الخميس، 24 سبتمبر 2009,7:33 م
عن رسالة

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ٢٤ أيلول ٢٠٠٩


في عدد هذا الثلاثاء، نشرت «الأخبار» خبراً صغيراً عن جمعيّة «حلم» المعنيّة بالدفاع عن حقوق المثليّين والمثليّات في لبنان، التي سرعان ما تحوّلت إلى جمعيّة لمحاربة كلّ أشكال التمييز.
مناسبة الخبر اعتراض الجمعية على إقامة «رابطة شركات السفر الدولية للمثليّين والمثليّات» مؤتمراً من أجل تعزيز السياحة الترفيهيّة الخاصّة بالمثليّين، في تل أبيب. فقد رأت «حلم» أنّ حقوق الإنسان لا تتجزّأ، وأنّه لا يمكن الدفاع عن حقوق المثليّين والسكوت عن الانتهاكات الإسرائيليّة في فلسطين المحتلّة.
ليس الخبر، بحدّ ذاته، فائق الأهميّة. الأهمّ منه تعليق على الخبر أرسله زائر لموقع «الأخبار» الإلكتروني. وهنا نص رسالة الزائر:
«لطالما أحببت المقاومة وفرحت بإنجازاتها وتحمّست لها، وكنت أنتظر أخبارها على الشاشات كما الجميع حيث كانوا يصفقون ويقفزون، لكنني كنت أبقى جالساً بينهم بصمت وحزن كابتاً مشاعري، لأنّني إن عبّرت عنها، فسيغرقونني بكمّ هائل من النكات والاستهزاء. فكيف لشاب وُلد شكله ناعماً وصوته أنثويّاً أن ينتصر للمقاومة رمز الرجولة والذكورة! بقيت صامتاً حتّى صيف 2006 حين اندلعت الحرب وسقطت البيوت وذبح ساكنوها ولفّ الصمت الأرجاء وتبدّل المشهد حول التلفاز. فمشجّعو الأمس صمتت أصواتهم عن إلقاء التُّهم واللوم والحقد المذهبي بحق المقاومين، بانتظار التخلّص منهم. كانت الوجوه زرقاء باردة رغم حماوة الحرب ولهيبها. وشعرت لأوّل مرة أني لست المعزول الوحيد. بل هناك أيضاً مظلومون مثلي قريبون جدّاً إلي. أردت أن أصرخ. لم يعد يهمّني استهزاء الناس، لأنّ ألسنتهم ابتلعت. لكن هل سيتجاوب المقاومون مع صرختي، وهم منظومة دينيّة تنكر على المثليّين حقّهم في العيش بسلام؟ لم أُطِل التفكير، لكنّ قوة عظيمة دفعتني لأتطوّع في العمل الميداني، وأعطتني نشاطاً وعزماً على الانتصار لا يقل عن أي مقاوم. ولأول مرة رأيت المقاومين على صورتهم الحقيقية دون خوف وأوهام. إنهم أنصع وأكثر طيبة وإنسانية مما تصوّرت. وعندما رأيت قياديّاً في حزب الله يشكرنا على مجهودنا المتواضع جدّاً، أحسست بسعادة لم أشعر بها يوماً، وعرفت أنّ للمقهورين لغةً تجمعهم أكثر من أي اعتبار آخر...».
الرسالة مؤثّرة في أكثر من اتّجاه. لكنّها تكشف جانباً معقّداً من علاقة حزب اللّه مع جمهوره. جانب لا نعرف إن كان حزب اللّه قد فكّر فيه جيّداً. لكن الأكيد أنّ هذا الحزب، مهما تعاظمت قوّته، لن يكون قادراً على الاستمرار إلا بأخذ هذا النوع من الرسائل في الاعتبار.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 23 سبتمبر 2009,7:31 م
لا ينتظرون شيئاً من الحكومة

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٢٣ أيلول ٢٠٠٩


طيلة شهر رمضان، حوّل الناس كورنيش بحر بيروت إلى مساحة حرية عامة. جاؤوا مع عائلاتهم وأصدقائهم، حملوا أراكيلهم وكراسيهم والحُصر، وألعاباً صغيرة، وآلات موسيقيّة، وامتدّ سهرهم حتّى ساعات متأخّرة.
كانت وجوههم لا تدلّ على ثراء أو يسر مادي، لكن كانت علامات الفرح ظاهرة عليهم.
وفي مكان غير بعيد من هؤلاء، كانت أسطح المباني والحانات المحيطة تعجّ بالساهرين الذين لم يثنِهم شهر الصيام عن متابعة حياة اللهو. كانت الموسيقى تصدح عالياً في سماء بيروت التي بدأ المطر الخفيف يكسر حياءها.
لم يبدُ ليل بيروت مكترثاً لغياب الحكومة. لم تعكّر صفوه أزمة التكليف والتأليف وأبطالها ذوو الوجوه الكئيبة. أولئك الساهرون لم يشاهدوا نشرات الأخبار قبل المضيّ لممارسة الفرح. وإن شاهدوها، فلم تزدهم إلا إصراراً على الحياة.
ماذا يمكن الحكومة أن تضيف إلى حياة هؤلاء؟ ربّما كان بيع غزل البنات على الشاطئ سيتعرّض للمنع لكونه نشاطاً اقتصادياً غير خاضع للضريبة. حالة من البيع والشراء تُدخل الفرح إلى قلوب الأطفال وتمنع الجوع عن الباعة، لكنّها لا تدخل فلساً إلى الخزينة. ألم تعمد قوى الأمن الداخلي ذات مرّة إلى رمي درّاجات بائعي الكعك في البحر؟
ماذا يمكن الحكومة أن تضيف إلى حياة هؤلاء؟ ربّما كانت ستمنع الغناء على الكورنيش. فوحدهم مطربو شركات الاحتكار يحقّ لهم الغناء على الشاشات وفي القاعات وعلى الأرصفة.
ماذا يمكن الحكومة أن تضيف إلى حياة هؤلاء؟ مزيداً من رفع أسعار الفحم والتنباك، ومزيداً من فقدان الوظائف، ومزيداً من القهر الذي يقضي على بؤر الفرح في حدقات العيون.
بالطبع، لم تكن بيروت كلّها على موعد مع السهر. فثمّة من لا يملكون حتّى ترف التنزّه على رصيف البحر. أولئك، هم أيضاً، لا ينتظرون الحكومة ولا ينتظرون شيئاً من الحكومة. أولئك هم من ضحايا الحكومات المتعاقبة. ويخجل المرء من القول إنّهم كانوا ضحايا مرحلة السلم الأهلي الذي سدّ في وجههم مداخيل غير منظورة، ودفّعهم ثمن التزامهم بمقرّرات دولة القانون. تلك الدولة التي أعيد بناؤها على أنقاض حياة هؤلاء تحديداً. على أنقاض فرحهم الذي غادرهم بعيداً.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 17 سبتمبر 2009,8:21 م
وهم التكنوقراط

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ١٧ أيلول ٢٠٠٩


كلّما واجه تأليف الحكومة في لبنان حائطاً مسدوداً، تُطرَح فكرة حكومة التكنوقراط بصفتها المخرج الملائم. وغالباً ما تلقى الفكرة ارتياحاً شعبيّاً، نظراً إلى التناقض الكامن في نظرة اللبنانيّين إلى سياسيّيهم: فمن جهة، يلتصقون بمواقفهم التصاقاً شديداً ويجدّدون لهم في كلّ مناسبة شعبيّة أو انتخابيّة، ومن جهة ثانية لا يتوقّفون عن قذف السياسيّين بأقسى النعوت بدءاً من الفساد والسرقة انتهاءً بالطائفيّة والعمالة. يبدو مَخرج التكنوقراط هروباً من هذا التناقض الراسخ في الأذهان، وتخلّصاً من المناكفات السياسيّة المملّة والمكلفة.
يُصوَّر عالم التكنوقراط كمساحة هادئة وموضوعيّة تعتمد الحقائق العلميّة والحلول التقنيّة بدلاً من المصالح الخاصّة ومحاصصة الطوائف. ولمّا كان التكنوقراط من غير السياسيّين، ولا يخضعون بالتالي للضغوط الشعبيّة ومسايرة مزاج الشارع، فإنّ المتوقّع منهم البحث عن حلول لمشاكل المواطنين العالقة، آخذين في الاعتبار المصلحة العامّة ليس إلّا. ويعزّز ذلك تحرُّر الحكومة من توزير وجوه سياسيّة معروفة، ممّا يتيح لأهل الاختصاص أنفسهم أن يتسلموا الوزارات، كلٌّ بحسب اختصاصه.
هذه النظرة إلى حكومة التكنوقراط متفائلة تفاؤلاً غير بريء، لأسباب عدّة:
أوّلاً، حتّى في حياة سياسيّة طبيعيّة، لا وجود لهذا الفرد التكنوقراط الذي لا يحتاج إلى نظّارتين مؤدلجتين لرؤية الواقع. فما مِن رأي علميّ واحد في الخصخصة مثلاً. هناك خبير يعتقد أنّ الخصخصة تزيد الفاعليّة، وهناك خبير يعتقد أنّ الخصخصة لا تزيد الفاعليّة، وهناك خبير يعتقد أنّ الخصخصة، وإن كانت تزيد الفاعليّة، فإنّها تثقل كاهل المواطنين وتزيد التفاوت الطبقي في المجتمعات. وفي جعبة كلّ واحد من هؤلاء الخبراء «الموضوعيّين» رزمة من الأبحاث العلمية «الموضوعية» التي تدعم رأيه.
ثانياً، بما أنّنا لسنا في حياة سياسيّة طبيعيّة، وبما أنّنا نعيش في حقبة استقطاب سياسيّ حادّ، فإنّ الاختصاص العلميّ لا يمثّل درعاً ضدّ تأثيرات هذه الاستقطابات.
ثالثاً، حتّى لو تجاوزنا كلّ ذلك، فإنّ التكنوقراط سيعملون مكبَّلين بإدارات ينخرها الفساد والمحسوبيّات من رأسها إلى أخمص قدميها، ممّا يجعل حركتهم مستحيلة من دون الرجوع إلى المراجع السياسيّة المتنازعة والمتنافسة.
لكلّ هذه الأسباب وغيرها، يبدو طرح حكومة التكنوقراط مجرّد وهم إضافيّ يرميه الطاقم السياسي في وجه المواطنين لعلّهم يتسلّون خلال فرصة الأعياد المقبلة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 16 سبتمبر 2009,11:08 ص
الرئاسات لا الصلاحيّات

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ١٦ أيلول ٢٠٠٩

في ظلّ الحديث المتنامي عن صلاحيّات الرؤساء، لا بدّ من التذكير بأنّ لهؤلاء الرؤساء مواصفات أيضاً، تمثّل الحدّ الأدنى للقبول بهم في مناصبهم.
أوّلاً: ينبغي على أي رئيس من الرؤساء الثلاثة ألا يهزّ برأسه موافقاً عند التقاء أيّ ضيف، كما لو أنّ ساعة نومه قد آنت، وأنّ الضجر بلغ به حدّاً يدعوه إلى مغادرة الاجتماع.
ثانياً: على أيّ رئيس أن يمتلك ما يقوله أو يفكّر به خلال الاجتماعات التي يحضرها.
ثالثاً: على أيّ رئيس أن يعرف أنّ إدارة البلاد مختلفة عمّا اختبره في ألعاب الكمبيوتر.
رابعاً: على أيّ رئيس ألا يعتبر المسؤوليّة التي يتسلّمها مناسبةً لخوض مباراة في الزجل.
خامساً: ليست القراءة والكتابة ضرورة للرؤساء. لكن يجب على أيّ رئيس لا يجيد القراءة والكتابة جيّداً، أن يتمتّع بالقدرة على ارتجال الكلام، لأنّ المواطنين «خلقُهم ضيّق» أيضاً. وبالمناسبة، لا بد من شكر وسائل الإعلام التي تنبئنا بين الحين والآخر أنّ هذا الرئيس أو ذاك ماضٍ في تعلّم النطق.
سادساً: على أيّ رئيس ألا يتّصل بالمفتي أو البطريرك حين «يحرد»، وألا يصرخ «يا غيرة الدين» حين يقال له إنّ لون ربطة عنقه غير موفّق.
سابعاً: على أيّ رئيس ألا يضحك في وجه السفراء والقناصل أكثر ممّا يضحك في وجه من انتخبه.
ثامناً: على أيّ رئيس ألا «يتمَسْكَن» حين يخاطب جمهوره.
تاسعاً: على أيّ رئيس ألا يضع فائضاً من «الجِل» على شعره، لأنّ الإفراط في استخدام «الجِل» قد يؤدّي إلى صعوبة الوصول إلى العقل، حين يحكّ الرئيس رأسه.
عاشراً: على أيّ رئيس أن يلمّع حذاءه، لكن مجرّد لمعة خفيفة.
حادي عشر: على أيّ رئيس ألا ينسى تركيب وجبة أسنانه عند الصباح.
ثاني عشر: على أي رئيس ألا يكذب أكثر ممّا يضحك.
ثالث عشر: على أيّ رئيس أن يتمكّن من النظر في المرآة من دون أن ينتابه الغثيان.
رابع عشر: على أيّ رئيس ألا يحيط نفسه بالأغبياء، إلا من قبيل التسلية.
خامس عشر: على أيّ رئيس أن يعرف أنّ الفقراء يحتاجون إلى أكثر من وجبة إفطار.
ليست صلاحيّات الرؤساء في خطر. الرئاسات نفسها هي التي في خطر. أنقذوا الرئاسات من الرؤساء.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009,12:29 م
حياة طبيعيّة في وطن طبيعيّ

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠٠٩


ثمّة من يخاف من حرب إسرائيليّة جديدة على لبنان. إسرائيل لا تخفي نيّاتها. الجميع يراها حتميّة، وإن اختلفوا على توقيتها: بضعة أشهر، سنة، سنتان... لكنّ الحرب القادمة، قادمة.
ثمّة من يخاف من سلاح حزب اللّه، كأن يحدث أمر ما فيتكرّر السابع من أيّار، وإن بصورة معدّلة.
ثمّة من يخاف من مجموعات أصوليّة إرهابيّة، تظهر حيناً ثمّ تختفي، لكنّها موجودة في أمكنة بائسة من هذا البلد: في بعض القرى، وفي بعض المناطق الأكثر فقراً وتهميشاً وبُعداً عن أعين الدولة واهتمامها. وهي تحظى بدعم من جهات عديدة، ساعدها على النموّ الوضع الإقليمي والانقسام الداخلي.
ثمّة من يخاف من ميليشيات لبنانية سابقة عادت إلى التدرّب والتسلّح من جديد في أماكن لبنانية نائية، وكذلك في دول عربية غيورة على سيادة البلد.
ثمّة من يخاف من عودة التفجيرات والاغتيالات. فالحياة السياسيّة المعلّقة قد تُستأنَف ذات يوم على غير ما تهواه هذه الدولة أو تلك، أو هذه الجهة الداخلية أو تلك.
ثمّة من يخاف من الطائفية نفسها. هذه الظاهرة الملازمة للحياة اليومية قد تتحوّل في أي لحظة إلى محفّز لحروب على الهوية: سنّة ضدّ شيعة، ودروز ضدّ مسيحيّين، ومسيحيون ضدّ مسلمين. وإذا كان اللبنانيّون قد اختبروا هذا النوع الأخير منها، فإنّ مفاجآت كبيرة تنتظرهم إذا ما اشتعل النزاع السنّي الشيعي. تكفي مراقبة الشاشات والتأمّل في ما يحدث في العراق الذي قيل ذات يوم إنّه تَلَبْنَن.
ثمّة من يخاف من نموّ التيارات الدينية عموماً، ما يهدّد نمط حياة عرفته المدن اللبنانية أعواماً طوالاً، وبدأت ملامح التراجع عنه تظهر للعيان.
ثمّة من يخاف من حيتان المال التي بدأت تسيطر على كلّ شيء. كلّ سندويش فلافل بات للمصارف حصّة في ثمنه. كلّ شبر أرض بات فريسة للمضاربات. كلّ خسّة باتت مرجّحة كي تفقد لونها.
تتفاوت درجات الخوف بين لبنانيّ وآخر. وكلّ منّا يصنع لنفسه باقةً من المخاوف المذكورة أعلاه. إلا أنّ ثمّة إجماعاً على أنّ ما يجري بات طبيعيّاً، وهو جزء من الحياة الطبيعيّة. الطقس جميل. الشمس مشرقة. والمطار مليء بالسيّاح.
Bienvenue au Liban.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 14 سبتمبر 2009,1:24 م
مصانع ساركوزي اللبنانيّة

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٤ أيلول ٢٠٠٩


كشفت إحدى القنوات التلفزيونية الأوروبية أخيراً، أنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، قبل زيارته لأحد المصانع، أوعز باختيار دقيق للعمّال الذين سيلتقي بهم أثناء الجولة. معايير الاختيار التي اهتمّ ساركوزي بها لا تمتّ إلى الميول السياسيّة أو المسؤوليّات داخل المصنع بصلة، بل تركّز على جانب واحد: قصر القامة. فالرئيس الفرنسي لا يحبّذ أن يكون في مكان واحد مع من هم أطول منه قامةً. وقد علّق أحدهم على هذه الحادثة ومثيلاتها قائلاً: بعد وقت قليل، قد يصبح على الجميع دخول قصر الإليزيه على رُكَبهم.
هذه الرواية التي تبدو للوهلة الأولى شديدة الخصوصيّة، ليست كذلك بالمرّة. فهي تساعد كثيراً على فهم ما يجري حولنا، هنا في لبنان بالذات. فكثير من رجال السلطة لا يعانون من عقدة قصر القامة، بل من عقدة قصور العقل. صحيح أنّ شروط الزعامة تغيّرت في هذا العصر، وأنّه بات بالإمكان التغلّب على الظروف التي قد تأتي بقليل المعرفة وقليل الكاريزما إلى السلطة، عبر مجموعة من المستشارين ومراكز الضغط، إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ ثمّة من يصرّ على عدم إحاطة نفسه بمن هم «أطول قامةً منه».
فالرائج الآن أن يحيط الزعيم نفسه بمن هم أكثر غباءً وأقلّ معرفةً، أو على الأقلّ، بمن يستعدّون لإسماعه ما يريد سماعه. فالزعيم ليس بحاجة إلى من يسدي له النصح، بل لمن يهزّ له رأسه موافقاً، أو لمن يساعده على تنفيذ قراراته بصورة أفضل، من دون مناقشة هذه القرارات.
ليست الأزمة الحكوميّة بعيدة عن ذلك. فالمواقف النزقة والقليلة الحيلة آخذة بالتفاقم. ووراء زعماء لا يحسنون تلاوة بياناتهم، نجد مستشارين تنضح وجوههم بالهَبَل الخالص، وجلّ ما يقومون به التشجيع على مزيد من التعنّت وازدراء الآخر.
وأمام الأفق المسدود، يجري التذرّع بالضغوط الخارجيّة والواقع الطائفي. لكنّ هذين كانا حاضرين دائماً منذ نشوء هذا الوطن. الجديد في الأمر أنّ الارتهان للضغوط والنشوة بالتجييش الطائفي باتا غير مسبوقين. ثمّة خطوط حمر لطالما حظيت بالاحترام، لأنّ اللعب بالنار ـــــ على ما يكتشف الأطفال ـــــ يحرق الأصابع. وحدهم الغلمان المتذاكون يظنّون أنّ بإمكانهم إشعال الفتيل ثمّ إخماده ساعة يشاؤون، وهم ينظرون إلى الآخرين كمن يبحث عن عبارة مديح: «دخيل هالطول يا ماما!».


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 10 سبتمبر 2009,6:46 م
كم نحبّك أيّها الدكتاتور!

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ١٠ أيلول ٢٠٠٩


يستطيع أي دكتاتور في العالم أن يخرج إلى شعبه ويخاطبه قائلاً إنّه، بصفته الأذكى والأقوى والمفدّى، وبما أن أفراد الشعب كافة من رعاياه المطيعين، اتّخذ قراره بأن يفعل كذا وكذا، وما عليهم إلا أن يطيعوا أوامره. وإذا كانت قبضة هذا الدكتاتور ممسكة بالأمور كما يفترض بأمثاله، تمرّ قراراته من دون اعتراض يُذكَر، ويكون له ما يريد.
لكن، بعكس الصورة الشائعة، ليست الدكتاتوريّة والغباء متلازمين. ولأنّ الدكتاتور قد يكون ذكيّاً، غالباً ما لا ينفّذ السيناريو الموصوف أعلاه. بدلاً من ذلك، سيخرج هذا الدكتاتور إلى شعبه ويخاطبه قائلاً: سنصنع التاريخ معاً. يداً بيد، سنقود البلاد نحو التقدّم والازدهار والنموّ. لكنّ ذلك يتطلّب خطوات موجعة، سنتحمّلها معاً، سنتغلّب على الصعاب معاً، لذلك علينا أن نقوم بكذا وكذا. هنا لا حاجة لاستخدام القبضة العسكريّة. هنا يهتف الشعب بروح الدكتاتور، ويمضي نحو تحقيق مسيرة التقدّم.
رغم كلّ الكلام السلبي بحق الطائفية في لبنان، ينبغي الاعتراف بأنّ الطائفية ـــــ لا حبّ الحياة لدى الشعب اللبناني ـــــ أدّت دوراً كبيراً في حماية هذه البلاد من الدكتاتوريّات. فأضخم زعيم سيسقط بالضربة الطائفية القاضية حين يظنّ أنّ بإمكانه أن يحكم البلد منفرداً.
لكنّ الطائفيّة، تماماً كالدكتاتوريّة، تنجح أكثر ما تنجح حين تمارَس بالتورية، حين لا يخرج الزعيم الطائفي ويخاطب شعبه قائلاً: يا أيها القوم الطائفيون، هبّوا لنصرة طائفتكم. الطائفيّة الناجحة هي التي تدعو إلى السلوك الطائفي بصفته سلوكاً وطنياً. كثيرون يجيدون ذلك في لبنان، وتتيح لهم مهاراتهم في هذا المجال الحطّ من قدر الصادقين في المجاهرة بطائفيّتهم. هكذا يُرجَم محمد علي الجوزو أو نعمة اللّه أبي نصر مثلاً، ويُمتدَح في الوقت نفسه فؤاد السنيورة الذي ينكر طائفيّته مراراً، ثمّ ينطلق للهجوم على الطوائف الأخرى بصفة المجهول، لكونها مارست الاضطهاد بحق أبناء طائفته التي ليست طائفة، فقد «شُنَّت عليـ(نا) حملات وحروب، تناول بعضها لبنان كله، وخُصِّصْـ(نا) وخُصَّت جماعتـ(نا) ببعضها الآخر»، قبل أن يعود إلى تهنئة نفسه وطائفته لكونها أفضل طائفة لأنّها ليست طائفة: «لقد أرادوكم أن تصبحوا طائفة... أنتم لستم طائفة ولن تكونوا، بل أنتم لُحمة هذا الوطن، ونصير الدولة».
يصرخ الدكتاتور: أنتم لستم رعايا. أنتم عجلة التاريخ.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 9 سبتمبر 2009,11:56 م
من «البلد ماشي» إلى عبد العزيز خوجة

خالد صاغية

الأخبار عدد الأربعاء ٩ أيلول ٢٠٠٩


اختلفت وسائل الإعلام على بضعة أسماء من التشكيلة الحكومية، إلّا أنّها أجمعت على ورود اسم النائب إدغار معلوف، وزيراً للثقافة.
والنائب معلوف، مهما تكن إيجابيّاته وسلبيّاته، لا يدّعي صلةً بحقيبة الثقافة، وهو لواء متقاعد أمضى حياته في المؤسسة العسكرية ثمّ في المنفى. لا تُعرَف له علاقات في الوسط الثقافي، ولا هوايات ثقافية، ولا معرفة واسعة في هذا الحقل. ورغم ذلك، ارتأى الحريري منح اللواء إدغار معلوف وزارة الثقافة، تماماً كما سبق أن ارتأى القيّمون على البلاد منح هذه الحقيبة إلى فوزي حبيش، والد النائب الحالي هادي حبيش. يومها، أرادت الوصاية السوريّة زكزكة النائب مخايل الضاهر. واليوم، أراد سعد زكزكة جبران باسيل. وفي الحالتين، ثمّة حقيبة «إكسترا»، أو حقيبة «كلاس» كما سمّاها حبيش آنذاك، هي لزوم ما لا يلزم، ويمكن بالتالي استخدامها في النكايات السياسيّة. المهمّ أن يستحوذ الحريري على حقائب المال، والاقتصاد، والطاقة، فنستدين ونستورد ونضرب الإنتاج، ثمّ نخصخص.
يستحقّ الأمر بعض التفكّر. فالمسألة تتجاوز توزيع الحصص، لتشير إلى نظرة رئيس الحكومة المكلّف إلى البلاد ودورها وثقافتها وطريقة إدارتها. فأيّ ثقافة لأيّ جمهوريّة تريد الحريريّة الجديدة زرعها؟
إذا كانت الحريريّة الأولى قد شُغلت باستقطاب كادرات من اليسار والوسط وتوريطها في نشر ثقافة «البلد ماشي»، فإنّ الحريريّة الجديدة مشغولة بتلحين أشعار عبد العزيز خوجة وعرضها خلال شهر رمضان.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد شُغلت بتكوين هويّة وطنيّة على هيئة شركة سوليدير وما تمثّله، فإنّ الحريريّة الجديدة مشغولة بتحويل الانتماءات الطائفية إلى هويّات قائمة بذاتها في لبنان أوّلاً وأخيراً.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد شُغلت بنشر ثقافة المضاربات التي شجّعها في العالم آنذاك بيل كلينتون، فإنّ الحريريّة الجديدة لا تزال تحت وطأة البوشيّة ـــــ البنلادنيّة، فتقسّم العالم إلى فسطاطين: فسطاط معنا وفسطاط ضدّنا، ولا حاجة إلى البحث عن تسويات أو نقاط مشتركة.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد قامت على تبييض صفحة أمراء الحرب، فإنّ الحريريّة الثانية تمجّد أمراء الزواريب وقبضايات الأحياء.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد روّجت لثقافة الاستدانة التي حملت الوعود الربيعيّة، فإنّ الحريريّة الثانية تتبنّى ثقافة الخصخصة من دون وعود.
ثقافة قائمة على الأيديولوجيا العارية، تدمج التبعيّة السياسيّة باقتصاد التراكم الأوّلي، ويقودها حديثو نعمة. في ثقافة كهذه، يصبح العسكريّ المتقاعد مناسباً لوزارة الثقافة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009,11:55 م
الرئيس بعد مئة عام من العزلة

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٨ أيلول ٢٠٠٩


حين يذهب الرئيس لقضاء عطلة صيفيّة في بيت الدين، ويتوجّه النائب وليد جنبلاط لاستقباله، ويرحّب به قائلاً: «أهلاً وسهلاً بك في منطقتك. نتمنّى أن تطيل الفترة عندنا»، لا يمكن اعتبار الزيارة مجرّد ترحيب ودّي يندرج ضمن زيارة فعاليات المنطقة للترحيب بالرئيس. فرغم النيّة الصافية والصادقة، شيء ما في التركيبة اللبنانيّة يوحي أنّ ما شهدناه هو زيارة أمير المنطقة وحاكمها ليعلن أنّه لا يمانع إقامة الرئيس في بيت الدين. ولولا العيب والحياء، لكان على الرئيس أن يزور جنبلاط لاستئذانه في الإقامة في الشوف. كان الأمر نفسه سيحدث لو انتقل الرئيس إلى أيّ منطقة خارج قصر بعبدا وبلدة عمشيت. فالبلاد مقسّمة إلى إقطاعات، ولا يكاد الرئيس يجد ما يترأّس عليه.
يمكن إحصاء مئات التصريحات التي توحي يومياً باحترام الرئيس وموقع الرئاسة، لكنّها حقيقةً تريد كلّها تحويل الرئيس إلى لزوم ما لا يلزم. وكلّما ازدادت آيات المديح لرئيس الجمهورية، استبطنت تهميشاً لدوره. وقد درج الرئيس المكلّف سعد الحريري على صوغ مثل هذه الآيات، تماماً مثلما اعتادت المعارضة إغداق صفات «العاقل» و«الحكيم» على الرئيس، للإيحاء بأنّ مخالفة مطالبها ليست إلا مخالفة للعقل والحكمة، وهو ما لا يجدر بأيّ رئيس أن يفعله.
مَن مِن القوى السياسية بحاجة إلى الرئيس؟ ولأيّة أغراض؟ مَن مِن أبناء هذه الجمهوريّة يلتفت إلى ما يصدر عن الرئاسة، فيما الأرض تهتزّ تحت أقدام زعماء الطوائف؟
يجد الرئيس نفسه في هذا المأزق، من دون أن يتمكّن من الاستناد إلى تأييد أيّ طائفة أو أيّ كتلة شعبيّة كبيرة، وهو الذي انتُخِب أصلاً بعد توافق المتنافسين عليه. وفي لحظة كهذه، يضع الحريري تشكيلة حكوميّة بين يَدَي الرئيس ليصبح مصير الحكومة رهناً بقرار قصر بعبدا.
لكن، عن أيّ رئاسة نتحدّث؟ لقد تحوّلت الرئاسة الثالثة على يد فؤاد السنيورة إلى حصن للطائفة، ثمّ آلت إلى من حسم خياره في تقديم نفسه زعيماً لطائفته. أمّا الرئاسة الثانية، فيشغلها مَن ساهمَتْ حركته مساهمة فاعلة في 7 أيّار «المجيد». تبقى الرئاسة الأولى متروكةً من دون صلاحيّات كبرى، يحتلّها رئيس يُتوقَّع منه ألا يتّخذ موقفاً يغضب أيّاً من الأطراف المتنافسة، وإلا فقدَ صفته التوافقيّة!
تشكيلة الحكومة جاهزة بين يدَي الرئيس. هل يقبلها أم يرفضها أم يجد مخرجاً للتخلّص منها؟ صورة تشبه طيف الدولة الذي يزداد ابتعاداً، بعدما أُريدَ تحويل الرئاسة إلى مصدر لتلاوة الأمثال الشعبيّة، وبعدما اعتُمدت كتب سلام الراسي بديلاً للدستور.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 7 سبتمبر 2009,11:53 م
شاطر... شاطر

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ٧ أيلول ٢٠٠٩


فترة تأخّر تأليف الحكومة ليست مضيعة للوقت. إنّها مناسبة للتمرين. ففي السنوات الأربع الأخيرة، طفا على السطح كثير من الوجوه الجديدة. بعضها ركب بوسطة المجلس النيابي القديم، وبعضها الآخر التحق حديثاً بحاشية أحد الزعماء الكبار. لن يكون باستطاعة النوّاب الجدد التجريب وارتكاب الأخطاء حين تعود الحياة السياسية. أمّا اليوم، فهامش الخطأ مرتفع، والمحاسبة مؤجّلة. إنّه زمن إظهار المواهب السجاليّة، وامتحان الولاءات المطلقة.
الشاطر اليوم من يقنع زعيمه بأنّ اختيار الأخير له لخوض المعركة الانتخابية كان خياراً صائباً، وأنّه أفضل ممّن سبقوه في تلفيق الأكاذيب وتمويه الحقائق واختراع الحجج.
الشاطر اليوم هو من يثبت أنّ زعيمه ليس هو سبب التأخير في تأليف الحكومة، بل زعيم آخر.
الشاطر اليوم هو من يستثمر الوقت لإظهار التأخير، كما لو أنّه دفاع عن مصالح الطائفة، واستطراداً مصالح الوطن، وأنّ زعماء آخرين هم من يماطلون لتحصيل مكاسب خاصّة، أو لارتباطات خارجية.
الشاطر اليوم هو من يبتكر حججاً لنفي وجود عوائق وتدخّلات خارجيّة. فما شأن الخارج بحكومتنا أصلاً؟ كلّ ما يجري مجرّد اختلافات في وجهات النظر على الطريقة الأفضل لإدارة البلاد. أي إنّ الحكومة لا تتألّف الآن بسبب فائض الأفكار بشأن الطريقة الأمثل لتركيبتها ولإدارتها.
الشاطر اليوم هو من يتحدّث بما يدور في عقل زعيمه، من دون أن يضطرّ الأخير إلى فتح فمه.
الشاطر اليوم هو من يعمل على إعلاء شأن رجال الدين من رعاة طائفته، فيثبّت هالة القدسيّة حول قاماتهم التي تريد الانخراط في السياسة من دون أن تفسَّر مواقفها على أنّها آراء سياسيّة.
الشاطر اليوم هو من يخترع خصماً في الطرف الآخر ويصوّب عليه حتّى ينهكه.
الشاطر اليوم من يتفوّه بجملة لا معنى لها، ويتمكّن من إلقائها بطريقة معيّنة كما لو أنها جملة شديدة الأهمية. ثمّ يبدأ بعلك الجملة نفسها، وصياغتها بطريقة مختلفة ومفردات جديدة، فيلقيها من جديد أمام جمهور أوسع هذه المرّة، ثمّ يأخذ كلّ كلمة من هذه الجملة ويدعو مستمعيه إلى التأمّل في أهميّتها، قبل أن ينظر إلى نفسه بإعجاب شديد، ويسوّي ربطة عنقه، ويبتسم ابتسامة بلهاء، كما لو أنّه في وقوف مستمرّ أمام مرآة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 2 سبتمبر 2009,7:28 م
سحر الحريريّة الباقي

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٢ أيلول ٢٠٠٩


رغم استمرار تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة، سرعان ما تراجعت النقاشات بشأن مستقبل النيوليبراليّة والسياسات البديلة منها. حتّى في الولايات المتحدة الأميركية حيث كانت الضربة الأقوى وحيث جاء رئيس جديد على جناح «التغيير»، تأخذ النقاشات بشأن الضمان الصحّي اتّجاهاً كأنّ شيئاً لم يكن. ثمّة من يصرّ على استخراج نتيجة واحدة ممّا حصل: تحويل الأزمة إلى فرصة لمزيد من الحماية لأصحاب الثروات، ومزيد من توزيع الدخل من الفقراء إلى الأغنياء. فالأزمة، في النهاية، ليست إلا حاجة يخترعها رأس المال حين تقفَل أمامه دروب الربح الأخرى.
رغم المآسي التي سبّبتاها، لا يزال للريغانيّة والتاتشريّة سحرهما. ثمّة ما يغري في لعبة رفع يد الدولة، وترك السوق تعمل كما تريد. حتّى حين يكتشف الاقتصاديّون أنّ ما من سوق يعمل، وأنّ الاحتكارات هي التي تقرّر الأسعار في نهاية المطاف، يبقى للسحر مكانه، فيسود الافتراض أنّ هذه الاحتكارات ليست إلا تشوّهات لمثال أصليّ يدعى سوقاً حرّة. وحتّى حين يكتشف الناشطون والمتابعون أنّ عدم تدخّل الدولة ليس إلا كذبة النيوليبرالية، لأنّ هذه الأخيرة تعني بالضبط تدخّل الدولة لمصلحة فئات محدّدة، يصوَّر هذا التدخّل كما لو أنّه التدخّل الأخير، أي تدخّل الدولة كي تنفي نفسها.
للحريريّة في لبنان السحر نفسه. ثمّة معارضة سياسيّة لتيّار المستقبل، ولموقفه من المقاومة ومن المشروع الأميركي في المنطقة. وثمّة معارضة تحاول تعديل المحاصصة الطائفية معه. لكن، رغم مليارات الدولارات من الدَّين، ورغم ارتفاع التفاوت الاجتماعي، ورغم ارتباط المشروع الحريري بمصلحة فئات اقتصادية معروفة ومحدّدة، ورغم تضرّر فئات أخرى هي أيضاً معروفة ومحدّدة، لا تزال الحريريّة تقدّم نفسها باعتبارها حاملة حلم الخلاص الاقتصادي، حلم يتمسّك به المتضرّرون قبل المستفيدين. وغالباً ما يصوَّر تأليف حكومة جديدة اليوم كنقطة لاستئناف المشروع الحريريّ من حيث توقّف.
ليست الطائفيّة وحدها ما يقف خلف الحريريّة كنموذج للحكم. وليس ما يسمّى زوراً الوعي الزائف لدى الفئات الشعبيّة ما يساعدها على الاستمرار. إنّها الجاذبيّة التي يفتقدها اليوم اليسار في لبنان واليسار في العالم. ففي مواجهة النقّ المتواصل، ثمّة من قرّر أن يبني، ولم يسمح للكاميرا بالتقاط صورة لمن قام البنيان على أشلائهم.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009,1:51 م
مفعول تحت الصفر

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١ أيلول ٢٠٠٩

سكّان المناطق ذات المناخ المعتدل يُعرَفون عادةً بالكسل. فالطبيعة عندهم لا تتلاءم والإيقاع السريع للعمل، والطقس المشمس لا يغري إلا بالاسترخاء.
وفي الصيف إجمالاً، تخفّ الحركة. حرّ ورطوبة وعُطَل مدرسيّة وسيّاح وعودة للمغتربين. لا أوتوبيسات تقلّ التلامذة، ولا مشاة يمضون أوقاتهم في الطرقات. كلّ شيء يوحي بوجوب التوقّف عن العمل أو التخفيف منه على الأقلّ.
وفي رمضان، تخفّ حتماً ساعات العمل. صعوبة الحركة بسبب الجوع، ثمّ الاجتماعات العائليّة ساعة الإفطار. الطرقات شبه خالية، والحركة ثقيلة دائماً، عدا عن التلفزيون ومسلسلاته وبرامج الربح والترفيه.
وخلال الفترات الانتقالية في الحكم، كفترة تصريف الأعمال مثلاً، تكفّ الوزارات عن العمل بوتيرة طبيعيّة. فالكثير من القرارات المهمّة تبقى معلّقة حتّى اجتماع مجلس الوزراء الجديد بقيادة رئيس حكومة جديد. وهذه المرّة، يبدو الإيقاع بطيئاً جدّاً، فالسرايا تنتظر «الغالي ابن الغالي».
فما بالك بحلول شهر رمضان خلال فصل الصيف في بلاد على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط تعيش أزمة حكوميّة. إنّها الوصفة السحريّة للكسل والتوقّف عن العمل. حتّى حبوب وجع الرأس تكفّ عن العمل خلال هذه المرحلة. ما قيمة البانادول والأدفيل في ظلّ حكومة تصريف الأعمال؟ لا شيء. مفعول تحت الصفر. حبّات تصلح للقرش كالملبّس، لا أكثر.
حتّى الوزراء باتت أشغالهم أكثر فكاهة. واحد يفتّش عن كنز، وآخر يشتم الصحف، وثالث يبشّر بملايين السيّاح المنتظرين على باب إدريس.
ولأنّ الكسل بالكسل يذكّر، كان لأحد النوّاب اقتراح عبقريّ: فلنعلنْها دولةً فاشلة، ولنسلّمها للأمم المتّحدة. أي بكلام آخر، بلغ الملل بالنائب الشاب حدّ «تسكير الدكّانة» ما دامت الدنيا رمضان.
وحده مجد لبنان لا يتعب. ما زال يبحث عمّن يعطى له. وتدور سجالات طويلة بشأن هذه المسألة، يشترك فيها علماء دين وعلمانيّون، من دون أن يخطر في بال أحد السؤال عن أيّ مجد يتحدّثون؟ أتراه مجد الطوائف المرتهنة، أم مجد التحيّز الطبقيّ الذي لا يرحم؟
لا شيء. مفعول تحت الصفر. حبّات كقرش الملبّس. إحذروا وجع الرأس. إنّهم يصرّفون الأعمال.



 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments