الجمعة، 27 فبراير 2009,10:12 م
نظرتان... ولا ابتسامة

خالد صاغية

الأخبارعدد الجمعة ٢٧ شباط ٢٠٠٩


للأزمة بين رئيسيْ مجلس النوّاب ومجلس الوزراء بُعدٌ انتخابيّ، وللكيديّة السياسيّة أيضاً يدٌ فيها. إلا أنّ المسألة تتجاوز ذلك، لتعبّر عن نظرتين سائدتين إلى الموضوع الاقتصادي اللبناني.
تعتمد النظرة الأولى على اعتبار الزعامة السياسية/ الطائفية القناة التي يجب أن تمرّ عبرها حقوق المواطنين. سياسة تحوّل الحقوق إلى صدقات، وتحوّل الزعيم إلى قيّم على صندوق خاص بأهل منطقة أو طائفة. أسلوب هجين بين عطايا الزعيم وقنوات الدولة.
هذه الصناديق، كما بعض مزاريب الهدر والفساد الأخرى، تعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها والنظام الطائفي نفسه. إلا أنّها في ظلّ السياسات النيوليبرالية غير العادلة التي انتهجت منذ انتهاء الحرب الأهليّة، تؤدي هذه الصناديق والمزاريب دوراً إيجابياً لناحية إعادة توزيع الدخل إلى العامّة.
تعتمد النظرة الثانية على إخضاع الموازنة لمنطق حسابيّ بسيط للإيرادات والنفقات، بصرف النظر عن التوزيع الاجتماعي لهذه النفقات. وإذا وردت أولويّات في مكان ما، فإنّها تكون حتماً لمصلحة الطبقات العليا في المجتمع. هكذا جُرَّت البلاد إلى دين عام ضخم، وتُجَرّ اليوم إلى تسديد فوائد هذا الدين، وتسخير السياسات المالية والضريبية من أجل ذلك، وحرمان الطبقات الشعبية من أي حقوق، اللهمّ إلا تسديد الرسوم التي تذهب هي الأخرى إلى جيوب الأثرياء. لقد ارتاح هؤلاء إلى تسخير الدولة لمصالح طبقيّة فجّة، وتحويل الحكومة إلى أداة إعادة توزيع معكوس للثروة. يمتلك هؤلاء حجّة قويّة ضدّ الصناديق المرتبطة بالطوائف، إذ تتنافى مع نموذج الدولة الحديثة. لكنّهم يغمضون أعينهم عمّا تسبّبه سياساتهم من مآسٍ.
يدور اليوم خلاف بين هاتين النظرتين. إلا أنّه لا أحد طرح، ويبدو أنّه لا مصلحة لأيٍّ من الأطراف السياسية الكبرى في أن يطرح، تغيير السياسات الاقتصادية نفسها. ففي ظلّ سياسات عادلة، سيكون ردّ مطالب زعماء الطوائف أقلّ أذىً للناس، وسيكون شعار بناء الدولة أقلّ تجويفاً.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: