الخميس، 4 فبراير 2010,8:10 ص
نقاوة المياه الإقليميّة

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ٤ شباط ٢٠١٠


كثيرون في لبنان لم يشعروا بالراحة منذ تحطّم الطائرة الإثيوبيّة. ثمّة من دفن أحبّاءه، وثمّة من لا يزال ينتظرهم، وثمّة من يسهر ليلاً ونهاراً للعثور على هيكل الطائرة والصندوق الأسود وانتشال جثث الركّاب. لكن، هناك أيضاً بين اللبنانيّين مَن لم يشعر بالراحة، وذلك لأسباب مختلفة. فحالياً، وفيما تُكتَب هذه السطور، تقبع في المياه الإقليميّة اللبنانيّة جثث لأفراد من التابعيّة الإثيوبيّة. طبعاً، يجري البحث عن هذه الجثث تماماً كما يجري البحث عن جثث اللبنانيّين، أو، بالأحرى، يجري البحث عنها لأنّ البحث جارٍ أصلاً عن جثث اللبنانيّين. لكن، يبقى السؤال: كيف يمكن السماح لها بالبقاء عندنا كلّ هذا الوقت؟ كيف نسمح لها بتعكير نقاوة مياهنا الإقليميّة؟
لا يقتصر الأمر على الأيّام التي مرّت. فخطورة الأمر ستشتدّ حين يُعثر على المفقودين الإثيوبيّين. فهم، على الأغلب، لن تكون في حوزتهم أوراق إقامة. وهنا تُطرح معضلة القبول ببقاء الجثث الإثيوبية في برّاد المستشفى الحكومي، إلى أن يأتي من يتسلّمها. ببساطة، يمثّل ذلك تهديداً للأمن القومي.
المأساة لا تتوقّف هنا. فماذا لو لم تُدفع تكاليف نقل جثّة ما إلى إثيوبيا؟ حتّى لا يذهب أحد بفكره بعيداً، لنكن واضحين من البداية. دفنُ الإثيوبيّين في بلاد الأرز غير وارد. وفي الوقت نفسه، لا يمكن وضع الجثث في سجون تحت الأرض، كما يجري مع العشرات من اللاجئين الأحياء. سيضطرّ اللبنانيون، أو الساهرون منهم على استتباب الأمن ونقاوة العرق، إلى البحث عن حلول أخرى. وهي حلول لن تكون صعبة، ما دامت حقوق الإنسان غير محترمة أصلاً مع أفراد التابعيّة الإثيوبيّة في لبنان، الأحرار منهم والمسجونين، فما بالك بالضحايا.
لكن، حتّى لا نعقّد المسألة، لنبدأ بالأمر خطوة خطوة. وما دام الاحتياط واجباً، يرجى منذ اللحظة، وحتّى لا يحصل الارتباك لاحقاً، تخصيص برّادات للجثث الإثيوبيّة منفصلة عن برّادات الجثث اللبنانيّة. فقد يتمكّن الموت من إرساء بعض قواعد التسامح العرقي، وتُتجاوز مسألة أوراق الإقامة. فالإثيوبيّ الميت هو إثيوبيّ طيّب.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: