الاثنين، 25 يناير 2010,8:38 ص
ليس تماماً عن هايتي
الأخبار عدد الاثنين ٢٥ كانون الثاني ٢٠١٠
خالد صاغية
مثّل زلزال هايتي حدثاً مغرياً للتعليق والتحليل. فنادراً ما تُخلِّف كارثة طبيعيّة هذا العدد الهائل من الضحايا. وقد التفت كثيرون منذ البداية إلى أنّ ما جرى لا يمكن ردّه إلى غضب الطبيعة وحسب. فالزلزال نفسه ما كان ليخلّف كلّ هذا الموت، لو حدث في منطقة أخرى.إلا أنّ التوافق انتهى عند هذه النقطة ليبدأ بعد ذلك التنوّع والاختلاف في التفسيرات. ففيما ركّز البعض على التاريخ الاستعماري في هايتي، والنهب الأوّلي الذي تعرّضت له منذ قرون، وصولاً إلى السياسات الأميركيّة غير البعيدة، فضّل آخرون التركيز على تفاسير أخرى. ولعلّ الأكثر رواجاً كان انتقاد شكل الحكم الذي نشأ بعد الاستعمار، وخصوصاً غياب الديموقراطية وانتشار الفساد. وإذا كان يساريّون وليبراليّون ويمينيّون قد اشتركوا في هذا التفسير الأخير، فإنّ اليمين خرج من زلزال هايتي رافعاً حجّة جديدة لمصلحة الاستعمار وعدم قدرة الشعوب «المتخلّفة» على حكم نفسها بنفسها.إلا أنّ استخدام مأساة هايتي لكيل المدائح للاستعمار، والتغافل عن دوره في صنع المأساة، لم يمثّل أقصى التطرّف اليميني. فهذا الموقف الأخير تولّاه من طاب له ردّ المأساة إلى ثقافة سائدة في تلك الجزيرة، ثقافة سمّيت مضادّة أو معادية للتقدّم. فالماضي الاستعماري والفساد والديكتاتورية أمور مشتركة بين دول العالم الثالث. أمّا العداء المتأصّل والمتجذّر للتقدّم، فهذا ما يميّز هايتي، وما يتحمّل مسؤوليّة الكارثة التي حصلت.والحال أنّ هذا الموقف الثقافوي الذي روّج له «مبشّرون» غربيّون وردّده تلامذة نجباء لهم في سائر أنحاء العالم، ليس جديداً، ولا خاصاً بالشعب الهايتي. فلا يزال العرب والمسلمون يعانون الموقف نفسه في تفسير حال بلدانهم. فهناك، كما في هايتي، تقول الرواية نفسها، لم يكن الاستقلال خطوة حكيمة، إذ فتح الباب أمام سيادة ثقافة معادية للتقدّم، وأوصد الباب على رياح الغرب التقدّمية.وهناك، كما في هايتي، لا يمكن وصف هذا الموقف بالعنصريّة. لكنّه البديل التمييزي الذي ابتدعه الغرب حين باتت العنصريّة أمراً محرّماً. وحتّى لا يلتبس الأمر على أحد، لم يُلقَ الحرم على العنصريّة فعليّاً إلا حين ارتدّت على أهلها، أي حين جاء شخص يدعى أدولف هتلر واستخدم الخطاب العنصريّ، لكن هذه المرّة ضدّ بشر غربيّين، ميّز بين أعراقهم ودياناتهم.فما دام إعلان التفوّق العرقيّ ممنوعاً، كيف يعلن الرجل الأبيض تفوّقه؟ ابحثوا عن الثقافة.
 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: