الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009,9:23 ص
أزمة صحافة... لا أزمة ماليّة

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٦ تشرين الأول ٢٠٠٩



مشكور مجلس نقابة الصحافة لتذكيرنا أمس بأنّ «الصحافة في لبنان قطاع خاص»، وأنّ «من حقّ كل صحيفة أن تتصرّف... بما يحول دون اضطرارها إلى التوقّف النهائي عن العمل والاحتجاب النهائي». فإلى الجحيم أيّها الصحافيّون، ما دامت الأفراح عامرةً داخل مؤسّساتكم المسخّرة في خدمة السلطان.
صحيح أنّ ما يجري على مستوى صرف الإعلاميّين من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة يستحقّ اسم الفضيحة، لكنّ الفضيحة الكبرى هي واقع الإعلام اللبناني نفسه. الفضيحة الأكبر هي أنّه لا أحد يتحدّث عن فضيحة الإعلام إلا حين يصل الأمر إلى صرف صحافيّين أو إقفال مؤسّسة.
لسنا أمام أزمة ماليّة. نحن أمام أزمة إعلام. نحن أمام أزمة صحافيّين. نحن أمام أزمة مصطلحات. وقرّاء الصحف متقدّمون على العاملين فيها بأشواط. لذلك، ربّما، يتناقص هؤلاء القرّاء يوماً بعد آخر.
فلنترك جانباً السياسة ودور الخادم الأمين الذي تؤدّيه الصحافة للنظام ولرجاله. ولنتحدّث عن مشكلة أعمق، عن مشكلة الكتابة المهنيّة مثلاً. عن آخر تحقيق يستحقّ هذه التسمية قرأناه على صفحات جريدة لبنانيّة. عن آخر افتتاحيّة تستحقّ القراءة منذ اغتيال سمير قصير ورحيل جوزف سماحة. عن آخر صفحة رأي ناجحة، تجد حقّاً رأياً تقرأه فيها كلّ يوم.
فشل بعد فشل. ولا يزال جيل الخيبة، الجيل الذي حلم ذات يوم بلبنان آخر واصطدم بالحرب الأهليّة، هو نفسه الذي يقود الدفّة. وإن جاء أحد من بعده، فجاء مرتدياً جلباب أبيه. إنّه خطاب صنعت مفرداته ومصطلحاته حقبة غابرة، وما زال يتردّد أينما كان وكيفما كان. لا يستطيع رؤية العالم من خارج النظّارة الباليَة.
معظم ما يُكتَب اليوم ليس إلا إعادة تدوير لما كُتب قبل نصف قرن: إمّا أن نشتم الإمبريالية والاستعمار، وإمّا أن نرحّب بهما كقاطرة للتقدّم. وغالباً ما يكون المصفّقون اليوم هم شتّامي الماضي، فيما تُختزَل كلّ التعقيدات بثنائيّة التقدّم والتخلّف. حتّى الإسلام السياسي الذي شهدنا صعوده في العقود الأخيرة، ما زالت صحفنا قاصرة عن مواكبته، عاجزة عن إيجاد المصطلحات لوصفه، اللهمّ إلا عبر إطلاق تهمة «الظلاميّة» أو إغداق المدائح الخلاصيّة. مفردات لم نكلّف أنفسنا نفض الغبار عنها.
لا الصحافة الاستقصائيّة مرّت من هنا. لا الدراسات ما بعد الكولونيالية مرّت من هنا. لا جدليّة الحداثة مرّت من هنا. لا أدبيّات ما بعد التنمية مرّت من هنا. قد تكون أزمة فكر، لكنّها أزمة صحافة في الدرجة الأولى. فالصحف هي التي تهمّش أصحاب الأفكار الجديدة. تتركهم مُهمَلين على ضفاف الحقل وهوامشه، فيما يُلاك الكلام نفسه على الصفحات الصفراء نفسها.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: