الجمعة، 27 فبراير 2009,10:12 م
نظرتان... ولا ابتسامة

خالد صاغية

الأخبارعدد الجمعة ٢٧ شباط ٢٠٠٩


للأزمة بين رئيسيْ مجلس النوّاب ومجلس الوزراء بُعدٌ انتخابيّ، وللكيديّة السياسيّة أيضاً يدٌ فيها. إلا أنّ المسألة تتجاوز ذلك، لتعبّر عن نظرتين سائدتين إلى الموضوع الاقتصادي اللبناني.
تعتمد النظرة الأولى على اعتبار الزعامة السياسية/ الطائفية القناة التي يجب أن تمرّ عبرها حقوق المواطنين. سياسة تحوّل الحقوق إلى صدقات، وتحوّل الزعيم إلى قيّم على صندوق خاص بأهل منطقة أو طائفة. أسلوب هجين بين عطايا الزعيم وقنوات الدولة.
هذه الصناديق، كما بعض مزاريب الهدر والفساد الأخرى، تعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها والنظام الطائفي نفسه. إلا أنّها في ظلّ السياسات النيوليبرالية غير العادلة التي انتهجت منذ انتهاء الحرب الأهليّة، تؤدي هذه الصناديق والمزاريب دوراً إيجابياً لناحية إعادة توزيع الدخل إلى العامّة.
تعتمد النظرة الثانية على إخضاع الموازنة لمنطق حسابيّ بسيط للإيرادات والنفقات، بصرف النظر عن التوزيع الاجتماعي لهذه النفقات. وإذا وردت أولويّات في مكان ما، فإنّها تكون حتماً لمصلحة الطبقات العليا في المجتمع. هكذا جُرَّت البلاد إلى دين عام ضخم، وتُجَرّ اليوم إلى تسديد فوائد هذا الدين، وتسخير السياسات المالية والضريبية من أجل ذلك، وحرمان الطبقات الشعبية من أي حقوق، اللهمّ إلا تسديد الرسوم التي تذهب هي الأخرى إلى جيوب الأثرياء. لقد ارتاح هؤلاء إلى تسخير الدولة لمصالح طبقيّة فجّة، وتحويل الحكومة إلى أداة إعادة توزيع معكوس للثروة. يمتلك هؤلاء حجّة قويّة ضدّ الصناديق المرتبطة بالطوائف، إذ تتنافى مع نموذج الدولة الحديثة. لكنّهم يغمضون أعينهم عمّا تسبّبه سياساتهم من مآسٍ.
يدور اليوم خلاف بين هاتين النظرتين. إلا أنّه لا أحد طرح، ويبدو أنّه لا مصلحة لأيٍّ من الأطراف السياسية الكبرى في أن يطرح، تغيير السياسات الاقتصادية نفسها. ففي ظلّ سياسات عادلة، سيكون ردّ مطالب زعماء الطوائف أقلّ أذىً للناس، وسيكون شعار بناء الدولة أقلّ تجويفاً.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 25 فبراير 2009,10:15 م
رحل الطفل المشاغب

خالد صاغية

الأخبارعدد الاربعاء ٢٥ شباط ٢٠٠٩


هرب جوزف سماحة كعادته. لكنّه، هذه المرّة، كان هروباً نهائيّاً. «نام وما فاق». في أيّامه الأخيرة، كان يمسك رأسه بيديه، ويقول: «وجع راس، وجع راس».
كان الجميع يعرف من أين يأتي وجع الرأس. لكنّ أحداً لم يربط بين آلام الرأس وانسداد شرايين القلب. هل توقّف قلب جوزف أوّلاً، أم رأسه هو الذي انفجر قبل ذلك؟ السؤال ليس طبيّاً. إنّه سؤال يختصر حياة جوزف.
هرب جوزف سماحة كعادته. لكنّه، هذه المرّة، لم يهرب إلى مكان يمكننا اللحاق به إليه. هرب وحيداً، وحَكَم علينا بالبقاء حيث نحن، هنا في مكاتب جريدة «الأخبار» التي وهبها عقله وقلبه. أراد، هو الذي لم يمتلك شيئاً في حياته، أن يورث أحبّاءه وقرّاءه شيئاً ما، فكرةً أو حلماً أو مشروع صحيفة. لكنّ جوزف، أو صبحي الجيز كما تقول الأغنية، ترك إرثاً ثقيلاً، «إشيا كتيره... حجار، وغبره، وصناديق... وملايين المساكين».
هل باتت الصحيفة اليوم تشبه جوزف أكثر، أم هي تبتعد عنه؟ سؤال يوميّ يواكب عجلة الإنتاج في الجريدة. وكلّما ساد شعور عام بقرب الجريدة من جوزف، أحسسنا أنّنا على الطريق الصحيح. فهو الذي كان يستطيع في كتاباته أن يحلّ التناقضات بدلاً من أن يوفّق بينها. وحين صاغ التوجّه الأساسي للجريدة، في الافتتاحيّة الأولى التي كتبها، كان كمن يمشي بثقة لكن على خطّ رفيع لا يحسن حياكته سواه.
هرب جوزف سماحة كعادته. أشياء كثيرة تركها خلفه.
ترك كتابات لا تُسقِط الأيديولوجيا على الواقع، ولا تنظر إلى الواقع مجرّداً من الأيديولوجيا، أو من النظارتين اللتين تتيحان لنا رؤية الأشياء من زاوية مصلحة فئات محدّدة. هكذا كان صاحب الأفكار المشتعلة لا يملّ من متابعة أدقّ تفاصيل السياسة اللبنانيّة، لكنّه لم يغرق يوماً في هذه التفاصيل ليبتعد عن الرؤية العامّة.
ترك كتابات تستمع إلى ما يقوله الخصم السياسي، ولا تحاول تسفيه ما يقوله مهما بدا تافهاً، بل تبذل جهداً في تفكيك خطاب الخصم وفضح تناقضاته.
ترك كتابات لا تخجل من إعلان انحيازها إلى مشروع سياسي، وتجادل في أنّ وظيفة المثقّف ليست في ادّعاء بطولة البقاء على الحياد. لكنّه، في الوقت نفسه، عرف كيف يميّز بين الانحياز إلى مشروع وبين البروباغندا الرخيصة والانقياد الأعمى. هكذا كان الحسّ النقديّ ملازماً لأكثر كتابات سماحة تحزّباً.
ترك كتابات تربط بين فرادة بلادنا واستحالة فهم هذه الفرادة من دون تحليل ما يدور في العالم.
ترك كتابات ضدّ الانغلاق والتقوقع وضدّ الكولونياليّة. كتابات بالغت أحياناً في الإعجاب بالحداثة، لكنّها لم تحمل يوماً نظرة فوقيّة إلى «المتخلّفين».
ترك صلابةً في الدفاع عن مواقفه، حتّى حين كانت غير متوافقة مع المزاج العام. لقد تطلّب الأمر ذكاءً حادّاً وعناداً شديداً ليتمكّن المرء من رؤية تناقضات ثورة الأرز وهشاشتها، واستحالة نجاحها، حين كانت البلاد تشهد للمرّة الأولى تظاهرات ضخمة غير مسبوقة في 14 آذار 2005. كان يشعر سماحة بأنّ البلاد تتغيّر في وجهة لا يتمنّاها لها، لكنّه لم يشأ أن يماشي هذا التغيير، وأثبتت الأيّام صحّة رهاناته ومخاوفه.
ترك سماحة أشياء كثيرة. ترك القلق الأبديّ في الكتابة. وترك مرارةً طبقيّة دفينة لا تتحوّل حقداً، بل رغبةً عارمةً في التغيير، وأملاً كبيراً في إمكان تحقيقه، وقدرةً استثنائيّة على العمل البطيء والمضني.
ترك سماحة أشياء كثيرة. ترك أخيراً جريدة «الأخبار» التي لا يعرف أحد كيف تصنع سحرها، كيف تخبو ثمّ تنهض، كيف يزيد عدد قرّائها على امتداد العالم العربيّ، كيف يقاوم العاملون فيها الظروف الصعبة ويصبرون، كيف تنتج الفوضى داخل مكاتبها نظامَ عمل، كيف تتراكم المشاكل وتقترب من لحظة الانفجار ثمّ تختفي فجأة، كيف تحاول أن تفاجئ قرّاءها كلّ يوم، كيف تخطئ ولا تخجل من الاعتراف بالخطأ، كيف تهزأ بنفسها، كيف تُكرَه ويُحقَد عليها، كيف تتحوّل بين أيدي القرّاء إلى حزب وخبز يوميّ، كيف تنتفض على محاولات تأطيرها، كيف تتصرّف كالتلميذ المشاغب، كيف تطرق أحلاماً مستحيلة، كيف تنتابها رغبات ممنوعة، كيف تخجل، وكيف تحبّ، وكيف تحاسب، كيف لا تصدّق أنّها موجودة فعلاً، كيف تزهو بنفسها، كيف تتطرّف، كيف تقدّم تنازلات، كيف تولد كلّ يوم.
هل هذه «أخبار» جوزف سماحة؟ هل هي جوزف سماحة؟ لا جواب عندي. ما أعرفه هو أنّ ذاك الرجل الذي جسّد في شخصه حزباً، لم يكن في الواقع إلا طفلاً مشاغباً.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 20 فبراير 2009,10:17 م
ليس مجرّد سراب

خالد صاغية

الأخبارعدد الجمعة ٢٠ شباط ٢٠٠٩


بعد الضحايا الذين سقطوا في أحداث السابع من أيّار، انضمّ لطفي زين الدين إلى القافلة بعدما تعرّض لطعنات بالسكاكين من قبل شبّان لم يرقهم الحشد الذي تجمّع في ساحة الشهداء لإحياء ذكرى الرئيس رفيق الحريري. لمحبّي الصور التذكاريّة ينبغي القول إنّ جلسات المصارحة والمصالحة لن تكفي. فالمشكلة لم تعد سياسيّة. إنّها الذاكرة الجماعيّة وقد عادت لتحبل بالخطايا التي تقترفها الطوائف بعضها ضدّ بعض. يستطيع الزعيم أن يصفح أو يتناسى أو يتعالى. يستطيع أفراد الاقتداء به. أمّا الذاكرة، فتحتاج تنقيتها إلى سنوات أو عقود، وربّما أكثر.
كانوا كُثُراً في ساحة الشهداء. وهم كُثُرٌ أيضاً في ساحات أخرى. قد يتراجع فريق خطوة، ويتقدّم آخر خطوتين، لكنّ المسافة الفاصلة ستبقى أقصر من أن يُقفز من فوقها. نبيه برّي على حقّ. ليست هذه الانتخابات مصيريّة. مقعد بالزائد للأقليّة، ومقعد بالناقص للأكثريّة، أو العكس، لن يغيّرا الكثير في المعادلة. والمخيّلة الشعبيّة تبتكر كلّ يوم وسائل للتعبئة والتحريض والقتل، أمّا المخيّلة السياسيّة، فتزداد فقراً في ابتكار الحلول والبحث عن نقاط الالتقاء.
لا، ليس صحيحاً أنّ ثمّة فريقاً يريد بناء الدولة، فيما فريق آخر يعوق هذا البناء. الفريقان ضدّ بناء الدولة. الفريقان يريدان حصصاً للطوائف التي ينتمون إليها، حصصاً تنهش من جسم الدولة. لا بأس. لنبدأ من هنا. هذه نقطة التقاء، لا نقطة فراق.
لا، ليس صحيحاً أنّ ثمّة فريقاً يدافع عن العلاقات المميّزة مع سوريا، فيما يريد فريق آخر القطيعة معها. الفريقان يريدان علاقات أشبه بعلاقات التبعيّة مع سوريا. وكلّ منهما مارس في وقت من الأوقات هذا الدور. لا يزايدنَّ أحد على الآخر. الخلاف هو على من يجني ثمرة علاقات التبعيّة هذه. حسناً، هذه نقطة التقاء أخرى.
هذان مثلان وحسب. لنضع خطب الإصلاح الجوفاء وشعارات حبّ الوطن (ومن الحبّ ما قتل) جانباً، سنجد عندها أنّ ما يجمع بين الفريقين المتصارعين ليس مجرّد سراب، وأنّ البلاد تتّسع للجميع، سنّةً وشيعةً ودروزاً ومسيحيّين... تتّسع أيضاً للّذين بدأوا يشطبون طوائفهم. وكلّما ازداد عدد الشاطبين واحداً، اتّسع المكان واتّسعت الرؤية.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
السبت، 14 فبراير 2009,10:19 م
دفاعاً عن المال الانتخابي

خالد صاغية

الأخبارعدد السبت ١٤ شباط ٢٠٠٩


تعلو الشتائم من كلّ حدب وصوب ضدّ المال السياسي الذي يوزَّع يمنة ويسرة خلال الموسم الانتخابي. كأنّنا أمام مشهد ديموقراطيّ صافٍ لا يعكّره إلا بعض المتموّلين العاملين في الشأن العام. نحن، للأسف، أمام واقع مختلف. نحن أمام قانون انتخابيّ أكثريّ يشوّه أيّ تمثيل متوازن للمواطنين، وأمام تقسيمات انتخابيّة أُقرّت خارج لبنان بعد حملة عسكريّة شنّها طرف ضدّ آخر، وأمام سياسة محليّة محكومة إلى حدّ بعيد بتوازنات لا علاقة للشعب اللبناني بها، وأمام انقسام حادّ يصعب أن تُحكَم البلاد في ظلّه من جانب فريق دون آخر، ونحن أخيراً أمام ضائقة اقتصاديّة مرشّحة للاتّساع، قد يمثّل الإنفاق الانتخابي أحد عناصر التخفيف من وطأتها، ولو إلى حين.
أمّا المتخوّفون من تأثير المال الانتخابي على حسن سير العمليّة الديموقراطيّة، فيعيشون داخل أوهامهم وأحلامهم أكثر ممّا يعيشون على أرض الواقع، وذلك لأسباب عديدة:
أوّلاً، نحن أمام مال وفير بأيدي الكتلتين المتنازعتين، فلا أحد يستطيع أن يتّهم الآخر بتوزيع الأموال وحده. لقد ولّى اليوم الذي كان يسهل فيه اتّهام تيّار المستقبل دون غيره بإغداق النِّعَم الانتخابية على المواطنين. فالمرشّحون ورؤساء الكتل يضمّون بين صفوفهم عدداً كبيراً من رجال المال والأعمال، وكذلك دخلت دول ثريّة عدّة على خطّ الانتخابات اللبنانيّة، ولن تبخل في دعم المعسكر القريب منها.
ثانياً، صحيح أنّ الإنفاق المالي الكبير بين الكتلتين يحدّ من حظوظ المرشّحين المستقلّين، لكن يجب أن يعلم هؤلاء الأخيرون، إن وُجدوا، أن لا حظّ لهم في الانتخابات أصلاً لأنّهم لا يعبّرون عن حالة شعبيّة. فالمرشّح المستقلّ بحاجة إلى كتلة ناخبة مستقلّة، وهذه غير متوافرة مع الأسف.
ثالثاً، لن يكون المال الذي يوزَّع مباشرةً قبل الانتخابات ذا تأثير كبير على الناخبين، وخصوصاً أنّ غالبيّتهم خاضعة أصلاً لمنّة هذا الزعيم أو ذاك، وهذا التيّار أو ذاك، لأنّ الدولة غير معنيّة بالمستوى المعيشي للمواطنين. ثمّة أحياء تعتاش من سعادة النائب، وبيوت وظّف أبناءها حضرة الزعيم، وأبناء طَبّبهم معالي الوزير... لا يمثّل المال الانتخابي إلّا نزراً يسيراً من العطايا التي يتحنّن بها الزعماء السياسيون وملوك الطوائف على رعاياهم المتروكين من دون رعاية الدولة.
رابعاً، بإمكان المتضرّرين من المال الانتخابي أن يحاربوا تأثيراته دائماً عبر رفع «الدوز» الطائفي، وهذا ما يحسن الجميع القيام به. وقد بات السُّعار الطائفي مرافقاً لأيّ انتخابات عندنا.
خامساً، بما أنّه لا قيود على الخطابات السياسية والحملات الدعائيّة، يبقى دفع الأموال أفضل بما لا يقاس من اعتماد خطاب انتخابات 2005 حين اتُّهم نصف اللبنانيين باغتيال نصفهم الآخر. ثمّة إشارات لاجترار الخطاب نفسه، وإعادة رفع الشعارات الحمقاء نفسها التي سادت قبل أربع سنوات.
سادساً، إنّ التأثير السياسي لهذه الانتخابات هو فوق درجة الصفر بقليل أو تحت هذه الدرجة بقليل. فالجميع يعلم أنّ تبدّلاً ما في العلاقات الأميركية ـــــ السورية أو العلاقات السورية ـــــ السعودية هو ما سيلقي بظلّه علينا أكثر من ترقُّب حسم ترشيح جورج عدوان أو غطّاس خوري، أو وصول النجم الصاعد نديم الجميّل إلى الندوة البرلمانيّة ليتحفنا بآخر ابتكارات العنصريّة، أو نجاح ثكنة مرجعيون في الضنيّة، أو عودة طلال أرسلان إلى الندوة البرلمانية. فما بالك إن كان الفوز أو الخسارة محصوراً بعدد قليل من المقاعد؟
سابعاً،  يقترن الهجوم على المال الانتخابي بثقافة دونيّة تدعو إلى تلميع الصورة، مهما كانت بشعة، حفاظاً على المظهر الخارجي. اللبنانيون يجيدون هذا الأمر، فعقدهم لإثبات تفوّقهم على محيطهم ومحاولاتهم المستمرّة للتماهي السطحي مع الغرب، كلّها تصبّ في هذا الاتّجاه. هكذا يريد اللبنانيون أن يحاربوا الفساد والرشى، لكن أن تستمرّ السياسات الظالمة التي تفقر اللبنانيين وتجعلهم من أنصار الفساد والرشى. يريد اللبنانيون أن يشاركوا في الانتخابات واستطلاعات الرأي كأفراد لهم أصواتهم المستقلّة، ويريدون في الوقت نفسه المضيّ في تأكيد الانتماء إلى تجمّعاتهم القبليّة. يريدون أن يشتموا الطائفيّة، وأن يعانقوها في الآن نفسه. يريدون أن يقبّلوا يد الزعيم، وأن يدعوا عليها بالكسر.
في الأساس، ابتُكرت صناديق الاقتراع للحدّ من الحروب الأهليّة. أمّا نحن، فنصرّ على ممارسة الحرب الأهليّة فوق صناديق الاقتراع. أمام مشهد كهذا، يبدو المال الانتخابي النقطة المضيئة الوحيدة في العمليّة كلّها.


 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 6 فبراير 2009,5:28 م
المحاسبة
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٦ شباط ٢٠٠٩

«إنّ المقاومة لا بدّ أن تخضع لحساب الأرباح والخسائر، وهي مسؤولة أمام الشعوب تحاسبها بقدر ما تحقّقه من مكاسب لقضاياها أو ما تؤدّي إليه من ضحايا وآلام ودمار». هذا الكلام للرئيس المصري حسني مبارك يحمل الكثير من الصحّة. لكن، ينبغي توضيح معنى المحاسبة. كيف يمكن أن تحاسب الشعوب يا ترى؟ ثمّة طريقان: إمّا استخدام العنف من الشعوب ضدّ المقاومة، وإمّا معاقبة الشعوب للمقاومة في أيّ انتخابات مقبلة.
هنا لا بأس من التذكير بأنّ المقاومة في فلسطين (وفي لبنان) شاركت في العمليّة الديموقراطيّة، وفازت بها. وفازت بها تحديداً لأنّ «الشعوب» قرّرت أن تحاسب من كان يتحكّم بالسلطة الفلسطينيّة، ولأنّ «الشعوب» العربيّة ـــــ وهذا ليس سرّاً ـــــ تؤيّد، عن خطأ أو عن صواب، خيار المقاومة. فهل يقصد السيّد حسني مبارك هذا النوع من الحساب؟ إذا كان هذا هو المقصود، فقد سبق للمقاومة أن خضعت لهذا الحساب، وهي التي تطالب بأن تُدخَل في العمليّة السياسيّة سواء عبر الاعتراف بالحكومة المنبثقة من الانتخابات التشريعيّة، أو عبر إصلاح منظّمة التحرير التي ما زالت حتّى الساعة ترفض إصلاح نفسها.
ولعلّ الزوبعة التي أثارها خالد مشعل بشأن منظّمة التحرير تحمل إيجابيّات بهذا المعنى. فانتقاد المنظّمة التي يُفترَض أنّها الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتوضيحات التي تلت هذا الانتقاد، توحي أنّ مطلب «حماس» هو الاعتراف بها داخل منظّمة التحرير، وأنّ إصلاح المنظّمة بات ضرورياً حتّى تبقى هي ـــــ كما كانت ـــــ الممثّل الشرعي والوحيد. وهذا يجعل من «حماس» فصيلاً خاضعاً للمحاسبة داخل المنظّمة، وأمام الشعب في الانتخابات المقبلة.لكنّ هذا السعي للمشاركة يسمّيه دعاة المحاسبة أنفسهم سعياً لقطف مكاسب سياسيّة، وانقلاباً على الواقع القائم، فيرفضونه بالحدّة نفسها لرفضهم فكرة المقاومة.
ليست المحاسبة الديموقراطيّة نوع الحساب الوحيد. ثمّة نوع آخر جُرِّب في أكثر من مكان، في لبنان وفي العراق، وهو تحريض فئة من «الشعوب» لا تريد المقاومة ضدّ فئة أخرى تؤيّد المقاومة، تحريض يتّخذ الأسلوب المسلّح، أي شكلاً من أشكال الحرب الأهليّة. والرئيس مبارك، حتماً، لا يقصد التحريض على حروب أهليّة.
لكن، بغضّ النظر عن أسلوب الحساب والمحاسبة، لنبحث عمّا يراد من محاسبة المقاومة عليه. فحتّى لو قبل المرء بمنطق الأنظمة العربية المناهضة للمقاومة، واعتقدَ أنّه لا جدوى من المقاومات وأنّ كلّ ما تقوم به هو التضحية بالمدنيّين من دون الحصول على مكاسب، فإنّ ذلك يقودنا إلى الاستنتاج الآتي: المقاومة تعطي الذريعة للاحتلال الذي يقتل المدنيّين ويدمّر المنازل، أي إنّ الاحتلال كان فعلاً بحاجة إلى ذريعة وإنّ المقاومة وفّرتها له. لكن حتّى في هذه الحال، يبقى غير مفهوم موقف من يريد أن يحاسب المقاومة على توفير الذريعة، وفي الوقت نفسه يلهث لمعانقة مجرمي الحرب الذين قاموا بالاعتداءات وارتكبوا المجازر.
إنّ الحرص على المدنيّين يجب أن ينطلق أوّلاً من الحرص على معاقبة مجرمي الحرب، أو أقلّه قطع الصلات مع دولة الاحتلال، أو في أضعف الإيمان الامتناع عن استقبال إيهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني، وتقبيلهم وكَيْل المديح لهم، ومعاملتهم بصفتهم رجال ونساء سلام يواجهون منظّمة إرهابيّة تدكّ مُدُنهم بالصواريخ. لكن، مع الأسف، بات «المدنيّون» مصطلحاً كوديّاً يراد من ورائه ارتكاب الخيانة، بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى، بحقّ المدنيّين أنفسهم. وليس غريباً، والحال هذه، أن يتباكى حاكم مصر على المدنيّين الفلسطينيّين، فيما يحمي نظامُه الفاسدين الذين سبّبوا مقتل مئات المدنيّين المصريّين.
الحرص على المدنيّين لا يعني البكاء على مَن رحل منهم بقدر ما يعني الحرص على كرامة من بقي منهم حيّاً، والعمل على توفير الطبابة والغذاء له، لا تشديد الحصار عليه بحجّة حمايته من موت مقبل إن أحكم هذا الفصيل أو ذاك السيطرة على قطاع غزّة.
رغم كلّ ذلك، لا بدّ من إبداء الإعجاب بعودة الديكتاتوريّين العرب إلى مفهوم الحساب والمحاسبة، وإعادتهم الاعتبار للشعوب، وقد عادوا أخيراً للتمسّك حتّى بالقوميّة العربيّة رافضين أيّ تدخّل «غير عربيّ» بالقضيّة الفلسطينيّة. إنّها الصحوة يا إخوان. إنّها النهضة العربيّة الجديدة يقودها أهل الانحطاط. صَفِّق يا عمرو موسى. ارقُصي يا شعوب.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments