الخميس، 31 ديسمبر 2009,7:42 م
2010 أحدث موديلا
خالد صاغية
الأخبار عدد الخميس ٣١ كانون الأول ٢٠٠٩


رغم ما حملته السنوات الماضية من مآسٍ وتوتّرات، لا بدّ من الاعتراف بإيجابيّات ظهور نماذج طريفة من الأفراد والمواقف لم يكن لها أن تتصدّر الشاشات لولا الاحتقان الذي ساد في البلاد.
لدينا مثلاً المثقّف الذي دخل بخفّة لا تحتمل إلى حاشية السلطان. آثار الأقدام على بذلاته الجديدة لا تزال ظاهرة. يحاول تنظيفها كلّ يوم، لكنّها تعود بعناد غريب لتذكّره بماضٍ كلّما تناساه، ازداد تلعثماً وتأتأةً.
لدينا المهرّج الذي لا يُضحك أحداً. لكنّه مستعدّ دائماً لسعدنات على الشاشات. يتحدّث في السياسة كمن يقلي بيضةً عند الصباح، وينحطّ إلى التحريض الطائفي بحماسة من يضغط على أزرار «البلاي ستايشن».
لدينا كدسة من المحلّلين السياسيّين الذي يبدأون من قراءة الوضع في رأس النبع لينتهوا في البيت الأبيض، مروراً بالثورة الخضراء وقبائل البشتون. ربطات العنق مشدودة بإحكام، والنبرة واثقة من نفسها تماماً. لكنّ شيئاً ما يوحي دائماً أنّ هذا الولد أو ذاك قد قرأ ورقتين على موقع للإنترنت قبل التحدّث بصفته خبيراً.
لدينا عشرات من الضبّاط المتقاعدين الذين سمَّوا أنفسهم المحلّلين الاستراتيجيّين. فالاستراتيجيا، بحسب هؤلاء، ترداد لأنواع الأسلحة المستخدمة في الحروب. الهيبة العسكريّة لا تتركك تتشكّك لحظةً في عمق ما يدلون به وهم يلوكون الهواء.
لدينا بناة الدولة أيضاً. وهم غالباً من الزاحفين على بطونهم أمام صغار ضبّاط الاستخبارات، ومن مقبّلي الأيادي في بلاطات الذلّ.
لدينا أخيراً أحمد فتفت. إنّه غنيّ عن التعريف. الخيل والليل ومرجعيون تعرفه. لكنّه لا ينفكّ يزيد على مآثره مآثر. آخر ابتكاراته نظريّات في «نعمة» الطائفيّة. وهي توجّهات جديرة بالنقاش لو لم تصدر عن فتفت بالذات، الذي كان لعابه يسيل كلّما تحدّث عن الفتنة المذهبيّة. لقد اكتشف فتفت أخيراً أنّ «الاستخدام السيّئ للطائفية السياسية هو المشكلة»، لكن «كل طائفة عليها مسؤولية اختيار الأفضل وتقديمه إلى الدولة. وعندها سنكتشف أن الطائفية السياسية نعمة في هذا البلد».
اللّهمّ أدِم هذه النعمة علينا. فمَن عنده الطوائف، ما حاجته إلى الدولة أصلاً؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009,9:41 م
لون السماء في بلاد بلا لون

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٢٩ كانون الأول ٢٠٠٩


حين رفع تيّار المستقبل الشعار الانتخابي «لن ننسى والسما زرقا»، تعرّض لانتقادات من بعض الخصوم. فقد اتُّهِم بإعادة نكء الجراح التي يُفترض أن يكون قد طواها اتفاق الدوحة، وبخوض المنافسة الانتخابيّة بروح ثأريّة تكرّس العداء بين اللبنانيين، ولا تحمل وعداً بطيّ صفحة الماضي الأليم. وما زاد من حدّة هذه الانتقادات هو الاعتقاد بأنّ فوز «المستقبل» الانتخابي سيُترجَم حتماً بحكومة يترأسها رئيس التيّار سعد الحريري، ممّا يعني أنّ الرجل الذي كان يعدّ نفسه آنذاك لتبوّء منصب رئيس حكومة كلّ لبنان، خاض حملته الانتخابية بناءً على شعارات تصبّ الزيت على نار الخلافات بين اللبنانيين، وهي خلافات اتّخذت طابعاً طائفياً لا يخفى على أحد.
لقد ثبت أنّ أولئك المنتقدين كانوا على خطأ. فقد ركّزوا على الجزء الأوّل من الشعار، وأغفلوا الجزء الثاني. لقد صبّوا جام غضبهم على مقولة «لن ننسى»، ولم ينتبهوا إلى «السما زرقا». فعلى ما يبدو، لم يكن هدف الحملة تعبئة الناخبين ضدّ من قام بأحداث 7 أيّار، ودفعهم إلى أن يتذكّروا دائماً أنّ ثمّة «عدوّاً» لا يكتفي بالانتماء إلى طائفة أخرى، بل يتّخذ من مقاومة إسرائيل ذريعة لتخزين السلاح من أجل استخدامه في الداخل (هناك من يحاول لحس مواقفه السابقة عبر اعتبار أنّ مشكلة سلاح المقاومة هي استخدامه في الداخل خلال أحداث 7 أيّار، والتغافل عن واقع أنّ الهجوم على المقاومة وسلاحها بدأ قبل 7 أيّار بكثير، وأنّ 7 أيّار نفسها جاءت بعد إعلان حكومة فؤاد السنيورة شنّ حرب رسميّة على شبكة اتّصالات المقاومة).
لم تكن الـ«لن ننسى» إذاً هي الأساس في خطّة «المستقبل»، بل «السما زرقا». كان مجرّد شعار جميل لجذب الجمهور إلى اللون الأزرق، تماماً كما يمكن أيّ حزب شيوعي أن يرفع شعار «والوردة حمرا». فبعد مرور ستّة أشهر على الانتخابات، بدأت تظهر لافتات في بعض المدن اللبنانية تحمل شعار «مع المصالحة والسما زرقا». وغداً، ربّما، سيصبح الشعار «مع المقاومة، والسما زرقا». أو، ربّما، «مع وحدة المسار والمصير، والسما زرقا».
لقد كان الخلاف على لون السماء يا شباب. أمّا اليوم، فالمهمّ أن تبقى «السما زرقا»، ما دامت تقبع تحتها مدينة تملك وسطَها التجاري السلالة الحاكمة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 24 ديسمبر 2009,10:04 ص
كمن يذهب إلى الحجّ...

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ٢٤ كانون الأول ٢٠٠٩


لم تتّضح بعد التوازنات التي ستنشأ داخل الحكومة الجديدة، وخصوصاً بعد زيارة الرئيس سعد الحريري إلى دمشق وإعادة التموضع الوسطي للنائب وليد جنبلاط. لكنّ ما جرى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة يدقّ جرس الإنذار. فثمّة إشارات توحي كأنّ الوضع سيستقرّ على ما كان عليه قبل 2005 حين كان تقسيم العمل قائماً بين المقاومة و«الإعمار».
ثمّة من يحاول صرف زيارة الحريري في سوق استكمال النهب المنظّم تحت قاعدة «وفّروا للرئيس الشاب كلّ التسهيلات حتّى يعود إلى رشده»! والخوف أن تكون التسهيلات تعني غضّ النظر عن المضيّ في إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني بما يتلاءم مع الوصفات النيوليبرالية السيّئة الذكر.
لقد تُرِك الوزيران المعنيّان بالكهرباء والاتصالات في الجلسة الأخيرة شبه يتيمَيْن، من دون دعم أعضاء التكتّل الواحد، فيما أشاح الحلفاء بنظرهم إلى الفراغ. ومرّت اعتراضات وزير النقل والأشغال العامّة على إمبراطوريّة مجلس الإنماء والإعمار، مرور الكرام. واكتفى الجميع بالاستماع إلى رئيس الحكومة وهو يعلن أن لا تنازل عن صلاحيات ذاك المجلس.
الأساطير نفسها تُحاك من جديد حول مسائل أقلّ ما يقال فيها أنّها ملتبسة. فما بقي من باريس ــ3، والتصريحات المتعجرفة لوزيرة الاقتصاد الفرنسية، لا تخفي نيّات وضع اليد على الخدمات الأساسية التي تطال الحياة اليومية للمواطنين اللبنانيّين. وعلى طريقة الذاهبين إلى الحجّ «والناس راجعة»، يذهب سعد الحريري اليوم إلى الخصخصة بما تعنيه من نقل احتكار الكهرباء من الدولة إلى القطاع الخاص، ومن حرمان للدولة من موردها الأساسي المتأتّي من قطاع الاتصالات. وكلّ ذلك تحت ستارة الوعود بجنّة «المساعدات» التي لم يعرف رئيس الحكومة أن يميّز بين ما هو قروض منها وما هو هبات متخيّلة.
على المعارضة السابقة أن تحسم سريعاً أمر تجربتها في الحكم. فإمّا أنّ العماد ميشال عون قد جاء بوزراء من أجل الدفع نحو الإصلاح والتغيير، وإمّا أنّه يسعى وراء المشاكسة في المواضيع الاقتصادية والاجتماعية للتضحية بها في ما بعد ربطاً بمكاسب سياسيّة. وإمّا أنّ حزب اللّه يريد أن يقدّم تجربة مختلفة في الحكم، وإمّا أنّه سيتصرّف على طريقة «وكفى الله المؤمنين شرّ القتال». فما دام السلاح خارج النقاش، فليملأ الدنيا الطوفان!


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 23 ديسمبر 2009,10:06 ص
ليس مسرحاً إغريقيّاً

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٢٣ كانون الأول ٢٠٠٩


استبق سياسيّون من تيّار المستقبل زيارة الرئيس سعد الحريري إلى دمشق بالتأكيد أنّ الاتّهام السياسي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يزال هو نفسه، وأن الزيارة لا تعني تراجعاً عن هذا الاتّهام. وقد أراد أولئك السياسيّون أن ينقذوا ماء وجه الحريري أمام مناصريه. فالإصرار على الاتّهام يعني أنّ صراخ الساحات لم يذهب سدى بمجرّد حصول الزيارة، وأنّ الحريري لم يكن مخطئاً في ما فعله خلال السنوات الخمس الفائتة، وأنّه لم يضلّل جمهوره، ويطلب منه تضحيات سرعان ما بدّدها.
لكن ما لم ينتبه إليه أولئك السياسيّون المخلصون هو أنّ إصرارهم على عدم تنازل الحريري عن اتّهام سوريا والرئيس بشار الأسد لا يعدّ خدمة لرئيس الحكومة الشاب، بقدر ما يمثّل إحراجاً إضافياً له. فلو كان الحريري تراجع عن اتهامه بانتظار صدور قرار المحكمة الدولية، بدلاً من التمسّك باتهامه بانتظار ذاك القرار، لكان مفهوماً أن يزور سوريا ويصافح الرئيس بشار الأسد، ويبيت في منزله. أمّا من دون التراجع عن ذاك الاتهام، فقد وضع المدافعون عن الحريري زعيمَهم في قفص اتهام أخلاقيّ. فأيّ أمر في الدنيا يستدعي أن يصافح رجل قاتل أبيه؟ أتراه الحفاظ على إرث «سوليدير» التي تدخّل العالم لحمايتها خلال حرب تمّوز، فيما كان الأطفال يُقتلون بدم بارد؟ أم النزول عند رغبة «خادم الحرمين الشريفين» الذي لا يزال يفضّل أن تتولّى عائلة الحريري تمثيل نفوذ مملكته في لبنان؟
يحاول السياسيون المخلصون أنفسهم إخراج الحريري من هذا المأزق الأخلاقي عبر تصوير زيارته كتضحية يقوم بها الرئيس الشاب من أجل وطنه. فقد عضّ على الجرح، وصافح من يفترضه قاتل أبيه، للمساهمة في إرساء علاقات لبنانية ـــــ سورية طبيعيّة، لا يمكن البلاد أن تسيّر أمورها من دونها. لكن ما يسهو عن بال هؤلاء أنّه ما من قدر يفرض على الحريري الابن أن يكون لاعباً سياسياً. والمقارنة لا تجوز مع وليد جنبلاط الذي زار دمشق بعد اغتيال والده. فلا الزمن زمن حرب أهليّة، ولا الحريري سليل زعامة إقطاعيّة التصق تاريخها بتاريخ طائفة أقلّويّة.
ثمّة من يحاول تصوير سعد الحريري اليوم بطل تراجيديا إغريقيّة. أمّا الواقع، فهو أنّنا في مسرح الدمى.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009,10:09 ص
حفلة سمر من أجل 14 شباط

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٢٢ كانون الأول ٢٠٠٩


حين اغتيل الرئيس رفيق الحريري، واتّهمت أطراف لبنانية النظام السوري بالتخطيط للجريمة، علت الأصوات المطالبة بتعليق المشانق، ونُظِّمت الاعتصامات والكرنفالات. لكن، بعيداً من ضوضاء ساحة الشهداء، وتحت تأثير الشعارات العنصريّة التي رُفعت في الساحة، كانت جرائم أخرى تنفَّذ في أكثر من مكان على الأراضي اللبنانية. لا نعرف بالضبط عدد الذين سقطوا. ولا نعرف أسماءهم. ما نعرفه أنّه ما من أحد أعلنهم شهداء، وما من أحد طالب بكشف من خطّط ونفّذ جرائم اغتيالهم. ما نعرفه أنّهم جاؤوا إلى لبنان بحثاً عن لقمة العيش، وارتضوا العمل في ظروف صحية وإنسانية لم تكن دائماً لائقة. ما نعرفه أنّ الكثير من المباني التي ترتفع في وسط بيروت قد بُنيت بتعبهم وعرقهم.
انتهت حفلة السمر من أجل 14 شباط. ذهب سعد رفيق الحريري إلى دمشق، ونام في سرير بشّار الأسد. تعشّيا معاً، وتروّقا معاً، وكزدرا في شوارع دمشق معاً. أمّا وليد جنبلاط، فمشغول هذه الأيّام بتنفيذ دفتر الشروط قبل تحديد «موعد مع الرئيس». لندع الكبار وشأنهم. لهم أسبابهم الوجيهة في ما يفعلون. يمكنهم أن يتّهموا من يشاؤون، وأن يتراجعوا عن الاتهامات، أو أن يتمسّكوا بها ويصافحوا أعداءهم بصدر رحب، وهم يعتقدون أنّ ثمّة قطيعاً من البشر يهتف لهم «بالروح، بالدم» كلّما طلع الصباح.
لكن، هناك، في المناطق النائية والأرياف، لا بدّ من الاحتفاظ بخزّان احتياطيّ. لا بدّ من أبواق تستمرّ في التحريض، وفي حقن مشاعر الناس بعيداً من شاشات التلفزيون، ريثما تتمّ آخر مراسم المصالحة، وتتبدّد الشكوك، فيجري الاستغناء عن لاعبي المقاعد الخلفيّة. هؤلاء الأخيرون لم يكفّوا عن ترداد خطاباتٍ كلّما فرغ مضمونها السياسي، ازداد مقدارها التحريضي.
هكذا، ومرّة أخرى، يدفع العمّال السوريّون أنفسهم ثمن اللعبة. عبد الله عواد (17 عاماً) لم تدُم رحلته من الرقّة إلى لبنان طويلاً. سقط، أمس، في دير عمار بعدما أُطلقت النار على باص سوريّ. الباص نفسه، ربّما، كان قد تعرّض للاعتداء في 2005. الباص نفسه، ربّما، كان قد تعرّض للرجم بالحجارة في «المنطقة الشرقيّة» أيّامَ الجيش السوري في لبنان. كلّما ازداد الانحناء أمام رأس النظام، ازداد الحقد على المواطنين الفقراء.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 21 ديسمبر 2009,10:11 ص
1001

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ٢١ كانون الأول ٢٠٠٩


ها نحن نجتاز عتبة الألف عدد. الطريق كانت مليئة بالحواجز والمفاجآت. مفاجآت حزينة، وأخرى سارّة. لكنّ المفاجأة الأهمّ كانت القرّاء أنفسهم. هؤلاء الذين أبدوا منذ العدد الأوّل حماسةً للمشروع غير المكتمل، والذين تسامحوا مع أخطائنا ومع تعثّراتنا. لكن أيضاً أولئك القرّاء الذين أشبعوا «الأخبار» شتماً واتّهامات زور، قبل أن يصبحوا «مرغمين» على قراءتها كلّ صباح. لكم أنتم أيّها القرّاء تدين «الأخبار» باستمراريّتها وتطوّرها. فكلّ خطوة تجديديّة نقدم عليها بترقّب وتردّد، وإذا بردود الفعل تشجّعنا على المزيد من المغامرات. والواقع أنّنا كنّا على ثقة منذ البداية بأنّ تراجع الصحافة لم يبدأ مع التلفزيون، ولن تزيده حدّةً مواقع الإنترنت. تراجع الصحافة بدأ مع تخاذل الصحف، ومع رضوخ صحافيّين لا للهراوات وحسب، بل أيضاً للإغراءات المادية وللذوق السائد.
لقد قطعت «الأخبار» في العام الأخير شوطاً كبيراً صوب المهنيّة، وهي التي راهنت منذ البداية على إمكان الوصول إلى نقطة توازن بين الخط السياسي الواضح والالتزام بقواعد مهنيّة صارمة.
كذلك باتت «الأخبار» في تغطيتها السياسية اللبنانية والعربية والدولية أقرب إلى الصورة التي رسمتها لنفسها، أي إهمال التصاريح الهامشية والاستقبالات الرسمية لمصلحة المواد الخاصة من تحقيقات وتحليلات وتعليقات. لن يحدّد السياسيّ بعد اليوم جدول أعمال أيّ صحافيّ في «الأخبار»، لا بل نحن نقترب من لحظة عَكْس هذا الواقع.
وكما في الصفحات السياسيّة الداخليّة، كذلك على الصفحة الأولى. يمكن «الأخبارَ» أن تفخر اليوم بأنّها أدخلت إلى عناوينها الأساسيّة مجالات اعتادت الصحافة اللبنانية تهميشها: الاحتكارات الاقتصاديّة، العنصريّة ضدّ العاملات الأجنبيّات، قمع المثقّفين، الفساد داخل المؤسسات العامة، حكايات من التهميش الاجتماعي، الأخطار البيئيّة... وإن كانت «الأخبار» غير راضية تماماً عن مستوى معالجة هذه الملفات، فإنّها تعد قرّاءها بمزيد من البحث والتخطيط والتحليل لدى مقاربة ملفّات العدد الأساسية.
لقد دأبت الصحف اللبنانية على معاملة الصفحات غير السياسية كلزوم ما لا يلزم، أو في أفضل الأحوال كمطيّبات تضاف إلى الطبق السياسي. لقد نجحنا في تقليص الفارق بين قراءة الصفحات السياسية وسائر الأبواب في الجريدة. وهذا ما تؤكّده نقاشات الموقع الإلكتروني الذي يعدنا، بدوره، بخدمات إضافيّة، ومزيد من التفاعل مع المتصفّحين، إضافة إلى تلبية حاجة باتت ملحّة لإدخال اللغة الإنكليزيّة على صفحاتنا الإلكترونية.
أخيراً، يأخذ كثيرون على «الأخبار» بعض التسرّع في المعالجات رضوخاً لمتطلّبات الصحافة اليوميّة، من دون أن تعوّض قرّاءها بموادّ أكثر «دسامة». وإذا كان مشروع الشراكة مع «لوموند ديبلوماتيك» بداية لمعالجة هذا النقص، فإنّ العمل على ملحقات جديدة يجب أن يجد ترجمةً له في الأشهر المقبلة.
كلّ «ألفيّة» وأنتم بخير.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009,6:50 م
بيروت ــ دبي ــ بيروت

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١ كانون الأول ٢٠٠٩


كعادتهم، يستقبل اللبنانيّون أيّ خبر سيّئ في العالم بالتفتيش عن سُبُل إفادتهم من هذا الخبر. كأنّ لبنان الفريد من نوعه ليس جزءاً من العالم، ولا تصيبه انهاياراته. أيّ انهيار سيتحوّل منجماً من الذهب بالنسبة إلى لبنان. كأنّ منطق السوق القائم على المنافسة يتحكّم بلاوعي اللبنانيين منذ زمن. فحين تنكسر شركة ما، تستفيد الشركة المنافسة. وقد زاد من حدّة هذا المنطق أساطير التفوّق التي تملأ الصحف والشاشات. فالمتفوّقون اللبنانيون لا ينتظرون إلا فرصة. فرصة انهيار الأسواق المالية العالمية كي تزدهر مصارفهم. فرصة انهيار دبي كي يعود المجد إلى بيروت. فرصة خراب البصرة... إلخ.
لكنّ النظرة السائدة أشبه بنظرة تاجر قصير النظر، يسرّه إفلاس جاره من دون أن يهتمّ لمعنى هذا الإفلاس وانعكاساته العامّة. هكذا استقبل بعض اللبنانيّين الأنباء الواردة من دبي وكأنّها فرصة بيروت. وتناسوا أنّ الاقتصاد اللبناني أعيدت هيكلته بعد الحرب الأهليّة ليستعيد لبنان دوره الذي سلبته منه دبي، كما قيل آنذاك. وتناسوا أنّ قطاعات إنتاجيّة برمّتها أُهمِلت بحجّة بناء اقتصاد الخدمات لمنافسة دبي، وأنّ وسط المدينة جرت مصادرته لإعادة بنائه كمركز شرق أوسطيّ للشركات العالميّة التي قيل أيضاً إنّها ستهجر دبي حين تُعمّر بيروت. حتّى العلاقات السياسيّة الداخليّة بدأت تتصدّع حين ارتفعت أصوات تطالب أهل الجنوب بالقبول بالاحتلال منعاً لإزعاج مدينة دبي العريقة للمستقبل.
الصعوبات التي تواجهها دبي، والتي تلت الأزمة المالية العالمية، لا تعني انهيار مدينة. إنّها تعني انهيار نموذج. انهيار منطق في إدارة الاقتصاد. انهيار مدرسة جرى الترويج لها في بيروت باعتبارها آخر إنتاجات العلم، والمدخل الضروري للدولة الحديثة. وقد دفع مواطنون كثر ثمن تلك السياسات هجرةً وبطالةً وفقراً. إلا أنّ كلّ ذلك جرى النظر إليه كفاتورة لا بدّ من سدادها في سبيل التقدّم.
من حسن حظّ اللبنانيّين أنّ التعقيدات السياسيّة والطائفيّة، وربّما التغيّرات في الأدوار المرسومة للدول في المنطقة، حالت دون تحقّق النموذج الإماراتي في بيروت تحقّقاً كاملاً. الغريب فعلاً أنّ الدعوات، رغم كلّ شيء، لم تكفّ لمطالبة بيروت بالهرولة نحو دبي، فيما دبي تهرب من نفسها. آن لبيروت أن تعود إلى بيروت.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments