الأربعاء، 29 أبريل 2009,12:57 م
ألو مين... مكسيم؟

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٢٩ نيسان ٢٠٠٩


في خضمّ الخلاف الداخلي والتنافس الانتخابي، احتار اللبنانيون في بحثهم عن مكان محايد يمارسون فيه طقوساً وطنية جامعة. حتّى إعلان اللوائح الانتخابية فقدَ في غالبية الأحيان أي معنى وطني أو سياسي، فبات مناسبةً للسخرية من «جلابيط» اللائحة المنافسة، على ما وصف النائب ميشال المر أخصامه، أو حفلاً لتأكيد الزعامة الواحدة الوحيدة الفارغة من أي تأسيس للمستقبل، أو جلسة زجل في هجاء الطوائف الأخرى. وقد سُجِّلت حالة خاصّة في طرابلس اختزلت الواقع الطبقي المرير، حين شبك ثلاثة من حيتان المال أيديهم وابتسموا ابتسامة مكر أمام فقراء المدينة الذين حملوا صورهم وهتفوا لهم، وسيذهبون في السابع من حزيران إلى صناديق الاقتراع ليسقطوا فيها أسماء الحيتان وأسماء أتباعهم الصغار، مجدّدين بذلك لفقرهم وحرمانهم.
لكنّ مكسيم شعيا وجد الحلّ. قام برحلة دامت أيّاماًَ طوالاً بحثاً عن نقطة يرفع فيها العلم اللبناني، فاستقرّ رأيه أخيراً على القطب الشمالي. تلك النقطة التي لا يمكن أن يكون فيها أي لبناني... أي عائلة لبنانية... أي طائفة لبنانية. هناك، وهناك فقط، يمكن لعلم لم يوحّد شيئاً، وما عاد يرمز إلى أيّ شيء، أن يرفرف بسلام.
وفي تلك النقطة التي تلتقي عندها كل خطوط الطول للكرة الأرضية، أي حيث يمكنك اتّباع توقيت أي بلد تريده، أخبرنا مكسيم أنه اختار أن يتبع توقيت بيروت. وتماماً كما فعل على قمة إفرست حين اتصل شعيا برئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، اتصل هذه المرّة بالرئيس ميشال سليمان بالتوقيت البيروتي المناسب.
رئيس الجمهورية المفترض أنّه بحكم موقعه يبحث، تماماً كمكسيم، عن نقطة وطنية جامعة، اختار أن يقوم بوَصْلة طويلة على الهواء. ولأنّ على المسرحيّة أن تكون عفويّة حتّى يصدّقها اللبنانيّون فيتوحّدوا حول عَلَمهم، ردّّ سليمان على الاتصال القطبي بالاستفهام: ألو مين... مكسيم؟ كأنه كان ينتظر أكثر من اتصال من القطب الشمالي، فأراد أن يتأكد من هوية المتصل.
لكنّ سؤالاً كهذا بدا من ضرورات الإخراج، قبل بدء حفلة العنفوان حول الشباب اللبناني وروح التحدي، وقبل أن يختم رئيس الجمهورية قائلاً: مش مهم نوصل... المهم نكفّي الطريق!
إن كانت الطريق التي يقصدها الرئيس هي طريق القطب، فاللبنانيون قادمون لا محالة. موجات هجراتهم المتواصلة بفضل السياسات الاقتصادية الحكيمة لا بد أن تصل إلى هناك. أمّا إن كان يقصد طريق الوحدة الوطنية، فالرئيس أعلم بأن البرودة التي تحكم علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض أشد صقيعاً من هواء القطب الذي رفرف عليه العلم اللبناني.
لدى عودته من الإفرست، رفع مكسيم شعيا شعار «لكل فرد إفرسته الخاصة». لكنه نسي أن الطموحات الكبرى لا تقتصر على الأفراد، فلكل طائفة أيضاً إفرستها الخاصة. والطوائف أكثر طموحاً من الأفراد، وأكثر مهارة في تسلّق القمم والجبال.
لا نعرف لماذا اصطحب مكسيم معه علماً لبنانياً، ولا نعرف الشعور الذي انتابه لدى رؤيته العلم مرفرفاً فوق الأراضي القطبية. قد يكون ذلك آخر ما بقي من الوطنية اللبنانية. وقد يكون ذلك أحد أوجه الولع اللبناني بأسطورة تفوّق أحفاد الفينيقيين الذين لا يكفّون، أفراداً وجماعات، عن تسجيل أرقام قياسية، حتى لو كان التفوّق في طول الشوارب، أو كبر البطن، أو حتى لو انتُخِب اللبناني «أسأل شي»، كما اختار ذات مرّة أحد البرامج التلفزيونية الساخرة عنواناً له.
لا نعرف أيضاً كيف امتلك مكسيم وقتاً لهذه الرحلة الطويلة، ولماذا اختار أن يكرّس حياته لهذا النوع من الرياضات. لكننا نعرف تماماً كيف امتلك رئيس الجمهورية كل هذا الوقت للمسرحية الوطنية المتلفزة، وخصوصاً بعد رحيل الأخوين رحباني. فوسط الانقسام الحاد في البلاد، باتت رئاسة الجمهورية (كسائر مؤسسات الدولة) شبيهة بذاك العلم الذي يرفرف وحيداً في أرض باردة، لا ينظر إليه إلا بعض سكان القطب فيعجبون بألوانه، من دون أن يجدوا له استخداماً مفيداً.
هل ما زال العلم اللبناني هناك؟ هل استخدمته إحدى عائلات الدببة القطبية ستاراً للحمّام أو شرشفاً للطاولة؟ لا نعرف الكثير عن الدببة. فما زالت الحيتان عندنا هي التي تأكل كلّ شيء.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: