الاثنين، 20 يونيو 2011,7:49 م
الأمن واللاسياسة
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٤٤١ الاثنين ٢٠ حزيران ٢٠١١

بعد الولادة العسيرة للحكومة اللبنانيّة، والأحداث الأمنيّة التي تلتها في باب التبانة وجبل محسن، تبدو البلاد أمام خطر جنوح المعارضة والسلطة الجديدتين إلى ارتكاب ما يعمّق الانقسام الأهلي. فمن جهة المعارضة الجديدة، وأمام مأساة خروجها من السلطة للمرّة الأولى منذ عام 2005، وخوفها من إخراجها من الإدارة والأمن عبر الاستغناء عن خدمات موظّفين مؤيّدين لها يحتلّون مواقع أساسيّة في الدولة، يخشى من استسهالها اللجوء إلى الخيار الأمني، ولا سيّما في مناطق التماس الطائفي. لا يعني ذلك بالضرورة تحميل المعارضة مسؤوليّة ما جرى في نهاية الأسبوع الماضي، لكنّه يعني ضرورة بذلها جهداً مضاعفاً كي لا يصبح «يوم الغضب» والخطَب الشهيرة لساحة النور في طرابلس نهجاً تعمل المعارضة على تكريسه، بدلاً من أن يكون «فشّة خلق» عابرة.
يكتسب هذا الانزلاق الأمنيّ خطورة إضافيّة حين يتّخذ شكل عنف طائفي يراد له أن يصوَّر امتداداً لما يجري في سوريا، أو سنداً خلفيّاً له. وفي ذلك جريمة بحقّ لبنان الذي لا تنقصه توتّرات طائفيّة، وجريمة بحقّ سوريا التي لا يفيدها تصوير انتفاضتها الداخليّة صراعاً طائفياً، وخصوصاً من قبل خصوم النظام فيها.
لكن، إذا كان على المعارضة أن تخشى الانزلاق الأمني، فعلى السلطة تفادي الانزلاق إلى عالم اللاسياسة. فثمّة ميل لدى بعض أعضاء هذه الحكومة ومؤيّديها إلى التصرّف كما لو أنّ ما من مشكلة سياسيّة في البلاد، وأنّ كل ما ينتظر هذه الحكومة هو إجراء إصلاحات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. والواقع أنّ هذه الإصلاحات، على أهميّتها وعلى افتراض وجود نيّة حقيقيّة لتنفيذها، لا يمكن أن تعوّض عن دور الحكومة السياسي في مجتمع لا يزال منقسماً على نفسه. فخروج سعد الحريري من السلطة، بأكثريّة بسيطة، لا يعني خروج أنصاره من البلاد، لا سمح اللّه، ولا يعني أنّ ما من فريق كبير من اللبنانيّين يُدعى «فريق 14 آذار».
يجدر بالحكومة عدم التصرّف كجمعيّة غير حكوميّة تسمح لنفسها بأن تختار ما تشاء من القضايا، وتهمل القضايا الأخرى التي لا تجد لها من يرعاها.

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 17 يونيو 2011,7:47 م
نهاية رجل أعمال
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٤٣٩ الجمعة ١٧ حزيران

رامي مخلوف، بالتأكيد، ليس أوّل رجل أعمال ينتقل من الأعمال الاحتكاريّة إلى الأعمال الخيريّة. لكنّنا قد نكون أمام أوّل انتفاضة سياسيّة تؤدّي إلى تنحّي... رجل أعمال.
فمخلوف، بخلاف أحمد عزّ مثلاً، لا يملك منصباً رسمياً. لكنّه الذراع الاقتصاديّة لنظام كان قد أخبرنا مخلوف نفسه، في مقابلة مع «نيويورك تايمز»، أنّه لن يضحّي بأيّ من أركانه. ذلك أنّ سقوط أيّ «منّا»، سيؤدّي إلى سقوطـ«نا» جميعاً، قال مخلوف. يومها، كان يشنّ، ربّما، هجوماً استباقيّاً منعاً لتقديمه كبش محرقة على مذبح الانتفاضة. ولعلّ نقمة الشارع على مخلوف، وتضحية النظام به، تثبتان ترابط مطلبَيْ الخبز والحرية في العالم العربيّ اليوم. وهذه سمة غير خاصّة بسوريا وحدها.
فالقبضة الحديديّة ارتبطت بشكل محدّد من النهب المنظّم في البلدان العربيّة، اتّخذ شكل الاستيلاء على أراضٍ عامّة وخاصّة وتحويلها إلى مشاريع استثماريّة، ومراكمة ثروات ناجمة من ريوع الاحتكارات التي غالباً ما يحتكرها شخص أو مجموعة لا يتخطّى أفرادها عدد أصابع اليدين. ومن لا يحتكر مباشرة، يمنع قيام أيّ مشاريع لا يدخل أركان النظام شركاء فيها.
رامي مخلوف كان الرمز السوريّ لاحتكار السلطة والمال. لكن، من المفيد التذكير بأنّه كان رمزاً وحسب. أيّ أنّ المشكلة ليست مشكلة حوت اقتصادي اسمه رامي مخلوف، بل مشكلة احتكار مراكمة الثروات، تماماً كاحتكار المشاركة في السلطة. لذلك، تبقى خطوة تنحّي مخلوف من دون أيّ معنى إصلاحيّ، ما لم تُرفَق بآليّات مشاركة اقتصاديّة وسياسيّة تمنع استبدال مخلوف باسم آخر أو بمجموعة صغيرة من رجال الأعمال الآخرين، المرتبطين هم أيضاً بعلاقات سفاح مع السلطة.
كثيرون من رجال الأعمال يستغلّون العمّال قبل الظهر، ويتبرّعون للجمعيّات الخيريّة عند المساء. إنّها الطريقة الوحيدة كي يطهّروا آثامهم، ويتخلّصوا من عقدة الذنب. من المفيد التذكير أيضاً أنّ رامي مخلوف ليس واحداً من هؤلاء. لم يتنحَّ لينشد خلاصاً روحيّاً. تنحّى تحت ضغط الشارع الذي يطالب بتغيير جذريّ في سوريا. تنحّي مخلوف هو بداية هذا التغيير، وليس نهايته.

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 16 يونيو 2011,7:46 م
الممانعة والثورة
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٤٣٨ الخميس ١٦ حزيران ٢٠١١

قبل الثورات العربيّة، احتلّ المشهدَ السياسي العربي تيّاران ملتبسان: الممانعة، والاعتدال. وهما ملتبسان لأنّ أيّ تمحيص في المنطلقات والممارسات سيظهر تهافت منطق كلّ منهما. ورغم الاختلافات بينهما، فإنّه لا يمكن أحدهما المزايدة على الآخر في مجال الحريات والديموقراطيّة. فالتيّاران ارتبطا وتمثّلا بأنظمة لم يُعرَف عنها احترامها للحريات الفرديّة أو الجماعيّة. اللهمّ إلا إذا كان المطلوب تصديق التسمية التي كانت تطلقها الولايات المتّحدة على حلفائها، فتصفهم بـ«القوى المؤيّدة للديموقراطيّة».
في زمن الثورات، أصيب تيّار «الاعتدال العربي» بنكسات، لعلّ أقساها سقوط النظام المصري الذي شكّل، إلى جانب السعوديّة، عصب هذا التيّار ومحور حركته الفاعلة، ولا سيّما في ما يخصّ العلاقات الفلسطينيّة ـــــ الإسرائيليّة.
نكبة الممانعة تكمن في مكان آخر. فاهتزاز النظام السوري ليس الضربة الكبرى لهذا التيّار. الضربة الكبرى أصابت، في الواقع، سرديّته لا أنظمته. فلطالما اعتبر الممانعون أنّهم يحملون خطاب الشعوب في مواجهة خطاب الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، وأنّ أولويّات الشعوب ـــــ بخلاف أنظمتها ـــــ هي أولويّات الممانعة نفسها، أي أولويّات وطنيّة تتعلّق بمواجهة إسرائيل، واستطراداً المشاريع الأميركيّة في المنطقة.
أثبتت الثورات العربيّة، شئنا أو أبينا، حقيقة لا يمكن تجاهلها لمن يريد أن ينظر ويرى: أولويّات الشعوب العربيّة ليست في ما يطرحه الممانعون، بل في طلب الحريّة والكرامة والخبز. هذا لا يعني نفوراً شعبياً من الخطاب الممانع، ولا انتصاراً لمنطق الاستسلام لإسرائيل، لكنّه يعني ترتيباً واضحاً للأولويّات. الشعوب العربيّة حسمت أمرها لمواجهة هراوات رجال الأمن، والنهب المنظّم، وتأكيد مشاركتها في القرار السياسي، وهي ليست مستعدّة لوضع هذه المطالب على الرفّ من أجل أيّة قضيّة أخرى.
هذه الحقيقة التي ظهرت في شوارع تونس والقاهرة وصنعاء وبنغازي ودرعا... لا يمكن مواجهتها من قبل أنصار الممانعة بالمكابرة أو الانضمام إلى معسكر الثورات المضادّة بحجّة الاكتشاف المتأخّر أنّ فلسطين ليست على جدول أعمال الثورات العربيّة الراهنة. فالعالم العربي يخرج إلى أفق سياسي مفتوح يتّسع للممانعين ولغيرهم، وسيشهد تجاذبات بين تيّارات عديدة ستحاول مصادرة الثورات لحسابها. وفلسطين، للخائفين على فلسطين، لم تفقد أهميّتها لدى الشعوب العربيّة التي تثبت اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أهمّية رابطة العروبة. لكن، هل نستكثر على تلك الشعوب قليلاً من الهواء النظيف حتّى تتمكّن من مواجهة الاستحقاقات الوطنيّة؟ من المفيد قليلاً الالتفات إلى مصر بعد الثورة، والتظاهرات أمام السفارة الإسرائيليّة، وهتافات الزحف إلى القدس...
سبق لأحزاب الممانعة أن أقامت حفلة هذيان بعد انتصار الثورة المصريّة، لم ترَ فيها إلا احتمالات سقوط اتفاقيّة كامب دايفيد. وها هي اليوم تدخل في حفلة هذيان أخرى تستعيد أدبيّات «المؤامرة» و«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، بعدما اكتشفت أنّ سقوط كامب دايفيد أو عدم سقوطه، خارج الموضوع أصلاً. على الممانعين أن يفكّروا جيّداً قبل أن ينصّبوا أنفسهم بديلاً من الديكتاتوريّات التي هوت، أو تلك التي في طريقها إلى الهاوية. فالديكتاتوريّة، كما عنونت إحدى الصحف الكبرى، ليست هذا الموسم «على الموضة».

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 15 يونيو 2011,7:44 م
على رصيف تونسيّ
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٤٣٧ الاربعاء ١٥ حزيران ٢٠١١

يكفي أن يعبر المرء في العاصمة التونسيّة، ويراقب من بعيد وجوه المارّة والجالسين في مقاهي الأرصفة، ليكتشف ماذا تعني الثورة. دعة وارتياح قلّما تحفل بهما المدن المتوتّرة عادة، واختفاء للكآبة والوجوم اللذين يطبعان المدن العربيّة. لم يبقَ من صخب التظاهرات إلا بعض شعارات كُتبت على عجل فوق جدران المدينة. غير أنّ الهواء بات خفيفاً فعلاً، وهذا ما يظهر جلياً وساحراً أينما ذهبت: من سائق التاكسي الذي يبتسم وهو يردّد الهتافات التي أطلقها في شارع الحبيب بورقيبة، إلى عاملات الفندق اللواتي أنهكهنّ تدفّق زوّار «سياحة حقوق الإنسان»، إلى العائلات التي عادت إلى شواطئ قرطاج كمن يطالب باستعادة ملك عام حرمته منه المافيا الحاكمة سابقاً، إلى محتسي الشاي بالصنوبر في سيدي بوسعيد، إلى ذاك الصحافي الذي تلمع عيناه إذ يقول: ما من مشهد أجمل، في العالم كلّه، من رؤية البشر يتجمّعون من دون أن يعرفوا كيف يتجمّعون، ويسيرون بخطى ثابتة نحو إسقاط الطاغية.
لكنّ خلف هذا الارتياح لزوال حمل ثقيل عن كاهل المدينة، والذي يعبَّر عنه عفوياً بامتهان إشارات السير التي هجرها رجال الشرطة إلى الزوايا البعيدة، تبرز مجموعة من التحديات والمسؤوليات:
ثمّة لجان مؤلّفة غالباً من معارضين سابقين وخبراء محليين تعيد رسم الخطوط التي تفتح البلاد أمام آفاق الحرية، وتضع ضوابط تمنع عودة الديكتاتوريّة بأشكال مختلفة: لجان للإصلاح السياسي، للتنظيم الإعلامي، للحدّ من الرشوة والفساد... لكن من حسن حظ التوانسة أنّهم لا يبنون دولة من الصفر. ثمّة إدارة حافظت على بنى المؤسّسات رغم كلّ الخراب الذي ألحقته الديكتاتوريّة بهذا البلد الصغير. ومن حسن حظّهم أيضاً، وجود شباب ومعارضين سابقين يشعرون أنّهم خرجوا إلى الحياة فجأة، وهم مستعدّون لوضع كلّ ما يملكونه من خبرات في سبيل بناء العدالة في وطنهم. هؤلاء يخافون الثورة المضادة، لكنّهم يقاومون يومياً نزعة نحو «التطهير» تصيب الثائرين على الظلم عادة. فهم يعرفون جيداً أنّ تلك قصّة إن بدأت، فلا أحد يعرف كيف تنتهي.
المسألة الإسلاميّة حاضرة في اتجاهين. الأوّل يخاف على حزب النهضة وعلى البلاد من سيناريو جزائري إن فاز الإسلاميّون بالسلطة، والثاني يخاف من الإسلاميّين على الأحزاب الأخرى التي تجاوز عددها الثمانين، لكنّها ما زالت تفتقر إلى الاستعدادات الجدية من أجل الانتخابات التي حدِّدت في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل.
وإذا كانت بعض الأدبيات تخلط بين الديموقراطية والنيوليبرالية، فإنّ تونس حذرة جداً من هذا الخلط. فبن علي، أسوة بديكتاتوريين آخرين، اضطرّ إلى المحافظة على تقديمات اجتماعية أساسية في مجالي الصحة والتعليم، كي يحافظ على بعض ماء الوجه. لذلك انصرف وأقاربه إلى جني الأموال من مصادر أخرى كريوع الاحتكارات والاستملاكات. الديموقراطية التونسية الوليدة أمام تحدّي تحسين دولة الرعاية وتحصينها، وإثبات الفصل بينها وبين الديكتاتوريّة.
في ذاك الفندق وسط العاصمة تونس، كان العرب ينظرون إلى التوانسة كقدوة، والأوروبيّون يشربون نخب اختراق نموذجهم الديموقراطي للعالم العربي، متناسين كلّ الدعم الذي تلقّاه بن علي من حكوماتهم حتّى اللحظة الأخيرة. أمّا الأكاديميّ التركيّ، فكان يراقب وجبة الإفطار التي لا تشبه ما يعرفه عن وجبات سوريا ولبنان، ويقول مزهوّاً: «هذا يثبت أنّ ما من شيء اسمه عالم عربيّ».

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 7 يونيو 2011,12:50 ص
أن تكون لبنانيّاً
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٤٣٠ الثلاثاء ٧ حزيران ٢٠١١

فيما الشباب العرب يعرّضون حياتهم للخطر للمطالبة بالحريّة والديموقراطية، يتابع الشباب اللبناني رحلته مزهوّاً نحو التحوّل إلى قطيع. يزداد التحلّق حول الزعيم بصفته الراعي الصالح والعنوان الوحيد للعمل السياسي الذي يحمل برنامجاً معلناً واحداً هو الولاء المطلق.
فيما يصرّ العرب على خوض امتحان التعدّدية والتعايش في مرحلة ما بعد الديكتاتور، رغم كلّ الإرث الثقيل للتحالف بين التكفيريّة والأنظمة البائدة، لا يملك «لبنان ـــــ الرسالة» أيّ نموذج يقدّمه. فهو ما كاد يخرج من حرب أهليّة غلب عليها التقاتل الإسلامي ـــــ المسيحي، حتّى دخل حرباً أهليّة باردة غالباً، استوحت الصراع السنّي ـــــ الشيعي الذي تفجّر مع الاحتلال الأميركي للعراق، وهو صراع لم يملك المسيحيّون اللبنانيّون فيه إلا موهبة صبّ الزيت على النار.
فيما تتأسّس عشرات الأحزاب العربيّة، يساراً ويميناً ووسطاً، علمانيّة وإسلاميّة، تتحوّل الأحزاب اللبنانيّة إلى لزوم ما لا يلزم، وينصرف الشباب إلى جنّة الجمعيّات المدفوعة الأجر غالباً، أو إلى اللهاث وراء فتات المناصب الرسميّة أو شبه الرسميّة.
فيما ساحات العالم العربيّ تطلق هتافات الحريّة والوحدة الوطنيّة، تحوّلت ساحاتنا إلى منابر لبثّ الكراهية والعنصريّة وذبح ما بقي من وحدة للنسيج الاجتماعي اللبناني.
لم يكن لبنان يوماً باهتاً وعاجزاً وفاقداً لأيّ معنى وأيّ دور، كما يبدو الآن. لم يكن التباهي بـ«واحة الحرية» وريادة التحديث في المنطقة أجوف يوماً، كما يبدو الآن. لم تكن الحياة السياسيّة اللبنانيّة معلّقة وغير ذات موضوع، كما هي الآن. والأكثر مدعاة للأسف هو أنّ الانقسام الأهلي اللبناني نجح في تحويل الثورات العربيّة نفسها إلى مادّة تجاذب، لا تحتقر الشعوب المنتفضة وحسب، بل تحوّل نضالاتها وتضحياتها إلى ترّهات تصرَف في زواريب الطوائف المتحاصصة.
عدم تأليف حكومة في لبنان ليس الحدث، بل العارض لأمراض أخرى ليس أقلّها خطورة غياب أيّ وظيفة لحكومة كهذه. وليس صدفة أن نقف اليوم أمام معارضة مرتاحة إلى عدم التأليف، وأكثريّة غير راغبة في التأليف، تكلّف رئيس حكومة سعيداً بلقب «المكلّف» وغير راغب في ممارسة مهمّاته قبل أن تتّضح الصورة في المنطقة. وهي صورة لن تتّضح قريباً، وإن اتّضحت، فسيتّضح معها لامعنى أن تكون لبنانيّاً اليوم.

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 6 يونيو 2011,10:14 ص
نكسة العرب... وداعاً
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٤٢٩ الاثنين ٦ حزيران ٢٠١١

كأنّ المشهد السوريّ ينقصه مزيد من الدماء. أو كأنّ دماءً تسيل هنا يراد لها أن تتستّر على دماء تسيل هناك.
كأنّ ما جرى في حماه يومَي الجمعة والسبت لم يُسل ما يكفي من الدموع، فكان لا بدّ من فتح جرح آخر في مجدل شمس.
كأنّ إشراك قَتَلة آخرين، يجعل من القتل أمراً عادياً، جزءاً من الحياة اليوميّة.
كأنّ الاستشهاد على الحدود مع فلسطين المحتلّة يراد له أن يعطي دروساً في القضايا التي يصحّ النضال من أجلها. فالقتل هناك يُسقط شهداء، أمّا الموت في تظاهرة من أجل الكرامة، فلا يستحقّ حتّى الجنازات الآمنة.
كأنّ ثمّة من يريد توجيه بوصلة التحرّكات الشعبيّة، كما لو أنّ الشباب في سوريا يعانون أزمة ترتيب أولويّات.
كأنّ ثمّة من يريد أن يقيم تعارضاً بين رؤية فلسطين ورؤية سوريا الديموقراطيّة.
كأنّ الرسائل إلى الداخل والخارج ينبغي أن تُخضَّب دائماً بدماء فلسطينيّة. كأنّ الفلسطينيّ الذي سلبه الاحتلال أرضه، ينبغي سلبه أيضاً طريقة موته وموعد الدفن.
كأنّ ثمّة من يريد لنكسة حزيران ألا تصبح ذكرى، بل أن تعود كلّ يوم لتذكّرنا بأنّ الهزيمة رفيق دائم للأنظمة المتكلّسة، وأنّ أسطورة الفلسطينيّ المقاوم ستجد دائماً من يريد تحطيمها، أو الاتجار بها، أو توظيفها في بازارات وقضايا لا علاقة لفلسطين بها.
وحدهم الشباب الذين ارتضوا، رغم كلّ شيء، أن يضحّوا بأنفسهم من أجل النظر إلى أرضهم المسلوبة، والمستعدّون دوماً للعبور إلى «هناك» مهما تكن المخاطر، يثبتون أنّ نكسة 5 حزيران لا يمكن أن تستمرّ، وأنّ ما نعيشه اليوم ليس إحياءً لذكرى النكسة، بل مراسم الوداع لها.
فأولئك الشباب الذين قضوا في الجولان هم من جيل واحد مع الشباب الذين رسموا طريق الحرية في ميدان التحرير في القاهرة، وهم من جيل واحد مع الذين حوّلوا «البوعزيزي» إلى أيقونة ترشح حريّة من المحيط إلى الخليج.
لقد ودّعت مصر نكستها يوم انتصرت على خوفها. وكما أنّ النكسة لم تكن نكسة مصر وحدها، كذلك بدأت المدن العربيّة تخلع عنها أكفان الخوف، وتُعدّ نفسها لعرس الحريّة.

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 3 يونيو 2011,10:19 ص
أمّهات حمزة
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٤٢٧ الجمعة ٣ حزيران ٢٠١١

هلال وصليب على الحائط داخل منزل متوسّط الحال. شموع مضاءة على طاولة صغيرة وُضعت عليها صور لشهداء سوريّين. نساء أخفين وجوههنّ بلافتات تطالب بالحرية وبالدولة المدنية، أو بأعلام سوريّة لففْنها تحت أعينهنّ. لا هتافات ولا أناشيد إلا النشيد الوطني السوري يخرج بأصوات حنونة من الوجوه المخفيّة خلف تعب السنين وأصوات الرصاص وشعار «كلّنا أمّهات حمزة».

إنّه واحد من مظاهر الإصرار على الاعتراض في ظلّ تمادي القمع. فبعدما انتشرت قصّة الطفل حمزة الخطيب المرعبة، تداعى عدد من النساء السوريّات إلى إقامة اعتصامات نسائيّة منزليّة. ليست ادّعاءات نضاليّة، لكنّها تأكيد أنّه حتّى حين تبدأ الدبّابات بإطلاق النيران، ويصبح النزول إلى الشارع نوعاً من الانتحار، فإنّ التوق إلى الحريّة كفيل بابتكار آلاف الوسائل لإيصال الصوت.
أولئك النسوة وهبن أعزّ ما يملكنه: إحساسهنّ بالأمومة. بتن كلّهنّ أمّهات لحمزة الذي لم يمُت. وحمزة لم يعد طفلاً. لقد كبر فجأةً ألف عام ليجسّد كرامة سوريا التي رفضت عبر تاريخها الطويل أن تموت إلا واقفةً.
أفلام الاعتصامات المنزليّة متوفّرة على «يوتيوب». لكن لا يمكن مشاهدتها مرّة واحدة. لا بدّ من إعادة الفيلم مرّات ومرّات للتحقّق أنّنا لسنا أمام مشهد سورياليّ. نحن أمام مشهد شديد الواقعيّة. «نحن نوجّه أصواتنا من داخل منازلنا لأننا نخشى ألا نعود لأطفالنا إن نزلنا إلى الشارع... هنا لا توجد دبابات. حريّة». يكمن السحر كلّه في هذه البساطة. في رفض أدوار البطولة، والإصرار في الوقت عينه على عدم الرضوخ. فالمشهد السوريالي ليس هنا داخل المنزل، بل في الخارج حيث جنون السلطة لا حدود له. فائض القوّة لا يواجَه بالقوّة، بل بالإصرار على الضعف. على ممارسة الضعف، لكن بعناد، وتحويل هذا الضعف إلى قوّة تغيير. هكذا يبدو النشيد الوطني السوري يخرج من أفواه تلك النساء نشيداً للموت، كأنّهنّ في جنازة يردْنَ تحويلها إلى صلاة من أجل الحريّة. كأنّهنّ خفضْنَ كلّ نوتات العنفوان في النشيد ليطوّعنه فيصبح ملائماً لما آلت إليه أحوال الوطن.
«حُـماةَ الـدِّيارِ عليكمْ سـلامْ/ أبَتْ أنْ تـذلَّ النفـوسُ الكِرامْ/ عَـرينُ العروبةِ بيتٌ حَـرام/ وعرشُ الشموسِ حِمَىً لا يُضَامْ»...
حُـماةَ الـدِّيار. حقاً عليكم سـلام.

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments