الاثنين، 10 مايو 2010,12:12 م
مخاتير السياسة وسياسة المخاتير

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٠ أيار ٢٠١٠


تسيل الدموع جرّارةً على السياسة في لبنان. يُقال إنّ الأفكار الكبرى تمرّغت في التراب، إذ باتت الأحزاب اللبنانية تتدافع من أجل الحصول على مختار. لكن، ماذا لو كانت معركة المخاتير السياسية تعني بالضبط عكس ما هو ظاهر منها. أي إنّ التنافس على المخترة ليس دليلاً على انحدار السياسة، بقدر ما هو دليل على أنّ السياسة عندنا لم تكن يوماً إلا سياسة مخاتير...؟
فلنعد قليلاً إلى الانتخابات النيابيّة لنرى حجم السياسة فيها. ثمّة فريق خاض الانتخابات بناءً على انتمائه إلى تحالف 14 آذار. وبعد الانتخابات مباشرة، جيّر ثقة الناخبين إلى مكان آخر. وثمّة فريق خاض الانتخابات بناءً على شعارات شديدة الأهميّة، لكنّه ما لبث أن تنازل عنها طوعاً ما إن أُقفلت صناديق الاقتراع. وثمّة فريق خاض الانتخابات رفعاً للعتب، وهو الذي أقفل منطقته بتحالف حديديّ. وفي النهاية، ذهب الجميع إلى حكومة لم تحقّق إنجازاً واحداً بعد.
النائب هو مختار. والمختار هو نائب. النكتة الكبرى حين يقال عن المجالس البلدية إنّ دورها إنمائي، كأنّ المجلس النيابي دوره تشريعي. كأنّ النوّاب لا يقضون أيّامهم في متابعة معاملات الناس وتوظيف أبنائهم والبحث عن شاحنة زفت.
المختار ليس صاحب ختم وحسب. إنّه غالباً القناة بين المواطن والزعيم، تماماً كما الزعيم هو القناة الإجباريّة بين المواطن والدولة. من دون حلقة المختار، ينهار النظام اللبناني القائم على الزبائنية. ذاك النظام الذي يجعل الحصول على خدمة عامّة مقترناً دائماً بالتملّق للزعيم، أو بالانتساب إلى جماعته.
نكتة أخرى هي العائليّة. كأنّ هذه الظاهرة طلعت فجأةً علينا مع الانتخابات البلديّة. ألم ينتبه اللبنانيون إلى أنّنا منذ الاستقلال محكومون في السياسة والاقتصاد من قبل عائلات معدودة، وأنّ معظم القوانين التي تصدر في الجمهورية اللبنانية إنّما تصدر لحماية بعض العائلات، وأنّ هذه العائلات الكبرى مرتبطة بعائلات أصغر تعتاش على فتات موائدها؟
لعلّ الفارق الأساسيّ بين الانتخابات البلدية والنيابية هو حجم إثارة العصبيّات الطائفية. فانتخاب المخاتير والمجالس البلدية غالباً ما يحصل في مناطق لا اختلاط طائفياً فيها. ولمّا كانت العصبيّات الطائفيّة هي القناع الذي يستر «ميزاتنا» الأخرى، تنحسر سائر عصبيّاتنا لحظة دقّ النفير الطائفي. أمّا في هذه الانتخابات، فالجماعات تطلق العنان لحريّتها... وأحياناً حريّتها من الطائفيّة.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: