الجمعة، 2 يوليو 2010,3:23 م
خسائر مدنيّة

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٢ تموز ٢٠١٠

بعد تعيينه خلفاً للجنرال ستانلي ماكريستال، أعلن دايفيد بترايوس، القائد الجديد للقوّات الدوليّة في أفغانستان، أنّه لن يغيّر التعليمات القاضية بتجنّب وقوع خسائر مدنيّة في أفغانستان. على الشعب الأفغاني، أمام تصريح كهذا، أن ينحني احتراماً. فقائد قوّات الاحتلال الأطلسي لا يكتفي بتكبّد التضحيات من أجل «تحرير النساء الأفغانيّات»، لكنّه يحرص أيضاً على حياتهنّ وحياة أزواجهنّ وأولادهنّ. وهذا الحرص مستغرَب فعلاً. فأمام مهمّة سامية كتلك التي جاء من أجلها بترايوس، لا بأس بدفع أثمان باهظة من أرواح الأفغانيّين. ففي النهاية، لن يموت أولئك عبثاًَ. سيكون قتلهم جزءاً من عمليّة التحرير. أي، يمكن الضغط على الزناد، ثمّ إعلانهم شهداء. وهم كذلك، لا بسبب مبادئ استشهدوا من أجلها، بل لأنّ جثثهم كانت هي الجسر الذي عبره المحتلّ حاملاً على أكتافه أفغانستان الجديدة.
أضف إلى ذلك أنّ شعباً لم ينجز بعد الرجل الأبيض تحريره، لا يملك ما يعيش من أجله أصلاً. فما من إصلاحات اقتصادية تحمل له النموّ، وما من زراعات معدّلة جينيّاً تقضي على جوعه، وما من مساعدات تأتي من صندوق النقد الدولي لترفع الناس إلى فوق ما يسمّى خط الفقر...
الغريب أنّ بترايوس حين تحدّث عن أرواح المدنيّين، لم يأتِ على ذكر الأخلاقيّات. لكنّه أشار في الوقت نفسه إلى «واجب أخلاقي» بمساعدة قوّات التحالف حين تواجه خطراً. ذلك أنّ الحرص على المدنيّين لا ينبع من اعتبارهم بشراً مساوين لجنود الاحتلال المخلّصين، بل من كون استراتيجيّة «التحرير» القائمة على العمل العسكريّ وحده أثبتت فشلها. وبترايوس هو صاحب الاستراتيجيّة الجديدة الهادفة إلى تقريب السكان من الحكومة الأفغانية من خلال إبعادهم عن حركة طالبان. وإبعادهم يتطلّب هذه المرّة معاملتهم بقليل من الرفق.
أمّا يوم كانت استراتيجيّة «التحرير» مختلفة، فلم تكن لأجساد الأفغانيّين أيّ قيمة. تساقطوا فرادى وجماعات كلّما حرّك جنديّ إصبعه، لسبب أو من دون سبب. وقد برع الجميع في إحصاء عدد جنود الاحتلال الأطلسي، فيما لم يحظَ الضحايا الأفغان حتّى برقم. لقد ماتوا من دون أن تظهر وجوههم. كانوا مجرّد حقل اختبار آخر لاستراتيجيّة أخرى جاء بها جنرال آخر.


 
posted by Thinking | Permalink |


0 Comments: