الاثنين، 17 أغسطس 2009,11:32 م
تعميم النموذج اللبناني

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٧ آب ٢٠٠٩


فيما يضيّع اللبنانيّون وقتهم في متابعة آخر التفاصيل الحائلة دون تأليف الحكومة، استغلّ رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة وقته في سبيل العمل على تصدير الثورة. والمقصود بالثورة هنا ليس «ثورة الأرز»، بل «ثورة الإنماء والإعمار» التي شارك في صنعها الرئيس السنيورة، وقاد مسيرتها في السنوات الأخيرة.
فرئيس حكومة البلد الصغير الذي أغرقته «الثورة» بدَيْن كبير، ذهب إلى المغرب ليبشّر بنموذجه الاقتصاديّ الناجح. هناك لم يسأله أحد عن اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، أو عن التفاوت في الدخل، أو عن الهجرة والبطالة، أو عن الضرائب غير العادلة... هناك تصرّف السنيورة كمن يقبض على الحلّ بين يديه، لا على قاعدة «إذا ابتليتم بالمعاصي، فاستتروا». ففاخر أمام المؤتمرين في «أصيلة» المغربيّة، قائلاً: «أشير إلى أنّ حكومتي قد تقدّمت برؤية اقتصادية للدولة اللبنانية، قد تكون مثالاً لبلدان نامية أخرى»! لا يملك دولته إذاً حلاً لمشاكل لبنان وحسب، بل يقدّم النموذج لجميع الدول النامية. وإذا ما أهملنا الكلام الإنشائيّ الذي تلى إعلان الرؤية هذا، اكتشفنا أنّ أهمّ ما يقدّمه السنيورة للدول النامية هو نصيحة بـ... خصخصة الكهرباء، أو، بحسب ما جاء في كلمته، «إفساح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في إنتاج الطاقة الكهربائيّة...»!
وصْفَةٌ هائلة سيلتفت إليها كبار منظّري اقتصاد التنمية في العالم.
لكن، مهلاً. هذا مجرّد تفصيل. فالنموذج اللبناني لديه الكثير ممّا يقدّمه العالم، وللسنيورة نظريات في «العولمة والتنمية»، والعلاقة بين هاتين بسيطة، ويمكن تلخيصها بتعميم النموذج اللبناني للتسوّل. ومَن كان «أشطر» من السنيورة في تطبيق هذا النموذج: فلندمّر كلّ قطاعات الإنتاج، ولنحوّل اللبنانيين إلى مجموعة متسوّلين يعتاشون على المساعدات الخارجيّة. هناك زاويتان للمسألة، وفقاً للسنيورة. «الزاوية الأولى، وهي المسؤولية التي تقع على عاتق بلدان الشمال لناحية كمية ونوعية المساعدات الخارجية...». أمّا الزاوية الثانية، فهي «المسؤولية التي تقع على عاتق بلدان الجنوب لناحية تخصيب بيئتها الاستثمارية... وتكون بالتالي قادرة على الاستفادة من المساعدات التي تحصل عليها».
هكذا تحوّل عالم السنيورة إلى قرية صغيرة فيها دول غنية وأخرى فقيرة. على الغني أن يساعد الفقير، وعلى الفقير أن يعرف كيف يستفيد من المساعدة. الفقير ليس شريراً، لكنّه يبتزّ الغني نوعاً ما. فإن لم يحصل على مساعدات، يتحوّل إلى إرهابيّ. ولتفادي ذلك، يتحوّل الغنيّ إلى رجل طيّب وسخيّ. وهذا ما يسمّيه السنيورة شراكة حقيقية في عملية التنمية، بخلاف ما جرى خلال التاريخ الاستعماري.
مبروك للدول النامية هذا العالم البسيط المبسّط. ومن يدري؟ ربّما يترحّم اللبنانيون قريباً على عهد فؤاد السنيورة. فمع الشيخ سعد، قد يكون الآتي أعظم.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: