الأربعاء، 29 أبريل 2009,12:57 م
ألو مين... مكسيم؟

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٢٩ نيسان ٢٠٠٩


في خضمّ الخلاف الداخلي والتنافس الانتخابي، احتار اللبنانيون في بحثهم عن مكان محايد يمارسون فيه طقوساً وطنية جامعة. حتّى إعلان اللوائح الانتخابية فقدَ في غالبية الأحيان أي معنى وطني أو سياسي، فبات مناسبةً للسخرية من «جلابيط» اللائحة المنافسة، على ما وصف النائب ميشال المر أخصامه، أو حفلاً لتأكيد الزعامة الواحدة الوحيدة الفارغة من أي تأسيس للمستقبل، أو جلسة زجل في هجاء الطوائف الأخرى. وقد سُجِّلت حالة خاصّة في طرابلس اختزلت الواقع الطبقي المرير، حين شبك ثلاثة من حيتان المال أيديهم وابتسموا ابتسامة مكر أمام فقراء المدينة الذين حملوا صورهم وهتفوا لهم، وسيذهبون في السابع من حزيران إلى صناديق الاقتراع ليسقطوا فيها أسماء الحيتان وأسماء أتباعهم الصغار، مجدّدين بذلك لفقرهم وحرمانهم.
لكنّ مكسيم شعيا وجد الحلّ. قام برحلة دامت أيّاماًَ طوالاً بحثاً عن نقطة يرفع فيها العلم اللبناني، فاستقرّ رأيه أخيراً على القطب الشمالي. تلك النقطة التي لا يمكن أن يكون فيها أي لبناني... أي عائلة لبنانية... أي طائفة لبنانية. هناك، وهناك فقط، يمكن لعلم لم يوحّد شيئاً، وما عاد يرمز إلى أيّ شيء، أن يرفرف بسلام.
وفي تلك النقطة التي تلتقي عندها كل خطوط الطول للكرة الأرضية، أي حيث يمكنك اتّباع توقيت أي بلد تريده، أخبرنا مكسيم أنه اختار أن يتبع توقيت بيروت. وتماماً كما فعل على قمة إفرست حين اتصل شعيا برئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، اتصل هذه المرّة بالرئيس ميشال سليمان بالتوقيت البيروتي المناسب.
رئيس الجمهورية المفترض أنّه بحكم موقعه يبحث، تماماً كمكسيم، عن نقطة وطنية جامعة، اختار أن يقوم بوَصْلة طويلة على الهواء. ولأنّ على المسرحيّة أن تكون عفويّة حتّى يصدّقها اللبنانيّون فيتوحّدوا حول عَلَمهم، ردّّ سليمان على الاتصال القطبي بالاستفهام: ألو مين... مكسيم؟ كأنه كان ينتظر أكثر من اتصال من القطب الشمالي، فأراد أن يتأكد من هوية المتصل.
لكنّ سؤالاً كهذا بدا من ضرورات الإخراج، قبل بدء حفلة العنفوان حول الشباب اللبناني وروح التحدي، وقبل أن يختم رئيس الجمهورية قائلاً: مش مهم نوصل... المهم نكفّي الطريق!
إن كانت الطريق التي يقصدها الرئيس هي طريق القطب، فاللبنانيون قادمون لا محالة. موجات هجراتهم المتواصلة بفضل السياسات الاقتصادية الحكيمة لا بد أن تصل إلى هناك. أمّا إن كان يقصد طريق الوحدة الوطنية، فالرئيس أعلم بأن البرودة التي تحكم علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض أشد صقيعاً من هواء القطب الذي رفرف عليه العلم اللبناني.
لدى عودته من الإفرست، رفع مكسيم شعيا شعار «لكل فرد إفرسته الخاصة». لكنه نسي أن الطموحات الكبرى لا تقتصر على الأفراد، فلكل طائفة أيضاً إفرستها الخاصة. والطوائف أكثر طموحاً من الأفراد، وأكثر مهارة في تسلّق القمم والجبال.
لا نعرف لماذا اصطحب مكسيم معه علماً لبنانياً، ولا نعرف الشعور الذي انتابه لدى رؤيته العلم مرفرفاً فوق الأراضي القطبية. قد يكون ذلك آخر ما بقي من الوطنية اللبنانية. وقد يكون ذلك أحد أوجه الولع اللبناني بأسطورة تفوّق أحفاد الفينيقيين الذين لا يكفّون، أفراداً وجماعات، عن تسجيل أرقام قياسية، حتى لو كان التفوّق في طول الشوارب، أو كبر البطن، أو حتى لو انتُخِب اللبناني «أسأل شي»، كما اختار ذات مرّة أحد البرامج التلفزيونية الساخرة عنواناً له.
لا نعرف أيضاً كيف امتلك مكسيم وقتاً لهذه الرحلة الطويلة، ولماذا اختار أن يكرّس حياته لهذا النوع من الرياضات. لكننا نعرف تماماً كيف امتلك رئيس الجمهورية كل هذا الوقت للمسرحية الوطنية المتلفزة، وخصوصاً بعد رحيل الأخوين رحباني. فوسط الانقسام الحاد في البلاد، باتت رئاسة الجمهورية (كسائر مؤسسات الدولة) شبيهة بذاك العلم الذي يرفرف وحيداً في أرض باردة، لا ينظر إليه إلا بعض سكان القطب فيعجبون بألوانه، من دون أن يجدوا له استخداماً مفيداً.
هل ما زال العلم اللبناني هناك؟ هل استخدمته إحدى عائلات الدببة القطبية ستاراً للحمّام أو شرشفاً للطاولة؟ لا نعرف الكثير عن الدببة. فما زالت الحيتان عندنا هي التي تأكل كلّ شيء.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 22 أبريل 2009,12:55 م
جنبلاط وجنس الطائفيّة العاطل

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٢٢ نيسان ٢٠٠٩


من المستغرَب أن يُستغرَب كلام النائب وليد جنبلاط الذي طلع إلى العلن في شريط وضع على «يوتيوب»، وبثّته قناة «الجديد». من المستغرَب أن يُستغرَب الحديث عن «جنس عاطل» لدى تناول إحدى الطوائف اللبنانية على لسان زعيم طائفة أخرى، وخصوصاً أنّ الزعيم كان يتحدّث إلى مشايخ طائفته في جلسة خاصّة.
فماذا يخال اللبنانيون زعماء طوائفهم يتحدثون في مجالسهم الخاصّة؟ كيف يتحدّث أيّ زعيم للمسيحيين عن الدروز أو السنّة أو الشيعة، وأيّ زعيم سنّي أو شيعيّ عن سائر الطوائف، حين يكون على سجيّته، يجلس على أريكة ويحتسي الشاي أو المتّة أو القهوة. أتراه يبشّر بحوار الأديان أو بالعيش المشترك؟ وحتّى خارج هذه الجلسات، هل يكفي استخدام «الكودات» السياسيّة ليزول الطابع الطائفي عن الكلام؟
من المفهوم أن يستدعي كلام جنبلاط حدّةً من زعماء آخرين سيستثمرون حتماً ما جرى في معاركهم الانتخابية، سواء كانوا من حلفاء جنبلاط أو من خصومه. ولكن إذا ابتعدنا قليلاً عن هؤلاء، واستمعنا إلى ردود فعل غاضبة ومستهجنة لدى الجمهور اللبناني، وهو جمهور طائفي بامتياز، لأخذ الأمر منحى آخر.
فالاستغراب الذي عبّر عنه بعض اللبنانيّين يحمل في طيّاته نزعةً إلى التطهّر، كمن يريد أن يوحي أنّه باستغرابه يتخلّص من مشاعره الطائفيّة. كمن يريد أن يمارس طائفيّته وأن يشعر برضى عن ذاته لمجرّد استغرابه الكلام الطائفي حين يصدر عن سواه، وخصوصاً حين يكون «سواه» من طائفة مختلفة.
يدأب اللبنانيون على ممارسة ألعاب كهذه. فكم من مرّة يشتم أحدهم الآخر لمجرّد «الدوبلة» عليه بسرعة جنونيّة، ثمّ لا يلبث بعد شتمه أن «يدوبل» هو الآخر، بالطريقة نفسها. وكم من مرّة يعطي أحدهم دروساً ضدّ الرشوة والفساد، ثمّ يقترف الأعمال نفسها...
جدير بالذكر أنّ جنبلاط في معرض تعرّضه لإحدى الطوائف، إنّما فعل لتأكيد استحالة فتح جبهة مع «الشيعة»، وأنّ الاختلاط بين الطائفتين بات أمراً واقعاً في الساحل، حيث تتداخل الضاحية مع الشويفات. أي إنّ كلام جنبلاط تهدويّ في مجمله، وإن بُني على تحليل طائفي للواقع.
المستغرب إذاً ليس «شتم» جنبلاط لطائفة ما، بل دعوته إلى التهدئة في نهاية تحليله الطائفي. الزعيم يخالف هنا السواد الأعظم من أبناء طائفته. لا يداعب غرائزهم الطائفية، بل يقف ضدّها في سبيل تأمين ما يراه مصلحة الطائفة، أو ربّما مصلحته الشخصيّة، أو الاثنتين معاً.
متى يؤدّي زعيم الطائفة هذا الدور ومتى يؤدّي الدور المعاكس الذي يقضي باستنفار الغرائز؟ وهل على الزعيم الطائفي أن يكون في مأزق سياسي حتّى يصبح وديعاً وعقلانيّاً ويبحث عن نقاط تلاقٍ مع الطوائف الأخرى، فيما لا يرضى إلا بكلّ شيء، بطرد سائر الطوائف من جنّة المحاصصة أو بإعطائها فتات مائدة طائفته العارمة، حين يكون متألّقاً ومطمئنّاً إلى تحالفاته الإقليميّة ودعمه الدولي؟
ألم يكن الساحل عند نقطة الشويفات مختلطاً قبل سنة أو سنتين؟ ألم يكن ممكناً، رغم الاختلاف السياسي الحاد، تهدئة المشاعر الطائفية بدلاً من النفخ فيها؟
في المقابل، وإضافة إلى استغراب استغراب كلام جنبلاط، ثمّة موقف سخيف في طريقة تلقّف كلامه. ليست المسألة إذا كان وليد جنبلاط يعدّ لانعطافته باتجاه قوى المعارضة السابقة، وتحديداً حزب الله وحركة أمل، أو باتجاه سوريا. دعوات جنبلاط للتهدئة يجب أن تقابل بالترحيب حين يهدّئ وهو في قلب 14 آذار، حين يرفض الخطاب العنصري ضدّ الشيعة وهو يقاتل النظام السوري. ودعوات جنبلاط للتهدئة يجب أن تقابل بالترحيب وهو يختار لنفسه موقعاً وسطيّاً. لا يمكن أن يكون الترحيب مشروطاً بإتمام جنبلاط دورته الكاملة. أيّ ترحيب مشروط ينمّ عن موقف طائفي لدى الآخرين، لا لدى جنبلاط نفسه.
من الآن وإلى أن يختار اللبنانيون لأنفسهم نظاماً غير النظام الطائفي، المفتقد هو خطاب التهدئة بين الطوائف في فترات الخلاف السياسي. فالطوائف ستبقى ضمن هذا النظام تسعى لنيل حصّة أكبر من الامتيازات في لعبة لا يمكن الجميع أن يربحوا فيها. هناك دائماً رابحون وخاسرون في اللعبة الطائفيّة. إلى أن يحين «زمان العلمانيّة» أو ما يشبهه، يبقى السؤال: هل من حَكَم نزيه وعادل للعبة الطوائف إلا العنف (وسوريا)؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 17 أبريل 2009,12:53 م
طقوس الانتخابات والتحولات

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ١٧ نيسان ٢٠٠٩


في الجمعيات الكشفيّة أو الدينيّة المسيحيّة، يتسابق الأولاد عادةً على حمل «نعش» المسيح في يوم الجمعة العظيمة. يدفع أحدهم الآخر، يمدّ يده بعيداً، ويمارس كل أشكال «البلف» و«الزعبرة» كي يصل إلى النعش أوّلاً، فيطوف به أمام جمهور المصلّين. هذه السنة، كفّ الأولاد عن هذه العادة السيّئة. أخذ مكانهم المرشّحون للانتخابات والمسؤولون السياسيّون. إنّهم يتبارون في الظهور خلال الطقوس الكنسيّة، يحملون النعوش، ويتلون القراءات الدينيّة. فيوم الجمعة الفائت مثلاً، كان ميشال فرعون ونقولا صحناوي، كلّ من جهة، يحملان نعش المسيح في إحدى كنائس الأشرفية. وفي الوقت نفسه، كان وزراء ونوّاب يتبارون على تلاوة قراءات دينيّة في احتفال كنسيّ. قسم يقوم بذلك ليقول إنّ موقفه السياسي متطابق مع موقف الكنيسة وإيمانه، وقسم آخر يقول إنّ اختلافه مع رأس الكنيسة لا يطال إيمانه المسيحي المتشدّد. وفي كلتا الحالتين، المهمّ تأكيد الولاء للوطن والطائفة.
قد يكون مستحبّاً إقبال السياسيين على الصلاة وممارسة الطقوس الدينيّة، لعلّ في ذلك ما يهدّئ من شَرَرهم. لكنّ هذا الوحي المفاجئ، والإصرار على الظهور الاستعراضي والمتلفز أحياناً خلال الاحتفالات الكنسيّة، يشير إلى أنّ الالتصاق بالدين بات أحد الأعمال التي تقرّب من الناس وتستدرّ أصواتهم.
لسنا هنا أمام حالة طائفية كعادة اللبنانيين. نحن أمام تمدّد الدين نفسه، لا الولاء الطائفي وحسب، إلى السياسة. وإذا كان ذلك سائداً لدى الأحزاب الدينية، فإنّه بدأ يتسلّل إلى التنظيمات الأخرى. فالتنافس على الزعامة يتحوّل تنافساً على قيادة الطائفة، والتنافس على قيادة الطائفة يتحوّل تنافساً على الالتزام الديني.
ليست العلاقة مع الدين وحدها ما تغيّر. فقد ترافقت هذه الظاهرة مع تغيّر في العلاقة مع المال. والتباري جارٍ على قدم وساق بين المرشّحين بشأن ما ينفقونه على الحملات الانتخابية، ينفقونه من جيوبهم الخاصّة في كثير من الأحيان، ويتباهون بذلك. لم يعد الثراء حالة تمارَس وراء جدران القصور لعدم استفزاز الفقراء، بل أصبحت «نعمةً» يجري التباهي بها أمام الفقراء، لا بل تستخدم لإغوائهم وشراء ولائهم.
المؤلم حقاً أنّه غالباً ما تكون هذه الأموال هي أموال الفقراء أنفسهم، سُحبت منهم بآليات طبقية معقّدة، لتعاد إليهم فتاتاً في الموسم الانتخابي. وكلّ ذلك بانتظار سبت النور طبعاً.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 15 أبريل 2009,12:53 م
الخطاب الموسمي

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ١٥ نيسان ٢٠٠٩


حين يتحدّث اللبنانيّون عن الطوائف، وغالباً ما يشتمونها خارج المجالس الضيّقة، يفعلون ذلك كما لو أنّ ثمّة كائنات تدعى «طوائف» تحضر فجأة على الساحة وتخرّب على الشعب الآمن حياته اليوميّة. وغالباً ما تلصق بهذه الكائنات الغريبة أقذع الصفات. فإذا ما سألنا من هم ناهبو المال العام؟ جاء الجواب سريعاً: إنّها الطوائف. وإذا تساءلنا عمّن يقف حائلاً دون تطوير النظام السياسي، لما تردّد أيّ مجيب بالقول: إنّها الطوائف. وإذا حلّلنا أسباب الحروب الأهليّة، قيل: الطوائف «طافت» بعضها على بعض. الجميع يكره الطوائف، لكنّنا لا نعرف من هم «الجميع».
في المواسم الانتخابيّة، ترتفع وتيرة شتم الطوائف، علماً بأنّ زعماء الطوائف يشكّلون اللوائح، وأبناء الطوائف يسقطونها طائعين في صناديق الاقتراع. وحين يصل النوّاب إلى البرلمان، يعلنون عجزهم عن تحسين الأوضاع العامّة في البلاد نظراً إلى الواقع الطائفي. فالطوائف، يا أخي، تمنع التغيير. أمّا حين تطلَق حرية اللبنانيين في شطب طائفتهم عن سجلات النفوس، فلا يبدون حماسة كبيرة لفعل ذلك.
لا يضاهي خطاب شتم الطوائف انتشاراً إلا خطاب الدعوة إلى بناء الدولة. فالتسابق جارٍ على قدم وساق لبناء الدولة. تيّار المستقبل علّة وجوده بناء الدولة. المرشّحون المستقلّون ينتقدون المحادل التي تحول دون بناء الدولة. حزب اللّه يشكو من غياب الدولة، ويريدها دولة قوية وعادلة ومقاومة. وليد جنبلاط تؤرّقه المزرعة. يريد الانتقال إلى الدولة. نبيه برّي يريد بناء الدولة. فؤاد السنيورة يهوى لقب «رجل الدولة». ميشال عون أرسله التاريخ مباشرةً إلى لبنان ليبني الدولة، تماماً كما فعل فخر الدين ذات يوم.
كيفما تسِرْ في الشوارع، فهناك مواطنون يحملون أكياساً من الباطون وأكواماً من الحجارة، كي يشرعوا ببناء الدولة. كليات العمارة تفيض بالتلاميذ التائقين إلى دراسة كيفية بناء الدولة. المصارف كفّت عن إقراض المواطنين، فكلّ أموالها مسخّرة لتمويل عملية بناء الدولة. البنيان يعلو. ارتفعت الدولة. حلّقت. وصلت إلى حدود السماء. طارت فوق الغيم. الناس في الشوارع يهلّلون وهم يشيرون بأصابعهم إلى ذاك البنيان الشامخ. يا الله، إنّها الدولة.
لكنّ كلّ ذلك لا يكفي. أين الدولة. لا أراها. يصرخ الولدُ وهو يأكل التفاحة. الدولة تأخذ نصف ثمن صفيحة البنزين. الدولة تقبض على أموال الضمان الاجتماعي. الدولة تستدين. الدولة تستملك الأراضي وتهبها للأثرياء. الدولة تعبّد الطرقات. الدولة تفتح المدارس. الدولة تخرّب المدارس. الدولة تسمح. الدولة تمنع. الدولة تدفع. الدولة... لكنّ الولد يأكل التفاحة.
ولمّا كان بناء الدولة والخروج من قمقم الطوائف هما مهمّة الشعب اللبناني الرئيسة، فإنّ مكافحة الفساد شرط من شروط التنفّس بالنسبة إلى اللبنانيين. يا أخي، الفساد مستشرٍ، وهو يمنع العيش الكريم عن الناس. لولا الفساد، لانقرض الفقر من البلاد. ولولا الفساد، لـ«جابوا الدب من ديله». ولولا الفساد، لتوقّفت الاشتباكات الأمنية. ولولا الفساد، لعمّت البحبوحة. ولولا الفساد، لأصبح المواطنون متساوين، ولأقفلت السجون وقضي على الأمراض، ونال كلّ ذي حق حقّه.
الطوائف... الفساد... غياب الدولة: ثلاثة عناوين تحتلّ الشاشات والصحف والمنابر في المواسم الانتخابيّة. ثلاثة عناوين يرفعها المطالبون بالإصلاح، وهم المرشّحون كافّة من دون استثناء. يرفعونها ليخفوا الشعارات الأخرى، تلك التي تحتاج إلى مرشّحين آخرين، وإلى رغبة حقيقية بالتغيير نابعة من أوجاع الناس وحاجاتهم. ثلاثة عناوين تعمل كالأقنعة الملمّعة التي تخفي الوجه القبيح للنظام السياسي والاقتصادي، وللمرشّحين على لوائح العار، ولمتسوّلي المقاعد. ثلاثة عناوين تغطّي العجز عن فعل أيّ شيء خارج الخطاب الممجوج.
في الموسم الانتخابي، لا تصادر المحادل المقاعد وحسب، ولا تصادر أصوات الناس وحسب، وإنّما تصادر خطاب التغيير أيضاً. تصادر الأحلام الصغيرة والكبيرة.
في مواجهة هذه المحادل، ثمّة سلاح بسيط اسمه التشطيب. الولد نفسه الذي يأكل التفاحة بإمكانه أن يعير قلمه للناخبين، فيشطبوا عن اللوائح الأسماء التي لا يريدونها، ويضعوا مكانها اسماً آخر، اسم القمر أو أخته الشمس، أو اسم الريح التي تعصف ولا تترك شيئاً في مكانه.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 10 أبريل 2009,9:03 ص
المفتاح بيد صيدا

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ١٠ نيسان ٢٠٠٩


لأنّ السياسات الماليّة والضريبيّة ليست مجرّد وصفات جاهزة للتطبيق في كلّ زمان ومكان، وليست مجرّد أرقام معزولة عن النتائج الاجتماعيّة...
ولأنّ التحيّز الطبقي ليس تهمةً أيديولوجيّة، بل ممارسة تذهب ضحيّتها آلاف الأُسَر التي تجد نفسها فجأةً تحت خط الفقر أو تتخبّط في مستواها المعيشيّ المتدنّي.
ولأنّه ليس من الطبيعيّ أن يموت اللبنانيّون على أبواب المستشفيات، ولا أن يمتنعوا عن إرسال أبنائهم إلى الجامعات، ولا أن ينظروا بعجزٍ وحرقة إلى عيون أطفالهم المحتاجين...
ولأنّ تسلّم السلطة ليس نزهةً للترفيه أو لإرضاء غرور شخصيّ، من دون أن يخضع المسؤول لأيّ نوع من المحاسبة...
ولأنّ ممارسة الكيديّة بحقّ جزء من اللبنانيّين بسب انتمائهم الطائفي أو السياسي لا يمكن أن تكون هوايةً مستحبّة لأيّ مسؤول...
ولأنّ الحروب الوحشيّة التي تشنّها الاحتلالات على الشعوب لا يمكن أن تمثّل اللحظة المناسبة للهجوم على المقاومة...
ولأنّ العدالة الاجتماعيّة ليست شعاراً يُلصَق في أسفل البرنامج الانتخابيّ...
ولأنّ النفخ في نار الطائفيّة للحفاظ على كرسيّ في الحكم جريمة يعاقب عليها القانون...
ولأنّ تنفيذ رغبات الرجل الأبيض بحثاً عن تربيت كتف منه ليس الصفة الأهمّ لرجال الدولة...
ولأنّ محاكاة اللكنة الأميركيّة لدى التحدّث بالإنكليزيّة ليست بالضرورة دليل تحضّر...
ولأنّ ترداد الأمثال الشعبيّة لا يعني أنّ مردّدها حريص على مصلحة شعبه...
ولأنّ الموظّف الأمين في القطاع الخاص ليس غالباً حاكماً ناجحاً...
لكلّ هذه الأسباب، نحن أمام معركة انتخابيّة في صيدا. معركة أعطت الانتخابات النيابية معناها شبه الوحيد. غداً، حين يتوجّه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، عليهم أن يتذكّروا جيّداً ألا يضعوا فيها اسم فؤاد عبد الباسط السنيورة.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 8 أبريل 2009,9:02 ص
لوائح العار

خالد صاغية

الأخبار عدد الاربعاء ٨ نيسان ٢٠٠٩


بدأت البرامج الانتخابيّة تتدفّق أفكاراً ورؤىً متّقدة.
النائب سعد الدين الحريري قرّر مخاطبة أنصاره بصراحة تامّة خلال احتفال إطلاق تيّار المستقبل في «البيال» يوم الأحد الماضي. قال لهم: «أخطر ما يعانيه لبنان، بكل صراحة، هو العلّة الطائفيّة»، قبل أن يتساءل تساؤل العارف: «أيُعقل في هذا الزمن (زمن أحمد فتفت؟) أن ينقلب الخلاف السياسي إلى خلاف طائفي، وأن يصبح الموقف وجهة نظر طائفية بدل أن يكون تعبيراً عن رأي سياسي؟».
وقد حذا حذو الحريري ابن عمّته أحمد الذي يبذل جهداً فائقاً ليشبه مظهر ابن خاله، ويبذل جهداً شبيهاً ليتقرّب أيضاً من علمانيّة الشيخ سعد، فأضاف هو الآخر في الاحتفال الحزبي ـــــ العائلي أنّ «المستقبل هو المواطن اللبناني الذي يدرك أنّ الإصلاح الحقيقي لن يكتمل من خلال تسويات طائفية».
في اليوم التالي على احتفال «البيال»، أعلن حزب الله برنامجاً انتخابياً تكبّد عناء طبعه على كتيّب بالألوان. وفي باب الإصلاح السياسي الذي يتبنّاه البرنامج، يمثّل إلغاء الطائفية السياسية البند الأوّل الذي يبدي الحزب حماسة له وللإجراءات العملية التي تنص عليها وثيقة الوفاق الوطني في هذا الشأن.
وكان وليد جنبلاط قد سبق هذين الحزبين بإعلانه أن لا خلاص للبلاد إلا بانتخاب مجلس نيابي لا يراعي التوزيع الطائفي للمقاعد، والاستعجال في إنشاء مجلس للشيوخ. أمّا العماد ميشال عون، فهو يترأس طبعاً تياراً أصيلاً في علمانيّته.
ليس نبذ الطائفيّة وحده القاسم المشترك بين القوى السياسيّة الفاعلة. فالعدالة الاجتماعيّة هي الأخرى، كلسان الضاد، تجمعنا. وقد أبدت وثيقة «المستقبل» الاقتصادية حرصها على العدالة، والإنماء المتوازن، وتشجيع القطاعات الإنتاجيّة! وانبرى لكتابة هذه الوثيقة، كما فهمنا، فريق من الاختصاصيين والأكاديميين الذين حلّوا معضلة عمرها قرون، إذ ابتدعوا برنامجاً ينصر الفقراء، يدافع عن الطبقة الوسطى، ويزيل العوائق من أمام رجال الأعمال!
الإصلاح الاقتصادي يؤرّق أيضاً حزب الله الذي يريد إصلاحاً اقتصادياً ومالياً يحقّق التنمية والعدالة. تلك العدالة التي لا تغيب عن اهتمامات الجنرال عون الذي لا يقبل بأقلّ من محاكمة المسؤولين عن السياسات الاقتصادية في المرحلة السابقة. أمّا وليد زيوغانوف جنبلاط، فلا يرى خلاصاً إلا بالتأميمات والاشتراكية (الإنسانية).
وكلّ هذه التيّارات التي تقود المحادل الانتخابيّة، وتدافع عن الزعامة الواحدة الموحّدة للطوائف، واقعة في غرام «النسبية». تزعجهم هيمنتهم على طوائفهم، يريدون أن تظهر قوى أخرى بديلة. ودلالةً على هذا الأمر، انظروا ماذا يجري للمرشّحين المستقلّين أو اللاطائفيّين أو المنتمين إلى أحزاب صغيرة ومتوسّطة. انظروا إلى عبد اللّه فرحات، وألبير منصور، ومرشّحي الحزب الشيوعي اللبناني...
يُعاقَب هؤلاء لأنّهم لم يظهِروا ما يكفي من «الشنفرة الطائفيّة»... لأنّهم لم يهدّدوا بالفتنة... أو ربّما لأنّهم لم يسلّحوا شباباً ليرسلوهم إلى الشارع في السابع من أيّار يقيمون حاجزاً هنا، ويدهمون شقّة هناك. ربّما كان عيبهم بعض النقص في علمانيّتهم، أو ربّما كان نقصاً في الإسفاف الذي انحدر إليه الخطاب السياسي. أو ربّما لم يتّبعوا المثل القائل: «إن لم تستحِ، فافعل ما تشاء»، كما يفعل ذاك الزعيم المتنيّ الذي يطلب من أنصاره ألا يطرحوا أسئلة عليه لأنّ برنامجه غير قابل للنقاش، وذلك بعدما نفى أن تكون معركته الانتخابية سياسية، فهي مجرّد معركة أحجام كما سمّاها. عفواً، لم يسمِّها، بل عرّفها كذلك. وهو الزعيم نفسه الذي ما زال يفاخر بمقولته الشهيرة بأنّ أهالي المتن لا يشاركون في تظاهرات لأنّهم «حضاريّون».
لا يملك المرء إلا أن يرفع قبّعته احتراماً لأبو الياس. فهو واحد من قلائل لا يخجلون من تسخيف الحياة السياسية وتسطيحها ومصارحة الناس بذلك. هذا أفضل بكثير من نسخ الأدبيّات البليدة للأمم المتّحدة حول حقوق الإنسان وتمكين المرأة وتحفيز النموّ ومشاركة الشباب... بْلا بْلا بْلا. وهو أفضل من شتم الطائفيّة والنفخ في نارها. وهو أفضل من اتّباع أحقر السياسات الاقتصاديّة تحيّزاً، أو السكوت عنها، ثمّ المناداة بالعدالة الاجتماعية.
لمَ التبرّؤ من الآثام؟ ما الحاجة إلى البرامج؟ هل من أحد يحاسب الزعيم، وهل من محاسبة أصلاً في النظام الطائفي؟ ألم تستمعوا إلى ذاك المواطن المتحمّس الذي صرخ مهدّداً خلال المؤتمر الصحافي لأبو الياس، «ما حدا بيحاسبك!». قالها من أعمق أعماقه. نطق بها بكلّ جوارحه. هذا هو المواطن العادي الذي يستحقّ نوّابنا القادمين على لوائح العار.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 3 أبريل 2009,9:00 ص
مرشّحون برسم القائد الأعلى

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٣ نيسان ٢٠٠٩


بدأ المرشّحون يتهاوون واحداً بعد الآخر. القادة الكبار يحرّكون أصابعهم، فيفتحون أبواب الجنّة أمام مرشّحين، ويحرّكون أصابعهم ثانيةً، فيغلقونها. لسنا في الغالب أمام أحزاب تبدّل من مواقع أفرادها. إنّنا أمام «شخصيّات» تستحقّ أو تطلب أو تستجدي مقعداً من «شخصيّات» أخرى تملك تفويضاً من طوائفها بأن ترضى عمّن تشاء أو تُقصي من تشاء.
الطاقم السابق لم يكن استثنائياً. وجوه كثيرة سيرتاح اللبنانيون من إطلالاتها. لكنّ القادمين الجُدد ليسوا في أحيان كثيرة أفضل حالاً. وليس معيار الكفاءة هو الذي يحكم بقاء النائب الحالي مرشّحاً، أو سحب ترشيحه.
وإذا نظرنا إلى بعض المطرودين من الجنّة النيابيّة، فسنجد أنّ الأكثر صدقاً وحماسةً لمشروع 8 أو 14 آذار هو الذي أُزيح. فالزمن زمن العودة إلى اللعبة القديمة. لا مكان لمن سوّلت له نفسه التطاول على العائلات الإقطاعيّة الباقيّة. فحتّى الاستقطابات السياسيّة الحادّة لم تستطع النيل من جبروت تلك العائلات التي وجدت لها حيّزاً في المشروعين الثوريّين. ولا مكان غالباً لمن ناصر هذا التيّار أو ذاك عن صدق، فذهب في خطابه إلى النهاية. لقد أحرق نفسه. أمّا الطاولة الآن فهي للّذين حفظوا «خطّ الرجعة». أمّا الباقون، فقد استخدمهم الكبار في معاركهم المدمّرة، ثمّ رموهم لأقدارهم، وربّما عادوا واستخدموهم ثانيةً حين تعود تباشير الحروب الصغيرة لتلوح من جديد.
ما يجري على ساحة الترشيحات اللبنانية شبيه جدّاً بما جرى للقادة أنفسهم. فأولئك شحذت هممَهم ورفعت سقوفَهم وصعّدت حماستَهم دولٌ استخدمتهم في معاركها الكبرى، قبل أن تتركهم يتدبّرون أمورهم بأنفسهم، معلَّقين في منطقة وسطى بين الأرض والسماء.
في الأيّام الأخيرة، بات المرء يستمع إلى غطّاس خوري، فيظنّ أنّ المتحدّث هو ميشال عون. وتماماً كما يتحدّث عون عن «تحرير» الأشرفيّة من سيطرة تيار المستقبل، كاد خوري يطالب بتحرير الشوف من سيطرة وليد جنبلاط. ما العمل... فالثوّار الحقيقيّون لا يملّون من خوض الحروب الصعبة. وغطّاس طبعاً واحد من أولئك الثوّار!


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 1 أبريل 2009,7:30 م
الخوف على الاقتصاد!

خالد صاغية

الأخبارعدد الاربعاء ١ نيسان ٢٠٠٩


لم يتوانَ النائب سعد الدين الحريري عن الإعلان أنّ وصول فريق 8 آذار إلى السلطة ستكون له نتائج سلبيّة على الوضع الاقتصادي. قد يكون الحريري على حق. لكن هذا نصف الحقيقة التي يحتاج استكمالها إلى الحديث عمّا ستكون النتائج الاقتصاديّة لوصول فريق 14 آذار إلى السلطة.
لقد كرّس اغتيال الرئيس رفيق الحريري كذبة لا تزال تتناقلها الألسُن كما لو أنّها حقائق، وهي كذبة تضرب عرض الحائط بالواقع الاقتصادي والمعيشي الماثل أمامنا.
فقد أُريدَ للشعب اللبناني أن ينسى مليارات الدولارات المتراكمة عليه وعلى أبنائه وأحفاده جرّاء سياسة الاستدانة الظالمة. وقد أعطيت مختلف التبريرات لحجم الدين، من كلفة الإعمار إلى قنوات الهدر والفساد إلى المشاريع التنمويّة، فيما الجميع يعلم أنّ الحصّة الأعظم من هذا الدين ذهبت فوائد حصل عليها مَن لم يكن بعيداً عن السلطة وحلفاؤه في القطاع المصرفي.
وأريدَ للشعب اللبناني أن ينسى جنون نظريّة الجنّة الضريبية التي تحوّلت إلى فرض رسوم أثقلت كاهل المواطنين.
وأُريدَ للشعب اللبناني أن ينسى واحدة من أكبر عمليات السطو التي جرت في البلاد، والتي تمثّلت باستملاك أراضي وسط المدينة وتحويلها إلى مساحة تشبه كلّ شيء إلا «وسط مدينة».
ليس هنا المجال للغوص في تفاصيل السياسات الاقتصادية لتيار المستقبل. يكفي القول إنّ هذه السياسات التي لا تزال قوى 14 آذار تدافع عنها (باستثناء وليد جنبلاط حين يهبّ عليه الهوى اليساري فجأة فيطالب بالتأميم وبالاشتراكية الإنسانيّة)، هي جزء من رزمة سوِّقَت في العالم خلال العقود الأخيرة، وما زالت المؤسسات الدولية التي سوّقتها لأهداف طبقيّة معروفة، تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء وجهها، فتقرّ بالخطأ حيناً، وتعتذر أحياناً، وتتأتئ متمتمةً أشياء غير مفهومة في أحيان ثالثة...
لم يعد بإمكان أحد أن يغشّ الآخرين بعد كلّ ما جرى. لقد طُبِّقت السياسات النيوليبرالية في العالم، والسياسات الحريريّة في لبنان، لخدمة تحالف طبقيّ بقيت أكثريّات الشعوب، ومنها الشعب اللبناني، خارجه.
اليوم، وفيما تجري التحضيرات لانتخابات نيابيّة، ينبغي رفع الصوت ضدّ المعارضة التي لا تملك برنامجاً بديلاً تطرحه في وجه البرنامج الاقتصادي الحريري، وخصوصاً أنّ بعض أطرافها كان قد شارك في الحكم خلال الحقبة السابقة. إلا أنّ هذا لا ينفي أنّ أسوأ ما يمكن أن تقدم عليه المعارضة هو الاستمرار في النهج الحريريّ نفسه.
فالخوف ليس من وصول المعارضة إلى الحكم. الخوف هو من الخضوع للترهيب الذي مارسه الحريري الأب في السابق ويمارسه الحريري الابن حالياً من أنّ ما يطرحانه من سياسات اقتصادية منحازة طبقياً هو السبيل الوحيدة للحياة.
صحيح أنّ «المجتمع الدولي» كان يرفض الأخذ بجدية أي سياسات لا تتلاءم والرزمة النيوليبرالية، إلا أنّ هذا الوضع تغيّر. فحتّى التسلّط الطبقي المطلوب له الاستمرار على المستوى العالمي، بات يبحث عن سياسات مغايرة بعدما وصلت سياساته السابقة إلى حائط مسدود.
ولا بدّ من التسجيل هنا للنائب ميشال عون أنّه كان أوّل من أسقط «تابو» الحريريّة، رافضاً أن يقف الاستشهاد حاجزاً أمام مساءلة المرحلة السابقة، والإفادة من أخطائها، ومنع تكرارها.
صحيح أنّ عون فعل ذلك من دون امتلاك رؤية مغايرة (حتّى هذه اللحظة)، وانطلاقاً من التنافس السياسي ليس إلا، غير أنّه يبقى له فضل إسقاط المحرّمات في محاكمة السياسات الاقتصادية السابقة. وهو دور ما كان يمكن حلفاء عون في المعارضة القيام به، إمّا لشراكتهم في قبول تلك السياسات ما دامت تصلهم فتات موائدها، وإمّا تجنّباً لإثارة نعرات سنّية ــ شيعيّة، ما دامت الطوائف باتت تختزل بأشخاص زعاماتها.
وصول فريق 8 آذار إلى السلطة ستكون له نتائج سلبيّة على الوضع الاقتصادي؟ ربّما. لكن السؤال هو ماذا أبقى فريق 14 آذار أصلاً من هذا الوضع؟


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments