الأربعاء، 15 أبريل 2009,12:53 م
الخطاب الموسمي

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ١٥ نيسان ٢٠٠٩


حين يتحدّث اللبنانيّون عن الطوائف، وغالباً ما يشتمونها خارج المجالس الضيّقة، يفعلون ذلك كما لو أنّ ثمّة كائنات تدعى «طوائف» تحضر فجأة على الساحة وتخرّب على الشعب الآمن حياته اليوميّة. وغالباً ما تلصق بهذه الكائنات الغريبة أقذع الصفات. فإذا ما سألنا من هم ناهبو المال العام؟ جاء الجواب سريعاً: إنّها الطوائف. وإذا تساءلنا عمّن يقف حائلاً دون تطوير النظام السياسي، لما تردّد أيّ مجيب بالقول: إنّها الطوائف. وإذا حلّلنا أسباب الحروب الأهليّة، قيل: الطوائف «طافت» بعضها على بعض. الجميع يكره الطوائف، لكنّنا لا نعرف من هم «الجميع».
في المواسم الانتخابيّة، ترتفع وتيرة شتم الطوائف، علماً بأنّ زعماء الطوائف يشكّلون اللوائح، وأبناء الطوائف يسقطونها طائعين في صناديق الاقتراع. وحين يصل النوّاب إلى البرلمان، يعلنون عجزهم عن تحسين الأوضاع العامّة في البلاد نظراً إلى الواقع الطائفي. فالطوائف، يا أخي، تمنع التغيير. أمّا حين تطلَق حرية اللبنانيين في شطب طائفتهم عن سجلات النفوس، فلا يبدون حماسة كبيرة لفعل ذلك.
لا يضاهي خطاب شتم الطوائف انتشاراً إلا خطاب الدعوة إلى بناء الدولة. فالتسابق جارٍ على قدم وساق لبناء الدولة. تيّار المستقبل علّة وجوده بناء الدولة. المرشّحون المستقلّون ينتقدون المحادل التي تحول دون بناء الدولة. حزب اللّه يشكو من غياب الدولة، ويريدها دولة قوية وعادلة ومقاومة. وليد جنبلاط تؤرّقه المزرعة. يريد الانتقال إلى الدولة. نبيه برّي يريد بناء الدولة. فؤاد السنيورة يهوى لقب «رجل الدولة». ميشال عون أرسله التاريخ مباشرةً إلى لبنان ليبني الدولة، تماماً كما فعل فخر الدين ذات يوم.
كيفما تسِرْ في الشوارع، فهناك مواطنون يحملون أكياساً من الباطون وأكواماً من الحجارة، كي يشرعوا ببناء الدولة. كليات العمارة تفيض بالتلاميذ التائقين إلى دراسة كيفية بناء الدولة. المصارف كفّت عن إقراض المواطنين، فكلّ أموالها مسخّرة لتمويل عملية بناء الدولة. البنيان يعلو. ارتفعت الدولة. حلّقت. وصلت إلى حدود السماء. طارت فوق الغيم. الناس في الشوارع يهلّلون وهم يشيرون بأصابعهم إلى ذاك البنيان الشامخ. يا الله، إنّها الدولة.
لكنّ كلّ ذلك لا يكفي. أين الدولة. لا أراها. يصرخ الولدُ وهو يأكل التفاحة. الدولة تأخذ نصف ثمن صفيحة البنزين. الدولة تقبض على أموال الضمان الاجتماعي. الدولة تستدين. الدولة تستملك الأراضي وتهبها للأثرياء. الدولة تعبّد الطرقات. الدولة تفتح المدارس. الدولة تخرّب المدارس. الدولة تسمح. الدولة تمنع. الدولة تدفع. الدولة... لكنّ الولد يأكل التفاحة.
ولمّا كان بناء الدولة والخروج من قمقم الطوائف هما مهمّة الشعب اللبناني الرئيسة، فإنّ مكافحة الفساد شرط من شروط التنفّس بالنسبة إلى اللبنانيين. يا أخي، الفساد مستشرٍ، وهو يمنع العيش الكريم عن الناس. لولا الفساد، لانقرض الفقر من البلاد. ولولا الفساد، لـ«جابوا الدب من ديله». ولولا الفساد، لتوقّفت الاشتباكات الأمنية. ولولا الفساد، لعمّت البحبوحة. ولولا الفساد، لأصبح المواطنون متساوين، ولأقفلت السجون وقضي على الأمراض، ونال كلّ ذي حق حقّه.
الطوائف... الفساد... غياب الدولة: ثلاثة عناوين تحتلّ الشاشات والصحف والمنابر في المواسم الانتخابيّة. ثلاثة عناوين يرفعها المطالبون بالإصلاح، وهم المرشّحون كافّة من دون استثناء. يرفعونها ليخفوا الشعارات الأخرى، تلك التي تحتاج إلى مرشّحين آخرين، وإلى رغبة حقيقية بالتغيير نابعة من أوجاع الناس وحاجاتهم. ثلاثة عناوين تعمل كالأقنعة الملمّعة التي تخفي الوجه القبيح للنظام السياسي والاقتصادي، وللمرشّحين على لوائح العار، ولمتسوّلي المقاعد. ثلاثة عناوين تغطّي العجز عن فعل أيّ شيء خارج الخطاب الممجوج.
في الموسم الانتخابي، لا تصادر المحادل المقاعد وحسب، ولا تصادر أصوات الناس وحسب، وإنّما تصادر خطاب التغيير أيضاً. تصادر الأحلام الصغيرة والكبيرة.
في مواجهة هذه المحادل، ثمّة سلاح بسيط اسمه التشطيب. الولد نفسه الذي يأكل التفاحة بإمكانه أن يعير قلمه للناخبين، فيشطبوا عن اللوائح الأسماء التي لا يريدونها، ويضعوا مكانها اسماً آخر، اسم القمر أو أخته الشمس، أو اسم الريح التي تعصف ولا تترك شيئاً في مكانه.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: