الخميس، 29 يناير 2009,6:02 م
اسألوا الإنترنت
خالد صاغية
الأخبار عدد الخميس ٢٩ كانون الثاني ٢٠٠٩
خلال العدوان على غزّة، أدلى الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته محمود عباس بتصريح لا لبس فيه، أدان فيه المقاومة بوصفها أداة لإبادة شعبها. بعد الحرب على غزّة، أصبح الموضوع مختلفاً. فمسؤولو السلطة باتوا يزايدون على «حماس» قائلين إنّ حركة المقاومة الإسلاميّة لم تكن وحدها في الميدان، لا بل إنّ شهداء حركة «فتح» يفوقون شهداء «حماس» عدداً. كفّ الخلاف عن كونه بين أنصار المقاومة وأعدائها، ليصبح خلافاً بشأن المقاومة.
شهد لبنان خلال حرب تمّوز حالةً مشابهة. فالسلطة السياسيّة التي اعتقدت مع بداية الحرب أنّ بإمكانها إصابة عصفورين بحجر واحد، أي الحصول على وقف لإطلاق النار من جانب إسرائيل وموافقة من حزب اللّه على نزع سلاحه، انتهت سلطةً تزايد على حزب اللّه، أو على الأقلّ تطلب حصّةً لها في إطار المقاومة. هكذا جرى التعمشق بجملة لرئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وصف فيها حكومة فؤاد السنيورة بحكومة المقاومة، وبقي أحمد فتفت يستشهد بجملة برّي الشهيرة قبل كلّ وجبة.
وما دام الجميع مقاومين، بات بإمكان أيٍّ منهم أن يتلقّى المساعدات الماليّة من أجل إعادة الإعمار. والجميع يعلم أنّ الفساد داخل حركة «فتح» الذي ينخر عظام معظم وجهائها، مثّل عنصراً أساسيّاً في اختيار الناخبين الفلسطينيّين لحركة «حماس» خلال الانتخابات التشريعيّة الأخيرة. إلّا أنّ السيّد ياسر عبد ربّه نفى نفياً قاطعاً تهمة الفساد، قائلاً إنّ أرقام نفقات السلطة الفلسطينيّة منشورة كلّها على الإنترنت!
شهد لبنان بعد حرب تمّوز حالةً مشابهة. وحين اتُّهِمَت الهيئة العليا للإغاثة بالفساد، جرى الدفاع عنها عبر القول إنّ بإمكان المشكّكين الاطّلاع على أرقام نفقاتها على الإنترنت!الصدفة وحدها جعلت المحتجّين بالإنترنت هم أنفسهم الذين يطرحون أنفسهم على أنهم الفصيل «المتنوّر» من المجتمع الذي تحاول إقصاءه قوّة «ظلاميّة». إنّه التنوُّر الذي يجعل من مجرّد نشر أرقام على صفحات الإنترنت يُبعِد شبهة الفساد عن تلك الأرقام، تماماً كما أنّ مجرّد طلب ودّ المستعمِر يجعلك من أنصار الحداثة.
أمّا عن الانتهازيّة، فـ google it!
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 26 يناير 2009,6:06 م
تضامن سلبي
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ٢٦ كانون الثاني ٢٠٠٩


مثّل موسم التضامن مع غزّة إرباكاً لدى بعض القوى والشخصيات اللبنانية. فبين المتضامنين مَن هم حلفاء للمقاومة في لبنان وعنصريّون ضدّ الفلسطينيّين في الوقت نفسه. وبينهم مَن وقف ضدّ المقاومة في لبنان ورفع شعار الدفاع عن الحقوق العربيّة في وجه إسرائيل في الوقت نفسه. فأنصار المقاومة من كارهي الفلسطينيين وممّن امتهنوا بثّ الأفكار العنصريّة ضدّهم، لم يتمكّنوا من وضع أنفسهم في موقع المتضامن مع أهالي غزّة من منطلق إنسانيّتهم وحقّهم في العيش الكريم أو من منطلق عدالة القضية الفلسطينية. لكنّهم، في الوقت نفسه، وجدوا أنفسهم مضطرين خلال العدوان على غزّة إلى اتّخاذ موقف داعم لحركة «حماس» لكون صمودها أو انكسارها ينعكس بطريقة أو بأخرى على المقاومة في لبنان.
لكنّ النفور من الفلسطينيين عموماً دفعهم إلى مخاطبة جمهورهم عبر استدعاء الكراهية لليهود. وقد ارتدت هذه الكراهية زيّاً لاساميّاً عمدت وسائل إعلاميّة إلى النفخ فيه عبر الشعارات التي أطلقتها وعبر ضيوفها الذين أعادوا اكتشاف مسؤولية اليهود في صلب المسيح.
وعلى المقلب الآخر، رأى العديد ممّن وقف ضدّ المقاومة في لبنان، ومن لم تكن مواقفه مشرّفة خلال حرب تمّوز، أن يغسل «عاره» عبر التضامن مع غزّة. فهو مع المقاومة ما دامت بعيدة عنه، ولا مشكلة له مع «حماس» أو أيّ تنظيم إسلاميّ آخر، ما دام يعمل على أرض أخرى، ولا مشكلة له مع ما يسمّيه «الظلاميّة»، ما دام ذاك الظلام في بلاد بعيدة.
وتماماً كما كانت تفعل بعض الأنظمة العربيّة في السابق عبر استخدام القضية الفلسطينية لتلميع صورتها أمام شعوبها، بات ذلك دأب بعض الشخصيات السياسية وغير السياسية التي وجدت في الموقف من غزّة كفّارةً عن موقفها من الجنوب. لكن، لعدم الظهور بمظهر من يدعم المحور السوري ــ الإيراني الداعم لحماس كما لحزب اللّه، لم يكن التضامن من وجهة نظر تأييد المقاومة، بل كان التضامن ضدّ اليهود، وضدّ التوراة!
مرّة أخرى، ننظر إلى خلافاتنا في مرآة الآخرين، فنتأكّد من قبحنا.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 23 يناير 2009,6:14 م
بنود انتخابيّة
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٢٣ كانون الثاني ٢٠٠٩
نحن على بُعد حوالى ستّة أشهر من الانتخابات النيابيّة. بدأت القوى السياسيّة بعصر أفكارها وإعداد برامجها. حزب اللّه لديه بند واحد في برنامجه: فوز التيار الوطني الحر. تيّار المستقبل لديه بند واحد في برنامجه: خسارة التيار الوطني الحر. القوّات اللبنانية لديها بند واحد في برنامجها: شدّ العصب المسيحي واستنفار المشاعر الطائفيّة إلى أقصى حد. التيار الوطني الحر لديه بند واحد في برنامجه: المزايدة على القوّات اللبنانيّة في شدّ العصب المسيحي وفي استنفار المشاعر الطائفيّة إلى أقصى حد. لا نستطيع أن نتكهّن بما ستصبح عليه البرامج في أوائل شهر حزيران، لكن يمكننا أن نرسم صورة لتدرّج المواقف السياسيّة.
من الواضح أنّ المعركة تدور بين القوى المسيحيّة وعليها. وقد بذلت هذه القوى مجتمعة جهوداً كبرى في سبيل السيادة والحرية والاستقلال. مهما يكن تقويم هذه الشعارات، فإنّها باتت الآن بعيدة عن تصوّرات الأطراف كافة. فمن السيادة، انتقلنا سريعاً إلى قانون الانتخاب. ومن النقاش في القانون انتقلنا إلى حصر النقاش في حجم الدوائر الانتخابية. فساد هرج ومرج بين من يريد أن يجعل القضاء دائرة انتخابية ومن يريد أن يجعل الدائرة ضمن حدود القرى والبلدات. وبين الاثنين، كان هناك طبعاً من يدعو من فوق عرشه البطريركي إلى أن ينتخب كلّ ابن ملّة نائب ملّته.
لكن سرعان ما بُتّ النقاش بشأن حجم الدائرة للانتقال إلى أمور أكثر أهمية. فجرى التباري حول المجازر بحقّ الفلسطينيين، وعرض كلّ طرف مسيحي إنجازاته في هذا المجال، قبل أن يعيّن اللبنانيّون حَكَماً في ما بينهم، هو صاحب الإنجاز الأجدّ في هذا السياق.
كان لا بدّ من التباري في مجال آخر. تلقّف الجميع معركة العُطل الرسميّة. ثمّة من انتصر للجمعة العظيمة، فجاء الردّ بمؤتمر صحافي عُقد خصّيصاً للبحث في عطلة اثنين الباعوث.
لكنّ السيارة التي فقدت فراملها أبت إلا أن تتابع الانحدار. الانتخابات النيابية اليوم تُختصَر بعنوان واحد: وُجدت سُبحة مسيحيّة عليها صور السيّد حسن نصر اللّه. الرجاء ممّن يعرف عنها شيئاً، الاتّجاه إلى أقرب مخفر للشرطة.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 22 يناير 2009,6:17 م
وما زالت الاحتجاجات... في دياركم
خالد صاغية
الأخبار عدد الخميس ٢٢ كانون الثاني ٢٠٠٩
أدّت حملات التضامن مع غزّة إلى خلق ديناميّات في المجتمع اللبناني. فمنذ فترة طويلة، لم نشهد في لبنان مبادرات فرديّة تقوم بها عائلات بأكملها أو أمّهات وأولادهنّ للتعبير عن الرأي أو لحمل مطالب سياسيّة واجتماعيّة. ومنذ فترة طويلة، لم تتحرّر التحرّكات الشبابيّة والطلابيّة من القيود التي تفرضها عادةً منظّمات حزبيّة رسميّة تملك وحدها القدرة على الحشد.
وكان لبنان قد عرف في السنوات الثلاث الماضية تحرّكات عدّة رقصت كلّها على إيقاعات الحياة السياسية المدارة من التيارات الكبرى. فإذا ما نُظِّم تجمُّع أمام سفارة أو وزارة أو هيئة رسميّة، كنّا نعرف مسبّقاً حجم التحرّك وحدوده. لم تحصل تظاهرات عفويّة، ولم تجرِ محاولات تخطّي الأسلاك الشائكة أمام أبواب السفارات، ولم نراقب اشتباكات بين متظاهرين وقوّات مكافحة الشغب، وهذا كلّه ما كسره، خصوصاً، شباب مستقلّون ويساريّون وفلسطينيّون لم تخضع تحرّكاتهم لأيّ نوع من أنواع الكبح المنظّم.
لم تكن التحرّكات وحدها ما يخضع لمعايير غير مقبولة في عالم الاحتجاجات، بل وسائل المواجهة أيضاً. هكذا جرى إطلاق النار من الجيش وقتل عدد من المحتجّين في مار مخايل مثلاً، وسط تبريرات ربطت بين التحرّكات المطلبيّة ونيّات لدى المعارضة بالسيطرة على البلاد. والتحقيقات في تلك الحادثة خضع الاهتمام بها للتجاذبات السياسية نفسها.
وتتحمّل المعارضة، بصفتها معارضة، مسؤولية شلّ الحركة المطلبيّة في الفترة السابقة، لأنها كانت ترفع الصوت المطلبيّ أو تخنقه وفقاً لتكتيكاتها السياسيّة غير الموفّقة، قبل أن تقرّر وضع كلّ التحرّكات الاحتجاجيّة جانباً، وتحرّك آليّاتها العسكريّة للسيطرة على الوضع.
ثمةّ نسمة هواء طلق. لم نسمع أنّ 8 أو 14 آذار ساروا في التظاهرات. وكثير من المتظاهرين يرفضون تصنيفهم ضمن أيّ من المعسكرين، والمصنَّفون لم ينزلوا بصفتهم هذه. لذلك ربّما، كان طعم التظاهر مختلفاً، ولذلك أيضاً لم يكن الحضور كبيراً (باستثناء التجمّع الذي دعا إليه حزب اللّه في الضاحية).
على طلاب الجامعات خصوصاً أن يلتقطوا هذه اللحظة، وألا يبدّدوها. ثمّة مطالب كثيرة تنتظر...
ثمّة بلاد تنتظر.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 21 يناير 2009,6:09 م
نصائح لعبّاس
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ٢١ كانون الثاني ٢٠٠٩
أثبت الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال الحرب على غزّة، أنّه أكثر شجاعةً من زميله فؤاد السنيورة. ففيما استمرّ السنيورة في لبنان بالتفوّه بخُطَبٍ لا تتناسب وممارساته، حسم عبّاس المسألة وأعلن بوضوح أنّه لا يريد مقاومةً، لأنّ المقاومة تكبّد الخسائر وتبيد الشعب، وهي ليست غاية في ذاتها. لا نريد مقاومةً كهذه، قال عبّاس.
إلا أنّ هذا التفوّق العبّاسي يجب ألا يمنع الرئيس الفلسطيني من التعلّم من تجربة السنيورة ما بعد حرب تمّوز، وخصوصاً أنّ استنتاجات عبّاس جاءت متأخّرة ستّين عاماً. وتتضمّن الخطّة التعليميّة الآتي:
أوّلاً: صحيح أنّ المقاومة في غزّة ليست شيعيّة، لكنّها تتلقّى الدعم من إيران. على عبّاس أن يشدّد على هذه النقطة. فهذا الدعم يثبت أنّ حركة «حماس» هي جزء من مشروع الهلال الشيعي. وإذا كان مقاتلو حزب اللّه قد تحركشوا بالإسرائيليّين معرّضين أنفسهم وأرزاقهم وعائلاتهم للخطر من أجل الملف النووي الإيراني، فإنّ مقاتلي حماس دمّروا غزّة فوق رؤوس أبنائها من أجل الملف الزعفراني الإيراني.
فلمن لا يعرف، بدأت صادرات إيران من الزعفران تواجه صعوبات كبيرة مع اندلاع الأزمة المالية العالمية، فحرّكت ولاية الفقيه حركة حماس كي تخوض انتحاراً جماعيّاً في غزّة دفاعاً عن الزعفران، في ظلّ الانكماش الذي أصاب الأسواق. يمكن تسليم ياسر عبد ربّه هذا الملفّ، واستضافته على إحدى الفضائيات في برنامج «الزعران والزعفران».
ثانياً: على السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة إنشاء هيئة عليا للإغاثة تُسلَّم إليها حصراً المساعدات العربيّة، ولا ضير في توزيع القسم الأكبر من هذه المساعدات على مناصري حركة فتح في الضفّة الغربيّة، لكونهم تضرّروا كثيراً من التظاهرات المؤيّدة للمقاومة التي جابت شوارع الضفّة على امتداد فترة العدوان على غزّة، من دون أن تتمكّن قوّات عبّاس من قمعها تماماً.
ثالثاً: إذا كانت «حماس» حركة إسلاميّة، فلا بدّ من التفتيش عن أصوليّين أكثر تطرّفاً وتنظيم رحلات لهم إلى مقرّ عبّاس للدفاع عن سلطته الشرعيّة وعن العلمانيّة أيضاً.
رابعاً: إذا لم يكن لدى فلسطين أحمد فتفت، فيجب اختراعه.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 20 يناير 2009,6:24 م
عشاء العار
خالد صاغية
الأخبار عدد الثلاثاء ٢٠ كانون الثاني ٢٠٠٩
علّق ذات مرّة أحد الكتّاب الآسيويّين على العنصريّة تجاه العرب والمسلمين في أوروبا، مستعيراً الحديث عن غرف الغاز النازيّة، فقال: «حين تعود غرف الغاز إلى أوروبا، نعرف من سيكون داخلها هذه المرّة». لا تحتاج الديموقراطيّات الأوروبيّة إلى غرف الغاز، ولا إلى معسكرات الاعتقال. فثمّة معسكر كبير في الهواء الطلق، وثمّة من ينفخ الغاز والنيران فيه. لن يكون على الأوروبيين أن يقوموا بذلك بأنفسهم. يمكنهم أن يجلسوا في الصفوف الخلفيّة، ويتفرّجوا، ويطلقوا تصريحات لا تغني ولا تسمن من جوع عن نبذ العنف وضرورة تحقيق السلام ووقف النار التي يوافقون على إشعالها.
ماذا بعد أيّها الرجل الأبيض؟
أنجزتَ المحرقة، ثمّ طهّرتَ نفسك عبر تسليم فلسطين إلى ذابحيها. واستلقيتَ على ظهركَ ضاحكاً في عام 1948، و1967، و1982، و2006، وفي تواريخ كثيرة بينها. وها أنتَ اليوم، لم تتمكّن من انتظار انتهاء عملية انتشال الجثث من تحت أنقاض أرض غزّة، حتّى ذهبتَ لتتناول العشاء على مائدة مجرمي الحرب.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، رئيس وزراء بريطانيا غوردن براون، رئيس وزراء إسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو، رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء تشيكيا ميريك توبولانيك، ممثّلاً الاتحاد الأوروبي كلّه. ماذا ذهبتم تفعلون هناك؟ هل توجّهتم بالشكر إلى إيهود أولمرت لما صنعته يداه، أم كانت مجرّد زيارة تهنئة على الإنجاز المتمثّل بقتل المدنيّين من دون تردّد؟ لا بدّ أنّ أولمرت قد هنّأكم هو الآخر. ألم يقُلْ: «أريد أن أعبّر عن تقديري الشخصي وتقدير شعب إسرائيل لكم»؟ فالأسلحة التي استخدمها أسلحتكم، والذخائر ذخائركم. أمّا الضحايا، فهم أنفسهم أولئك العرب والمسلمون الذين تضطهدونهم في ضواحي مدنكم الكبرى. لا بدّ أنّ السيّد ساركوزي قد أبدى إعجابه بالصلابة الإسرائيليّة، فهو لم يتمكّن من استخدام العنف نفسه خلال انتفاضة الضواحي في باريس.
«أوروبا هنا بكاملها»، قالت ميركل. أهي حقّاً أوروبا كلّها؟ ماذا عن الآلاف الذين جابوا شوارع العواصم الأوروبيّة رفضاً للحرب وتنديداً بالجرائم الإسرائيليّة؟ هل تخلّت عنهم السيّدة ميركل؟ طبعاً، لا يمكن أولئك أن يكونوا أوروبيّين. فهم لا يتمتّعون بمزايا الرجل الأبيض وميزاته. لقد نزلوا إلى الشوارع ليقولوا إنّ من يُقتَل في غزّة بشر مثلنا. شعرهم ليس أشقر، وعيونهم ليست زرقاء، ولا يملكون قبل النوم مئات أنواع الجبنة ليختاروا بينها. لكنّهم، رغم ذلك، يحبّون أطفالهم الذين يموتون أمام أعينهم، ويعملون في الليل والنهار ليروا البسمة على وجوههم الصغيرة.
«إنّنا نعبّر عن حزننا للأطفال الصغار الذين قتلوا»، قال الزعماء الأوروبيّون. كذلك دعوا إلى إجراء سريع لتخفيف معاناة الجرحى في غزّة، بما في ذلك فتح المعابر الحدودية بين إسرائيل ومصر. حقّاً؟ مش بكّير شوي؟ لماذا لم يُحضِر ساركوزي مهرّجه للشؤون الخارجيّة ليحوّل هو الآخر ما جرى إلى كارثة طبيعيّة سيجنّد لها منظّمة «أطبّاء بلا حدود»، أو يدعو المجتمع المدني الفلسطيني لتأليف تجمُّع «خلص»... «خلص مقاومة» طبعاً. والآن تتذكّرون معبر رفح؟ هل قُتل ما يكفي من أطفال فلسطين؟ 410 عدد معقول؟ بات بإمكان مصر الآن أن تفتح معبر رفح؟
في غمرة غبطته، لم ينسَ ساركوزي التنويه بديموقراطيّة دولة إسرائيل. وقال إنّ القرارات التي اتّخذتها جديرة بدولة ديموقراطيّة. فالموضة الآن هي دعم أشكال الأنظمة، لا ما تفعله. فمن حقّ الديموقراطيّات أن تشنّ حروباً. والحروب المثاليّة هي التي تشنّها الديموقراطيّات على تنظيمات غير ديموقراطيّة. لكن، ماذا لو كانت هذه التنظيمات قد انتُخبت فعلاً وفقاً لنظام ديموقراطي، وقد منعتها سائر ديموقراطيّات الأرض من الحكم؟
الأرجح أنّ الرئيس ساركوزي وزملاءه المجتمعين في عشاء العار لا يملكون جواباً، أو هم يملكون، لكنّهم لا يجرؤون على البوح به. فالديموقراطيّة مرحَّب بها ما دامت تحمل إلى السلطة مَن هُم مثلنا، من يشبهوننا في الملبس والمأكل والعادات والتقاليد والأفكار. أمّا الآخرون، فالحروب بانتظارهم، وربّما... غرف الغاز أيضاً.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 19 يناير 2009,6:21 م
لمَجْد مَن؟
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ١٩ كانون الثاني ٢٠٠٩
أشارت يارا بإصبعها إلى الشاشة، وهتفت بفرح: avion ،avion، طيّارة. لا تعرف يارا الفارق بين الطائرة المدنيّة والطائرة العسكريّة. ولا تعرف أيضاً أنّ الطائرة التي تشاهدها إنّما تطير في سماء بلاد اسمها فلسطين، وتستعدّ لرمي قطع حديديّة كبيرة تسمّى قذائف، وترسل نيراناً تحرق البيوت، وتقتل أطفالاً يشبهون يارا. لا تعرف يارا لمى حمدان التي تكبرها بعام ونصف، والتي قضت مع شقيقتها هيا وشقيقها إسماعيل في يوم واحد. لا تعرف أسماء أطفال عائلة السمّوني الذين قضوا معاً في لحظة واحدة.
يارا لا تعرف كلّ ذلك، تماماً كما لا تعرف أنّ قادة دولة اسمها إسرائيل اختاروا لمجزرتهم اسماً هو نفسه اسم لعبة يلهو بها الأطفال فوق أرض سيبقى اسمها فلسطين. لا تعرف أنّ أطفالاً من عمرها جيء بهم في حرب تمّوز، حين لم تكن قد وُلِدت بعد، ليرسموا أحلامهم على القذائف التي تسقط على أطفال لبنان عام 2006، وليكتبوا رسالة لمن يهمّه الأمر: «من أطفال إسرائيل إلى أطفال لبنان».
«الرصاص المصهور»، كما سمّى قادة إسرائيل عمليّتهم، ليس سوى اسم لعبة لولب (بلبل) كُتبت على أطرافه الأحرف الأولى المكوّنة لجملة «معجزة كبيرة حدثت هناك». جملة تقال إحياءً لعيد «الهانوكا» أو عيد الأنوار.
ما هي المعجزة التي أرادت إسرائيل أن تحدثها في غزّة؟ معجزة حصد أكبر عدد ممكن من الأطفال؟ معجزة صمت العالم و«تفهّمه» للأهداف الإسرائيلية، أم معجزة صمود أهل غزّة؟ الأرجح أنّ معجزة واحدة قد تحقّقت. إنّها معجزة فلسطين المستمرّة منذ 60 عاماً.
تقول الأنشودة: «أستاذي اشترى لي لولباً من الرصاص المصهور/ لولباً لا مثيل له/ على شرف من؟ لمجد من/ فقط من أجل هانوكا... أمّي خبزت لي قالباً من الحلوى، قالباً ساخناً وطريّاً/ قالباً مغموراً بالسكّر/ على شرف من؟ لمجد من؟ فقط من أجل هانوكا».
انتهت اللعبة. 22 يوماً من الغارات. 1300 شهيد. 5300 جريح. على شرف من؟ لمجد من؟
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
السبت، 17 يناير 2009,6:28 م
غزّة لبنانيّاً
خالد صاغية
الأخبار عدد السبت ١٧ كانون الثاني ٢٠٠٩
أكّد الرئيس ميشال سليمان في كلمته في افتتاح اجتماع غزّة في الدوحة، أمس، التمسّك بمبادرة السلام العربيّة. واعترض لبنان على تضمين البيان الختامي للاجتماع مسألة تعليق مبادرة السلام العربية مع إسرائيل. والواقع أنّ ولع لبنان بهذه المبادرة غير نابع من التبشير بالمحبّة والسلام، ولا من كون المبادرة قد انطلقت من بيروت، بل لأنّ المبادرة تتضمّن بنداً يرفض التوطين. هكذا يظنّ الرئيس اللبناني أنّه تحت شعارَي السلام والدفاع عن مقرّرات قمّة بيروت، يتمكّن من حماية ما يحسَبه المصالح اللبنانيّة الخاصّة عبر الدفاع عن مبادرة تتضمّن رفض التوطين.
ليس الرئيس سليمان وحده من يحمل هذا الموقف. ففريق 14 آذار يقف وراء القطبين المصري والسعودي، ويرفض بالتالي التخلّي عن المبادرة العربيّة، وكان قد سعى جاهداً لإقناع الرئيس سليمان بعدم الذهاب إلى الدوحة. لكنّ الأمر لا يقتصر على جماعة الرابع عشر من آذار، فالتيّار الوطني الحرّ كان قد حذّر ممّا يجري في غزّة لما تمثّله المجازر من تهديد مباشر لمبادرة السلام العربيّة. ولعلّ الوزير جبران باسيل كان الأبلغ في ربط الموقف من مجازر غزّة بالتوطين. ووفقاً لتسلسل منطقيّ متكامل، لخّص الوزير المتحالف مع المقاومة لجمهوره المسيحيّ (الذي سبق أن طالب له بعطلة الجمعة العظيمة)، لماذا يجب أن يقف لبنان إلى جانب صمود حركة «حماس». بالنسبة إلى باسيل، إنّ انكسار غزّة يصعّب إمكان نشوء نواة الدولة الفلسطينيّة. والدولة الفلسطينية تعني ارتفاع حظوظ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم. وحقّ العودة يعني انزياح غيمة التوطين السوداء من فوق رؤوسنا. لذلك، ينبغي على لبنان أن يقف إلى جانب حركة حماس وأهل غزّة.
نحن أمام منطقين غير متطابقين، إلا أنّهما يلتقيان في انطلاقهما من النظر إلى مجازر غزّة من زاوية تأثير ذلك على التوطين. ومن حقّ كلّ دولة طبعاً أن تنظر إلى المتغيّرات الجارية في العالم من زاوية مصالحها الخاصّة. ومن حقّ أيّ لبنانيّ، إن شاء، أن يرى في المقاومة المسلّحة في لبنان خطراً على لبنان، وفي المقاومة المسلّحة في فلسطين خطراً على فلسطين. ومن حقّ أيّ لبنانيّ، إن شاء، الدعوة إلى توقيع أيّ اتفاق سلام إذا ما اعتقد بأنّ كلفة التوقيع اليوم أقلّ من كلفته غداً.
لكن حين يتعلّق الأمر بجرائم ضدّ الإنسانيّة، يصبح الأمر مختلفاً. فالسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو افترضنا أنّ مجازر غزّة تؤدّي، في نهاية الأمر، إلى إلغاء فكرة التوطين، هل كان علينا حينئذٍ أن نقف في صفّ الطائرات الإسرائيليّة؟ إنّ ذلك لا يُعدّ دفاعاً عن مصالح الدولة. إنّه، ببساطة، تخلٍّ عن إنسانيّة كلّ فرد منّا.
لكن، مهلاً، هل مبادرة السلام العربية هي فعلاً ضدّ التوطين؟ لنقرأ ما ورد بشأن اللاجئين الفلسطينيين في تلك المبادرة. ثمّة بندان يتعلّقان بهذا الأمر:
المبادرة، في الفقرة «ب» من بندها الثاني، تطالب إسرائيل بـ«التوصل إلى حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتّفَق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194». وينصّ البند الرابع من المبادرة على «ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة».
وفي مقابل هاتين الفقرتين، فإنّ المبادرة العربية هي النص العربي الأوّل الذي يعلن رسميّاً تخلّي العرب جميعاً عن الأراضي التي احتلّتها إسرائيل عام 1948، لا بل يرى أنّه إذا التزمت إسرائيل ببنود المبادرة، فإنّ العرب يعتبرون «النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً».
صحيح أنّ المبادرة ترفض التوطين، إلا أنّها لا تنصّ على حقّ العودة. والتوصّل إلى حلّ «عادل» لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين صيغة تبقى مبهمة ونسبيّة، حتّى ولو رُبطت (بشكل غامض أيضاً) بالقرار 194.
إنّ المبادرة العربيّة يجب أن تكون مرفوضة لا بسبب تخلّيها عن أرض فلسطين وحسب، ولا بسبب تركها موضوع حق العودة مبهماً وحسب، بل حتّى من وجهة نظر رافضي التوطين. فكيف يتصوّر لبنان مصير فلسطينيّيه حين يُعلن العرب جميعاً أن الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي قد انتهى، وأنّ اللاجئين قد وُجِد لهم حلّ «عادل» لا يتيح لهم العودة؟
عارٌ على اللبنانيّين أن يختزلوا علاقتهم بفلسطين والفلسطينيّين بالموقف من التوطين. وعارٌ على اللبنانيّين ألّا تحرّك فيهم دماء أطفال غزّة سوى التساؤل عن مصير مفردة مبهمة تختزل كمّاً من الرُّهاب والعنصريّة.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 15 يناير 2009,6:36 م
منعاً للالتباس
خالد صاغية
الأخبار عدد الخميس ١٥ كانون الثاني ٢٠٠٩
بيان عاجل: «نظراً لتصاعد الأحداث الأخيرة الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيليّة على الشعب الفلسطيني، وللظروف التي تمرّ بها الأمّة العربيّة، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى قمّة خليجيّة طارئة تُعقد يوم غد الخميس (اليوم) بإذن اللّه في الرياض».
إذاً، حتّى لا يلتبس الموقف السعودي، فإنّ القيادة السعوديّة الحكيمة مهتمّة بما يحدث في غزّة، وتسمّيه «اعتداءات إسرائيليّة»، ما يدحض كلّ الاتّهامات بالتخاذل والتواطؤ التي وُجِّهت للمملكة ولدول عربية أخرى. صحيح أنّ السعوديّة ترفض عقد قمّة عربيّة، إلا أنّ موقفها نابع، ببساطة، من كونها ترى أنّ الاجتماعات كلّما صغر حجمها، أتيح للمشاركين التفكير والتحدّث بعمق أكثر. لذلك، تفضّل قمّة خليجيّة لن تقلّ مقرّراتها حزماً عن القمّة العربيّة.
ولم ينحصر الاهتمام السعودي بالقصر الملكي، بل تعدّاه إلى المرجعيّات الدينيّة. فها هو مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ يجيز أمس زواج الفتيات القاصرات في سنّ العاشرة. وقال المفتي الذي لم تثنِه مجازر غزّة عن التفكير في المسائل الاجتماعيّة الملحّة إنّ «الأنثى إذا تجاوزت العاشرة من العمر أو الـ12 فهي قابلة للزواج، ومن يعتقد أنّها صغيرة فقد أخطأ وظلمها».
بيان عاجل: «تونس ترى أن عقد القمة الاقتصادية المقرّر عقدها بالكويت تعدّ لاعتبارات عمليّة بيّنة الإطار الأنسب والأجدى لعقد لقاء عربي في مستوى القمة للتوصل الى موقف حازم له جدواه في وقف الدماء الفلسطينية». البيان الصادر عن وزارة الخارجية التونسية لم ينسَ الإشارة إلى أنّ «هذا الظرف الدقيق يستدعي رصف الصفوف العربية لنصرة الأشقاء الفلسطينيين».
إذاً، حتّى لا يلتبس الموقف التونسي، فإنّ القيادة التونسيّة الحكيمة تريد موقفاً حاسماً في مواجهة ما يجري في غزّة، لكنّها ترى أنّ موقفاً من هذا النوع يجدر أن يصدر عن قمّة اقتصاديّة لا سياسيّة، ما دامت الأزمة في غزّة تتعلّق بما أصاب أخيراً الأسواق الماليّة العالميّة.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 14 يناير 2009,6:39 م
مدنيّو غزّة ودموع التماسيح
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ١٤ كانون الثاني ٢٠٠٩
ليست محاولات صدّ الأشياء وحدها ما يتطلّب تضحيات. القيام بأفعال، لا بردود فعل وحسب، يتطلّب أحياناً تضحيات أكثر قسوة. احتلال أرضٍ يكبّد خسائر في الأرواح، ومقاومة احتلالٍ تكبّد خسائر أيضاً. وكلّما تطوّرت أنواع الأسلحة، تراجع القتال الكلاسيكي، وارتفع عدد الضحايا من المدنيّين. لكنّ هؤلاء غالباً ما لا يحتلّون واجهة الأحداث.
ففي الرواية الرسميّة التي سادت القرن التاسع عشر، والتي ما زالت تتحكّم بنا، يسير التاريخ وفقاً لخطّ متصاعد. كلّ مرحلة متقدّمة على ما قبلها. وكلّ تقدُّم لا يمكنه أن يتمّ ما لم يخلّف كثيراً من الضحايا. النظام الرأسمالي الذي «ننعم» بإنجازاته ما كان له أن يبصر النور لولا النهب والقتل. وما كان يمكنه أن يستمرّ لولا الاستغلال الذي يراوح بين موت العمّال الفعليّ وتحصيلهم رواتب أقلّ من قيمة عملهم. لكنّ كلّ هذا الموت وكلّ هذه التضحيات التي تقدّمها البشريّة يوميّاً ليست محلّ نقد من الرواية المهيمِنة. فهي مجرّد أضرار جانبيّة لمعركة التقدّم التي يبدو أنّه لا نهاية لها، ولا إحصاء نهائيّاً لعدد ضحاياها.
ليس قتل النفس البشرية ما يثير «إنسانيّة» الخطاب الليبرالي المهيمِن. فهذا القتل لا بأس به ما دامت غايتُه «خلاصيّة». هكذا حين تحصد الطائرات الأميركيّة آلاف الضحايا في أفغانستان أو العراق، يركّز الخطاب المهيمِن على عمليّة «تحرير المرأة» الأفغانيّة أو تصدير «الديموقراطيّة» إلى العراق. لا مكان للمدنيّين إلا لدى الأصوات المهمَّشة التي وقفت ضدّ الحرب. ألم يرَ أحدهم في قصف الطائرات لأرض العراق وحصدها آلاف القتلى، زقزقةَ عصافير؟
أمّا حين تحصد القذائف الإسرائيليّة مئات الضحايا في غزّة، فيقفز المدنيّون إلى الصورة، لكن بوصفهم ضحايا حركات المقاومة، لا ضحايا آلة القتل الإسرائيليّة. ولا يصبح قتلهم مُداناً بصفته قتل نفس بشريّة، بل بصفته قتلاً «مجانيّاً». ذلك أنّ صمود أهل غزّة هو فعل غير «خلاصيّ» وفقاً للرواية الليبرالية، لأنّه يعني إخضاع سكّان غزّة لسلطة تنظيم إسلاميّ، ويُبعد المنطقة عن مشاريع التسوية السلميّة التي تفتح آفاق الازدهار والتقدّم.
لذلك، يبدو مدنيّو غزّة، بعكس مدنيّي العراق، جديرين بالدموع... دموع التماسيح الليبراليّة.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 9 يناير 2009,6:43 م
الصراع عارياً
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٩ كانون الثاني ٢٠٠٩
خلال حرب تمّوز، اختصرت كوندوليزا رايس ما يجري بكثير من الصراحة الفجّة. قالت إنّنا نعيش مخاض شرق أوسط جديد. تطلّب الموقف كثيراً من الشجاعة (أو الوقاحة) كي يتمكّن امرؤ أو امرأة من القفز فوق أشلاء الضحايا للإعلاء من شأن الهدف الفعليّ لكلّ ذاك الدمار. ولم تكن المرّة الأولى في التاريخ التي تأتي فيها الوعود «الخلاصيّة» على أجنحةٍ متوحّشة. رغم فظاعة موقف رايس، وبرودة أعصابها أمام آلة القتل، ونظرتها إلى أطفال جنوب لبنان ونسائه وشيوخه ومقاوميه كمجرّد وقود لمشروعها السياسي، منح تصريحها آنذاك معنى للمعركة الدائرة. عرفت إسرائيل أنّها تخوض حرب المشروع الأميركيّ في منطقة الشرق الأوسط، وعرف لبنان أنّه يخوض حرباً ضدّ ذاك المشروع. وعرف المتواطئون من العرب أنّهم يحفظون لعروشهم حصّة في الشرق الجديد الآتي من رحم دبّابات الميركافا.
الحرب الدائرة في غزّة اليوم لا تملك المعنى نفسه. الشرق الأوسط الجديد دُفن في مارون الراس، والإدارة الأميركيّة الراحلة بعد أيّام لا تملك ترف الدفاع عن عهدها البائد، وإن فعلت فلن تجد بانتظارها إلا الأحذية. يكفي أن يراقب المرء بعض الأقلام في عالمنا العربي التي زايدت في الدفاع عن رؤى بوش، وها هي تتسابق الآن إلى نقدها والسخرية منها.
ما من مشاريع تغييريّة كبرى تنتظر المنطقة. في أسوأ الأحوال (أو أفضلها وفقاً للنقطة التي تقف عليها)، يتسلّم باراك أوباما زمام الأمور وقد ضعفت حركة «حماس». لكنّه سيفعل ذلك في ظلّ مضاعفة الصعوبة في تقبّل أيّ مشروع سلام في المنطقة.
إنّنا، على عكس حرب تمّوز، أمام عجز إسرائيل والمتواطئين معها عن إيجاد أيّ غطاء أيديولوجيّ للحرب الدائرة. حجّة الردّ على الصواريخ، كحجّة أسر الجنديّين، لا تقنع أحداً. إنّنا أمام القوّة العارية. أمام نزاع كلاسيكيّ خام: المستعمِر والمقاوِم وجهاً لوجه. أمّا أرض الصراع، فـ«كانت تسمّى فلسطين... صارت تسمّى فلسطين».
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 5 يناير 2009,6:46 م
حماس، أبو الغيط، وأشياء أخرى
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ٥ كانون الثاني ٢٠٠٩
رغم كلّ شيء، ما زالت مجازر غزّة تثير اتّهامات ضدّ حركة «حماس»، محمّلة إيّاها المسؤوليّة الضمنيّة أو العلنيّة عمّا جرى ويجري. كان الأمر نفسه قد حدث مع حزب اللّه في عام 2006. لكنّ تجربة «حماس» أكثر مرارة. فقد فازت حركة المقاومة الفلسطينية في الانتخابات التشريعيّة، واختارها الشعب الفلسطيني لتؤلّف حكومته. إلا أنّ وصول حماس الديموقراطي إلى السلطة جابهته بالرفض إسرائيل، و«المجتمع الدولي»، فتعرّضت الحركة للعزل ومحاولات الانقلاب عليها واغتيال عدد من قادتها، قبل أن يُفرض الحصار الكامل على قطاع غزّة.
ليست المرّة الأولى التي يُتنكّر فيها لنتائج تفرضها الديموقراطيّة. سبق أن حدث ذلك في الجزائر مثلاًَ. ارتفعت وقتها أصوات شارك فيها مثقّفون علمانيّون بارزون حرّمت وصول الإسلاميّين إلى السلطة، بحجّة أنّهم يستخدمون الديموقراطيّة للوصول، لكنّهم ما إن يصلون حتّى يفتوا بتعطيلها أو إلغائها. ولم ينتبه هؤلاء العلمانيّون الأشاوس إلى أنّهم بهذه الفتوى إنّما يتّبعون السلوك نفسه، إذ يحرّمون الديموقراطيّة حين تخدم تنظيماً خارجاً عن التقليد الليبرالي. فإذا كان الإسلاميّون متّهمين بعدم قبول الآخر، فإنّ لـ«التسامح» الليبرالي حدوده: يمكنك أن تكون حرّاً ما دمتُ أحدّد لك ملعب حريّتك.
في مثال «حماس»، كان الخبث مضاعفاً. فقد عاقب الحركةَ المنتصرة ديموقراطيّاً، منافسُها السياسي، والاحتلالُ في الآن نفسه. فقد ظنّ محمود عبّاس لوهلة أنّ بإمكانه جرّ «فتح» إلى حيث يريد، وبإمكان «فتح» أن تجرّ الشعب الفلسطيني كلّه إلى حيث تريد. لم ترضَ الكبرياء الفتحاوية بالهزيمة، فتواطأت «فتح» مع الاحتلال على تصوير الخلاف مع «حماس» كما لو أنّه مشكلة مع أيديولوجيّتها، لا مع برنامجها السياسي. كأنّما «حماس» قد عوقِبت بسبب تنكّرها لبعض قيم الليبراليّة الغربيّة، لا بسبب تبنّيها للمقاومة. وقد جرى تسويق جيّد للمشروع، فتبنّاه وبرّره فكرياً عددٌ من الكتّاب الذين نسوا فجأة تهليلهم للغزو الديموقراطي الآتي على متن الطائرات الأميركيّة، لينقلبوا على الديموقراطيّة بحجّة الدفاع عن القيم الليبراليّة.
والواقع أنّ الديموقراطيّة، على عكس الشائع، كثيراً ما يُضحّى بها في سبيل الليبراليّة. لا يقتصر الأمر على دول العالم الثالث، بل ربّما كانت الدول الصناعيّة أكثر من يلجأ إلى تعطيل الديموقراطيّة دفاعاً عن قيم الليبرالية الغربية. لنأخذ مسألة الحجاب مثلاً. فقد فُصلت فجأة عن حيّز الحرية الشخصية، لتدخل حيّز قيم الجمهوريّة في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر. أمّا في تركيا، حيث الرفض الشعبي عارم لكثير من المبالغات «العلمانيّة»، فإنّ الديموقراطيّة تقف عند حدود قيم الليبراليّة.
في زمن سابق، جرى الخلط بين الديموقراطية وبين السوق الحرّة وبين الغرب أو قيم الليبرالية الغربية. وإذا كان هذا الجمع بين الديموقراطية والسوق الحرّة مستغرباً في ظلّ وجود الاحتكارات التي لا تخفى على أحد، فإنّ الهيمنة الغربية تمكّنت من إغراء حكومات العالم الثالث أو إجبارها على فتح أسواقها، كمن يفتح بلاده للعصر الحديث والتقدّم وقِيَم التنوير، فإنّ الأزمة المالية العالمية نزعت ورقة التوت عن هذا الربط غير المنطقي بين غياب الرقابة على الأسواق والديموقراطية. فالأسواق الماليّة والحفنة المتحكّمة بها كانت أبعد ما تكون عن الديموقراطية. وفي السياق نفسه، لم يكن الربط بين الغرب ونشر الديموقراطية صحيحاً في يوم من الأيّام. فالأنظمة التوتاليتارية نصّبت معظمها الولايات المتحدة الأميركية. لكن، مرّة أخرى، تمكّن المشروع الإمبريالي وأبواقه من خداعنا. فأمام مشهد انهيار تمثال صدّام حسين، «سخسخ» الليبراليّون الذين بدأوا بالتهليل لرؤية بوش وللديموقراطية الآتية على متن حاملات الطائرات.
هكذا يُصَوَّر محمود عباس (وقبله فؤاد عبد الباسط السنيورة) حارساً للقيم الغربيّة في مواجهة الأصوليّة الإسلاميّة أكثر منه مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني الذي يُفترَض أنّه يمثّله. هذا على الأقلّ ما أوحت به تصريحاته الباردة حين كان شعبه يُذبَح. وهذا ما يجعل أولمرت يكرّر بوقاحة أنّ «إسرائيل لا تحارب الشعب الفلسطيني في غزّة، فهم ليسوا أعداءنا، وهم أيضاً ضحايا القمع العنيف والدموي الذي تمارسه المنظّمات الإرهابيّة». لا احتلال إسرائيليّاً إذاً. لا خلاف سياسياً إذاً. إنّه الوحش الإرهابي (اقرأ الإسلامي) الذي ينبغي أن نتوحّد ضدّه!
هكذا يكفّ الشهيد نزار ريّان عن كونه مناضلاً ضدّ الاحتلال ليصبح رجلاً ذا لحية طويلة، ومناصراً لتعدّد الزوجات. ويكفّ القصف الإسرائيلي الجوّي عن كونه اعتداءً، ويكفّ قتلاه عن كونهم ضحايا أو شهداء، فيصبحون قرباناً لمعركة التقدّم الذي «يصنع الحقائب من جلد البشر».
لكن، طبعاً، أحمد أبو الغيط لديه تحليل آخر. فقد أعلن في مقابلة تلفزيونية أنّ الرئيس حسني مبارك حين سمع أنّ إسرائيل تفكّر في عمليّة عسكريّة ضدّ غزّة، قال: «اندهولي الستّ دي». وفي اليوم التالي، حضرت تسيبي ليفني إلى القاهرة.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments