الاثنين، 3 مايو 2010,12:07 م
كترمايا أكثر من قرية

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ٣ أيار ٢٠١٠


لم يستطع النهار الانتخابي الطويل، أمس، محو الصور الفظيعة التي جاءت من كترمايا. لا بل يشعر المرء بعبثيّة العمليّة الانتخابيّة في بلاد يرقص أهلها فوق الجثث المشوّهة. طعن بالسكاكين، سحل، تعليق على عمود الكهرباء، تصوير بعدسات أجهزة الخلوي، ورفع رايات النصر فوق جثّة عامل مصري متّهم بارتكاب جريمة مروّعة.
مشهد من هذا النوع لا يمكن ردّه إلى «غضب الأهالي» وحسب. وإن لم يكن من عذر أو أسباب تخفيفيّة لكلّ من أسهم في التمثيل بجثّة المواطن المصري محمد مسلّم، فإنّ ما لا يمكن إغفاله هو أنّ كلّ هذا العنف الذي تفجّر بطريقة وحشيّة، يشترك في إثمه كثيرون من خارج القرية الصغيرة.
فالشعب اللبناني برمّته خضع لعمليّة حقن مستمرّ على امتداد الأعوام الخمسة الماضية، وهو الذي لم يشفَ بعد من آثار الحرب الأهليّة. وفي لحظة التوتّر القصوى، جاء من ضبّ الناس في بيوتهم، وكمّ أفواههم، شرط البقاء على أهبة الاستعداد لجولة عنف أخرى يمثّلون فيها جيشاً احتياطياً. بصورة كاريكاتوريّة، يمكن القول إنّ الحرب الأهليّة الباردة انفجرت فجأةً في وجه العامل الغريب.
ففي ما حصل في كترمايا شيء من صراخ 2005 التحريضي ضدّ نصف الشعب اللبناني، كأنّ هذا النصف هو المسؤول عن اغتيال رفيق الحريري. وفيه أيضاً شيء من أحداث الجامعة العربية. وفيه أيضاً شيء من أحداث السابع من أيّار. تلك الأحداث التي جرى استيعابها سياسياً، لكنّها راسخة في الذاكرة الجماعيّة. وفيه أيضاً الكثير من التسامح حيال العنصريّة الممارسة بحق كلّ عامل أجنبي.
للأسف، أركان الدولة مستمرّون في اللعب بالنار. نائب عن المنطقة كان قد دعا دون خجل، قبل وقت قصير من الجريمة، إلى الاقتصاص من المواطن المصري في ساحة القرية. بيان قضائي يصدر بعد الحادثة كأنّ كلّ همّه محاسبة من تعرّض لعناصر قوى الأمن الداخلي لا مَن سحل محمد مسلّم. وزير أبدى تفهّمه لغضب الأهالي، وآخر انضمّ إلى رئيس الجمهوريّة في إدانة ما حصل باعتباره يسيء إلى صورة لبنان في الخارج!
إذا أضفنا إلى ردود الفعل هذه، التباطؤ في إلقاء القبض على مرتكبي الفعل الشنيع، نصبح أمام واقع أكيد: كترمايا أكثر من قرية. كترمايا هي لبنان حين يتجرّأ على النظر إلى نفسه في المرآة.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: