الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009,6:50 م
بيروت ــ دبي ــ بيروت

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١ كانون الأول ٢٠٠٩


كعادتهم، يستقبل اللبنانيّون أيّ خبر سيّئ في العالم بالتفتيش عن سُبُل إفادتهم من هذا الخبر. كأنّ لبنان الفريد من نوعه ليس جزءاً من العالم، ولا تصيبه انهاياراته. أيّ انهيار سيتحوّل منجماً من الذهب بالنسبة إلى لبنان. كأنّ منطق السوق القائم على المنافسة يتحكّم بلاوعي اللبنانيين منذ زمن. فحين تنكسر شركة ما، تستفيد الشركة المنافسة. وقد زاد من حدّة هذا المنطق أساطير التفوّق التي تملأ الصحف والشاشات. فالمتفوّقون اللبنانيون لا ينتظرون إلا فرصة. فرصة انهيار الأسواق المالية العالمية كي تزدهر مصارفهم. فرصة انهيار دبي كي يعود المجد إلى بيروت. فرصة خراب البصرة... إلخ.
لكنّ النظرة السائدة أشبه بنظرة تاجر قصير النظر، يسرّه إفلاس جاره من دون أن يهتمّ لمعنى هذا الإفلاس وانعكاساته العامّة. هكذا استقبل بعض اللبنانيّين الأنباء الواردة من دبي وكأنّها فرصة بيروت. وتناسوا أنّ الاقتصاد اللبناني أعيدت هيكلته بعد الحرب الأهليّة ليستعيد لبنان دوره الذي سلبته منه دبي، كما قيل آنذاك. وتناسوا أنّ قطاعات إنتاجيّة برمّتها أُهمِلت بحجّة بناء اقتصاد الخدمات لمنافسة دبي، وأنّ وسط المدينة جرت مصادرته لإعادة بنائه كمركز شرق أوسطيّ للشركات العالميّة التي قيل أيضاً إنّها ستهجر دبي حين تُعمّر بيروت. حتّى العلاقات السياسيّة الداخليّة بدأت تتصدّع حين ارتفعت أصوات تطالب أهل الجنوب بالقبول بالاحتلال منعاً لإزعاج مدينة دبي العريقة للمستقبل.
الصعوبات التي تواجهها دبي، والتي تلت الأزمة المالية العالمية، لا تعني انهيار مدينة. إنّها تعني انهيار نموذج. انهيار منطق في إدارة الاقتصاد. انهيار مدرسة جرى الترويج لها في بيروت باعتبارها آخر إنتاجات العلم، والمدخل الضروري للدولة الحديثة. وقد دفع مواطنون كثر ثمن تلك السياسات هجرةً وبطالةً وفقراً. إلا أنّ كلّ ذلك جرى النظر إليه كفاتورة لا بدّ من سدادها في سبيل التقدّم.
من حسن حظّ اللبنانيّين أنّ التعقيدات السياسيّة والطائفيّة، وربّما التغيّرات في الأدوار المرسومة للدول في المنطقة، حالت دون تحقّق النموذج الإماراتي في بيروت تحقّقاً كاملاً. الغريب فعلاً أنّ الدعوات، رغم كلّ شيء، لم تكفّ لمطالبة بيروت بالهرولة نحو دبي، فيما دبي تهرب من نفسها. آن لبيروت أن تعود إلى بيروت.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: