الاثنين، 31 يناير 2011,12:58 م
وجه الانتفاضة
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٢٨ الاثنين ٣١ كانون الثاني ٢٠١١

يعيش الرئيس المصري على المقوّيات الاصطناعيّة. ثمّة من يمنعه من الانهيار قبل جهوز البديل. فالتظاهرات الشعبيّة باغتت الجميع في القاهرة... وواشنطن. وربّما باغتت المتظاهرين أنفسهم الذين لم يصدّقوا ما بدأت تفعله أيديهم. الارتباك الذي ساد المؤتمرات الصحافيّة الرسميّة الأميركيّة، ليل الجمعة، يؤكّد أنّ واشنطن لم تحسم خياراتها بعد. التحرّكات الشعبيّة التي ما كان لها أن تنجح في ظلّ النظام المصريّ لو لم تكن صادرة عن مجموعات غير منظّمة مركزياً، لم تفرز بعد قيادات خاصّة بها. أمّا أحزاب المعارضة، فالواضح أنّها تلهث وراء المتظاهرين من دون أن ترقى إلى مستوى احتجاجاتهم. الرئيس المترنّح نفسه كانت لديه خطّة واحدة: ابنه جمال. التعيينات التي قام بها مبارك لم تهدف فقط إلى تهدئة الشارع، وهو ما لم يحدث، بل أدّت إلى مزيد من دخول الجيش المصري إلى صلب المؤسّسة السياسيّة.
وسط كلّ هذا العجز، ترتفع إذاً أسهُم الجيش، وخصوصاً أنّ جمهوريّة مصر لم تعرف في تاريخها رئيساً إلا من صفوف المؤسّسة العسكريّة. وإذا كان تولّي شخصيّة عسكريّة زمام الأمور أمراً مألوفاً في منطقتنا، فإنّ الأوضاع الحاليّة تجعل من الصعب أن يتمتّع الجيش بأيّ خطاب يعطيه شرعيّة لتسلّم دائم للسلطة.
فبخلاف النصف الثاني من القرن العشرين، لا يقود الجيش انقلاباً للتخلّص من الاستعمار. وليست أمامه نماذج تنمويّة يعد بتطبيقها. فنحن لا نعيش في زمن التأميم والإصلاح الزراعيّ والاشتراكيّة، ولا يسع الجيش أن ينأى بنفسه عن السياسات الاقتصادية المتّبعة اليوم، وخصوصاً أنّه أكبر «رجل أعمال» في مصر والقطاعات الاقتصاديّة التي يسيطر عليها لا تُحصى. وبخلاف الجزائر، لن يتمكّن الجيش من طرح نفسه ضمانة ضدّ وصول الإسلاميّين إلى الحكم. فالإسلاميّون ليسوا من يحرّك الشارع المصريّ الآن. إضافة إلى كلّ ذلك، فإنّ جنرالات النظام لا يُعرف عنهم موقف مختلف من إسرائيل، وكان لافتاً غضب الشارع على عمر سليمان باعتباره «رجل إسرائيل الثاني».
لا يمكن الجيش المصريّ أن يكون هو الحلّ. أمّا محمّد البرادعي، فيبدو كالفتى التائه بين المتظاهرين. شباب مصر الذين صنعوا ربيعها، عليهم أن يعطوا انتفاضتهم وجهاً، هو وجههم هم لا وجه أحد سواهم.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 27 يناير 2011,8:41 ص
رحلة الحريريّة السعيدة

خالد صاغية

الأخبار العدد ١٣٢٥ الخميس ٢٧ كانون الثاني ٢٠١١

بعد 14 آذار 2005، راجت نظريّة قوامها أنّ الحريريّة تمكّنت دون سواها من إدخال الطائفة السنّية إلى لبنان. فهذه الطائفة التي كان انتماؤها دائماً عربيّاً أوّلاً، نزلت للمرّة الأولى إلى الساحات رافعةً شعار السيادة اللبنانية والاستقلال اللبناني، وهما سيادة واستقلال عن سوريا هذه المرّة، لا عن استعمار غربيّ. أمّا الزعيم الملهم، فليس يوسف العظمة ولا فيصل بن الحسين ولا جمال عبد الناصر، بل ابن مدينة صيدا رفيق الحريري. لقد أشهرت الطائفة لبنانيّتها أخيراً.
لكنّ الدخول إلى الوطن، على الطريقة الحريريّة، جاء من البوّابة المستحيلة. وإذا كان سمير جعجع قد عرف كيف يعبّر من دون قصد عن هذه الاستحالة حين رفع شعار «البحر من ورائكم والعدوّ من أمامكم»، فإنّ أصحاب الدكاكين الصغيرة في بيروت كانوا أشدّ بلاغةً في تعبيرهم الصامت حين علّقوا صور الحريري الأب إلى جانب صور عبد الناصر. فقد وقفت عقدتان في وجه هذا النوع من اللَبْنَنة: العجز عن تخطّي الحاجز الجغرافيّ السوري، وصعوبة الدمج بين خطاب سياسيّ قائم على العداء للمقاومة والتمسّك بحُرم الصلح مع إسرائيل.
لم تكن خطيئة ميشال عون أنّه لم يقُد المسيحيّين، وهم أوّل من تبنّى شعار «لبنان أولاً»، إلى استقبال الحريريّة بالأحضان. ولم يكن الصراع على الحصص داخل النظام وحده ما دفعه إلى الخروج مبكراً من تجمّع 14 آذار. بل لعلّ عون أدرك استحالة هذا النوع من اللبننة، وخصوصاً أنّه سبق أن اختبر العقدتين معاً حين رافق عن كثب تجربة بشير الجميّل، وحين خاض وحيداً «حرب التحرير».
تأخّر سعد الحريري قرابة ستّة أعوام ليحذو حذو ميشال عون، أي ليخرج من فريق 14 آذار. هذا هو المعنى الحقيقي لـ«يوم الغضب»، انهيار فكرة الحريريّة كمدخل إلى لبنان. فقطع الطرقات وحرق الإطارات وإقامة التجمّعات لم تحصل دفاعاً عن فكرة الدولة واحترام الدستور، ولا استنكاراً لوجود سلاح غير شرعيّ بين أيدي حزب اللّه، ولا حتّى من أجل المحكمة الدوليّة. «يوم الغضب» جاء تحت عنوان واحد: حقّ سعد الحريري في الموقع السنّي الأوّل.
بين 1992 و2011 عشرون عاماً هي رحلة الحريريّة من الأفق العربيّ إلى لبنان إلى الشرنقة الطائفيّة. كابتن سعد يحيّيكم من غرفة القيادة، ويتمنّى لـ«لأمانة العامّة لـ14 آذار» رحلة سعيدة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 26 يناير 2011,11:15 م
الجولة الأولى
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٢٤ الاربعاء ٢٦ كانون الثاني ٢٠١١

كان الشارع، أمس، ملكاً لتيّار المستقبل. لم تواجهه جماهير من الطرف الآخر، سواء انتمت إلى المعارضة أو إلى أنصار الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي. ومع ذلك، بدا الأخير في ظهوره التلفزيونيّ المسائيّ كالخارج منتصراً من المعركة. ليست معركة الاستشارات وحسب، بل معركة الشارع التي خاضها متفرّجاً. فرغم إثبات سعد الحريري امتلاكه ما يكفي من شعبيّة كي يقطع الطرقات من الشمال إلى الجنوب، وهي شعبيّة لا يتشكّك فيها أحد، فإنّ ميقاتي قد نجح في تجاوز النهار الصعب مسجّلاً نقاطاً عدّة:
أوّلاً، لو أثبت «يوم الغضب» أنّه يوم غضب فعلاً، لكان على الرئيس المكلّف أن يفهم أنّه يستطيع أن يدخل إلى السرايا، لكنّه لن يتمكّن من الدخول إلى منزله في مدينة طرابلس بعد اليوم. لكنّ ما حدث كان عكس ذلك تماماً. إذ يبدو أنّ عاصمة الشمال لم تقدّم للمعتصمين إلا ساحتها. أمّا المعتصمون أنفسهم، فجاء معظمهم من خارج المدينة، من الضنية وعكّار تحديداً. ومن دون أن يرفّ لهما جفن، تابع النائبان أحمد كرامي ومحمّد الصفدي طريقهما إلى قصر بعبدا ليصوّتا لمصلحة حليفهما.
ثانياً، نجح ميقاتي في مصادرة صورة الاعتدال والهدوء التي حاول الحريري دائماً استخدامها في وجه حزب اللّه. فقد تخلّى رئيس الحكومة السابق عن رفضه اللجوء إلى الشارع، وعن احتقاره لحرق الإطارات وقطع الطرقات، وعن تمسّكه بالاحتكام إلى المؤسّسات، غير مدرك للقيود التي لا حياة للحريريّة من دونها. فتماماً كما أنّ المقاومة تخسر من رصيدها حين تدخل إلى زواريب بيروت، تخسر الحريريّة كلّ رصيدها حين تحرق إطاراً واحداً في الشارع.
ثالثاً، لم تصدر حتّى اللحظة أيّ إدانة دوليّة لتكليف ميقاتي رئاسة الحكومة. وزيرة الخارجيّة الأميركيّة هيلاري كلينتون اكتفت بالإعلان: «نحن نراقب ما تفعله هذه الحكومة الجديدة، وسنحكم عليها تبعاً لذلك». الاتحاد الأوروبي لم يفعل سوى تأكيد ما قاله ميقاتي نفسه، أي «السعي إلى التوافق». السعوديّة صامتة، لكنّ تصويت بعض النوّاب، وترشّح ميقاتي نفسه، يشيان بأنّ المملكة على الأقلّ لا تضع فيتو على ما يجري.
ما زال مبكراً التكهّن بما ستحمله الأيّام المقبلة في الأوساط السنّية. لكنّ المؤكّد أنّ نكسة سعد الحريري الحقيقيّة كانت في ما جرى يوم أمس في الشارع، لا في قصر بعبدا. فأن يخسر سعد رئاسة الحكومة أمر يمكن تعويضه. لكن، أن يخسر سعدُ الحريري نفسَه، فهذا ما لا يخدم إلّا خصومه.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 25 يناير 2011,11:25 م
مأساة الحريريّة
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٢٣ الثلاثاء ٢٥ كانون الثاني ٢٠١١

حين قال رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، إنّ ما بعد الاستشارات النيابيّة ليس كما قبلها، لم يكن يمارس ولعه بترداد البديهيّات. الأرجح أنّه كان يقصد أنّ تيّار المستقبل ما بعد الاستشارات سيكون غير تيّار المستقبل ما قبلها. فالقادة حين «يُزرَكون» في الزاوية، يستدعون جيش الاحتياط. والاحتياط الحريريّ جاهز بعيداً من ساحة الشهداء وثورتها الملوّنة، وبعيداً من حملة الشهادات الذين تعلّموا بأموال رفيق الحريري، وبعيداً من الخبراء الذين زُرعوا في الإدارات ليسهروا على حسن سير مشروع «الإعمار» والنهب المنظّم. جيش الاحتياط جاهز في الأمكنة التي لم تُعِرها الحريريّة أيّ اهتمام، وسيتحرّك اليوم ليحظى بلفتة صغيرة أو بنظرة احترام واحدة من أصحاب البذلات الأنيقة. سيختفي نبيل دو فريج من الصورة قليلاً. وسيتصدّر الساحات خالد ضاهر.
كلّ ذلك متوقّع. سبق أن عاينّاه جيّداً حين شعرت إحدى الطوائف الكبرى بأنّ ثمّة من يريد كسر قرارها. افترشت الجماهير الساحات. أدّت الصلاة على طريقتها في الهواء الطلق. أطلقت هتافات ضدّ زعماء من الطوائف الأخرى. وتماماً كما صرخ الأشدّ حماسة «الدم الشيعي عم يغلي غلي»، ستثبت الجماهير السنّية اليوم أنّ دمها هو الآخر يغلي. وقد بدأ فعلاً بالغليان منذ ليل أمس.
لا ينبغي لذلك أن يفاجئ أحداً. فالعصبيّات الطائفيّة حين يُطلَق لها العنان، تتشابه حتّى حدود المَلَل. فؤاد السنيورة نفسه، «رجل الدولة» كما يحبّ أن يروّج لصورته، أيّد ترشيح الحريري لاعتبارات طائفيّة. قالها من قصر بعبدا ثمّ اعتذر عن استخدام الكلمة. حاول استبدالها بـ«البيئة»، ثمّ «الأهل». لكنّه استسلم في النهاية، و«بقّ البحصة». حتّى «رجال الدولة» تخونهم ألسنتهم.
أمّا من عليه أن يبلع لسانه، فهو كلّ من تفوّه بالكلام العنصري ضدّ الذين نزلوا إلى الشوارع سابقاً، والذين أحرقوا الدواليب، والذين أقاموا الاعتصامات من أجل تحقيق مطالبهم. يومها، شُنَّت حملات دفاعاً عن «الوجه الحضاري» و«الاحتكام إلى المؤسّسات». ولم يتردّد أحد قادة 14 آذار في إتحافنا بأنّ جماهيره لا تشارك في تظاهرات لكونها جماهير حضاريّة.
سيخرج اليوم جيش الاحتياط إلى العلن. وستكون مشاعره أشدّ التهاباً. فبخلاف اعتصام وسط بيروت، سنكون أمام جماهير طائفةٍ تدافع عمّا تعدّه «كرامة» موقع طائفتها الأوّل. لكنّ مأساة سعد الحريري تكمن هنا: ماذا يبقى من الحريريّة إن استُبدِلت «سوليدير» بـ«مجزرة حلبا»؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 24 يناير 2011,11:27 م
فيلم مكرّر
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٢٢ الاثنين ٢٤ كانون الثاني ٢٠١١

سبق أن شاهدنا هذا الفيلم. الرئيس إميل لحّود قادم إلى السلطة على صهوة حصان أبيض، تسبقه إلى قصر بعبدا حكايات تشهد على نظافة كفّه وعدم تساهله مع الفساد والفاسدين. وهو، بخلاف العماد ميشال عون، لم يكن مثقلاً بتجربة سياسيّة سابقة. لكنّه، تماماً كعون، مدعوم من ضبّاط كبار في الجيش رأوا في التغييرات السياسيّة فرصة لتجديد دور المؤسّسة العسكريّة وتنشيطه. كذلك رُوِّجت له صورة «المسيحي القوي» الذي سيعيد الأمجاد الغابرة.
عون ليس متوجّهاً اليوم إلى قصر بعبدا. لكنّ صورته تقف وراء الخطاب المؤيّد لرحيل الحريريّة عن السلطة. فتماماً كما حصل في 1998، جرى التنظير لأسباب داخليّة وإقليميّة تبيح محظور القفز فوق التوازنات الطائفيّة اللبنانيّة. وهو تنظير انطلقت مسلّماته الإقليميّة من دمشق، وطرب له حزب اللّه، وتبنّاه المبعدون عن السلطة في لبنان.
آنذاك، أُدخلت تحسينات على السياسة الاقتصاديّة، لكنّ رموزاً للفساد بقوا متربّعين على كراسيّهم، فيما شُنَّت حملات انتقائيّة على آخرين. انتهى الخطاب الطهرانيّ إلى انضمام أعضاء جدد إلى نادي الفاسدين. ولنا في كثير من وجوه «مطاوعة» الأخلاق اليوم ملامح لعاب يسيل شوقاً لذاك النادي.
لا يدخل ذلك في باب محاكمة النيّات، بل في التأكيد أنّ الحيّز الاقتصادي ـــــ الاجتماعي قد تصيبه في أفضل الأحوال بعض الانعكاسات الجانبيّة. وما قد يكسبه الناس على صعيد تحسّن مستواهم المعيشيّ، سيخسرونه في ارتفاع مستوى عصبيّاتهم الطائفيّة وتوتّرهم العصبيّ.
لكنّ الفيلم المكرّر لا يقتصر على جانب دون آخر. فالتعنّت المقابل ورفض تقديم تنازلات في مسائل قد تطيح هي الأخرى وحدة البلد، أو التمسّك بسياسات الهيمنة الطائفيّة والطبقيّة، تسهّل مهمّة الانقضاض على مبدأ حكومات التوافق في لحظات استثنائية كالتي نمرّ بها. ففي 1998، تماماً كما اليوم، لم يفعل الموالون لفريق الحريري سوى التهديد بالويل والثبور. فإن ترك الحريري السلطة، فسينهار الاقتصاد، سيختفي النموّ، ستنخفض قيمة الليرة، سيواجه لبنان غضب العرب والأجانب. ولم ينتبه حريريّو الأمس واليوم أنّ كلاماً كهذا يدين الحريريّة قبل سواها، إذ تروّج لصورتها كديكتاتوريّة مقنّعة تربط مصير البلاد بشخص، وكتيّار غير مسؤول وقد خرج من صفوفه أصلاً من يستعيد شعارات شمشونيّة: «عليّ وعلى أعدائي».
إنّ أيّ استشارات نيابيّة تحدث في أجواء كهذه لا تستحقّ هذا الاسم. هي في أفضل الأحوال استشارات حول الطريقة المثلى للرحلة نحو الهاوية.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 21 يناير 2011,10:31 ص
ماذا بعد؟
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٢٠ الجمعة ٢١ كانون الثاني ٢٠١١

من الصعب التصديق أنّ التسوية عادت لتنهار بسبب بضعة مطالب مبالغ بها قدّمها الرئيس سعد الحريري في ورقة تنازلاته الشهيرة. فهذا النوع من المطالب كان يمكن التفاوض عليه بمساعدة الموفدين القطري والتركي ما دام الحريري، باعتراف المعارضة نفسها، قد قدّم في ورقته التنازل الأساسي المتعلّق بالمحكمة الدوليّة. لكنّ المعارضة ما برحت تردّد جملة غير مفهومة حقاً: «ما بعد القرار الظنّي هو غير ما قبله». وهي جملة غير مفهومة لأنّ الحريري، في كل الأحوال، لم يكن مطلوباً منه وقف آليّات عمل المحكمة، بل فكّ ارتباط لبنان بها ورفض أيّ اتّهام يطال حزب اللّه أو أيّاً من أفراده. وكان متوقَّعاً أن يربط الحريري موافقته على ذلك بصدور القرار الظنّي. فمن يدخل في أيّ مفاوضات، فعليه أن يبيع بالسعر الأعلى.
من الصعب التصديق أيضاً أنّ التسوية عادت لتنهار بسبب إصرار العماد ميشال عون على مكافحة الفساد وكشف مصير المليارات الضائعة، فرغم أحقيّة بعض هذه المطالب، يعرف الجميع أنّ النوّاب الذين سيدلون بأصواتهم الأسبوع المقبل ينتمي بعضهم إلى كتل عريقة بممارسة الفساد، فضلاً عن أنّ صراعاً طاحناً أوجب تدخّل السفارة الأميركيّة، نشَبَ حول صوت نائب زحلة، ملك الكسّارات العائد إلى أحضان المعارضة.
الأرجح أنّ التسوية انهارت مرّة أخرى بسبب الخطيئة التي ارتكبها سعد الحريري في نيويورك، حيث عاد إلى لعبة قديمة وخطرة تقضي بالاستنجاد بالإدارة الأميركيّة في وجه الضغوط السوريّة. لكنّ ذلك لا يتيح ارتكاب خطيئة مقابلة من المعارضة، تقضي بالسير في مشروع تأليف حكومة من دون تيّار المستقبل الذي لا يزال يمثّل أكثريّة كبرى داخل طائفته. وهي خطيئة مضاعَفة لأنّ المعارضة، رغم كونها تضمّ قوى من طوائف مختلفة، فإنّ قيادتها معقودة لحزب اللّه، في منطقة بات الصراع السنّي ـــــ الشيعيّ يمثّل فيها خطراً داهماً. صحيح أنّ المعارضة حقّقت اختراقات مهمّة في الوسط السنّي، لكنّها اختراقات غير كافية لإطاحة تيّار المستقبل، فضلاً عن أنّ هذه الإطاحة قد تمحو مفاعيل كلّ تلك الاختراقات.
لا شكّ في أنّ تيّار المستقبل كان شريكاً في إقصاء المسيحيّين عن السلطة خلال الحقبة السوريّة. ولا شكّ في أنّ قوى 14 آذار لعبت لعبة إقصاء الشيعة عن السلطة خلال حقبة السيادة المزعومة. لقد دفع لبنان غالياً ثمن هذَيْن التهميشَيْن، والذهاب اليوم نحو حكومة 8 آذاريّة لن يحقّق سوى تعميق التشقّقات داخل النسيج الاجتماعي اللبناني.
عمر كرامي... حظّاً سعيداً. لكنّ الثالثة ليست دائماً ثابتة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 20 يناير 2011,7:04 م
شهادات «فسّيدو»
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٩ الخميس ٢٠ كانون الثاني ٢٠١١

من المعروف أنّه إذا تجاوزنا الكثير من التفاصيل، يمكن اختزال جزء كبير من التاريخ السياسي اللبناني بحكاية زعماء يستقوون بقناصل وسفراء للانقضاض على زعماء آخرين. وفي حالات كثيرة، يمكن القول إنّ طوائف تستنجد بدول خارجيّة لتفرض سلطتها على طوائف أخرى. التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، لم يشذّا عن هذه القاعدة. والمقصود هنا ليس القرار الاتهامي الذي بات عن قصد أو غير قصد جزءاً من الصراع السنّي ـــــ الشيعي في المنطقة، ولا تشكيك جزء كبير من اللبنانيّين في التحقيق وفي عمل المحكمة، ولا خطاب توجيه الاتّهامات إلى المحكمة لكونها جزءاً من مؤامرة تديرها أجهزة استخبارات معشّشة في أروقة لاهاي. فيبدو أنّ المسؤولين اللبنانيّين تعاملوا مع التحقيق الدولي منذ البداية كما لو أنّه فرصة لتصفية الخصوم.
فلنعُد قليلاً إلى التسجيلات التي تبثّها قناة «الجديد»، والتي تتضمّن وقائع جلسات تحقيق مع مسؤولين لبنانيّين. استمعنا حتّى الآن إلى شريطين لسعد الحريري، وبضع دقائق من شريط وزير الـ(لا)دفاع الياس المرّ. وفي الحالتين، تستوقف المرء الطريقة التي أدلى عبرها المسؤولان اللبنانيان بشهادتيْهما.
فرغم الموقف الأليم بالنسبة إلى الحريري الابن، ورغم الوضع الحسّاس بالنسبة إلى المرّ الابن، تصرّف كلاهما كأنّها فرصة للوشاية بمن يكرهانهم. فبخلاف محطّات تاريخيّة أخرى، الزعيم اللبناني هنا ليس في حضرة قنصل أو وزير خارجيّة دولة كبرى، بل هو في حضرة لجنة تحقيق تمثّل المجتمع الدولي برمّته. إنّها الفرصة إذاً كي يتقمّص كلّ مستجوَب شخصيّة «فسّيدو» تجاه خصومه، عسى لجنة التحقيق تشتبه فيهم، تجمّد أموالهم، توقفهم، وربّما... اتّهمتهم بالقتل.
ولعلّ أبرز ما يمكن المرء ملاحظته في شهادة الحريري هو عودته في مناسبة ومن دون مناسبة إلى ذكر اسمَيْ جميل السيّد وآصف شوكت، فيما اختار الياس المرّ رواية هزليّة عن سليمان فرنجية الذي لم يغفر له المرّ حتّى الآن إصراره على تولّي الوزارة التي كادت تتحوّل جزءاً من إقطاع آل المرّ في بتغرين. فكان الحريري يُسأَل عن الملوخيّة مثلاً، فيجيب بأنّه لا يحبّها، لكنّ والده أخبره ذات يوم أنّ آصف شوكت مولع بها. أمّا المرّ، فاغتنمها فرصةً ليدّعي أمام «الرجل الأبيض» أنّ مفهوم الأمن بالنسبة إليه بات عالمياً، وأنّ من جاء من بعده لا يهمّه إلا صفقات الفساد. فمن يدري؟ ربّما كان تدوين ملاحظة كهذه يرفع من أسهُم المرّ الذي بات معتمداً أميركيّاً في وزارة الدفاع.
مسلسل «حقيقة ليكس» مستمرّ. المؤكّد حتّى الآن أنّه من بطولة «فسّيدو».


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 19 يناير 2011,7:06 م
سبائك الذهب
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٨ الاربعاء ١٩ كانون الثاني ٢٠١١


في اليوم نفسه الذي كانت تُرجَّح فيه التوقّعات بشأن دخول لبنان في أزمة مفتوحة... وفي اليوم نفسه الذي كان وزيرا الخارجيّة القطري والتركي يقودان فيه مفاوضات شاقّة من أجل التمكّن من تجاوز أزمة استقالة وزراء المعارضة... وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه المدّعي العام الدولي دانيال بلمار أنّ الأدلّة التي يتضمّنها قراره الاتهامي هي ذات «قوّة وصدقية»... وفي اليوم نفسه الذي انتشرت فيه مجموعات من الشباب بلباس موحّد في أحياء مختلفة من بيروت، لتقدّم صورة مصغّرة جدّاً عمّا يمكن أن يكون عليه ردّ فعل حزب اللّه على أيّ تفاعل لبناني مع قرار يوجّه إلى الحزب أصابع الاتّهام في قضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري... وفي اليوم نفسه الذي دبّ الذعر فيه بالأهالي، فتهافتوا إلى مدارس العاصمة ليعيدوا أبناءهم إلى البيت... في هذا اليوم بالذات، قرّر سعد الحريري أن يتسلّى.
هي ليست تسلية بالمعنى الحقيقي للكلمة. لكنّها نوع من الترف أو من تطبيق علاقة الحاكم بالسلطة كما يفهمها الحريري. فللمرّة العاشرة ربّما، يجري تركيب سيناريو من الأكاذيب التي لا تنطلي على أحد، للحفاظ على منابع النهب في وزارة الاتصالات. وبخفّة لا تُحتمل حقاً، بدأت أبواق الحريري الإعلاميّة تسوّق لمصطلح «ميليشيات التيّار الوطني الحرّ». أمّا قائد الحملة المنتدَب للدفاع عن المصلحة العامّة، فليس إلا غازي يوسف، النائب الذي يجمع خلافاً للقانون بين موقعه البرلماني ومنصبه كرئيس مجلس إدارة شركة مختلطة.
هذا النوع من التسلية مسموح عادةً في اللعبة السياسية اللبنانية. لكنّه غير مألوف في ظروف كالتي تمرّ بها البلاد. وحدها ليلى طرابلسي تفوّقت على الحريري في ولعها بهذا النوع من الخفّة. فحين كان نظام زين العابدين بن علي يتهاوى في تونس، اتّجهت قرينته ليلى إلى المصرف المركزي التونسي وطلبت مجموعة من سبائك الذهب كي تهرّبها معها إلى خارج البلاد. هذا ما تقوله رواية استخباريّة فرنسيّة تجزم بأنّ ما سرقته السيّدة ليلى توازي قيمته ستّين مليون دولار.
في وزارة الاتصالات، ما من سبائك ذهب طبعاً. لكنّها الوزارة التي تدرّ على الدولة أرباحاً سنويّة هائلة يراد تجييرها إلى القطاع الخاص، وهذا ليس إلا الاسم الحَرَكيّ لجحا وأهل بيته. فهل كان الخلاف على إطلاق يد جحا في نهب السبائك، هو ما جعله يتردّد في إنقاذ التسوية؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 18 يناير 2011,7:24 م
عناية إلهيّة
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٧ الثلاثاء ١٨ كانون الثاني ٢٠١١

طلب ميشال عون، أوّل من أمس، من اللّه أن يلهم وليد جنبلاط. وقد استُجيب طلبه، فألهم اللّه جنبلاط فعلاً، لكن في غير الاتّجاه الذي كان يتمنّاه عون. ففي الواقع، لو ذهب جنبلاط في رحلة معاكسة، لما بدا تحرّكُه نتيجةَ إلهام ربّاني، بقدر ما كانت حركته ستمثّل ضرباً من ضروب الجنون غير الغريبة عن جنبلاط نفسه وغير الغريبة عن عون أيضاً.
حلّ الإلهام مكان الجنون، ولم تصبّ أصوات مجموعة من نوّاب اللقاء الديموقراطي في مصلحة تأليف حكومة من لون واحد تمسك بها المعارضة. فحكومة كهذه، أيّاًَ يكن رئيسها، ستُدخل البلاد في نفق مظلم تماماً كما يمكن أن يحصل لو تمكّن سعد الحريري من تأليف حكومة تستبعد المعارضة. طبعاً، هذا كلام ضدّ السياسة وضدّ الحياة السياسيّة التي ينبغي أن تشهد صراعاً ديموقراطياً بين أكثريّة حاكمة وأقليّة معارضة خارج الحكم. لكنّنا نعرف منذ زمن طويل أنّ السياسة انتهت في بلادنا، منذ أن أقفلت الطوائف الكبرى على نفسها وتحلّقت حول مشروع واحد وزعيم واحد. ومَن فاته مشهد الجنازة في آذار 2005، أُعيد بثّ المشهد نفسه في الدوحة ثمّ في البرلمان اللبناني يومَ انتُخب ميشال سليمان رئيساً.
وغنيّ عن القول أنّ إحساس الطوائف بتهديد جدّي هو ما يدفعها إلى التحلّق حول زعيمها الأوحد، وإحساس الأخير بالضعف هو ما يدفعه إلى مزيد من اللجوء إلى الطائفة. هذا ما حصل مع حزب اللّه وحركة أمل، وهذا ما حصل مع سعد الحريري أيضاً.
لكن، رغم ذلك، أحلام كثيرة تراود الزعماء القابضين على طوائفهم، ليس أقلّها إلغاء أندادهم لدى الطوائف الأخرى. لقد حلم سعد الحريري بذلك ذات يوم، وساندته دول كبرى. وكان المشهد مغرياً لوليد جنبلاط الذي دفع وحده، دون الحريري، ثمناً باهظاً لما جرى. ربّما كان الحريري مصرّاً على المحاولة من جديد، وربّما كان الحلم المعاكس يراود حزب اللّه اليوم. لكنّ العناية الإلهيّة تدخّلت في الوقت المناسب، وألهمت وليد جنبلاط الذي غادر «ثورة الأرز» وهجر موقعه القياديّ فيها، لكنّه ما زال بعيداً من التحوّل إلى ملحق بـ... ميشال عون.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 17 يناير 2011,7:15 م
الشارع العربي
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٦ الاثنين ١٧ كانون الثاني ٢٠١١

بصرف النظر عن شكل النظام الذي ستنتجه الانتفاضة التونسيّة بعد فرار زين العابدين بن علي، فإنّ ردود الفعل في العالم العربي لم ترقَ حتّى اليوم إلى مستوى الحدث الذي أسهم في تحطيم أصنام كثيرة. ولعلّ أهمّ ما جرى تحطيمه هو الصورة النمطيّة عن الشعوب العربيّة، الشعب التونسيّ ضمناً.
فمنذ هزيمة 1967، والنظريّات الاستشراقيّة حول العقل العربي والثقافة العربيّة تجد صدى تصاعدياً، ولا سيّما لدى بعض النخب العربية التي يدفعها تبرّمها من الواقع المرير إلى الانزلاق إلى شتم الناس وتحميل «تخلّف» الشعوب مسؤوليّة الأوضاع البائسة. وكادت تلك النظريّات التي تلامس العنصريّة عبر تبنّيها الدونيّة الثقافيّة بديلاً من الدونيّة العرقيّة، تصبح هي السائدة في التحليلات السياسيّة. وهي نظريّات تريح بعض المثقّفين إذ تمدّهم بأدوات تحليل سهلة نسبياً، وتضمن لهم تمايزهم عن سائر «الرعاع» الذين يُمطَرون بنقد عاداتهم وأساليب عيشهم وأفكارهم وربّما أيضاً ألوان ملابسهم.
ولم يقتصر تبنّي هذا النوع من التحليل على فئة بعينها، بل اشترك في ترويجه ليبراليّون ويساريّون. ومهما كانت نيّات المروّجين، فإنّ الاستنتاج الطبيعيّ الذي يمكن الخروج به هو: حملة «تحديثيّة» تقوم بها جيوش تنهب الأخضر واليابس بحجّة تحقيق الوعد الديموقراطي أو حلم الانتماء إلى فئة «الشعوب المتحضّرة». وهذا هو الخطاب الذي رافق غزو أفغانستان واجتياح العراق. خطاب وجد مصفّقين كثراً له في العالم العربي، وأفسح المجال أمام تنامي خطاب معاكس يروّج للعودة إلى الأصول من أجل «تنقية» الثقافة العربيّة من الشوائب التي اعترتها نتيجة التلوّث الذي تعرّضت له، تلوّث يُنظَر إليه على أنّه غربيّ أو علمانيّ إجمالاً، وهو الخطاب الذي اعتمدته بعض الحركات الإسلاميّة.
انتفاضة تونس أعادت الاعتبار، قبل أيّ شيء آخر، إلى الشارع العربيّ وإلى قيمة الإنسان الواحدة، عربياً كان أو غير عربيّ. طبعاً، لا تزال الفلسفة السياسيّة عاجزة عن تفسير لماذا يختار الناس توقيتاً معيّناً للنزول إلى الشوارع بعد تحمّلهم أعواماً من القهر. ما الذي يجعل الصراخ ضدّ القمع والوجع والاستغلال لحظة حتميّة بعد دهر من الصمت؟ المؤكّد أنّه ما من عامل حاسم واحد في هذه المسألة. لكنّ باستطاعة مسرّبي وثائق «ويكيليكس» ومروّجيها الافتخار بأنّهم شركاء في هذه الانتفاضة، وباستطاعة كلّ الصحافيّين والناشطين في العالم الذين يعملون على كشف ملفّات العار للسلطات في بلدانهم أن يتأكّدوا من أنّ جهدهم جزء من عمل تراكميّ قد يثمر تغييراً في يوم ما.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 14 يناير 2011,7:18 م
مغامرة واحدة تكفي
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٤ الجمعة ١٤ كانون الثاني ٢٠١١

لعلّ إحدى أسوأ مزايا 14 آذار ادّعاؤها ذات مرّة احتكار الوطنيّة اللبنانيّة، والخلط بين ما تؤمن به وما تفعله وبين ما يريده اللبنانيّون. هكذا أفرط هذا الفريق في ابتذال شعار «الوحدة الوطنيّة»، وصولاً إلى تصوير نفسه أنّه يمثّل الطوائف اللبنانيّة كافّة في الوقت الذي كانت فيه الطائفة الأكثر عدداً تتكتّل حول حزب اللّه بنحو غير مسبوق. لم تنبع المسألة طبعاً من سوء التقدير، بل من مشروع هيمنة يحلّ مكان السيطرة السوريّة. وككلّ مشاريع الهيمنة، لا بدّ لفئة أن تبقى خارجه. ومثل هذه الفئات في لبنان قد تضمّ مهمّشين كثراً، لكنّها ينبغي أن تضمّ أوّلاً طائفةً ما. وهذا ما حصل فعلاً.
لا بدّ من التذكير بذلك في ظلّ مخاوف من استعادة هذا السيناريو مقلوباً. فسعد الحريري، كما هو معروف، لم يعد زعيماً للأكثريّة النيابيّة، لكنّه لا يزال زعيم الأكثريّة الكبرى داخل طائفته. لا يعني ذلك أنّ ما من أحد سواه يمكنه ترؤّس الحكومة، لكنّه يعني أنّ على المعارضة الانتباه جيّداً كي لا تحوّل خروج الحريري من الحكم خروجاً لطائفته منه، وخصوصاً أنّ قوى 8 آذار لا تملك خطاباً يمكن استخدامه لفرض هيمنة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فهذه القوى، حتّى الآن، بنت لحمتها على رفض هيمنة 14 آذار وليس على صورة عن لبنان يمكن العمل من أجلها، أو على الأقلّ الترويج لها. فقد يكون سهلاً فضح الشعارات الجوفاء لـ14 آذار حول بناء الدولة والاهتمام بشؤون الناس والحرية والسيادة والاستقلال. لكنّ السهولة نفسها لا تنطبق على محاولة صياغة خطاب متماسك للمعارضة. «لبنان المقاوم» (حاف) لا يكفي، وإن طُعِّم بخرافات الطبقة الوسطى عن مكافحة الفساد.
لقد شاء سعد الحريري أن يمضي في مغامرة أميركيّة جديدة. يمكن المعارضة أن تقاوم إغراءات مغامرة مقابلة، فتنتج حكومة لا تستفزّ تشكيلتها الخصوم، ولا يبدو إعلانها انقلابيّاً. حتّى فكّ الارتباط بالمحكمة الدوليّة يمكن أن يكون على قاعدة إبعاد كأس مرّة عن لبنان، لا على قاعدة النكايات السياسيّة.
أمّا رئيس الجمهوريّة، فيرجى ألّا يزعجه أحد. إنّه مشغول باستقبال أمير موناكو.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 13 يناير 2011,6:44 م
عودة إلى الصفر
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٣ الخميس ١٣ كانون الثاني ٢٠١١

الدعم الدولي الذي تلقّاه الرئيس سعد الحريري في الولايات المتّحدة الأميركيّة كبير فعلاً. لقاء مع الرئيس باراك أوباما. لقاء مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وزيرة الخارجيّة الأميركيّة هيلاري كلينتون تزوره في مقرّ إقامته، ويسمع منها عبارات مؤيّدة للمحكمة الدوليّة ولشخصه بالذات. في المحصّلة، سار الحريري في الهوى الأميركيّ، ربّما على طريقة «الهوى هوايَ».
لكن، من المفيد الانتباه إلى أنّها ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها الحريري وفريقه السياسي على هذا الدعم الخارجي، الأميركي خصوصاً. فقد سبق لسعد الحريري نفسه أن أمضى أوقاتاً سعيدة مع ديك تشيني، صرّح من بعدها لصحيفة «واشنطن بوست» بأنّه سيمضي في نزع سلاح المقاومة في لبنان. وفؤاد السنيورة لم يغسل بعد البذلة التي ربَّتَ جورج بوش كتفها. أمّا سندويشات عوكر التي طُلبت على عجل لسدّ جوع كوندوليزا رايس خلال حرب تمّوز 2006، فلا يزال طعمها تحت أضراس أركان 14 آذار. أضف إلى ذلك رسائل الـ«أس. أم. أس» التي أدمن جيفري فيلتمان إرسالها إلى بيادقه على رقعة الشطرنج اللبنانيّة.
كان لبنان آنذاك شديد الأهميّة بالنسبة إلى الإدارة الأميركيّة. فهو ليس مجرّد ورقة ضغط على سوريا، بل أيضاً نموذج صالح لتعميم الرؤية البوشيّة في المنطقة. ثورة «غوتشي» مليئة بالحيويّة تمدّ أغلفة المجلات العالميّة بصورة مشرقة عن الشرق الأوسط الجديد. شرق أوسط سيبنيه الجيش الأميركيّ مكان العالم العربي القديم الذي غالباً ما يُختزَل بصورة جمل أو لقطة «ظلاميّة». كان لبنان آنذاك صورة الإنجاز الذي يهوى المحافظون الجدد تقديمه كصورة معاكسة لمجازر الفلّوجة وفظائع أبو غريب.
تدفّق الكرم الأميركيّ سخياً، وصولاً إلى حثّ إسرائيل على الإسراع في شنّ حرب على لبنان لتخليصه من «الأشرار». كرم قابله الحريريّون بتقديم درع «ثورة الأرز» إلى جون بولتون.
قصّة الغرام السعيد انتهت هنا. ذهب الزعماء اللبنانيّون إلى الدوحة. وعاد فيلتمان إلى بلاده التي امتلأت صحفها بتحليلات تحت عنوان: «لماذا خسرنا لبنان؟».
نفهم أن يستغلّ «جيف» فرصة جديدة ليعود إلى الزمن الأوّل، ليحسّن موقعه الوظيفيّ عبر إثبات أنّ استعادة لبنان ممكنة، وإن من دون محافظين جدد أو أيّ مشروع آخر سوى استخدام الوطن الصغير في البازار المفتوح في المنطقة.
نفهم ذلك تماماً. ما لا نفهمه هو أن يظنّ الحريري أنّ لبنان 2011 أكثر أهمية للإدارة الأميركيّة من لبنان 2005، وأنّ القرار الظنّي أقوى من القرار 1559، وأنّ «ثورة الأرز» لا تزال تلهب قلوب الجماهير.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 12 يناير 2011,9:17 ص
العبث
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٢ الاربعاء ١٢ كانون الثاني ٢٠١١

إنّه الحائط المسدود إذاً. ورغم ابتسامات الشماتة التي تجد أفواهاً لها لدى الأطراف كافّة، فإنّ الحائط يبدو مسدوداً في وجه جميع اللبنانيّين. ليس ما يحدث فرصةً لأحد. ليست فرصةً للاستئثار بالحكم من 14 آذار بعد انسحاب وزراء المعارضة السابقة من الحكومة، وليست فرصةً للاستئثار بالحكم من 8 آذار إذا ما خاضت مغامرة قلب الطاولة.
المؤكّد أنّنا نعامَل مرّة أخرى كفئران مختبر. يريد السيّد الأميركيّ أن يجرّب. ونحن ساحة مثاليّة للتجريب. نكاد نخترع تناقضاتنا كلّ يوم. دخلنا المسرح التجريبيّ طوال حرب أهليّة كنّا أبطالها وكومبارسها. وجرّبوا بنا في الطائف. وجرّبوا في حرب تمّوز. وها هم يجرّبون العدالة الدوليّة. والتجربة هذه المرّة قابلة للتعميم. فالفتن الطائفيّة تملأ الفراغ في كلّ مكان من الأرض العربيّة الواسعة.
والسيّد الأميركي من هواة النوع. شبع من أفلام الوسترن. حاول الأخوان كُوِين إعادة صياغتها وتقديمها بقالب جديد. لكن حتّى فيلمهما الذي وصل إلى الصالات الأميركيّة قبل أقلّ من شهر، لم يشفِ الغليل. فالفكاهة العبثيّة لم تعد لعبة الأمبراطور المفضّلة. ربّما كان هذا النوع من الفكاهة يستهوي جورج بوش: الفوضى الخلاقة، الشرق الأوسط الجديد، الديموقراطيّة فوق الأشلاء، التحدّث إلى اللّه، التلعثم فنّاً في قيادة الحروب... أمّا مع باراك أوباما، فالعبث يأتي عارياً بلا فكاهة ولا طرب: نعم نستطيع (Yes we can)... فلا نستطيع شيئاً. التبشير بالتغيير من أجل ألا يتغيّر شيء. إقفال غوانتانامو من دون أن يُقفَل. الاعتراض على الحروب لإعادة شنّها...
يروق هذا النوع من العبث بعض اللبنانيّين. هم أيضاً خاضوا الأهوال من أجل التغيير حتّى يبقى كلّ شيء على حاله. وها هم يطربون اليوم لحصاد عمرهم الوحيد: ارتفاع وتيرة العصبيّات، فيما يلهث الآخرون ـــــ كلّ الآخرين ـــــ لتقاسم المنطقة والاقتراع على بلدانها. برافو مستر أوباما. لا تأمن حتّى لحلفائك «المعتدلين» في المنطقة. تعالَ وخُضْ معاركك بنفسك تماماً كما فعل سلفك. ونحن نقدّم لك بلادنا ورقةً في مهبّ الريح. جِد لها مكاناً على جدول أعمالك. قدّمها هديّة لإسرائيل. استخدمْها لتفاوض إيران. أو، بكلّ بساطة، أحرقْها... أحرقْها... أحرقْها.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 11 يناير 2011,10:17 ص
من أريزونا مع حبّي
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١١ الثلاثاء ١١ كانون الثاني ٢٠١١

لم تُعِد جريمة أريزونا التي استهدفت النائبة الديموقراطيّة غابرييل غيفوردز الاغتيالات السياسيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى الواجهة وحسب، بل فتحت النقاش على مصراعيه بشأن الانقسامات التي تسود أرض «الإمبراطوريّة».
قيل عن جاريد لوفنر، المتّهم بتنفيذ العمليّة التي أودت بحياة قاضٍ وخمسة أشخاص آخرين، إنّه مختلّ عقلياً وإنّ «كفاحي» لهتلر هو كتابه المفضّل. لكنّ التحليلات الجادّة رفضت اعتبار الحادث فرديّاً، وردّته إلى الجوّ السياسي السائد في الولايات المتّحدة. فالصراع بين الديموقراطيّين والجمهوريّين آخذ بتجاوز الخطوط الحمر. ويزيد الطين بلّة صعود نجم «حزب الشاي» اليميني المتطرّف. أضف إلى ذلك أنّ ولاية أريزونا تحديداً تبنّت قبل أشهر القانون الأكثر تشدّداً تجاه المهاجرين.
تعقيب رئيس شرطة المقاطعة التي وقعت فيها الجريمة أثار ردود فعل عنيفة من اليمينيّين الذين طالبوا باستقالته. لكنّ ذلك لا يمكن أن يخفي صدق كلامه حين يقول: «لم تعد هذه هي الدولة نفسها التي ترعرع معظمنا فيها»... وما لم يستفض به «الشريف»، استعاده معلّقون كثيرون، مذكّرين بالانتخابات النصفيّة يوم أُطلقت دعوات للمشاركة في تجمّعات انتخابيّة مع الأسلحة في بلاد يملك 90% من سكّانها بنادق. يومها، دعا أيضاً أحد الإعلاميّين إلى النصر بواسطة الاقتراع أو الرصاص. فضلاً عن الخريطة الشهيرة التي وزّعتها سارة بالين وعليها لائحة أهداف هي عبارة عن الديموقراطيين الواجب التخلّص منهم.
بول كروغمان، المعلّق في صحيفة «نيويورك تايمز» والحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، وجد نفسه أمس مضطراً للتذكير بأسس الديموقراطيّة، حيث الاعتراض على من نختلف معهم بالرأي مسموح، وكذلك السخرية منهم، أمّا الخطاب الاستئصالي فهو ما لا مكان له. ورغم تحميله مسؤوليّة ما يجري لليمين الأميركي، فإنّه لم يدعُ إلى كمّ الأفواه، بل بدا كمن يعيد الاعتبار للإجماعات داخل المجتمع الأميركي، وهي إجماعات بدأ الخوف بالفعل من تقلّصها. فالأزمة الاقتصاديّة تكاد تحوّل السجالات السياسيّة بشأن حروب الإمبراطوريّة والضمان الصحي ومكافحة الركود إلى معارك لا تخاض دائماً بالسلاح الأبيض.
في هذه الأثناء، خصّصت «لوموند ديبلوماتيك» ملفّها لصعود اليمين الأوروبي المتطرّف، فيما تجتاح العصبيّات الدينيّة عالمنا العربيّ من الخليج إلى المحيط. إنّ عالماً يتّجه صوب اليمين هو عالم لا يطمئن أحداً.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 10 يناير 2011,9:01 ص
إنّه الاقتصاد يا غبيّ!
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣١٠ الاثنين ١٠ كانون الثاني ٢٠١١

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، بات الحديث عن المطالب الاقتصاديّة والاحتجاجات الطبقيّة جزءاً من اللغة التي دُعيت خشبيّة. اختفى «المناضلون» عن الساحة، ليحلّ مكانهم «الناشطون الاجتماعيّون» الذين حملت أجندتهم عناوين كثيرة ومجزّأة لا مكان فيها للخبز أو الطحين. دوافع كثيرة وظروف متعدّدة وقفت وراء هذه التحوّلات في العالم كما في منطقتنا. إلا أنّ جوهر الأمر يمكن ردّه إلى الانتقام من المرحلة السابقة، يوم حاول نوع من الماركسيّة اختزال التاريخ بالصراع الطبقيّ، وتخيُّل البنية الطبقيّة كقاعدة صلبة يمكن اعتبار كلّ ما عداها مجرّد قشور تخفي حقيقة الصراع الجوهريّ. هكذا كانت عناوين التمييز الجندري أو العرقي والعصبيّات الطائفيّة والحريّات العامّة والخاصّة لا تكتسب معناها، وفقاً لتلك الماركسيّة الساذجة (أو المبتذلة)، ما لم تترجم إلى اللغة الطبقيّة. وما تعصى ترجمته، لا يستحقّ النضال من أجله.
لم تسمح الكرّاسات السوفياتيّة بتلويث أيديولوجيّتها بنظريّات ما عُرف بـ«الماركسيّة الغربيّة» التي حاولت صياغة علاقات أكثر تعقيداً بين المسارات الطبقيّة وسائر العلاقات الاجتماعيّة. فسهّلت بذلك مهمّة من رفعوا بعد انهيار جدار برلين شعارات «نهاية التاريخ» و«موت الأيديولوجيا»، والتبشير بصراع الحضارات. وأسهم ضرب النقابات والإعلانات المظفّرة للنيوليبراليّة في طمس حقيقة ما يجري في مدن الصفيح ومشاغل العرق وأروقة صندوق النقد الدولي.
لكن تماماً كما لم ينجح القهر الطبقي في مصادرة كل أشكال الاضطهاد الأخرى، لا يمكن تهميش أثر المسارات الطبقيّة على الحياة اليوميّة للبشر. على الأقلّ، لا يمكن الاستمرار في ذلك إلى ما لا نهاية. ولعلّ ما يحدث اليوم في الجزائر وتونس يدخل في هذا السياق. فبعد انتفاضات لا يخفى طابعها الطبقيّ، ها هي حكومات الفساد والاستبداد تبدي استعدادها لإعادة حساباتها بالنسبة إلى أسعار السلع الغذائيّة ومكافحة البطالة.
ومن المضحك المبكي متابعة تصريح وزير التجارة الجزائري، مصطفى بن بادة، الذي اكتشف فجأة أنّ «ثمّة دولاً تنتمي إلى منظّمة التجارة العالميّة تحتكر بعض القطاعات الاستراتيجيّة كالسكك الحديدية والطيران، فما بالك إذا تعلق الأمر بالقوت اليومي». وتوقّع الوزير أن تلجأ الحكومة «إلى بسط سيطرتها من جديد على إنتاج المواد الغذائية الاستراتيجية واستيرادها بعد الاحتجاجات الشعبية».
من المسموح إذاً أن تتدخّل الدولة في الاقتصاد؟ يا لروعة هذا الاكتشاف بعد أعوام من السياسات التي سمّيت زوراً «تنمويّة». أمّا في لبنان، فيبدو أنّ مآثر فؤاد السنيورة لا تقتصر على المحكمة الدوليّة. راقبوا أسعار البنزين.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 6 يناير 2011,12:32 م
حنّا يعقوب
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٠٨ الخميس ٦ كانون الثاني ٢٠١١

في روايته الجديدة «دروز بلغراد وحكاية حنا يعقوب» (دار الآداب)، يستعيد ربيع جابر أحداث 1860 التي تعرّض بعدها مئات من دروز جبل لبنان للنفي إلى طرابلس الغرب وبلغراد بعد اتّهامهم بالضلوع في ارتكاب مذابح بحق مسيحيّين.
لكن من لحظة قراءة العنوان، يتساءل المرء ما علاقة حنّا يعقوب بالدروز؟ ويتبيّن في ما بعد أنّ حنّا ليس إلا بائع بيض مسلوق في بيروت رُحِّل على الباخرة المتّجهة إلى بلغراد بعدما تقدّم أحد الدروز بجرّتين من الليرات الذهبية إلى إسماعيل باشا كي يعفو عن أحد أبنائه.
هكذا تحوّل حنّا يعقوب إلى سليمان عز الدين، وعانى ما عاناه في سجون المنفى إلى جانب مواطنيه الذين بدأ بعضهم بمناداته «الشيخ سليمان»، من دون أن يعرف أيّ ذنب اقترف. فوفق ما هو معلوم، اقتصر العقاب آنذاك على الدروز بضغط من الدول الغربيّة، وحنّا ليس درزياً، فضلاً عن أنّ حنّا ليس من الجبل، ولا علاقة له بكلّ ما جرى من أحداث عام 1860.
لندع الفوارق بين أحداث 1860 وما يجري اليوم جانباً. فالاختلافات ضخمة بين الحروب الأهليّة والمذابح التي ترتكبها الأصوليّات المتعصّبة في العراق ومصر بحقّ المسيحيّين. لكن، رغم ذلك، إن تأمّلنا في التعليقات الصادرة عن بعض السياسيّين المسيحيّين هنا وفي أمكنة أخرى، نستنتج أنّ ثمّة من يريد تحويل المسيحيّين كلّهم إلى حنّا يعقوب، أي إلى مسيحيّ يدفع، بصفته مسيحيّاً وحسب، ثمن مذابح ارتُكبت بحقّ مسيحيّين آخرين. فإذا كانت الأعمال الإرهابية تريد لحنّا أن يركب البحر بملء إرادته هذه المرّة، فإنّ كثيرين من المدافعين عن حنّا يريدون له عدم البقاء في بيروت يقشّر البيض لزبائنه أمام السرايا وفي المرفأ، وأن يشعر بأنّه غريب عن مناطق عديدة من بلاده. كثيرون من المدافعين عن حنّا يريدون له ألا يجد ما يدافع به عن نفسه إلا إشهار هويّته الطائفيّة والتقوقع داخلها والتصرّف كأقليّة تبحث عن حماية.
قبل اقتياده إلى الباخرة، صرخ حنّا: «أنا حنا يعقوب، مسيحي من بيروت، بيتي على حائط كنيسة مار إلياس الكاثوليك». يسمعه القنصل الفرنسي من بعيد، فيسأل الترجمانَ: ماذا يقول السجين؟ يجيبه الترجمان بلا تردد: «يقول أنا قتلت حنا يعقوب، مسيحي من بيروت، بيته على حائط كنيسة مار إلياس الكاثوليك».


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 5 يناير 2011,12:49 م
لام ــ لام
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٠٧ الاربعاء ٥ كانون الثاني ٢٠١١

السين ـــــ سين تسيطر على الفضاء العام. الشَّلل ضارب بانتظار جلاء حقيقة ما يجري بين القيادتين السورية والسعودية. وإذا كان التعاطي مع قرارات المحكمة الدولية بات مصيره مرتبطاً بما يجري خلف البحار، فإنّ ذلك ينبغي ألا يحجب حقيقة أنّ البلاد كبقعة جغرافيّة وبشر وعادات وأمور معيشيّة ليست بالجمود الذي يفترضه الواقع السياسي. فثمّة مؤشّرات اجتماعيّة كثيرة في طور الصعود أو الهبوط. وثمّة معاناة يوميّة في السوبرماركت وفي المدرسة وعلى الطرقات.
من المفيد إذاً التحرّر قليلاً من «هيمنة» السين ـــــ سين والتفكير في مصير البلاد وأهلها ما دام الزمنُ موسمَ مفاوضات بشأن «لبنان الجديد» وقد يطلع «لحم بعجين» فعلاً.
فلا بدّ من التأمّل قليلاً في حقيقة لا لبس فيها، وهي أنّ أجور العمّال والموظّفين تنخفض وفقاً لسعر الليرة الحقيقي، أي إنّ القدرة الشرائية لهذه الفئات تتقلّص فيما تستمرّ أسعار العقارات بالارتفاع الجنونيّ.
أيّ بلاد ستخرج من هذه المعادلة؟ وأيّ مُدن تستحقّ اسماً كهذا ستخرج من رحم سكّانها الجُدد؟ يكفي النظر إلى التحوّلات في منطقة رأس بيروت. إلى بيوتها القديمة التي تتساقط واحداً تلو الآخر. إلى سكّانها الذين اختاروا النزوح عنها بعد إصرارهم على البقاء فيها طيلة سني الحرب.
ماذا يعني أن تقفل مصانع كانت ربحيّتها معقولة طيلة عقود، فيما ارتفعت أرباح المصارف عشرات الأضعاف منذ انتهاء الحرب الأهليّة؟ لا يحصل ذلك عادةً نتيجة تبدّل في المناخ، بل نتيجة سياسات وقرارات واعية. وهو لا ينعكس على توزيع الثروة وحسب، بل على القيم المنتشرة بين الناس، وعلى النظرة إلى العمل وقيمته.
ماذا يعني المديح المستمرّ للاغتراب؟ أليس تشجيعاً على الهجرة وتيئيساً من إمكان العمل من أجل تبدُّل الأحوال؟ كأنّ نوعيّة الحياة هنا هي عبارة عن لائحة طعام جاهزة إمّا أن تعجبك وإما أن تبحث عن مطعم آخر في قارّة أخرى.
هل يعرف سياسيّونا الغائبون عن السمع أنّ المياه التي يستخدمها الناس في البيوت عادةً، يسمّونها «ميّة الدولة». راحت «ميّة الدولة»... إجت «ميّة الدولة». فلنتأمّل هذه التسمية وننتظر يوماً لا يحتاج الناس فيه إلا «ميّة الدولة» و«كهربا الدولة». لكنّه يوم لن يطلّ علينا إلا عبر سياسات مختلفة تؤدّي إليها مفاوضات مختلفة بين اللبنانيين. فلنسمِّها لام ـــــ لام. ولمَ لا؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 4 يناير 2011,8:29 ص
ارجع يا زمان
خالد صاغية
الثلاثاء العدد ١٣٠٦ الثلاثاء ٤ كانون الثاني ٢٠١١

بعد أعوام من الصخب السياسي والأمني، يمكن القول إنّ ثمّة تسليماً لدى شريحة كبيرة من اللبنانيّين بالتسوية. إلا أنّ هذا التسليم الشعبي غير كافٍ على ما يبدو. المطلوب التسليم بمضمون التسوية مهما يكن، لا بمبدئها وحسب. كيف لا، وعليّة القوم محلياً وإقليمياً منكبّون على مناقشة تفاصيلها منذ فترة غير قصيرة، في مفاوضات يقال إنّها دقيقة وشاقّة و... سريّة، يرسمون فيها مستقبل البلاد أقلّه حتّى الانتخابات النيابيّة المقبلة. مرحلة المراوحة هذه ليست إذاً مجرّد محطّة انتظار. إنّها أيضاً لحظة تدجين. فمن ارتضى البقاء أشهراً مسلِّماً أمره للأسياد الكبار من دون أن يعرف ماذا يجري من حوله، سيلتزم الصمت حتماً لدى إعلان مصيره الذي لم يعُد بِيَده.
هكذا تحوّلت الفتنة السنّية الشيعيّة من أداة تخريب إلى أداة تدجين. وتحوّلت المحكمة الدوليّة من أداة لتحقيق العدالة إلى أداة تدجين. وتحوّلت تجمّعات 8 و14 آذار من أداة للمشاركة الشعبيّة في القرار إلى أداة تدجين. كلّنا دخلنا القفص. ودخلناه برضانا هذه المرّة.
لكنّ ما هو أكثر مدعاة للأسى من الغموض المحيط بهذه التسوية، هو التسريبات التي بدأت تصل عن مضمون نقاشاتها. فإذا كانت معادلة «الحكم مقابل المحكمة» هي القائمة، فإنّ المفاوضات جارية بشأن تفسير «الحكم». حسناً، لكنّ آلية «الحكم» لا تعني بالنسبة إلى المفاوضين إلا تقسيم العمل مرّة أخرى بين الزعماء الكبار. والسؤال المحيّر اليوم هو كيف نُدخل بعض التعديلات على المعادلة السابقة بشأن الأمن والاقتصاد، فلا يُسلَّم كلّ الأمن إلى 8 آذار ولا يسلَّم كلّ الاقتصاد إلى 14 آذار؟
أمّا ما حدث للأمن وللاقتصاد في الحقبة السابقة، فلا يدخل في المفاوضات. ماذا فعلت 8 آذار بالأمن، وماذا فعلت 14 آذار بالاقتصاد، لا يدخل في المفاوضات. على من تقع المسؤوليّات بعد انهيار المقولة التبسيطيّة عن «النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري المشترك»، سؤال لا يدخل في المفاوضات. كيف ننطلق من هذا الخراب إلى أفق يتجاوز المحاصصة، ليس من اختصاص المفاوضات.
ثمّة من يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. إلى الوراء، وإلى ما وراء الوراء. رحم اللّه أم كلثوم: عايزنا نرجع زيّ زمان... قول للزمان إرجع يا زمان!


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 3 يناير 2011,11:10 ص
مشروع حرب
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٠٥ الاثنين ٣ كانون الثاني ٢٠١٠

بعد قرابة عشرين يوماً على توقيع خمسين حاخاماً إسرائيليّاً رسالة مفتوحة تدعو اليهود الإسرائيليّين إلى عدم بيع أو تأجير أيّ ممتلكات لغير اليهود، تقدّم وزير العمل بطرس حرب بمشروع قانون لمنع المسيحيّين في لبنان من بيع أراضيهم لغير المسيحيّين، والمسلمين في لبنان من بيع أراضيهم لغير المسلمين.
لا نعرف إن كان الفصل العنصريّ الذي يزداد حدّةً في فلسطين المحتلّة، بات نموذجاً للّبنانيّين كي يحلّوا عبره مشاكلهم الطائفيّة. لكنّ ما نعرفه جيّداً هو أنّ مغامرتَيْ 8 و14 آذار الآفلتين نجحتا في ترسيخ الطائفيّة في لبنان، وإنجاز تحوّلها من نظام ادّعى ذات يوم قدرةً على إنجاح تجربة التعايش، إلى نظام يثبّت الرهاب بين الطوائف ويمهّد لانفكاك ما بقي من مساحات مشتركة.
لا احتلال يفرض الفصل العنصريّ في لبنان. نحن أمام نزعة تدمير ذاتيّ، تماماً كما يفعل عاشقان خائبان. فما دام «لبنان الجديد» كما تخيّلته 8 أو 14 آذار لم يركب، فلنذهب كلّنا إلى الجحيم. وإلا فما معنى أن يتقدّم بمشروع الفصل الطائفيّ أحدُ رموز 14 آذار التي حاولت أن ترسم عبر تجمّعها في ساحة الشهداء صورة متخيّلة عن لبنان الموحّد؟
لا شكّ في أنّ الوضع الديموغرافي المتحوّل لغير مصلحة المسيحيّين في لبنان هو ما يقف خلف مشروع حرب. لكنّ الحريّ بالخائفين على وجود المسيحيّين وغير المسيحيّين في لبنان أن يطلقوا الصوت عالياً في وجه السياسات الاقتصادية التي حوّلت الهجرة إلى مخرج وحيد للعيش اللائق. أمّا تأييد تلك السياسات والعيش من فتاتها، ثمّ ادّعاء الحرص على تمسّك اللبنانيين (المسيحيّين ضمناً) بأرضهم، فيدخل في باب النفاق السياسي.
لكنّ النفاق لا يتوقّف هنا. فمشروع حرب يثبت أنّ المتشدّقين بالليبراليّة الاقتصاديّة في لبنان مستعدّون لطلب تدخّل الدولة في السوق، ومنع عمليّات بيع وشراء، إذا ما ارتأوا لأنفسهم مصلحة في ذلك. لكنّهم، في الوقت نفسه، يروّجون لأبشع عمليّات الخصخصة بحجّة ضرورة كفّ يد الدولة عن القطاعات الاقتصاديّة.
إذا أردنا تبيُّن حجم التراجع الذي أصاب الدولة في لبنان، يكفي أن نعرف أنّ بطرس حرب الذي يروّج لعدم الاختلاط الطائفي اليوم، هو نفسه من كان يتبجّح بأنّه مَن أطلق «عيد العَلَم» في لبنان يوم كان وزيراً للتربية.
... وكان ذلك قبل انتفاضة الاستقلال بأكثر من عقدَيْن.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments