الثلاثاء، 24 يونيو 2008,1:49 م
كسر الاحتكار
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الثلاثاء ٢٤ حزيران ٢٠٠٨
بعد تسلّمه رئاسة «الفيفا»، عام 1974، أعلن جان ماري هافيلانج: «لقد جئت لأبيع سلعة اسمها كرة القدم». أربعة وعشرون عاماً قضاها على عرش كرة القدم، كانت كفيلة بتحقيق حلمه في تحويل اللعبة الأكثر شعبيّة إلى حلقة تدور فيها مئات مليارات الدولارات. لم يكن هذا النجاح من غير ثمن. فالتقنيات العالية التي نشاهدها أمامنا على شاشة كأس أوروبا قد أطّرت المهارات الفرديّة في قوالب جاهزة. وإذا كان بعض لاعبي أميركا اللاتينيّة لا يزالون مصرّين على خرق هذه القوالب، فإنّ أوروبا تبدو تحت السيطرة تماماً.
لم تكن أساليب اللعب وحدها هي الضحية، بل الدائرون في فلكها أيضاً. فالمَشاهد التي نراها على الشاشة تخفي وراءها الكثير من الحكايات القاتمة، بدءاً من أطفال شرق آسيا الذين يعملون في ظروف غير إنسانيّة ليخيطوا كرات الملاعب، وصولاً إلى نظام العبودية حيث تتمتّع النوادي بملكيّة اللاعبين، تبيعهم وتشتريهم، وتمنعهم من الانتقال من نادٍ إلى آخر من دون إذنها. فالعبوديّة التي تراءى لكثيرين أنّها اختفت مع بروز السيطرة الرأسماليّة، ما زالت تجد لها متنفّساً من خلال الألعاب الرياضية (والصناعة الجنسية).
لا يجري التذكير بهذه الوقائع لممارسة إفساد متعة عشّاق هذه اللعبة الساحرة، كما يفعل عادة الـParty Poopers، أو بعض الذين يرون أنّ العالم لا يستحق العيش ما لم نفرغه من متعه. في الواقع، إنّ مزيداً من المتعة قد يكون في الانتظار مع كسر الاحتكارات المحيطة بهذه اللعبة. وإذا كان ذلك مستعصياً في المجال الإعلاني، حيث سلّمت صفقات مشبوهة شركات ضخمة رعاية اللعبة، فها هي الألقاب تُفتَح شيئاً فشيئاً أمام فرق من خارج النادي الضيّق للدول العريقة في اللعبة.
لقد انتقلت تركيا وروسيا وإسبانيا إلى الدور نصف النهائي في كأس أوروبا. سقط بعض العمالقة على الطريق، وفرق كبيرة لم تتأهّل حتّى للمشاركة في الكأس. يتّخذ كسر الاحتكار هذا بعداً مضاعفاً في لحظات سياسية محدّدة. فقد تمكّنت تركيا من فرض «حضورها الأوروبي» عبر كرة القدم، فيما لا يزال كبار اللعبة يرفضون دخولها إلى الاتحاد الأوروبي. بعض الدول «المستضعَفة» التي كانت كرة القدم مناسبة لسحقها في الملاعب، كما يجري سحقها على حلبات السياسة، باتت تستخدم الملاعب لتستعيد ثقتها بنفسها. ليست الفرق وحدها من يفعل ذلك، بل اللاعبون والعمّال المهاجرون الذين يتماهون معهم أيضاً. زين الدين زيدان لم يعد فرداً، بات حالة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: