الأربعاء، 28 مايو 2008,7:08 م
«نحن نصنع النموذج»
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ٢٨ أيار ٢٠٠٨

لم تمضِ سوى أيّام على العودة من الدوحة. يُخشى أن يكون الإنجاز الوحيد هو انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهوريّة، والعودة بعد ذلك إلى أجواء الشحن المعهودة. خطاب القسم وخطاب الأمين العام لحزب اللّه لا يمكن تصنيفهما في خانة الدخول إلى مرحلة جديدة هادئة. لقد تحدّث الرئيس المنتخب بلهجة رصينة، ونبرة مطمئنة. لكنّ مضمون الخطاب لا يشبه ما يتفوّه به عادةً القادمون إلى الحكم من خارج الفئة السياسيّة. وإذا كان من المريح أن يبتعد سليمان عن عنتريّات محاربة الفساد وقطع الأيدي، فإنّ تركيز خطابه على سلّة باتت تُعرَف باسم «المطالب المسيحيّة» يوحي باستعداده لا لدخول قصر بعبدا، بل لدخول مُعترك الزعامة المسيحيّة. أي، بكلام آخر، يبدو كأنّ سليمان قد انتدب نفسه لا لملء الفراغ في مقعد رئاسة الجمهوريّة بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحّود، بل لملء الفراغ الذي لم يتمكّن سمير جعجع و«مسيحيّو 14 آذار» من تعبئته، أي فراغ مقعد المنافس الجدّي لميشال عون في الشارع المسيحي. وقد بدأ منذ الآن الهمس السياسي عن لوائح الرئيس الانتخابيّة في المتن وجبيل وكسروان. بقدر ما يقترب سليمان من هذا التوجّه، فإنه يبتعد عن الدور المرتجى منه في مرحلة شديدة الحساسيّة تتطلّب رئيساً حكماً بين كتل سياسيّة متناقضة، يعبّر تناقضها عن الواقع الشعبي.
لكنّ خطاب القسم لم يسقط هنا وحسب. ففي تناوله للمقاومة، انتقل الرئيس المنتخب فجأةً إلى صيغة الماضي. فنشوء المقاومة «كان حاجةً»، واستمرارها «كان في التفاف الشعب حولها»، و«كان» لها الفضل في إخراج العدوّ. أمّا اليوم، يتابع سليمان، فإنّ «بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو لتهديداته وخروقاته، يحتّم علينا استراتيجيّة دفاعيّة تحمي الوطن». وماذا عن دور حزب اللّه في هذه الاستراتيجيّة الدفاعيّة؟ يقتصر هذا الدور على تقديم طاقات الحزب وطاقات المقاومة لخدمة الاستراتيجيّة الدفاعيّة. ولم تفُت سليمان الدعوة إلى عدم استهلاك إنجازات المقاومة «في صراعات داخليّة».
يظنّ كاتب خطاب القسم أنّه بهذه التوليفة، قد تمكّن من تحاشي ذكر عبارة سلاح حزب الله أو نزع هذا السلاح. لكنّ الرسالة كانت واضحة إلى الحزب: يعطيكم العافية. انتهى دوركم. الرجاء إفادة الدولة من خبرتكم في مجال المقاومة، لأنّنا عاكفون حالياً على بناء استراتيجيّة دفاعيّة يقتصر دوركم فيها على تقديم الاستشارات!
ثمّة وجهة نظر لدى الرئيس الجديد. لكنّها وجهة ليس أوانها بعد أيّام على استخدام حزب اللّه سلاحه في شوارع بيروت «دفاعاً عن السلاح». أو على الأقلّ، ليس هذا أوانها إذا كان المطلوب الدخول في أجواء تهدئة. على أيّ حال، لم ينتظر ردّ حزب اللّه طويلاً. والتوتّر الذي ساد خطاب الأمين العام للحزب لم يأت من فراغ. وقد طرح السيّد حسن نصر اللّه معادلة جديدة وخطيرة، حين قال: «لا يجوز استخدام سلاح المقاومة لأي مكسب سياسي داخلي، لكن أيضاً لا يجوز استخدام سلاح الدولة لتصفية الحساب مع فريق سياسي معارض، ولا يجوز استخدام سلاح الدولة لحساب مشاريع خارجيّة تضعف مناعة لبنان ولاستهداف المقاومة وسلاح المقاومة». لقد كان السيّد حسن نصر اللّه صائباًَ حين أعلن: «نحن اللبنانيّين نصنع النموذج»، مشيراً إلى خصوصيّة الوضع اللبناني وعدم جدوى استنساخ نماذج جاهزة عن علاقة الدولة بالمقاومة. لكنّ المعادلة التي طرحها، وإن كانت صحيحة من حيث المبدأ، فإنّها تعني في السياق السياسي أنّ حزب اللّه قد ربط، للمرّة الأولى، موافقته على وضع قيود على وجهة استخدام سلاحه بوضع قيود على وجهة استخدام سلاح الدولة. وهنا مكمن الخطورة.



التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: