الجمعة، 28 نوفمبر 2008,7:30 م
«هيدا زمانك»
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٢٨ تشرين ثاني ٢٠٠٨
«هيدا زمانك» عنوان العمل الغنائي الجديد لخالد الهبر، وهو أيضاً عنوان أغنية مهداة إلى الحزب الشيوعي اللبناني، كان قد أدّاها الهبر في حفلاته الأخيرة. العنوان نفسه لا يصلح للحزب وحسب، بل لكلّ التيّار اليساري العريض، على امتداد العالم، الذي خفت صوته في العقود الثلاثة الأخيرة تحت وطأة شعار «لا بديل».
لم يشأ أحد أن ينتبه إلى سقوط نظرية الـ«لا بديل» حين كانت مؤشّرات عدم المساواة تطلق صفّارات الإنذار، وحين كان المستوى المعيشي للملايين حول العالم يتدنّى باستمرار، وحين كانت أنماط حياة تزول عن وجه الكرة الأرضيّة، وحين تحوّل عمّال العالم غير المتّحدين إلى فريسة لوحش مستتر «لا بديل» منه. لكن، حين بدأ هذا الوحش يأكل لحمه، استفاق الجميع على ضرورة التغيير.
لكلّ الذين رمتهم الشركات العملاقة في الطرقات، هيدا زمانك.
لكلّ الذين قذفت بهم العولمة خارج قراهم ودكاكينهم الصغيرة، ليقطعوا آلاف الأميال ويعملوا في خدمة السيّد الأبيض، هيدا زمانك.
لكلّ الذين يجرّون أطفالهم مرغمين للعمل في مشاغل العرق، هيدا زمانك.
لكلّ الذين اجتاحت الصواريخ الذكيّة بيوتهم الصغيرة، هيدا زمانك.
لكلّ الذين أُطلق اسم التخلّف على عاداتهم وتقاليدهم وأغانيهم وآلهتهم وحبّهم لأبنائهم وللخبز الذي تعجنه أيديهم، هيدا زمانك.
لكلّ الذين استُخدِموا وقوداً لتحفيز النموّ وجذب الاستثمارات وخدمة الدَّين العام، هيدا زمانك.
لكلّ الذين يخضعون للابتزاز اليوميّ ليتمكّنوا من دخول مستشفى أو مدرسة، هيدا زمانك.
لكلّ الذين يحملون أحلاماً لا تتّسع لها الأسرّة، وحبّاً يفيض عن حاجات البشر، هيدا زمانك. أكثر من أيّ زمان... هيدا زمانك.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 19 نوفمبر 2008,7:32 م
لا داعي للعُقَد
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ١٩ تشرين ثاني ٢٠٠٨
تلوّنت النضالات اليساريّة بألوان كثيرة في القرن الماضي: من المسألة الطبقية، إلى محاربة الامبرياليّة والاستعمار، إلى مكافحة التمييز العنصري، إلى مناصرة حقوق المرأة، إلى طرح العولمة البديلة، ثمّ عودة إلى محاربة الاستعمار... لم تكن كلّ هذه العناوين حكراً على اليسار، إلا أنّ اليساريّين حول العالم لم يغيبوا عن أيّ استحقاق من هذه الاستحقاقات، وفي أغلب الأحيان، كانوا السبّاقين في طرح هذه المواضيع والترويج لها والدفاع عنها، وفي أحيان كثيرة، الموت من أجلها.
لم يهتمّ اليسار بكلّ هذه العناوين دفعةً واحدة. لكنّ اللافت هو تلك الدورة قرابة قرن كامل للعودة إلى العناوين التي شغلت بال اليسار بداية القرن الماضي. وإذا كان الإحساس بالظلم حول العالم قد جعل من تشي غيفارا أيقونةً للشباب الباحثين عن عالم أكثر عدالةً، وإذا كان ما جرى في أفغانستان والعراق أجبر دور النشر على إعادة طبع كتب لينين وروزا لوكسمبورغ وحتّى بوخارين عن الامبرياليّة، وأعاد هذه الكتابات ونقدها إلى النقاشات الأكاديميّة، فإنّ تداعيات العولمة وصولاً إلى الأزمة الماليّة الأخيرة أعادت كارل ماركس نفسه إلى الواجهة.
لكنّ كلّ ذلك ليس كافياًَ لإعطاء اليسار قيمة أعلى من اليمين. لذلك، ينبغي على أولئك الذين غادروا صفوف اليسار ليلتحقوا بحزب أو تيّار سياسي أو فكريّ يمينيّ، ألّا يحملوا عقدة الذنب هذه. ألّا يشعروا بدونيّة أخلاقيّة نتيجة تغييرهم مواقعهم. بإمكانهم أن يتابعوا حياتهم في أقصى أقاصي اليمين إن شاؤوا. ولا ينقص ذلك شيئاً من احترامهم لأنفسهم، ما داموا مقتنعين بأفكارهم الجديدة. فلليمين المحافظ بعض الأفضال على البشريّة، تماماً كما لليسار الجذريّ يد في بعض الكوارث. «بتصير... واللّه بتصير».
لذلك، لا داعي لاعتبار اليمين الجديد أنّ اليسار لم يوجد أصلاً، أو أنّ اليسار شتيمة، أو أنّه ضدّ العقل، أو أنّه شعبويّ بالضرورة، أو أنّه... يمكن لليمين الجديد أن يتعايش مع اليسار من دون عُقد. فليجرّب ذلك. حبّة قبل الأكل قد تكون كافية...

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008,7:35 م
استغلال مستدام

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١٨ تشرين ثاني ٢٠٠٨

لمناسبة إضراب المعلّمين، ابتدعت وزيرة التربية بهيّة الحريري مفهوماً جديداً أطلقت عليه تسمية «الحوار المستدام». فأعلنت أنّها ستلتقي اليوم وفداً من الأساتذة في وزارتها فور انتهاء الاعتصام، «لمتابعة عمليّة الحوار المستدام». ثمّ أضافت على مفهوم «الحوار المستدام» مصطلحاً آخر هو «الحركة المستدامة».

وزير المال محمّد شطح، الذي التقى الوزيرة الحريري، لم يكن على المستوى نفسه من الإبداع، فاكتفى بإبداء استعدادٍ مستمرّ للحوار. وهل للأساتذة والعمّال أن يطمحوا إلى أكثر من ذلك؟ قبل هذه الابتكارات الحريريّة، ساد مفهوم التنمية المستدامة، وقد تلقّفه كلّ الذين كانوا يهيّئون أنفسهم آنذاك للانتقال من اليسار إلى اليمين. فميّزوا أنفسهم عن دعاة التنمية، وطالبوا بالتنمية المستدامة، أي تلك التي «تلبّي احتياجات الحاضر من دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على الوفاء باحتياجاتها»، أي إنّها تنمية تتيح للأجيال المقبلة وراثة موارد طبيعيّة وبيئة تمكّنها هي أيضاً من استخدامها للتنمية. التنمية المستدامة هي تلك التي تجعل من التنمية عمليّة مستمرّة، تنتقل من جيل إلى جيل.

من حيث لا تقصد، نجحت الوزيرة الحريري في حلّ معضلة إنسانيّة تاريخيّة تدعى الصراع الطبقي. فلا جدوى لهذا الصراع ما دام طرفاه يتمكّنان من عقد حوار مستدام، أي حوار في الحاضر لا يعطّل الحوار في المستقبل، فنحوّل الحوار إلى عمليّة مستمرّة، تنتقل من جيل إلى جيل. هكذا يخرج العمّال من الحوار سعداء لأنّهم سيتمكّنون هم وأبناؤهم من بعدهم من الحصول على فرصة الحوار مع الدولة ومع أرباب العمل، ويخرج هؤلاء الأخيرون سعداء أيضاً لأنّهم لم يقدّموا أيّ تنازل للعمّال.

تخيّلوا لو أنّ حواراً مستداماً يجري اليوم بين الشركات المعرّضة للإفلاس والدولة الأميركيّة. لا حاجة لمساهمة الدولة بمئات مليارات الدولارات لإنقاذها. يكفي أن تقنعها بالدخول في مسار من الحوار المستدام. لكن، لا يبدو أنّنا في عصر السرعة... وحدهم العمّال بإمكانهم أن ينتظروا!

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 17 نوفمبر 2008,7:37 م
تحايُل على النفس
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ١٧ تشرين ثاني ٢٠٠٨
انتهت اجتماعات مجموعة العشرين في واشنطن. المجموعة التي تضمّ عشرين دولة صناعيّة وناشئة رفضت فكرة فرض سلطة عليا لضبط النظام المالي الدولي، رغم الأزمة المستفحلة، معتبرةً أنّ ضبط السوق هو في الأساس مسألة وطنيّة. ووافقت، في المقابل، على إعطاء صندوق النقد الدولي دوراً أكبر في مراقبة النظام المالي. إذاً، سيبقى الصندوق هو الهيئة الماليّة الدوليّة العليا، وهي هيئة تسيطر عليها من دون شك الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. وهي هيئة حملت طويلاً لواء الترويج والفرض للسياسات النيوليبرالية سيئة الذكر، والتي يتحدّث الجميع عن ضرورة التراجع عنها. وهي هيئة لم تحُل دون وقوع الأزمة على الدول الكبرى، كما «الصغرى». الفارق هو في ما أشار إليه الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا حين قال إنّ الدول النامية تواجه أزمةً لم يكن لها يد في صنعها.
لكن، للأمانة، رافقت قرارات مجموعة العشرين دعوات لتحسين الصندوق صفته التمثيليّة، كي تعطى دول الجنوب دوراً أكبر في اتّخاذ القرارات. حتّى الرئيس الأميركي جورج بوش أشار إلى بحث «توسيع حجم الدول النامية في عمليات التصويت وتمثيلها». فتمثيل الدول المختلفة في الصندوق «يستند إلى التصنيف الاقتصادي» الذي كان قائماً لدى تشكيله عام 1944. من الواضح أنّ دولاً باتت مؤثّرة في الاقتصاد العالمي كالصين والبرازيل لا يمكنها أن تستمرّ بعيدة عن سلطة القرار في صندوق النقد. لكن حتّى هذه الدول التي حقّقت نجاحات اقتصاديّة بدأت ترتفع أصوات ضدّ إشراكها. وقد تبرّع لهذا الدور رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، ملوّحاً بسلاح الديموقراطيّة. فكلّ دولة، قبل إشراكها في قرارات الصندوق، ينبغي أن يخضع نظامها لفحص دم في مختبرات الدول الصناعيّة. فإذا كان وضع الصين والبرازيل على هذا النحو، فما بالك بسائر شعوب الجنوب المهمّشة؟
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّه حتّى تصنيفات عام 1944 لم تقم على معايير موضوعيّة، وإنّما اختيرت مقاييس هذه التصنيفات بدقّة وخبث كي تمكّن بعض الدول من السيطرة على القرار في الصندوق.
ما كان لهذا الكلام من أهمية اليوم لو لم يكن هذا الصندوق الذي يُعوَّل على تقاريره اليوم هو نفسه الصندوق الذي كادت مهمّاته تنحصر في العقود الثلاثة الماضية في «تأديب» الدول النامية. فكلّ دولة لا تعيد هيكلة اقتصادها وفقاً لأجندة الدول الكبرى، تُجبر على ذلك عبر إطلاق تسمية رسمية (وعلميّة) على هذه الأجندة: «برنامج التكيّف الهيكلي» لصندوق النقد الدولي. وكلّ من لا يرغب في اتباع هذا البرنامج، لن يحصل على قروض الصندوق الذي يفترض أنّه أنشئ في الأساس لإنقاذ الاقتصادات المعرّضة للانهيار من دون فرض شروط مسبقة.الطريف أنّ الولايات المتحدة التي مارست طويلاً هواية فرض برنامج التكيّف هذا على دول الجنوب بقصد إخضاعها اقتصادياً، وهو برنامج يتضمّن خطوات موجعة تصيب أساساً الفئات الشعبيّة، رفضَتْ (أي الولايات المتحدة) أن تطبّقه على نفسها، علماً بأنّ مؤشّرات الاقتصاد الأميركي منذ سنوات طويلة تضع الدولة الأميركيّة في صفّ الدول التي يجب أن تخضع لبرامج صندوق النقد «الإصلاحيّة». لكن، طبعاً، هذه البرامج، تماماً كإعلانات التدخين، تُصمَّم خصّيصاً لدول الجنوب، لا لدول اللّه المختارة. ولأنّها دول مختارة، أمكنها أن تمضي في مراكمة عجز ضخم في موازناتها، أسهمت في تمويله ـــــ ويا لسخرية القدر ـــــ الصين بصورة أساسية.
لا يشكّل رفض مجموعة العشرين فكرة سلطة عليا لضبط النظام المالي الدولي إلا إعفاءً جديداً للدول الصناعيّة الكبرى من إمكان فرض أيّ عقوبات عليها. ولتبقَ في سبيل ذلك صناديق المضاربة من دون أيّ تنظيم، وكذلك صفقات مبادلة القروض المتعثّرة. وذلك يعني، ببساطة، أنّ ما سبّب الأزمة الماليّة الحاليّة مرشّح للاستمرار.
فحتّى المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس ـــ كان قلّل من أهمية الدور الجديد المعطى للصندوق. فإيلاء القطاعات المالية أهمية في «برامج التقييم» التي يجريها الصندوق ليس كافياً، وخصوصاً أنّ صدور برامج التقييم هذه غير منتظم، والأسوأ من ذلك هو أنّ الولايات المتحدة رفضت دائماً الخضوع لهذا التقييم. وأضاف ستروس ـ كان أنّ 13 دولة فقط من أصل الدول العشرين المجتمعة في واشنطن وُضعت لها هذه البرامج. وحين نقول «وُضعت لها برامج»، لا نعني طبعاً أنّها أجبرت على تحقيقها.
الأزمات الاقتصاديّة الكبرى تطيح عادةً المنظّمات الماليّة الدوليّة التي فشلت في أداء دورها، مفسحةً المجال أمام بروز منظّمات أخرى قائمة على عقد دولي جديد. التمديد في عمر صندوق النقد، ومنحه صلاحيّات إضافيّة، محاولة لإضاعة الوقت، وتحايل على النفس وعلى... التاريخ.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 14 نوفمبر 2008,7:41 م
عنصريّة متنوّرة
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ١٤ تشرين ثاني ٢٠٠٨
حاول بعض المحلّلين في الفترة السابقة إعطاء الصراع بين كتلتَيْ 8 و14 آذار بُعداً يتعدّى الجانب السياسي. وجرى التركيز على قيادة حزب اللّه للمعارضة للإيحاء أنّ هذه الأخيرة تتبنّى خطاباً لا يتلاقى مع قيم الحداثة، ولا مع طبيعة التركيبة اللبنانيّة المتنوّعة التي تتطلّب قدراً من التسامح لا يمكن للأحزاب الدينيّة أن تتمتّع به. حاول الأربطعشيّون ترويج هذه الصورة. إلّا أنّ خطابهم وارتباطاتهم السياسيّة والبنى الاجتماعيّة لمناصريهم، كانت كلّها تشير إلى ابتعادهم عن قيم الحداثة ومشروع بناء الدولة المدنيّة التي ينادون بها. شهدت الأيّام الأخيرة سجالاً بشأن مؤتمر «ثقافة السلام» المنعقد في نيويورك بمبادرة من الملك السعودي عبد الله، لتشجيع الحوار بين الثقافات والديانات المختلفة. لقي المؤتمر انتقادات من مراقبين عرب ودوليّين سخروا من فكرة تشجيع حوار الأديان في العالم، ومنع هذا الحوار على أرض المملكة الداعمة للمؤتمر. لكنّه لقي أيضاً انتقادات سياسية رأت في حضور الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بداية تطبيع مع الدولة العبريّة. وهذه مخاوف لم يزدها حدّةً إلا إصرار الملك عبد اللّه على الاستماع إلى كلمة بيريز في المؤتمر والاستمتاع بها.
يمكن أن يناقش المرء في جدوى التطبيع أو مقاومته في هذه المرحلة السياسيّة. لكنّ دعاة التطبيع لا يمكنهم، تحت أيّ حجّة، كمّ الأفواه المعارضة له. ومن الطبيعيّ أن ترتفع أصوات لبنانيّة وعربيّة ضدّ التطبيع. لكن، لنعُد قليلاً إلى قِيم الفريقين السياسيّين في لبنان. وقف الأمين العام لحزب اللّه وقال إنّ بيريز قد ارتكب جرائم بحقّ اللبنانيّين. الدولة الإسرائيليّة ترتكب الجرائم كلّ يوم بحقّ الفلسطينيّين. لا يمكن لدولة من هذا النوع، ولرئيس من هذا الصنف، أن يُمثّل الديانة اليهودية في مؤتمر للحوار. فليدعوا مفكّرين يهوداً أو رجال دين يهوداً معادين للعنصريّة الصهيونيّة.
في المقابل، تنطّح زعيم الأغلبيّة النيابيّة اللبنانيّة للدفاع عن المؤتمر، متسائلاً لماذا لم يجرِ الاعتراض على استقبال الرئيس الإيراني لحاخامات يهود! هكذا، ببساطة، يصبح جميع اليهود أنداداً لمرتكبي الجرائم الإسرائيليّين. هكذا، ببساطة، أراد الزعيم «المتنوّر» الردّ على «التخلّف» الحزب اللّهي.
لا حدود للبازار السياسي. فعنده تهون الكرامات... وتهون أيضاً العنصريّة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 13 نوفمبر 2008,7:52 م
برسم برنامج انتخابي

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ١٣ تشرين ثاني ٢٠٠٨

يدور سجال سخيف بين القوّات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ بشأن مكافحة الفساد. فقد عاد الجنرال ميشال عون إلى أدبيّات توحي كأنّ الدين العام وإفقار اللبنانيّين قد تمّ بعدما وضع سياسيّو الحقبة السوريّة عصبة سوداء على رؤوسهم، وفتحوا خزائن الوزارات وأفرغوها. أمّا «الحكيم» فيفيض كالعادة حكمةً، ويتّهم حلفاء الجنرال بالفساد، فيما حلفاؤه يطفحون نزاهةً وبراءة.لكن، بصرف النظر عن ردّ الفعل القوّاتي، وما دمنا على أبواب انتخابات، وما دام الجنرال من أنصار الدولة المدنيّة والترشّح وفقاً لبرامج انتخابيّة، من المفيد أن يعدّ لنا التيّار رؤيةً اقتصاديّة تجيبنا عن الأسئلة الآتية:

1ـــــ إذا كانت السياسات الحريريّة قد رهنت البلاد للمصارف الكبرى، وأجبرت اللبنانيين على العمل لتسديد خدمة الدين لحيتان المال، فهل سيجرؤ التيار على فضح عملية النهب هذه والوقوف في وجه تلك الحيتان والقول: كفى!

2ـــــ إذا كان التيّار معترضاً على سياسة الجنّة الضريبيّة التي اتّبعتها حكومات ما بعد الطائف، فهل يؤيّد التيّار رفع الضريبة على الشركات تصاعديّاً والتخفيف من أعباء الرسوم التي تطال شرائح المواطنين كافة؟

3ــــ ما هو موقف التيّار من مشاريع الخصخصة، وخصوصاً أنّ القطاعين المرشّحين للبيع هما الآن في عهدة وزيرين من التيار الوطني الحر؟

4ـــــ قيل سابقاً إنّ محاربة الاحتكارات ممنوعة لأنّ ذلك سيسحب الوكالات الحصريّة من يد البورجوازيّة المسيحيّة أساساً. فهل التيار مستعد للوقوف في وجه هذه البورجوازيّة المحتكرة؟

5ـــــ هل لدى التيّار خطّة لإنقاذ صندوق الضمان الاجتماعي، وهل يمكن أن يؤيّد إعادة رفع الاشتراكات التي ينبغي للمؤسّسات تسديدها لهذا الصندوق؟

6ـــــ ما هو موقف التيّار من نهب التراث الوطني عبر جرف آثار بيروت لتسريع المشاريع العقاريّة. وهل سيخوض التيّار معركة في وجهة آلة الإعمار المدمّرة؟

هذه نماذج من أسئلة لا بدّ من الإجابة عنها في معرض نقد السياسات الاقتصاديّة الحريرو ــ سنيوريّة. أمّا الهروب منها تحت ستار مكافحة الفساد، فما عاد ينطلي على أحد.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 12 نوفمبر 2008,7:55 م
ولو من باب التّسلية
خالد صاغية
الأخبار عدد الأربعاء ١٢ تشرين ثاني ٢٠٠٨
رغم كثرة العناوين التي طغت على الانتخابات الأميركيّة، من الحرب على الإرهاب إلى حربَي العراق وأفغانستان وما رافقهما من فضائح وتجاوزات، إلى الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، اختار أحد المعلّقين الأميركيّين، في معرض تحليله لشعبيّة باراك أوباما، أن يشرح كيف استطاع الرئيس الجديد، بجملة واحدة، أن يكسب ودّ محبّي الكلاب في الولايات المتّحدة حين قال لابنته إنّه بات بإمكانها أن تحصل على الكلب الصغير الذي وعدها به. نحن أمام انتخابات رئاسية في بلاد تفرض سيطرتها على معظم بقاع الأرض، وتخوض حروباً، وتعاني من فقدان هيمنتها الطويلة على الاقتصاد العالمي، وبالتالي لم يكن ينقص السجالات الانتخابية مواضيع أخرى تهمّ الشعب الأميركي... ومع ذلك، وجد الرئيس أوباما طريقاً آخر يدخل به إلى قلوب شريحة كبيرة من الأميركيين، عبر جملة قالها لابنته.
لا يمكن، إزاء هذا الواقع، إلا الحديث عن فقر المخيّلة اللبنانيّة. فالخطاب السياسي يدور منذ ثلاث سنوات في الحلقة نفسها: 8 أو 14. سوريا أو السعوديّة. إيران أو أميركا. مع سلاح المقاومة أو ضدّه. ولم يسهم قرب موعد الانتخابات النيابية في إحداث أي خروق، باستثناء مزيد من التسعير في الخطاب الطائفي. فالسياسيّون عندنا يعلمون تماماً أنّ الطائفيّة تشكّل دافعاً أساسيّاً للشغف السياسي في بلادنا. وهذا واقع صحيح. لكن، ألا يمكن مخاطبة الناخبين إلا عبر القناة الطائفيّة حصراً؟ ألا يمكن لسياسيّ واحد أن يضرب على وتر حسّاس لدى اللبنانيين غير الوتر الطائفي؟ حتّى الآلات الموسيقيّة تمتلك أكثر من وتر، فهل يراد إقناعنا بأنّ ثمّة كائنات بشريّة لا تعزف إلا على وتر واحد؟
ليس القصد التقليل من شأن التأثير الطائفي. لكن ثمّة مجالات أخرى لا يريد أحد التطرّق إليها، وهي ليست بالضرورة «خسّيرة» انتخابياً. ليست تربية الكلاب واسعة الانتشار في لبنان. لكن لا بدّ من أنّ اللبنانيين مولعون بأمور أخرى. وإذا ما تعذّر اكتشافها، يمكن اختراع هوايات لهم.الكلام نفسه يُباع في الحارات نفسها. بدِّلوا قليلاً، ولو من باب التسلية.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008,7:43 م
فائض من الشفافية

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١١ تشرين ثاني ٢٠٠٨

ينبئنا وزير المال محمّد شطح، كمن يزفّ بشرى سارّة، أنّ موازنة عام 2009 «تتّسم بالشفافية»، فـ«لا إخفاء للأمور في الموازنة أو في تعاطي وزارة المال مع المشكلات الماليّة والاقتصاديّة التي يواجهها لبنان». والواقع أنّ النقص في الشفافية ليس أخطر ما نعاني منه. نحن نعاني من زيادة في الشفافية، وفي الإكثار من إطلاع المواطنين على كيف (لا) تتعاطى وزارة المال مع المشكلات الماليّة والاقتصاديّة. المشكلة في مكان آخر. المشكلة في شفافية ارتفاع معدّلات الاستغلال بشكل لا يخفى على أحد، وفي شفافية نهب المال العام بشكل لا يخفى على أحد، وفي اتباع سياسات متحيّزة طبقياً بشكل لا يخفى على أحد، وفي شفافية تسخير مقدّرات البلاد لتسديد فوائد الدين العام بشكل لا يخفى على أحد، وفي شفافية خرق القوانين الذي لا يخفى على أحد، وفي شفافية الاتّباع الأعمى لوصفات دولية تلائم بعض الطبقات الرأسمالية في هذه البلاد، وفي شفافية التعامي عن متغيّرات اقتصاديّة في العالم حين لا تلائم بعض الطبقات الرأسمالية في البلاد...

الواقع أنّ النقص في الشفافية ليس أخطر ما نعاني منه. نحن نعاني من فائض في الشفافية. نحن نعاني من شفافية تواطؤ الأطراف السياسية جمعاء على الاستمرار في هذه السياسات الاقتصادية المدمّرة. نحن نعاني من شفافية استخدام الأمور المعيشية في البازار السياسي والابتعاد عنها حين يقفل هذا البازار. نحن نعاني من شفافية تقاسم الجبنة بين زعماء الطوائف من دون أن يرفّ لهم جفن. نحن نعاني من شفافية استخدام أموال الدولة لتثبيت سلطة محتكري الزعامة ومحتكري الطوائف.

الواقع أنّ النقص في الشفافية ليس أخطر ما نعاني منه. نحن نعاني من مشكلة مختلفة. فأمام هذا الفائض من الشفافية، لا يريد أحد أن يعترض. الكلّ مسلّم بنصيبه، ما دام زعيم الطائفة راضياً، وما دام الراشي راضياً، وما دام «أبو الفقير» راضياً، وما دام «طال عمره» راضياً.وحدها المجتمعات الحديثة بحاجة إلى أساليب مقنّعة للنهب المنظّم. أمّا في مجتمعنا اللبناني، فالنهب شفّاف وما أحلاه. فليستعدّ فؤاد السنيورة لولاية ثالثة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 10 نوفمبر 2008,7:45 م
المائدة عامرة

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٠ تشرين ثاني ٢٠٠٨

صور حريق «الهوليداي إن» تملأ الطرقات مذيّلة بعبارات النشوة بالانتصار. وكأنّ حرب السنتين التي افتتحت حروبنا الأهلية الطويلة لا تزال موضع فخر حزب الكتائب اللبنانيّة. لقد كانت جزءاً من «الواجب الوطني» الذي عبّر عنه سمير جعجع، وجزءاً من البطولات التي تغنّى بها أمين الجميّل عند ترشّحه للانتخابات الفرعيّة في قضاء المتن. أمّا خلاصة هذه الانتصارات، فهي القضاء على فكرة التوطين. فعلى ما يبدو، خاض الفدائيّون الفلسطينيّون حرباً لفرض توطينهم في لبنان، فوقف معهم قسم من اللبنانيين، وحارب ضدّهم قسم آخر. أمّا النتيجة، فانتصار فريق «لا للتوطين» على الفريق «المتآمر» مع الفلسطينيّين.

الواضح أنّ الكتائب ترفع اليوم شعار محاربة التوطين لأسباب انتخابية في مواجهة التيار الوطني الحر الذي يرفع الشعار نفسه. وإذا كان التيار يخبرنا يومياً عن الخطر الداهم للتوطين، موحياً بأنّ محاربته تقضي بالالتحاق بركب الجنرال ميشال عون، فإنّ الكتائب تذكّر بأنّها هي من حارب التوطين، وبالسلاح، وأنّ هذه مسألة منتهية منذ زمن، منذ حرب السنتين.

لماذا تحتاج المعركة الانتخابية اللبنانية إلى التركيز على خطر خارجيّ يجسّده الفلسطينيّون غالباً؟ هل أنهى الأطراف اللبنانيون المتنازعون، وخصوصاً أولئك الذين يتقاتلون على المقاعد النيابيّة المسيحيّة، النقاش بشأن قضايا البلاد الخلافيّة، وما عاد أمامهم إلا التسابق على منع التوطين؟

هل يخبرنا حزب الكتائب اللبنانية، الحريص على «التوازن الديموغرافي»، ما الذي يفعله للحدّ من الهجرة؟ وهل يخبرنا ما هي السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي يدعمها لكي توفّر بديلاً من تحويلات المهاجرين؟

من المفهوم ألا تكون الانتخابات النيابية محطّة ثانوية في حياة حزب ما. فالوصول إلى البرلمان هدف أساسي لكلّ حزب، يستخدم في سبيله وسائل شتّى. لكن يفترض بالموسم الانتخابي أن يمثّل مناسبة لمناقشة أحوال البلاد، ولتظهير المشاكل التي نشأت في الفترة السابقة، وللتنافس على تقديم الحلول. إنّه موسم إنتاج الأفكار الجديدة للحكم، للنظرة إلى البلاد ووحدتها، لتنظيم شؤونها، لرفع المستوى المعيشي لأبنائها. إنّه موسم اجتراح الحلول لتخطّي النقاط السوداء في الماضي، ورسم النقاط المضيئة للمستقبل.

لكنّ أحزابنا المفلسة التي لا تملك أي تصوّر للمستقبل تتنافس على إعادة تبييض صورتها الماضية، وهي صورة غير مشرّفة على أيّ حال. هكذا يفخر البعض بتاريخه الدموي، ويفخر بعض آخر بتاريخه العنصري، ويزايد بعض ثالث بنهب المال العام، وبعض رابع بنهب المال الخاص، وبعض خامس بتصفية الأحزاب المناوئة...

ليست المرّة الأولى التي تجري فيها المتاجرة بالحرب الأهلية، وأسبابها ونتائجها، في سبيل الفوز الانتخابي. وحتّى نوفّر على الأحزاب التفكير في حملاتها الإعلانيّة، وما دام الفلسطينيون هم كبش المحرقة المتّفق عليه، نقترح مجاناً هذه السلسلة من «البانوهات»:

- القوات اللبنانية تعرض صوراً لاجتماعات بشير الجميل مع القادة الإسرائيليين قبيل التحضير للاجتياح الإسرائيلي.

- حزب الوطنيين الأحرار يعرض صوراً للحليّ المصنوعة من الأعضاء البشرية للفلسطينيين، التي كان الرئيس كميل شمعون يفاخر بها أمام زوّاره الإسرائيليين.

- حركة أمل تعرض صوراً لحرب المخيّمات التي عرّضت الفلسطينيّين للعطش والجوع.

- الرئيس ميشال سليمان، إذا قرّر خوض الانتخابات وتأليف كتلته الخاصّة، يعرض صوراً من حرب تدمير نهر البارد.

- حزب اللّه يعرض صوراً للكوادر اليساريّين المتّهم باغتيالهم، الذين كانوا قريبين من المقاومة الفلسطينيّة.

- الحزب التقدّمي الاشتراكي يعرض صور قادته وهم ينسّقون مع الجيش الإسرائيلي خلال اجتياح بيروت وطردهم للمقاومة الفلسطينية منها.

- الجنرال ميشال عون يعرض صور مجزرة تل الزعتر.

- تيار المستقبل ينشر صوراً تظهر حماسة فؤاد السنيورة لتدمير مخيّم البارد وحماسة مماثلة لعدم إعماره.

سيحار عندئذ المواطن اللبناني أمام صندوق الاقتراع. فالسجل الوطني الأنتي ــ فلسطيني حافل لدى جميع الأحزاب والقوى. كلّ لبنان ضدّ التوطين. لكن، كلّ لبنان أيضاً ضدّ الحقوق المدنيّة الفلسطينية. كلّ لبنان وقف مع تدمير مخيّم نهر البارد. كلّ لبنان يتواطأ ضدّ إعادة إعماره.

المائدة عامرة، فاختر ما شئت أيّها الناخب.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 7 نوفمبر 2008,7:58 م
ليس للرئيس من يودّعه
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٧ تشرين ثاني ٢٠٠٨
قبل أن يغادر الرئيس الأميركي جورج بوش البيت الأبيض، بدأ الجميع ينفض يديه منه.
المصفّقون لحرب العراق وقارعو طبولها يتنصّلون من تلك الحرب بعدما تكشّفت عن فشل ذريع. المستفيدون من الخفوضات الضريبية ورفع يد الدولة عن الاقتصاد باتوا ينتقدون غياب الرقابة بعد الأزمة الماليّة العالميّة. حتّى بيادق بوش الفكريّة والسياسيّة في لبنان باتت تتطلّع بشغف إلى التغيير الذي سينجزه أوباما. اليسار في العالم كلّه معجب بتجربة ذاك الشاب الذي حقّق صعوداً طبقيّاً، من التهميش إلى جامعة هارفرد إلى البيت الأبيض. إنّه فقير ابن فقراء لن يخذل أبناء طبقته السابقة. لكنّ اليمين معجب أيضاً بهذا الصعود. فهل سيرة أوباما ما هي إلا تجسيد للحلم الأميركي؟
اليسار الجديد معجب بأوباما وبتجربته في التغلّب على العنصريّة. فانتخاب رئيس أسود سيغيّر العلاقات بين البيض والسود في الولايات المتّحدة، إن لم يكن في العالم كلّه.
«وول ستريت» والصناعيّون الكبار يحبّون أوباما أيضاً. فهو لن يتّبع سياسات سلفه المتهوّرة. وفي الوقت نفسه، لن يتوانى عن تسخير مقدّرات الدولة لإنقاذ الشركات الكبرى ودعمها واستعادتها قوّتها.
«محور الشرّ» يحب أوباما. سوريا متفائلة، وأحمدي نجاد بعث برسالة تهنئة مليئة بالأمل بأن يستجيب الرئيس الجديد «بسرعة وبوضوح لمطالب التغيير الجذري والملائم للسياسة الأميركية الداخلية والخارجية». فنجاد وشعوب العالم ينتظرون من الولايات المتحدة، بقيادة أوباما، أن تتبنى «العدالة واحترام حقوق الأمم... وأن تتوقف تدخّلات الحكومة الأميركية عند حدودها الجغرافية»، بحسب ما جاء في الرسالة.
أميركيّو الهوى ومناصرو الإمبرياليّة سعيدون بأوباما. فقد أضناهم الخجل من بوش. إن من يريد الدفاع عن الإمبراطوريّة وعن عودة الاستعمار بحاجة إلى مستعمِر يُدافَع عنه، لا عن شخص من طراز بوش الابن.
حتّى بعد فشل نشر الديموقراطية، وفضائح الاحتلال في العراق، وُجد من يدافع عن بوش بحجّة أنّ الحرب على الإرهاب، رغم كلّ شيء، لم تفشل. فالولايات المتحدة لم تشهد اعتداءً آخر بعد 11 أيلول. أمّا الآن، مع ذلك الرجل القادر على إرضاء كلّ هذه التناقضات، فليس لبوش من يودّعه.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
السبت، 1 نوفمبر 2008,12:05 ص
اختلاف أيديولوجي

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٣١ تشرين أول ٢٠٠٨


طرح سمير جعجع مسألةً بليغةً للغاية. قال إنّ ثمّة اختلافاً أيديولوجيّاً بينه وبين العماد عون. وحين أُلِحّ عليه لشرح الاختلاف بين التوجّهين الأيديولوجيّين، أعلن أنّ العماد عون سافر إلى إيران. أمّا هو، فقد سافر إلى مصر. هل اختلط الأمر على «الحكيم» بين الجغرافيا والأيديولوجيا؟ الأرجح أنّ ذلك لم يحصل. فسرعان ما عرف السيّد جعجع أنّ إجابته لم تكن موفّقة، وجرّب أمراً آخر. قال: العماد عون يرى أنّ التدخّل الأميركي في لبنان ليس من مصلحة المسيحيّين. يمكننا أن نحزر أنّ جعجع يرى، بعكس عون، أنّ التدخّل الأميركي في لبنان هو لمصلحة المسيحيّين. لكن، مرّة أخرى، ما علاقة الأيديولوجيا بالأمر؟
الواقع أنّ «مصلحة المسيحيّين» باتت القاسم المشترك في خطابَي جعجع وعون. عفواً، باتت هي خطاب جعجع، وهي، في الوقت نفسه، خطاب عون. لقد تحوّل التيّاران/ الحزبان إلى تيّار واحد في الحقيقة، يحمل شعاراً واحداً وهمّاً واحداً، وإن اختلفا في التحالفات والتكتيك السياسي. إذا كان لهذا الخطاب المسيحي الطائفي أن يُسمّى أيديولوجيا، فلا بأس. لكن الحريّ بالسيّد جعجع أن يعترف في هذه الحالة بأنّه يحمل وعون أيديولوجيا واحدة.
فنحن لا نعرف ماذا بقي من «علمانيّة» التيار الوطني الحر، أو من رؤيته لبناء الدولة، أو للمساواة بين المواطنين. لقد بات دفاع جبران باسيل عن عطلة الجمعة العظيمة أعلى شأناً في أدبيّات التيّار من أيّ شيء آخر. وجعجع مقهور من دون شك. مقهور لأنّه يريد أن يدافع هو عن الجمعة العظيمة، وأن يتباهى هو بالعنصريّة تجاه الفلسطينيّين، وأن يأخذ هو «الحصّة» المسيحيّة ممّا بقي من الدولة.
الاختلاف الأيديولوجي عنوان لا يليق بترّهات الزواريب. سيكون صعباً إقناع الناخب البتروني مثلاً بانتخاب أنطوان زهرا بدلاً من جبران باسيل، أو انتخاب جبران باسيل بدلاً من أنطوان زهرا، بسبب الاختلاف في العقيدة. إنّها الجمعة العظيمة، يا غبي!


التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments