الخميس، 2 يوليو 2009,8:49 ص
دراكولا في الأسواق
خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ٢ تموز ٢٠٠٩


أعلن النائب سعد الحريري، بعد تكليفه تأليف الحكومة المقبلة، أنّ الناس سئموا المهاترات السياسية، وأنّ على الجميع الالتفات الآن إلى القضايا التنموية وإلى خلق فرص العمل...
بعد ذلك بأيّام، انضمّ النائب وليد جنبلاط إلى قافلة المهتمّين بالشأن الاقتصادي، وأكّد أنّه لن يشارك في وزارة ترد فيها كلمة «خصخصة»، وشنّ هجوماً استباقياً دفاعاً عن القطاع العام.
وفي الوقت نفسه، انصرفت كتل نيابية عديدة للمطالبة بشؤون منطقتها الاجتماعية.
نزل الوحي الاقتصادي فجأةً على رؤوس القادة. كأنّ خطّ الفقر لم يكن يدهس رؤوس عشرات الآلاف من المواطنين، حين كانت أولويّات الزعماء محصورة بالتحريض الطائفي والتهديد بالفتنة والتسابق على تمويل قبضايات الأحياء. وكأنّ تلك الآلاف لم تكن بحاجة إلى «النقل العام» والمستشفيات الحكوميّة.
بات الاهتمام بأحوال المواطنين المعيشيّة جزءاً من «عدّة» ملء أوقات الفراغ التي يمضيها السياسيون عادة في الاستعداد لجولة جديدة من التناحر الطائفي. فحين يأخذ ذاك التناحر استراحةً، يطلّ الاقتصاد برأسه. غير أنّها طلّة تواطؤ بين الزعيم وجمهوره يُفهَم منها أنّ المطلوب الآن التروّي في الكلام السياسي، والتنافس بهدوء، و«الزكزكة» بهدوء.
كأنّ في خطاب زعماء هذا البلد شيئاً من طبيعة «دراكولا». في الصباح، يرتفع صوت التنمية والاهتمام بالفقراء. وفي الليل، يسيل دم الطوائف الذي غالباً ما ينتمي إلى أولئك الفقراء أنفسهم.
في الصباح، يكون التناحر بالسلاح الأبيض على الحصص والصناديق والمضاربات والصفقات المشبوهة. وفي الليل، يخوض المقاتلون أنفسهم معارك من نوع آخر، يصبح فيها اللحم الحيّ لأزقّة المدينة هو سيّد الميدان.
ليس المقصود من الكلام عن الاقتصاد البحث في الشأن الاقتصادي، فهذا الأخير لا شيء يُبحَث فيه. ثمّة سكّة اقتصادية مرسومة لهذا البلد «المعولم قبل العولمة»، الذي لن تهزّ طلاسمه الاقتصادية أزمة مالية محلية أو عالمية. هكذا يبدو الجميع مستعدّاً، مرّة جديدة، لتسليم الشأن الاقتصادي للسياسات الحريريّة، بعد «النجاحات» التي حقّقتها في هذا المضمار خلال السنوات السابقة. لا يمكن حتّى مساءلة تلك النجاحات.
هل تذكرون خُطب اعتصامات وسط المدينة؟ هل تذكرون الحديث عن الدين العام ومافيا المصارف والمضاربات العقاريّة؟ كان ذلك جزءاً من «عدّة» أخرى، لملء فراغ آخر ما لبث أن توارى تحت وطأة العنف. وسرعان ما قدّم حزب اللّه عرضه: أعطونا المقاومة، وخذوا ما يدهش العالم.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: