الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009,8:51 م
تجربة التيّار ليست ملكاً له وحده

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١٣ تشرين الأول ٢٠٠٩


ظهر، أمس، على موقع التيار الوطني الحر مقال يتهجّم على عدد من الزملاء من وسائل إعلاميّة مختلفة، ومن خلفيّات سياسيّة مختلفة. ويحمل التهجّم دعوة لهم كي يكفّ أولئك الصحافيّون عن ملاحقة أخبار التيار الوطني الحرّ. فقد ضاق التيّار أو رئيسه، على ما يبدو، بالصحافة التي تتابع أخباره وتراقبه وتحاسبه.
لو ورد هذا الكلام على لسان صاحبه وحسب، لما كان ليثير اهتماماً. لكنّه، للأسف، يأتي ضمن سلسلة من المواقف «العونيّة» التي يُفهَم منها أنّ التيّار الوطني الحر يحلم بعلاقة غريبة بعض الشيء مع الصحافة: علاقة تجاهُل أو مديح. والتجاهل أفضل بالنسبة إلى التيّار الذي بات يملك محطّة تلفزيونيّة وإذاعة وموقعاً إلكترونياً.
والواقع أنّ الجنرال ميشال عون نادراً ما يخلو مؤتمر صحافي يعقده مِن تهجّم على صحافي أو على وسيلة إعلامية. لكنّ ذلك بدأ يأخذ أبعاداً مختلفة بعد صدور نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. تلك الانتخابات التي جاءت نتائجها أقلّ من توقّعات التيّار، رغم إحرازه عدداً لا بأس به من المقاعد، وزيادة عدد نوّاب تكتّل التغيير والإصلاح.
فقد عمدت وسائل الإعلام التابعة للتيّار، منذ ذلك الحين، إلى تعزية جمهورها ورفع معنويّاته عبر اتّباع نهج غريب. روّجت محطة «أو تي في» مثلاً لـ«كليب» يُظهر صوراً لمن سمّتهم عظماء من التاريخ. وفيما تمرّ صورهم على الشاشة، نسمع تعليقاً يفيد بأنّ العامّة لم تفهم دائماً العظماء، رغم إنجازاتهم التاريخية المهمّة. الصورة الأخيرة بين أولئك العظماء كانت طبعاً... للجنرال ميشال عون.
استمرّت الحملة على هذا المنوال، فظهر سياسيّو التيّار على الشاشات يبشّرون فرادى وجماعات بمعركة الوعي. فخطابهم لم تشُبْه شائبة قبل الانتخابات، لكنّ وعي المواطنين لم يصل بعد إلى الدرجة الكافية لفهم ما يقوم به التيّار وجنراله.
ما ظهر، أمس، على موقع التيّار يشير إلى أنّ هذا التوجّه الخطير لا يزال مستمرّاً لدى التيار وإعلامه. وهذا لا يؤدّي إلا إلى مزيد من تراجع الحسّ النقدي، وصولاً إلى التقوقع على الذات.
لقد طرح التيار نفسه ذات مرّة حركةً سياسيةً حديثةً بعيدة عن الفساد والإقطاع السياسي. وفي فترة ما، تبنّى العلمانيّة وبناء الدولة المدنيّة. ولعلّ هذا ما ميّز التيّار، وجعل تجربته جديرةً بالمتابعة من الإعلام الصديق والخصم على حدّ سواء، وخصوصاً وسط إفلاس الأحزاب التقليديّة أو تحوّلها إلى «لافتات» للعمل السياسي باسم الطائفة. السؤال هو أبعد من ميشال عون ومن التيار الوطني الحر. السؤال هو: هل ما زال هذا البلد قادراً على إنتاج أحزاب؟ هل ما زال العمل السياسي ممكناً بدافع المصلحة العامة؟ التيار الوطني الحر مثّل مختبراً للإجابة عن هذا النوع من الأسئلة. إلا أنّ ثمّة من يريد إقفال المختبر، ووضع المفتاح في جيبه.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: