الاثنين، 19 أبريل 2010,11:59 ص
للأزمة أمّ وأب

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٩ نيسان ٢٠١٠


لا يزال العالم يعيش في قلب الأزمة المالية. ويبدو أنّ محاولات محو آثار الجريمة لم تعد تنطلي على الجميع. فالأزمة لم تأتِ نتيجة كارثة طبيعيّة، أو قانونٍ علميّ، أو طبيعة إنسانيّة.
مصرف غولدمان ساكس العريق يواجه اليوم تهمة خداع زبائنه. لقد أخفى عنهم معلومات، على ما يبدو، وباعهم أسهماً لم يكن واضحاً ارتباطها بالرهون العقاريّة التي أدّت إلى الأزمة المالية العالمية. الفضيحة، كما يرى المحلّلون، ستهزّ مصارف أخرى. فغولدمان ساكس لم يكن وحده في الميدان.
وتأتي هذه الاتّهامات لتضاف إلى تهمة علاقات المصرف المشبوهة بالحكومة اليونانية، التي أدّت إلى تفاقم مشكلة الدين العام في اليونان.
لكنّ فضائح غولدمان ساكس غير مرتبطة بما قبل الأزمة وحسب، بل تمتدّ إلى ما بعدها. إذ اتهم المصرف باعتماد المحسوبيات في إنقاذ مجموعة التأمين «إيه آي جي»، «لاهفاً» بذلك نحو 13 مليار دولار من أصل 52 ملياراً من الأموال العامّة التي خُصِّصت لتجنيب «إيه آي جي» الإفلاس. أضف إلى ذلك محاولة المصرف نفسه عدم خفض مكافآت موظّفيه بعد الأزمة المالية، لا بل زيادتها.
قضيّة غولدمان ساكس معبّرة في أكثر من اتّجاه. فهي، أوّلاً، تؤكّد كيف أنّ الأزمات في نظامنا الاقتصادي هي مجرّد مناسبات للحيتان الكبرى كي تبتلع ما لم تتمكّن من ابتلاعه قبل الأزمة. هكذا يمكن القول إنّ الأزمة المالية أتاحت لغولدمان ساكس وسواه من المصارف الكبرى الاستحواذ على أموال عامّة دفعها المواطنون كضرائب، في عمليّات مشبوهة لم تكن متاحة من قبل (إنقاذ «إيه آي جي» نموذجاً).
والقضيّة، ثانياً، تؤكّد أنّ الأزمة لم تمثّل نهاية لمشروع النيوليبراليّة القائم على توزيع الدخل من الأقلّ ثراءً إلى الأكثر ثراءً، بل باتت دفعاً لهذا المشروع إلى حدوده القصوى. فصفقة الفساد التي يواجَه بها غولدمان ساكس، حقّق بموجبها ملايين الدولارات التي يوجد من خسرها على الطرف الآخر من المعادلة. وكذلك ما جناه في عملية «إيه آي جي»، يوجد من خسره على الضفّة الأخرى. الفارق أنّ الصفقة الثانية أتاحت النهب على مستوى لم يكن متاحاً من قبل.
لكن، يبقى الأهمّ أنّ ثمّة اقتناعاً بدأت تكبر مساحته، هو أنّ الأزمة الماليّة لها أمّ وأب، ولها ضحاياها أيضاً. وهي في ذلك لا تختلف عن فضيحة الدين العام في اليونان أو لبنان، حيث الأم والأب معروفان. يبقى أن يشار إليهما بالأصابع، بأصابع ضحاياها تحديداً.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: