الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009,10:22 م
حين تصنع الـ«لو...» أوهامَنا

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٠٩


يستغرب المرء للوهلة الأولى أن يكون بين المتحاورين في شأن البيان الوزاري مَن يطرح مزيداً من الخطوات النيوليبرالية في لبنان. لا ينبع الاستغراب من التطوّرات على الساحة الاقتصادية العالمية وحسب، بل أساساً من نتائج تلك السياسات المجرّبة، على لبنان نفسه.
لا ضرورة لتفنيد المؤشّرات التي باتت معروفة كحجم الدين العام، والتفاوت الطبقي، وتدنّي المستوى المعيشي، الذي بات أكثر اتّكالاً على تحويلات المغتربين... إلخ. السؤال هو: كيف يمكن، بعد كلّ ما جرى، أن ينبري وزراء للمطالبة بمزيد من النيوليبراليّة عبر اعتماد الخصخصة وأخواتها؟
الإجابة السهلة تحيل عادةً على مصالح الطاقم السياسي، الذي بات جلّه من رجال الأعمال وحاشيتهم. لكنّها إجابة لا تفي بالغرض حين يكون المواطنون، لا زعماؤهم وحسب، متحمّسين لتأييد سياسات لم تسهم إلّا في إفقارهم. وهنا أيضاً لا تقدّم الطائفيّة وحدها إجابة شافية. فالمؤيّدون للحريريّة الاقتصاديّة لا ينتمون إلى طائفة واحدة.
في الذكرى العشرين لانهيار جدار برلين، تساءل أحد الفلاسفة الأوروبيّين عن أسباب تصاعد النقمة على الشيوعيّة في بلدان أوروبا الشرقيّة، على الرغم من مرور عشرين عاماً على العودة إلى الحضن الرأسمالي. واستنتج أنّ الناس المصدومين بعدم تحقيق الرأسمالية لوعودها، يلقون اللوم على الرواسب الشيوعيّة. فالرأسمالية كانت ستحقّق أحلامهم حتماً لو... لم يكن الشيوعيون لا يزالون مسيطرين على هذا القطاع أو ذاك، أو لو... لم يُعَد انتخاب هذا الزعيم الشيوعي أو ذاك. بكلام آخر، يوهم هؤلاء الناس أنفسهم بأنّ ما يعيشونه ليس رأسماليّة ناجزة، وأنّ ما يحتاجون إليه هو المزيد من الرأسماليّة. وها هي أوهامهم مستمرّة بانتظار مَن يخبرهم أنّ ما يجري الآن عندهم هو، بكلّ بساطة، الرأسماليّة ولا شيء آخر.
يبدو الوضع في لبنان شبيهاً بعض الشيء. فمن الصعب إقناع الناس بأنّ الكوارث الاقتصادية التي حلّت بهم هي نتيجة السياسات النيوليبرالية التي اعتمدتها الحكومات الحريريّة المتعاقبة. فهم يعتقدون، على العكس، أنّ الانتكاسة الاقتصادية سببها أنّ نيوليبراليّتنا لم تكن ناجزة. فقد كانت الحريريّة سترفع المستوى المعيشي لو... وفي لبنان، يمكن لهذه الـ«لو» أن تأخذ مجدها. فلو لم يتدخّل السوريّون... ولو لم يقصف الإسرائيليون... ولو لم تستمرّ صناديق التقديمات الاجتماعية... ولو لم يُمنع رفيق الحريري من تنفيذ كلّ ما كان يريده... إلخ.
للأسف، لا يمكن في الواقع التعويل كثيراً على هذه الـ«لو». فمَن يراجع السياسات الاقتصادية منذ أوائل التسعينيات، يجد أنّنا حقّقنا كالتلامذة النُّجباء معظم وَصَفات النيوليبراليّة بحذافيرها، والنتائج السلبيّة التي شهدناها لا تختلف كثيراً عمّا شهدته بلدان أخرى. فالعالم بات مملّاً لشدّة التشابه. وهو تشابه بات يصيب الأوهام أيضاً.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: