الخميس، 27 يناير 2011,8:41 ص
رحلة الحريريّة السعيدة

خالد صاغية

الأخبار العدد ١٣٢٥ الخميس ٢٧ كانون الثاني ٢٠١١

بعد 14 آذار 2005، راجت نظريّة قوامها أنّ الحريريّة تمكّنت دون سواها من إدخال الطائفة السنّية إلى لبنان. فهذه الطائفة التي كان انتماؤها دائماً عربيّاً أوّلاً، نزلت للمرّة الأولى إلى الساحات رافعةً شعار السيادة اللبنانية والاستقلال اللبناني، وهما سيادة واستقلال عن سوريا هذه المرّة، لا عن استعمار غربيّ. أمّا الزعيم الملهم، فليس يوسف العظمة ولا فيصل بن الحسين ولا جمال عبد الناصر، بل ابن مدينة صيدا رفيق الحريري. لقد أشهرت الطائفة لبنانيّتها أخيراً.
لكنّ الدخول إلى الوطن، على الطريقة الحريريّة، جاء من البوّابة المستحيلة. وإذا كان سمير جعجع قد عرف كيف يعبّر من دون قصد عن هذه الاستحالة حين رفع شعار «البحر من ورائكم والعدوّ من أمامكم»، فإنّ أصحاب الدكاكين الصغيرة في بيروت كانوا أشدّ بلاغةً في تعبيرهم الصامت حين علّقوا صور الحريري الأب إلى جانب صور عبد الناصر. فقد وقفت عقدتان في وجه هذا النوع من اللَبْنَنة: العجز عن تخطّي الحاجز الجغرافيّ السوري، وصعوبة الدمج بين خطاب سياسيّ قائم على العداء للمقاومة والتمسّك بحُرم الصلح مع إسرائيل.
لم تكن خطيئة ميشال عون أنّه لم يقُد المسيحيّين، وهم أوّل من تبنّى شعار «لبنان أولاً»، إلى استقبال الحريريّة بالأحضان. ولم يكن الصراع على الحصص داخل النظام وحده ما دفعه إلى الخروج مبكراً من تجمّع 14 آذار. بل لعلّ عون أدرك استحالة هذا النوع من اللبننة، وخصوصاً أنّه سبق أن اختبر العقدتين معاً حين رافق عن كثب تجربة بشير الجميّل، وحين خاض وحيداً «حرب التحرير».
تأخّر سعد الحريري قرابة ستّة أعوام ليحذو حذو ميشال عون، أي ليخرج من فريق 14 آذار. هذا هو المعنى الحقيقي لـ«يوم الغضب»، انهيار فكرة الحريريّة كمدخل إلى لبنان. فقطع الطرقات وحرق الإطارات وإقامة التجمّعات لم تحصل دفاعاً عن فكرة الدولة واحترام الدستور، ولا استنكاراً لوجود سلاح غير شرعيّ بين أيدي حزب اللّه، ولا حتّى من أجل المحكمة الدوليّة. «يوم الغضب» جاء تحت عنوان واحد: حقّ سعد الحريري في الموقع السنّي الأوّل.
بين 1992 و2011 عشرون عاماً هي رحلة الحريريّة من الأفق العربيّ إلى لبنان إلى الشرنقة الطائفيّة. كابتن سعد يحيّيكم من غرفة القيادة، ويتمنّى لـ«لأمانة العامّة لـ14 آذار» رحلة سعيدة.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: