الخميس، 6 يناير 2011,12:32 م
حنّا يعقوب
خالد صاغية
الأخبار العدد ١٣٠٨ الخميس ٦ كانون الثاني ٢٠١١

في روايته الجديدة «دروز بلغراد وحكاية حنا يعقوب» (دار الآداب)، يستعيد ربيع جابر أحداث 1860 التي تعرّض بعدها مئات من دروز جبل لبنان للنفي إلى طرابلس الغرب وبلغراد بعد اتّهامهم بالضلوع في ارتكاب مذابح بحق مسيحيّين.
لكن من لحظة قراءة العنوان، يتساءل المرء ما علاقة حنّا يعقوب بالدروز؟ ويتبيّن في ما بعد أنّ حنّا ليس إلا بائع بيض مسلوق في بيروت رُحِّل على الباخرة المتّجهة إلى بلغراد بعدما تقدّم أحد الدروز بجرّتين من الليرات الذهبية إلى إسماعيل باشا كي يعفو عن أحد أبنائه.
هكذا تحوّل حنّا يعقوب إلى سليمان عز الدين، وعانى ما عاناه في سجون المنفى إلى جانب مواطنيه الذين بدأ بعضهم بمناداته «الشيخ سليمان»، من دون أن يعرف أيّ ذنب اقترف. فوفق ما هو معلوم، اقتصر العقاب آنذاك على الدروز بضغط من الدول الغربيّة، وحنّا ليس درزياً، فضلاً عن أنّ حنّا ليس من الجبل، ولا علاقة له بكلّ ما جرى من أحداث عام 1860.
لندع الفوارق بين أحداث 1860 وما يجري اليوم جانباً. فالاختلافات ضخمة بين الحروب الأهليّة والمذابح التي ترتكبها الأصوليّات المتعصّبة في العراق ومصر بحقّ المسيحيّين. لكن، رغم ذلك، إن تأمّلنا في التعليقات الصادرة عن بعض السياسيّين المسيحيّين هنا وفي أمكنة أخرى، نستنتج أنّ ثمّة من يريد تحويل المسيحيّين كلّهم إلى حنّا يعقوب، أي إلى مسيحيّ يدفع، بصفته مسيحيّاً وحسب، ثمن مذابح ارتُكبت بحقّ مسيحيّين آخرين. فإذا كانت الأعمال الإرهابية تريد لحنّا أن يركب البحر بملء إرادته هذه المرّة، فإنّ كثيرين من المدافعين عن حنّا يريدون له عدم البقاء في بيروت يقشّر البيض لزبائنه أمام السرايا وفي المرفأ، وأن يشعر بأنّه غريب عن مناطق عديدة من بلاده. كثيرون من المدافعين عن حنّا يريدون له ألا يجد ما يدافع به عن نفسه إلا إشهار هويّته الطائفيّة والتقوقع داخلها والتصرّف كأقليّة تبحث عن حماية.
قبل اقتياده إلى الباخرة، صرخ حنّا: «أنا حنا يعقوب، مسيحي من بيروت، بيتي على حائط كنيسة مار إلياس الكاثوليك». يسمعه القنصل الفرنسي من بعيد، فيسأل الترجمانَ: ماذا يقول السجين؟ يجيبه الترجمان بلا تردد: «يقول أنا قتلت حنا يعقوب، مسيحي من بيروت، بيته على حائط كنيسة مار إلياس الكاثوليك».


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: