الأربعاء، 21 أكتوبر 2009,11:35 م
راكبو الدرّاجات

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٢١ تشرين الأول ٢٠٠٩


لا شكّ في أنّ المطالبين بتقييد حركة سير الدرّاجات الناريّة يملكون أسباباً وجيهة لذلك. لا شكّ أيضاً في أنّ المسؤولين الذين استجابوا لهذا المطلب يملكون، هم أيضاً، أسبابهم التي تتصدّرها على الأرجح الاعتبارات الأمنيّة. لكنّ المدهش حقاً السرعة والسهولة اللتان تصدر بهما قرارات من هذا النوع. وما يميّز هذه القرارات، ويجعلها «من هذا النوع»، واضح: إنّها لا تصيب إلا طبقة معيّنة من الناس. فقلّة من اللبنانيين يستخدمون تلك الدرّاجات للتنقّل حين يملكون القدرة على اقتناء وسائل أخرى. قرار المنع يصيب بالدرجة الأولى، وعلى نحو شبه حصريّ، الفقراء الذين لا يملكون إلا الدراجة النارية وسيلة للتنقّل، وللترفيه، وربّما لإحساسهم بفرديّتهم. لذلك، كان صدور القرار سهلاً. فليس لهؤلاء من يحمل صوتهم، ويدافع عمّا بقي لهم من فُسَح بعدما ضاقت سبل العيش بهم.
عفواً. ليست سبل العيش هي التي ضاقت. ثمّة من ضيّق تلك السبل أمامهم. السياسات نفسها التي أوصلت الحال الاقتصادية إلى ما هي عليه، هي التي أوصلت الوضع الأمني إلى ما هو عليه. الزمرة نفسها التي بنت مجدها السياسي على إفقار الفقراء هي التي نفخت في النار الطائفيّة. آخر اكتشافات هذه الزمرة والمتواطئين معها أنّ الدرّاجات الناريّة هي التي تهدّد الوضع الأمني! ومن يعلم، ربّما كانت درّاجة ناريّة ـــــ لا الميتسوبيشي البيضاء ـــــ هي التي اغتالت الرئيس رفيق الحريري. وربّما كانت الدرّاجة الناريّة هي التي تؤخّر تأليف الحكومة.
سؤال بسيط: ماذا لو كان قاتل جورج أبو ماضي، ضحيّة جريمة عين الرمّانة، يركب سيّارة رباعيّة الدفع؟ هل كانت العين الساهرة على الأمن لتمنع ذاك النوع من السيّارات؟ أم إنّ السيّارات «الشيك» لا يمكن المسّ بها، فيما صوت الدرّاجات الناريّة وجماليّتها من النوع الذي يخدش الذوق الرفيع؟
أصيبت القوى الأمنية فجأة بـ«فوبيا» الدرّاجات النارية. وبات كلّ راكب درّاجة مشتبهاً فيه إلى أن يثبت العكس. تصادَر درّاجات الفقراء كما لو أنّها أدوات جريمة موصوفة، أو غنائم حرب كسبتها القوى الأمنية للتوّ.
قبل أعوام، بحث «رامبو» معركة تدمير مخيّم نهر البارد عن ضحيّة كي يبني لنفسه صورة الرجل القويّ، فابتكر بدعة «عبدة الشيطان». لأشهر طوال، صار كلّ ذي شعر طويل مشتبهاً فيه. اليوم، يبدو أنّ ضحيّة أخرى تلوح في الأفق: راكبو الدرّاجات!


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: