الجمعة، 6 فبراير 2009,5:28 م
المحاسبة
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٦ شباط ٢٠٠٩

«إنّ المقاومة لا بدّ أن تخضع لحساب الأرباح والخسائر، وهي مسؤولة أمام الشعوب تحاسبها بقدر ما تحقّقه من مكاسب لقضاياها أو ما تؤدّي إليه من ضحايا وآلام ودمار». هذا الكلام للرئيس المصري حسني مبارك يحمل الكثير من الصحّة. لكن، ينبغي توضيح معنى المحاسبة. كيف يمكن أن تحاسب الشعوب يا ترى؟ ثمّة طريقان: إمّا استخدام العنف من الشعوب ضدّ المقاومة، وإمّا معاقبة الشعوب للمقاومة في أيّ انتخابات مقبلة.
هنا لا بأس من التذكير بأنّ المقاومة في فلسطين (وفي لبنان) شاركت في العمليّة الديموقراطيّة، وفازت بها. وفازت بها تحديداً لأنّ «الشعوب» قرّرت أن تحاسب من كان يتحكّم بالسلطة الفلسطينيّة، ولأنّ «الشعوب» العربيّة ـــــ وهذا ليس سرّاً ـــــ تؤيّد، عن خطأ أو عن صواب، خيار المقاومة. فهل يقصد السيّد حسني مبارك هذا النوع من الحساب؟ إذا كان هذا هو المقصود، فقد سبق للمقاومة أن خضعت لهذا الحساب، وهي التي تطالب بأن تُدخَل في العمليّة السياسيّة سواء عبر الاعتراف بالحكومة المنبثقة من الانتخابات التشريعيّة، أو عبر إصلاح منظّمة التحرير التي ما زالت حتّى الساعة ترفض إصلاح نفسها.
ولعلّ الزوبعة التي أثارها خالد مشعل بشأن منظّمة التحرير تحمل إيجابيّات بهذا المعنى. فانتقاد المنظّمة التي يُفترَض أنّها الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتوضيحات التي تلت هذا الانتقاد، توحي أنّ مطلب «حماس» هو الاعتراف بها داخل منظّمة التحرير، وأنّ إصلاح المنظّمة بات ضرورياً حتّى تبقى هي ـــــ كما كانت ـــــ الممثّل الشرعي والوحيد. وهذا يجعل من «حماس» فصيلاً خاضعاً للمحاسبة داخل المنظّمة، وأمام الشعب في الانتخابات المقبلة.لكنّ هذا السعي للمشاركة يسمّيه دعاة المحاسبة أنفسهم سعياً لقطف مكاسب سياسيّة، وانقلاباً على الواقع القائم، فيرفضونه بالحدّة نفسها لرفضهم فكرة المقاومة.
ليست المحاسبة الديموقراطيّة نوع الحساب الوحيد. ثمّة نوع آخر جُرِّب في أكثر من مكان، في لبنان وفي العراق، وهو تحريض فئة من «الشعوب» لا تريد المقاومة ضدّ فئة أخرى تؤيّد المقاومة، تحريض يتّخذ الأسلوب المسلّح، أي شكلاً من أشكال الحرب الأهليّة. والرئيس مبارك، حتماً، لا يقصد التحريض على حروب أهليّة.
لكن، بغضّ النظر عن أسلوب الحساب والمحاسبة، لنبحث عمّا يراد من محاسبة المقاومة عليه. فحتّى لو قبل المرء بمنطق الأنظمة العربية المناهضة للمقاومة، واعتقدَ أنّه لا جدوى من المقاومات وأنّ كلّ ما تقوم به هو التضحية بالمدنيّين من دون الحصول على مكاسب، فإنّ ذلك يقودنا إلى الاستنتاج الآتي: المقاومة تعطي الذريعة للاحتلال الذي يقتل المدنيّين ويدمّر المنازل، أي إنّ الاحتلال كان فعلاً بحاجة إلى ذريعة وإنّ المقاومة وفّرتها له. لكن حتّى في هذه الحال، يبقى غير مفهوم موقف من يريد أن يحاسب المقاومة على توفير الذريعة، وفي الوقت نفسه يلهث لمعانقة مجرمي الحرب الذين قاموا بالاعتداءات وارتكبوا المجازر.
إنّ الحرص على المدنيّين يجب أن ينطلق أوّلاً من الحرص على معاقبة مجرمي الحرب، أو أقلّه قطع الصلات مع دولة الاحتلال، أو في أضعف الإيمان الامتناع عن استقبال إيهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني، وتقبيلهم وكَيْل المديح لهم، ومعاملتهم بصفتهم رجال ونساء سلام يواجهون منظّمة إرهابيّة تدكّ مُدُنهم بالصواريخ. لكن، مع الأسف، بات «المدنيّون» مصطلحاً كوديّاً يراد من ورائه ارتكاب الخيانة، بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى، بحقّ المدنيّين أنفسهم. وليس غريباً، والحال هذه، أن يتباكى حاكم مصر على المدنيّين الفلسطينيّين، فيما يحمي نظامُه الفاسدين الذين سبّبوا مقتل مئات المدنيّين المصريّين.
الحرص على المدنيّين لا يعني البكاء على مَن رحل منهم بقدر ما يعني الحرص على كرامة من بقي منهم حيّاً، والعمل على توفير الطبابة والغذاء له، لا تشديد الحصار عليه بحجّة حمايته من موت مقبل إن أحكم هذا الفصيل أو ذاك السيطرة على قطاع غزّة.
رغم كلّ ذلك، لا بدّ من إبداء الإعجاب بعودة الديكتاتوريّين العرب إلى مفهوم الحساب والمحاسبة، وإعادتهم الاعتبار للشعوب، وقد عادوا أخيراً للتمسّك حتّى بالقوميّة العربيّة رافضين أيّ تدخّل «غير عربيّ» بالقضيّة الفلسطينيّة. إنّها الصحوة يا إخوان. إنّها النهضة العربيّة الجديدة يقودها أهل الانحطاط. صَفِّق يا عمرو موسى. ارقُصي يا شعوب.
 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: