم زيادتها هذا العام)، نوعاً من «المزايدات». لكن، فجأةً، حين تُسأَل الوزيرة عن «ضريبة الربح الرأسمالي»، تكفّ الموازنة عن كونها مشروعاً تقنياً، ويتسلّل البُعد الاجتماعي إليها، فتقول الوزيرة: «لا يمكننا فرض أي ضريبة من دون توقّع تأثيراتها، وخصوصاً أنّ الضريبة تمسّ كلّ الناس (يا للقلب الرقيق!)، وهذا ما جعلني أنتظر ولا أتسرّع في اعتماد هذه الضريبة».
إذاً، حين تطال الضريبة الجوانب الاستهلاكيّة التي تمسّ كلّ الناس فعلاً، لا مشكلة. أمّا حين تطال الضريبة الربح الرأسمالي، فيجب التمهّل ودرس وقع الضريبة الاجتماعي والاقتصادي. إنّه لَدَرْسٌ في المسؤوليّة!
لكنّ سَلَطَة الأفكار التي قدّمتها الوزيرة في ذاك اللقاء تصل إلى ذروتها لدى تناول النموّ الذي لم يترجم نفسه في توفير فرص عمل. الحلّ إذاً في الخصخصة أو الشراكة مع القطاع الخاص في الكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات، أي في القطاعات المحتكرة من الدولة. لكنّ هذه هي بالضبط وصفة لذبح النموّ وكبح فرص العمل. فحين يوظّف القطاع الخاص أمواله في مشاريع منتجة، يرتفع النموّ (بسبب قيمة المشاريع)، وتزداد فرص العمل (المشاريع بحاجة إلى من يشغّلها). لكنّ القطاع الخاص عندنا لا يريد الدخول في أيّ مغامرات قد لا تدرّ أرباحاً خياليّة. لذلك، تتدخّل الدولة اليوم لتخليصه من فائض السيولة الذي لديه، فتدعوه إلى الاستثمار في قطاعاتها. وهذا يعني أنّ أموال القطاع الخاص ستُستخدَم لشراء ممتلكات من الدولة (الخصخصة)، أو للقيام باستثمارات كانت الدولة تنوي القيام بها (الخصخصة المقنّعة). في الحالة الأولى، لن يرتفع النموّ (فالممتلكات موجودة أصلاً، وكلّ ما جرى هو نقل لملكيّتها). وفي الحالة الثانية، يحلّ القطاع الخاص مكان الدولة في الاستثمار (لا فرص عمل أكثر ممّا كانت الدولة ستوفّره). والجدير بالذكر أنّ الأموال التي تحصل عليها الدولة أو توفّرها لن تذهب هي الأخرى إلى الاستثمار، بل إلى المصارف كفوائد على الدين العام.
إذا كان الحدّ من البطالة والهجرة هدفاً من أهداف هذه الحكومة، فعلى القطاع العام أن يستثمر في القطاعات التي يملكها (وخصوصاً أنّ الدولة تملك الآن فائضاً في حسابات الخزينة، وتستطيع بالتالي القيام بذلك من دون استدانة)، وعلى الدولة إعطاء الحوافز للقطاع الخاص للاستثمار في مشاريع إنتاجيّة مختلفة. هكذا يتحقّق نموّ مرتفع مصحوب بفرص عمل.
لكنّ الواضح أنّ هذا آخر اهتمامات النهج الاقتصادي الذي انتُدبت وزيرة المال لمتابعته. فالأولويّة اليوم هي لتخليص المصارف من فائض أموالها بأسرع وقت ممكن، ولتنفيذ مشاريع احتكاريّة، ربحها مضمون لا تشوبه أيّّ مخاطر. إقرار الموازنة السريع ليس إلا تشجيعاً لذهنيّة الربح السريع.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 13 مايو 2010,12:17 م
36000 ليرة

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ١٣ أيار ٢٠١٠


كان الزرّ مضاءً بالأحمر. خزّان السيارة يكاد يخلو من البنزين. بدأ العدّاد عمله. وللمرّة الأولى، يتجاوز المئة ألف ليرة.
طبعاً، فبخفّة ورشاقة، تماماً كما يفعل «عنكبوت النونو» حين يطلع إلى السطح، وصل سعر صفيحة البنزين إلى 34000 ليرة. فحين كان المشاركون في الحكومة يهيّجون طوائفهم بعضها ضدّ بعض، تولّى فؤاد السنيورة مهمّة تثبيت الضرائب والرسوم على صفيحة البنزين. فالسنيورة لا يحبّ الطلعات والنزلات. أسواق النفط متقلّبة، وهو يريد ضمان حصّة الخزينة. حسم الأمر، وباتت حصّة الدولة من كلّ صفيحة بنزين حوالى 12500 ليرة. وفي عام واحد، حقّقت الدولة 666 مليون دولار من البنزين. إنجاز هائل. برافو فؤاد.
يكبر قلب المواطن فعلاً حين يدفع ورقة المئة ألف لعامل المحطّة، وهو يعلم أنّ حوالى 36000 ليرة منها ستذهب مباشرة إلى خزينة الدولة. فالمواطن الصالح لا بدّ من أن يسهم في سدّ العجز في الموازنة، وفي مساعدة الدولة التي أرهقت نفسها بالديون. المواطن الصالح سيتجاوز أسئلة من نوع: لماذا أصبح الدَّين بهذا الحجم؟ ماذا فعلت الدولة بالأموال التي استدانتها ما دامت الكهرباء ما زالت تعتمد على «موتور» الحي، ومياه الشرب لا تجري في الحنفيات؟ سيتجاوز تلك الأسئلة وغيرها، لكنّ سؤالاً واحداً يبقى ملحّاً: حين يحصل صاحب المحطّة على المئة ألف ليرة، ويقتطع منها ثمن البنزين وأرباحه ثمّ يدفع للدولة حصّتها، ماذا تفعل الدولة بتلك الحصّة؟
في الواقع، الـ36000 ليرة التي سُحبت من جيبي ستذهب مباشرةً إلى السيّد الحريري، والسيّد عودة، والسيّد الأزهري... إضافة إلى كبار المودعين في مصارفهم. فما إن تحطّ الـ36000 ليرة في خزينة الدولة، حتّى تدفعها دون تباطؤ لتلك المصارف فوائدَ على الدين العام.
قد يبدو الأمر فظيعاً نظراً لقلّة عدالته. لكنّه، رغم ذلك، يبعث على الزهو بعض الشيء. فها أنا أفتح محفظتي وأُخرج منها أوراقاً ماليّة سيتدافع أثرى أثرياء البلد لتناتُشها. أستطيع أن أتفرّج عليهم وهم يتدافعون للبقاء في السلطة حتّى يتمكّنوا من الاستيلاء على الـ36000 ليرة خاصّتي. واليوم، حين يجتمع مجلس الوزراء، سيتكالب ممثّلو المصارف داخل الحكومة للدفاع عن النظام الضريبي القائم، وعن مشروع الموازنة الذي صُمِّم خصّيصاً لنهب الـ36000 ليرة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 12 مايو 2010,12:15 م
متى يصوّت المستقبل لنفسه؟

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ١٢ أيار ٢٠١٠


الفارق بين الحاكم المتسلّط الفاشل والحاكم المتسلّط الناجح، بسيط. الفاشل يعلن تسلّطه على الملأ. يخبط بيد من حديد. يخرج إلى شعبه ويهدّدهم بالويل والثبور ما لم يطيعوه. أمّا الناجح، فيصوغ خطابه بتعفّف. يعلن نفسه أمام شعبه خادماً للتاريخ وسيرورته. يخترع عقيدة، ويصوّر نفسه كناسك يعمل ليل نهار لإعلاء شأنها.
رئيس الحكومة سعد الحريري يحاول أن يشكّل نسخة لبنانية، وإن كاريكاتورية، من النموذج المتسلّط الناجح. حملاته الانتخابيّة لم تدعُ يوماً للاقتراع لمصلحة تيار المستقبل. كأنّ هذا التيار لا وجود له إلا بصفته الضدّية، كنقيض لمشاريع وحشيّة تحاول النيل من لبنان وشعبه. أمّا رئيس التيار وأعضاؤه، فليسوا إلا جنوداً متفانين في هذه المعركة.
في الانتخابات النيابيّة عام 2005، خرج سعد الحريري على الناس لا ليطالبهم بالتصويت للائحته، بل للتصويب باتجاه صدور القتلة. لم يكن التصويت للمستقبل تصويتاً لآل الحريري، بل كان تصويتاً للسيادة والاستقلال وللثأر من «الإرهابيّين» الذين كانوا معروفين بالأسماء والصور قبل أن يصبحوا فجأة مجهولين تماماً. رجل الأعمال الشاب الذي جاء إلينا من السعوديّة لينصّب نفسه حاكماً مكان أبيه المغدور، لم يكلّ من الترداد أمام جماهيره «أنا بالروح وبالدم بفديكم»، كلّما هتفوا له «بالروح، بالدم، نفديك يا سعد»... يا لتواضع الحاكم.
في الانتخابات النيابيّة عام 2009، كان جرح 7 أيّار لا يزال طريّاً. خرج سعد الحريري على الناس لا ليطالبهم بالتصويت للائحته، بل للتصويت ضدّ سلاح حزب اللّه. وردّد حلفاؤه الصغار «الأشرفية لا تركع إلا للّه، ولا تركع لحزب اللّه»...
في الانتخابات البلديّة، كانت سوريا قد عادت شقيقة، وسلاح حزب اللّه شُرِّع وجوده في البيان الوزاري للحكومة التي يترأسها الحريري نفسه. فأيّ شعار سيُرفَع بعد اليوم؟ وجدها كتبة قريطم أخيراً. إنّها المناصفة. التصويت للائحة الحريري يعني اليوم التصويت للمناصفة. أي لائحة منافسة... أي دعوة للمقاطعة... أي رفض للتوافق... يعني ضرب العيش المشترك في العاصمة.
باتت المناصفة التي يفترض أن تعني مشاركة جميع الطوائف بالقرار، هي بالضبط السلاح بيد تيّار المستقبل لإرغام الآخرين على التخلّي طوعاً عن حقّهم بالمشاركة، حفاظاً على... المناصفة! عليكم أن تشاركوا إذاً كي يسقط حقّكم بالمشاركة...
لكن يبقى الأمر المحيّر فعلاً، هل سيدعونا تيار المستقبل يوماً للتصويت له بدلاً من التصويت دائماً ضدّ طواحين الهواء؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 11 مايو 2010,12:14 م
احتكار المستقبل (والماضي)

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١١ أيار ٢٠١٠


بعد شربل نحّاس، جاء دور زياد بارود.
الأبواق التي فبركت الأضاليل محاولةً دفع وزير الاتصالات إلى الاستقالة، هي نفسها التي هدّدت وزير الداخليّة بإنهاء مستقبله السياسي. طبعاً لن تذهب الحملة على بارود إلى نهايتها. فهو، في النهاية، محسوب على رئيس الجمهورية، فيما نحّاس محسوب على العماد ميشال عون. لكنّ ذلك لا يلغي أوجه الشبه بين الحملتين.
فما يمكن استنتاجه من السجال المستقبلي ـــــ البارودي، هو أنّ تيّار المستقبل، المصدوم أصلاً بنسبة الاقتراع المتدنّية في بيروت، لم يتحمّل ربط ذاك التدنّي بغياب النسبية. وعبّر عن ضيقه هذا بتنبيه وزير الداخلية إلى أنّ قريطم، لا سواها، هي التي تحدّد مستقبل الوزراء.
في الواقع، لا يختلف تيّار المستقبل عن سواه من الحركات السياسيّة التي تحاول إقفال مناطق وطوائف بأكملها. حركات كهذه لا يمكنها أن تقبل بالنسبيّة لأنّ مشروعها واستمراريّتها قائمان على احتكار التمثيل. ولا يعنيها تعويض ما تخسره في منطقتها بما قد تعوّضه عليها النسبيّة في مناطق أخرى.
لا يتحمّل المستقبل شراكةً في القرار في بيروت. هذا خبر قديم. أمّا الخبر الجديد، فهو أنّه لا يتحمّل شراكة رئيس الجمهورية في اختيار الوزراء، إلا إذا كان هؤلاء من النوع الذي لا يهشّ ولا ينشّ (وبعض وزراء رئيس الجمهورية المرضيّ عنهم هم من هذا النوع فعلاً)، أو من النوع الذي يقضي وقته محاولاً إرضاء جميع الأطراف السياسيين (لا مشكلة مع بارود حين يؤدّي هذا الدور).
وإذا كان احتكار التمثيل السياسي وراء الهجوم المنظّم على بارود، فإنّ احتكارات اقتصاديّة هي التي قادت الحملة على نحّاس. ومن حيث لا يدري، تبرّع نائب مستقبليّ لشرح أسباب الحملة. فلم يرَ فيها «حملة سياسية بل حملة اقتصادية إصلاحية تحريرية لقطاع الاتصالات». فالقصّة لا علاقة لها إذاً بتقرير عن اتفاقية أمنية، بل بإزاحة وزير يرفض التوقيع على صكّ تنازل عن ممتلكات الدولة من أجل تحقيق بعض المحتكرين أرباحاً طائلة.
لقد اعتادت المصارف وكبار المودعين الربح السهل والسريع الذي يحققه إقراض الدولة عبر سندات الخزينة. اشترِ سنداً، وغُطّ في سبات عميق. وحين تفتح عينيك، ستجد ثروتك وقد تضاعفت. أمّا حين تتوقّف الدولة لبُرهة عن الاستدانة، فترتفع صرخة الأموال المكدّسة في المصارف. اسألوا قريطم. لديها الحل. فلنشترِ ممتلكات الدولة، وبأسعار بخسة. وهي ممتلكات ذات طبيعة احتكارية. الربح فيها سهل ومضمون. والرابحون حيتان جشعة لن تضع رقبتها تحت رحمة وزير.
لقد حاول تيّار المستقبل خلال الأعوام الخمسة الماضية احتكار الماضي، عبر فرض روايته الرسميّة للحقبة السوريّة في لبنان. أمّا اليوم، فالمستقبل ماضٍ في مشروعه لاحتكار المستقبل.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 10 مايو 2010,12:12 م
مخاتير السياسة وسياسة المخاتير

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٠ أيار ٢٠١٠


تسيل الدموع جرّارةً على السياسة في لبنان. يُقال إنّ الأفكار الكبرى تمرّغت في التراب، إذ باتت الأحزاب اللبنانية تتدافع من أجل الحصول على مختار. لكن، ماذا لو كانت معركة المخاتير السياسية تعني بالضبط عكس ما هو ظاهر منها. أي إنّ التنافس على المخترة ليس دليلاً على انحدار السياسة، بقدر ما هو دليل على أنّ السياسة عندنا لم تكن يوماً إلا سياسة مخاتير...؟
فلنعد قليلاً إلى الانتخابات النيابيّة لنرى حجم السياسة فيها. ثمّة فريق خاض الانتخابات بناءً على انتمائه إلى تحالف 14 آذار. وبعد الانتخابات مباشرة، جيّر ثقة الناخبين إلى مكان آخر. وثمّة فريق خاض الانتخابات بناءً على شعارات شديدة الأهميّة، لكنّه ما لبث أن تنازل عنها طوعاً ما إن أُقفلت صناديق الاقتراع. وثمّة فريق خاض الانتخابات رفعاً للعتب، وهو الذي أقفل منطقته بتحالف حديديّ. وفي النهاية، ذهب الجميع إلى حكومة لم تحقّق إنجازاً واحداً بعد.
النائب هو مختار. والمختار هو نائب. النكتة الكبرى حين يقال عن المجالس البلدية إنّ دورها إنمائي، كأنّ المجلس النيابي دوره تشريعي. كأنّ النوّاب لا يقضون أيّامهم في متابعة معاملات الناس وتوظيف أبنائهم والبحث عن شاحنة زفت.
المختار ليس صاحب ختم وحسب. إنّه غالباً القناة بين المواطن والزعيم، تماماً كما الزعيم هو القناة الإجباريّة بين المواطن والدولة. من دون حلقة المختار، ينهار النظام اللبناني القائم على الزبائنية. ذاك النظام الذي يجعل الحصول على خدمة عامّة مقترناً دائماً بالتملّق للزعيم، أو بالانتساب إلى جماعته.
نكتة أخرى هي العائليّة. كأنّ هذه الظاهرة طلعت فجأةً علينا مع الانتخابات البلديّة. ألم ينتبه اللبنانيون إلى أنّنا منذ الاستقلال محكومون في السياسة والاقتصاد من قبل عائلات معدودة، وأنّ معظم القوانين التي تصدر في الجمهورية اللبنانية إنّما تصدر لحماية بعض العائلات، وأنّ هذه العائلات الكبرى مرتبطة بعائلات أصغر تعتاش على فتات موائدها؟
لعلّ الفارق الأساسيّ بين الانتخابات البلدية والنيابية هو حجم إثارة العصبيّات الطائفية. فانتخاب المخاتير والمجالس البلدية غالباً ما يحصل في مناطق لا اختلاط طائفياً فيها. ولمّا كانت العصبيّات الطائفيّة هي القناع الذي يستر «ميزاتنا» الأخرى، تنحسر سائر عصبيّاتنا لحظة دقّ النفير الطائفي. أمّا في هذه الانتخابات، فالجماعات تطلق العنان لحريّتها... وأحياناً حريّتها من الطائفيّة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 5 مايو 2010,12:10 م
«غمّيضة» العائلات والأحزاب

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٥ أيار ٢٠١٠


ما إن انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، حتّى اختفى الحديث عن الطابع الإنمائي للبلديات. السياسيون أنفسهم الذين أباحوا لأنفسهم المحظورات في التحالف وتأليف اللوائح بحجّة أنّ المعركة غير سياسية، عادوا وعلّقوا على نتائج الانتخابات مستخلصين منها العِبر السياسية. هكذا انتشى البعض لما اعتبره انتصاراً لخطّه السياسي، فيما جهد البعض الآخر لتبرير خسارته.
ميشال عون، مثلاً، رأى أنّ معارك البلديات أثبتت أنّ الرابية لا تزال مرجعية جبل لبنان. وفي المقابل، رأى سمير جعجع أنّ البلديات أثبتت أنّ أكثر من نصف سكان جبل لبنان مؤيّدون لمشروع 14 آذار. لكن، إن كان الوضع كذلك، فلمَ لم تُخَض الانتخابات بشعارات سياسيّة؟
الواقع أنّ وضع العائلات في مواجهة الأحزاب في الانتخابات البلدية ليس دقيقاً تماماً. فالأحزاب في جزء كبير من تكوّنها، ما هي إلا تجمّع للعائلات. قلّة من الأفراد في لبنان هم الذين ينهضون صباحاً ويجرون بعض الحسابات الفكرية والمصلحية، فيقرّرون الانتساب إلى حزب ما. ولذلك، لم تقم معظم الأحزاب السياسية بأي دور لمكافحة بنى المجتمع التقليدية. فشكّلت إطاراً واسعاً لا ينضوي تحته الأفراد، بل الجماعات التقليدية نفسها.
لم تنجح الأحزاب تالياً في التحوّل إلى مؤسسات. وهي غالباً ما تُختصَر بشخص الزعيم الأوحد. ويصبح الزعيم هو القناة بين العائلات والطوائف من جهة، وبين أجهزة الدولة من جهة أخرى. فالعائلات بحاجة إلى الزعماء والأحزاب لتتفاهم مع أجهزة الدولة الحديثة، تلك الأجهزة التي يفترض أنّ آلياتها لا تعترف بحقوق جماعة تدعى العائلة، أو بحاجات خاصة لتلك الجماعة. لذلك، يعيش لبنان ما يشبه المفاوضات الدائمة، إذا جاز التعبير، بين الدولة والعائلة. وهي مفاوضات يتولّاها الزعيم شخصياً (ميشال المر نموذجاً) أو الحزب في أحيان كثيرة (حماية أحزاب لبعض المطلوبين من الدولة).
ثمّة ما يشبه لعبة «الغمّيضة» بين الحزب والعائلة في لبنان. تتلطّى العائلة خلف الحزب لتفاوض الدولة، ويتلطّى الحزب خلف العائلة ليفاوض القرية. وفيما يقال إنّ العالم يتّجه ليصبح قرية كونيّة كبيرة، ها هو لبنان ينكفئ ليصبح قرية صغيرة. وفي خضمّ ذلك، يحدّثونك عن نسبة الاقتراع!


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 3 مايو 2010,12:07 م
كترمايا أكثر من قرية

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ٣ أيار ٢٠١٠


لم يستطع النهار الانتخابي الطويل، أمس، محو الصور الفظيعة التي جاءت من كترمايا. لا بل يشعر المرء بعبثيّة العمليّة الانتخابيّة في بلاد يرقص أهلها فوق الجثث المشوّهة. طعن بالسكاكين، سحل، تعليق على عمود الكهرباء، تصوير بعدسات أجهزة الخلوي، ورفع رايات النصر فوق جثّة عامل مصري متّهم بارتكاب جريمة مروّعة.
مشهد من هذا النوع لا يمكن ردّه إلى «غضب الأهالي» وحسب. وإن لم يكن من عذر أو أسباب تخفيفيّة لكلّ من أسهم في التمثيل بجثّة المواطن المصري محمد مسلّم، فإنّ ما لا يمكن إغفاله هو أنّ كلّ هذا العنف الذي تفجّر بطريقة وحشيّة، يشترك في إثمه كثيرون من خارج القرية الصغيرة.
فالشعب اللبناني برمّته خضع لعمليّة حقن مستمرّ على امتداد الأعوام الخمسة الماضية، وهو الذي لم يشفَ بعد من آثار الحرب الأهليّة. وفي لحظة التوتّر القصوى، جاء من ضبّ الناس في بيوتهم، وكمّ أفواههم، شرط البقاء على أهبة الاستعداد لجولة عنف أخرى يمثّلون فيها جيشاً احتياطياً. بصورة كاريكاتوريّة، يمكن القول إنّ الحرب الأهليّة الباردة انفجرت فجأةً في وجه العامل الغريب.
ففي ما حصل في كترمايا شيء من صراخ 2005 التحريضي ضدّ نصف الشعب اللبناني، كأنّ هذا النصف هو المسؤول عن اغتيال رفيق الحريري. وفيه أيضاً شيء من أحداث الجامعة العربية. وفيه أيضاً شيء من أحداث السابع من أيّار. تلك الأحداث التي جرى استيعابها سياسياً، لكنّها راسخة في الذاكرة الجماعيّة. وفيه أيضاً الكثير من التسامح حيال العنصريّة الممارسة بحق كلّ عامل أجنبي.
للأسف، أركان الدولة مستمرّون في اللعب بالنار. نائب عن المنطقة كان قد دعا دون خجل، قبل وقت قصير من الجريمة، إلى الاقتصاص من المواطن المصري في ساحة القرية. بيان قضائي يصدر بعد الحادثة كأنّ كلّ همّه محاسبة من تعرّض لعناصر قوى الأمن الداخلي لا مَن سحل محمد مسلّم. وزير أبدى تفهّمه لغضب الأهالي، وآخر انضمّ إلى رئيس الجمهوريّة في إدانة ما حصل باعتباره يسيء إلى صورة لبنان في الخارج!
إذا أضفنا إلى ردود الفعل هذه، التباطؤ في إلقاء القبض على مرتكبي الفعل الشنيع، نصبح أمام واقع أكيد: كترمايا أكثر من قرية. كترمايا هي لبنان حين يتجرّأ على النظر إلى نفسه في المرآة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments