الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009,7:47 ص
مسرح بيروت

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٢٧ تشرين الأول ٢٠٠٩


لم تكن مدينة طرابلس في أوّل التسعينيات قد استفاقت بعد من هول الحرب الأهليّة. وكان أهلها قد قرّروا منذ زمن نقل بعض حياتهم إلى خارجها. رحلت المدارس إلى منطقة الكورة المجاورة، ورُحّل الفرح من المدينة الكئيبة إلى الشواطئ المحيطة بها. باستثناء نادٍ للسينما أقامه أستاذ مدرسة فرنسي داخل قاعة سينمائية مهملة، ومسرح صغير في الرابطة الثقافية، لم يكن يصل إلى المدينة أيّ فيلم جدير بالمشاهدة، وأيّ مسرحيّة تستحق هذه التسمية.
زارها آنذاك زياد الرحباني مرّة، وروجيه عسّاف ونضال الأشقر مرّة، ورفيق علي أحمد مرّة. كانوا يأتون ليرموا بعض الحصى في المستنقع الراكد، ثمّ يرحلون تاركين وراءهم أسئلة عن المسرح والموسيقى وما يدور في العاصمة من حكايات.
لم تكن بيروت هي الأخرى قد نفضت عنها غبار الحرب تماماً. لكنّ مسرحاً صغيراً في عين المريسة بدأ يعطي المدينة مساحة أخرى. لم يكن مجرّد مسرح. كان مختبراً فنياً وصوتاً سياسياً معارضاً وصلة وصل بين بيروت والعالم العربي.
كانت المرحلة لا تزال تحمل آمالاً ببناء وطن لا يشبه ما كانه خلال الحرب، ولا يحمل تشوّهات ما قبلها. ولم يكن الغول العقاريّ قد ابتلع المدينة كلّها بعد.
لم يكن الفنّ في المسرح مفصولاً عن السياسة أو موصولاً بها. كانت المسألة أشدّ تعقيداً، كأنّما حاول المسرح آنذاك أن يمسح الحزن عن وجه المدينة، ويعيد تشكيلها على هواه. هناك أطلِقت صرخة «مذكّرات أيّوب» في وجه ما سُمّي «إعادة الإعمار». هناك أيضاً احتفلت بيروت بمرور خمسين عاماً على النكبة. وهناك كرّمت بيروت إدوارد سعيد. وهناك تعرّفنا إلى طارق علي وإقبال أحمد.
في مسرح بيروت، أحببنا أطفال السينما الإيرانيّة، والأفلام الممنوعة للسينمائيين السوريّين. وهناك خاض «حكواتي» روجيه عساف معركة مع عبث يونيسكو.
في مسرح بيروت، اكتشفنا الوجه الآخر لتونس. تونس فاضل الجعايبي وجليلة بكّار وتوفيق الجبالي. هناك تغيّرت أكثر من حياة مع مسرحيّة «فاميليا».
لا أعرف ماذا يعدّ عصام بو خالد ورفاقه لمسرح بيروت بعد إعادة افتتاحه. فالمسرح حين أقفل أبوابه كان يعلن نهاية مرحلة. أيّ تجربة جديدة تنتظر المسرحيّين الشباب بعدما ابتلع الموت المدينة، من جرّافات سوليدير إلى الميتسوبيشي البيضاء؟ الياس خوري، الرجل الذي كانت أصابعه وراء كلّ ما نَبَضَ به ذاك المسرح الجميل، يجد نفسه اليوم خارج وظيفته بواسطة رسالة بالبريد المضمون. عصام بو خالد سقط في فخ الحنين. لم ينتبه إلى أنّ المدينة لم تعد تتّسع لمسرح.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: