الاثنين، 29 ديسمبر 2008,6:51 م
أقوال ليفني... أقوال عباس
خالد صاغية
الأخبار عدد الأثنين ٢٩ كانون الأول ٢٠٠٨
«أدعو المجتمع الدولي إلى إلقاء اللوم على حماس بشأن الغارات الدمويّة التي تشنّها إسرائيل على الأراضي الفلسطينيّة». «أتوقّع من المجتمع الدولي، بما فيه العالم العربي بأكمله، أن يرسل رسالة واضحة إلى حماس تقول «إن هذا نتيجة خطئكم. وأنتم تتحملون المسؤولية. أنتم من يجب أن يدان. لن تحصلوا على الشرعية من المجتمع الدولي بهذه الطريقة. إنّ مسؤولية حياة المدنيين في قطاع غزة هي في أيديكم».
«إنّ حماس لا تخدم مصالح الفلسطينيّين أو العالم العربي... وتقف في سبيل إقامة الفلسطينيين لدولتهم».
هذه التصريحات هي، حتّى إشعار آخر، لوزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة تسيبي ليفني.«أحمّل حركة حماس مسؤولية الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، لعدم تمديدها التهدئة مع إسرائيل التي دامت ستة أشهر».
«إنّ استمرار التهدئة كان من شأنه أن يجنّب الفلسطينيّين الغارات الإسرائيليّة».
هذه التصريحات هي، حتّى إشعار آخر، للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كان يمكن لأقوال محمود عبّاس أن تكون هي أقوال تسيبي ليفني، وأن تكون أقوال تسيبي ليفني هي أقوال محمود عبّاس. المنطق هو نفسه. لقد جاء اليوم الذي بات فيه رئيس دولة فلسطين يتحدّث باللسان نفسه لوزيرة خارجيّة إسرائيل. ليس عبّاس وحده في هذا الموقع. الكثير من التصريحات العربيّة الرسمية تصبّ في الاتّجاه نفسه. ولعلّ الأطرف بين هذه التصريحات ما قاله أحد الوزراء العرب الذين خَبِرنا طرافتهم في لبنان. وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط يشكو من أنّ حماس «لا تسمح للجرحى» الفلسطينيين بعبور منفذ رفح إلى مصر التي عرضت تقديم العلاج لهم. وردّاً على سؤال عن السبب في عدم عبور الجرحى إلى مصر، قال أبو الغيط «اسألوا الجهة المسيطرة على الأرض في غزة».
إذاً، لقد ذهب أبو الغيط أبعد من ليفني وعبّاس. فحركة حماس ليست مسؤولة عن العدوان الإسرائيلي وحسب، بل عن منع الاهتمام بما يخلّفه الاعتداء من جرحى. إنّها حركة مجرمة مرّتين. أمّا النظام المصري الذي تشارك والإسرائيليين في حصار غزّة، فهو، كأيّ منظّمة أهلية غير حكوميّة، يسعى جاهداً لإنقاذ الجرحى والمنكوبين ـــــ يا للّفتة الإنسانيّة الرائعة.
لقد كان المتحدّث باسم حماس صائباً حين عبّر عن استغرابه للمنطق المصري الذي يفتح معبر رفح أمام الجثث والجرحى، ويغلقه على مليون ونصف مليون من الأحياء في غزة. وقبل حركة حماس والناطقين باسمها، كان محمود درويش قد قال ذات مرّة، متحدّثاً باسم الفرد الفلسطيني: «يريدونني أن أموت لكي يمدحوني/ وهم أوصدوا باب بيتك دوني/ وهم طردوني من الحقل...».
لقد شهد الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي محطّات كثيرة تواطأ فيها نظام عربي مع الدولة الإسرائيليّة. لكنّ ما نشهده اليوم قد يكون من أكثر اللحظات التي التقت فيها مصالح إسرائيل بمصالح النظام العربي الرسمي. وقد سبقت هذا التواطؤ حملات مسعورة ضدّ ما سمّي «لغة التخوين» في الإعلام. فثمّة من يريد أن يخون، من دون أن يشار إليه بالأصابع.
لكن لمَ كلّ هذه الحملة على «حماس»؟ لأنّ المقاومة في فلسطين قد أعطت «الذريعة» للغارات الإسرائيليّة، تماماً كما أعطت المقاومة في لبنان الذريعة لحرب تمّوز. هكذا هم «أنصار ثقافة الموت» دائماً يعطون الذرائع ليأتي الذئب ويقتلهم! وقد سمعنا حديث الذرائع من صغار 14 آذار، تماماً كما نسمعه اليوم من سنيورة فلسطين وسواه من الجِيف المتربّعة على العروش وفي القصور العربيّة.
لا يمكن لهذا الواقع أن يستمرّ. وحتّى تتمكّن الأنظمة العربيّة من نزع فتيل الذرائع، عليها أن تقوم بأمر واحد: أن تمنع المقاومة من العمل. لكن بما أنّ الشعوب العربية قد أفرزت منذ عام 1948 مئات الحركات المقاومة، وبما أنّ التاريخ يعلّمنا أنّ أيّ احتلال لا بدّ من أن تظهر في وجهه حركات مقاوِمة، فلا بدّ من إنهاء حال الاحتلال. يتطلّب ذلك الإقلاع عن ترداد شعار «السلام العادل والشامل» أو «سلام الشجعان»، وخصوصاً أنّه ليس بين المهرولين إلى السلام شجاع واحد. فليكن سلاماً، والسلام. وقد بدأت أقلام كثيرة تدعو أصلاً إلى سلام الجبناء، أو إلى الدعوة العلنية للاستعمار. فليتّعظ الحكّام العرب، وليوقّعوا ما يعرضه عليهم الإسرائيليّون. أمّا الذين سبق أن وقّعوا، فليطبّعوا العلاقات. فليجبروا شعوبهم على التطبيع. فليفرضوا على كلّ مواطن شوالاً من السكر الإسرائيلي مع كلّ كوب شاي يُعَدّ في القاهرة أو في... مرجعيون.
 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: