الاثنين، 29 ديسمبر 2008,6:51 م
أقوال ليفني... أقوال عباس
خالد صاغية
الأخبار عدد الأثنين ٢٩ كانون الأول ٢٠٠٨
«أدعو المجتمع الدولي إلى إلقاء اللوم على حماس بشأن الغارات الدمويّة التي تشنّها إسرائيل على الأراضي الفلسطينيّة». «أتوقّع من المجتمع الدولي، بما فيه العالم العربي بأكمله، أن يرسل رسالة واضحة إلى حماس تقول «إن هذا نتيجة خطئكم. وأنتم تتحملون المسؤولية. أنتم من يجب أن يدان. لن تحصلوا على الشرعية من المجتمع الدولي بهذه الطريقة. إنّ مسؤولية حياة المدنيين في قطاع غزة هي في أيديكم».
«إنّ حماس لا تخدم مصالح الفلسطينيّين أو العالم العربي... وتقف في سبيل إقامة الفلسطينيين لدولتهم».
هذه التصريحات هي، حتّى إشعار آخر، لوزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة تسيبي ليفني.«أحمّل حركة حماس مسؤولية الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، لعدم تمديدها التهدئة مع إسرائيل التي دامت ستة أشهر».
«إنّ استمرار التهدئة كان من شأنه أن يجنّب الفلسطينيّين الغارات الإسرائيليّة».
هذه التصريحات هي، حتّى إشعار آخر، للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كان يمكن لأقوال محمود عبّاس أن تكون هي أقوال تسيبي ليفني، وأن تكون أقوال تسيبي ليفني هي أقوال محمود عبّاس. المنطق هو نفسه. لقد جاء اليوم الذي بات فيه رئيس دولة فلسطين يتحدّث باللسان نفسه لوزيرة خارجيّة إسرائيل. ليس عبّاس وحده في هذا الموقع. الكثير من التصريحات العربيّة الرسمية تصبّ في الاتّجاه نفسه. ولعلّ الأطرف بين هذه التصريحات ما قاله أحد الوزراء العرب الذين خَبِرنا طرافتهم في لبنان. وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط يشكو من أنّ حماس «لا تسمح للجرحى» الفلسطينيين بعبور منفذ رفح إلى مصر التي عرضت تقديم العلاج لهم. وردّاً على سؤال عن السبب في عدم عبور الجرحى إلى مصر، قال أبو الغيط «اسألوا الجهة المسيطرة على الأرض في غزة».
إذاً، لقد ذهب أبو الغيط أبعد من ليفني وعبّاس. فحركة حماس ليست مسؤولة عن العدوان الإسرائيلي وحسب، بل عن منع الاهتمام بما يخلّفه الاعتداء من جرحى. إنّها حركة مجرمة مرّتين. أمّا النظام المصري الذي تشارك والإسرائيليين في حصار غزّة، فهو، كأيّ منظّمة أهلية غير حكوميّة، يسعى جاهداً لإنقاذ الجرحى والمنكوبين ـــــ يا للّفتة الإنسانيّة الرائعة.
لقد كان المتحدّث باسم حماس صائباً حين عبّر عن استغرابه للمنطق المصري الذي يفتح معبر رفح أمام الجثث والجرحى، ويغلقه على مليون ونصف مليون من الأحياء في غزة. وقبل حركة حماس والناطقين باسمها، كان محمود درويش قد قال ذات مرّة، متحدّثاً باسم الفرد الفلسطيني: «يريدونني أن أموت لكي يمدحوني/ وهم أوصدوا باب بيتك دوني/ وهم طردوني من الحقل...».
لقد شهد الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي محطّات كثيرة تواطأ فيها نظام عربي مع الدولة الإسرائيليّة. لكنّ ما نشهده اليوم قد يكون من أكثر اللحظات التي التقت فيها مصالح إسرائيل بمصالح النظام العربي الرسمي. وقد سبقت هذا التواطؤ حملات مسعورة ضدّ ما سمّي «لغة التخوين» في الإعلام. فثمّة من يريد أن يخون، من دون أن يشار إليه بالأصابع.
لكن لمَ كلّ هذه الحملة على «حماس»؟ لأنّ المقاومة في فلسطين قد أعطت «الذريعة» للغارات الإسرائيليّة، تماماً كما أعطت المقاومة في لبنان الذريعة لحرب تمّوز. هكذا هم «أنصار ثقافة الموت» دائماً يعطون الذرائع ليأتي الذئب ويقتلهم! وقد سمعنا حديث الذرائع من صغار 14 آذار، تماماً كما نسمعه اليوم من سنيورة فلسطين وسواه من الجِيف المتربّعة على العروش وفي القصور العربيّة.
لا يمكن لهذا الواقع أن يستمرّ. وحتّى تتمكّن الأنظمة العربيّة من نزع فتيل الذرائع، عليها أن تقوم بأمر واحد: أن تمنع المقاومة من العمل. لكن بما أنّ الشعوب العربية قد أفرزت منذ عام 1948 مئات الحركات المقاومة، وبما أنّ التاريخ يعلّمنا أنّ أيّ احتلال لا بدّ من أن تظهر في وجهه حركات مقاوِمة، فلا بدّ من إنهاء حال الاحتلال. يتطلّب ذلك الإقلاع عن ترداد شعار «السلام العادل والشامل» أو «سلام الشجعان»، وخصوصاً أنّه ليس بين المهرولين إلى السلام شجاع واحد. فليكن سلاماً، والسلام. وقد بدأت أقلام كثيرة تدعو أصلاً إلى سلام الجبناء، أو إلى الدعوة العلنية للاستعمار. فليتّعظ الحكّام العرب، وليوقّعوا ما يعرضه عليهم الإسرائيليّون. أمّا الذين سبق أن وقّعوا، فليطبّعوا العلاقات. فليجبروا شعوبهم على التطبيع. فليفرضوا على كلّ مواطن شوالاً من السكر الإسرائيلي مع كلّ كوب شاي يُعَدّ في القاهرة أو في... مرجعيون.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 24 ديسمبر 2008,6:57 م
الراقصون فوق القبور
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ٢٤ كانون الأول ٢٠٠٨
في أحيان كثيرة، لا يترك لنا المسؤولون السياسيّون مكاناً للشكّ. يحاول البعض افتراض حسن نيّاتهم، والتقليل من سيّئاتهم، وتناسي ماضيهم، إلا أنّهم يعودون لتذكيرك بأنفسهم، وبما ينوون فعله. وغالباً ما يقدّمون اقتراحاتهم المريضة على أنّها أفكار نيّرة. كان يمكن مثلاً لوزير الدفاع الياس المر أن يضيف إلى سجلّه زيارة ناجحة إلى موسكو، وأن يقال إنّ أركان الدولة اللبنانية قد استطاعوا توظيف علاقاتهم، والاستفادة من الظروف الدولية المستجدّة واغتنام الفرصة بذكاء لخدمة دولتهم. إلا أنّ وزيرنا المقدام أصرّ على تصوير هبة الأسلحة الروسيّة كما لو أنّها هبة من بلد «الروم» الأمّ إلى أحد أبناء «الروم»، الأورثوذكسيّ البارّ الياس ابن أبو الياس.
كان يمكن أيضاً لطائرات الميغ 29 أن تكون خطوة أولى لبناء جيش قويّ بعيد عن زواريب الخلافات السياسيّة الداخليّة وزواريب القمع في الأحياء الفقيرة، إلا أنّ أركاناً كباراً في الدولة أصرّوا على تحديد وجهة استخدام الطائرات حتّى قبل وصولها إلى لبنان.
بالطبع لا علاقة لهذه الطائرات بالاستراتيجية الدفاعية أو بالاستعاضة عن سلاح المقاومة. حتّى سمير جعجع مدرك لذلك، وقاله على طاولة الحوار. وإذا كان بعض المسؤولين قد لمّحوا تلميحاً إلى مكافحة الإرهاب، فإنّ بعضهم الآخر، ومنهم من هو في قمّة الهرم، كان أكثر وضوحاً في تحديد مهمّات الجيش ومهمّة الطائرات المقبلة: إنّها مكافحة الإرهاب الذي يبدو أنّه موجود في مكان ما من هذه البلاد.
الاعتراض ليس على مكافحة الإرهاب، إن وُجد، بل على دور سلاح الجوّ في مكافحة كهذه. مرّة أخرى، وزير دفاعنا المقدام لم يترك مجالاً للشكّ. فقد أعلن أنّه «لو كانت عندنا ثلاث طائرات لحُسمت المعركة (في نهر البارد) خلال أسبوعين». وحين سئل: هل تقصد أنّ الميغ ٢٩ ضد المخيمات؟ أجاب: «المخيمات نوعان: النوع الأكبر منهم تهجّروا من بلادهم، فقراء يعيشون في المخيمات طالبين السترة ويبحثون عن لقمة العيش. أمّا مخيّم نهر البارد بيشبه كل شي إلا الفلسطينيين المعتّرين».
هل يحتاج هذا الكلام إلى تفسير؟ ترى أي مخيّمـ(ات) هو من نوع البارد؟ فليبدأ هواة الميغ بالرقص منذ الآن فوق قبور الضحايا.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008,7:03 م
إنجازان
خالد صاغية
الأخبار عدد الثلاثاء ٢٣ كانون الأول ٢٠٠٨
بات واضحاً أنّ القيادات السياسيّة في هذه البلاد تتداعى بين الحين والآخر للجلوس إلى طاولة في قصر بعبدا يطلقون عليها اسم «طاولة الحوار». أمّا سبب هذا التداعي، فحفظ ماء الوجه من دون التوصّل إلى أيّ أمر مجدٍ. ثمّة فريق يريد أن يدّعي أنّه بالرغم من فشله في تحقيق أهدافه السياسيّة، فإنّه لا يزال أميناً على الشعارات التي أطلقها أمام مئات الألوف من المواطنين، وأنّ ما حدث في 7 أيّار وما جرى من متغيّرات في العالم لن يثنياه عن المضيّ في رفض التزاوج بين ما يسمّى «الدولة» وبين سلاح حزب الله.
وفي المقابل، ثمّة فريق يريد أن يوحي أنّه بالرغم من استخدام بعض سلاحه في الداخل في السابع من أيّار، وبالرغم من أنّ سلاحه لم يعد حصراً للمقاومة في وجه العدوّ الإسرائيلي، بل أيضاً لحماية سلاحه المقاوِم، فإنّه لا يزال ملتزماً بالتوافق داخل البيت اللبناني، وبالانضواء تحت سقف الدولة، وبالجهوزيّة للموافقة على أيّ استراتيجيّة دفاعيّة يتّفق عليها اللبنانيّون.
يعلم الأطراف السياسيّون المتحلّقون حول الطاولة في بعبدا أنّهم تكذبون بعضهم على بعض، ويكذبون على شعبهم أيضاً. فالواقع أنّ الفريق الأوّل تسقط كلّ شرعيّته السياسيّة في اللحظة التي يوافق فيها على وجود سلاح حزب الله بشكل مستقلّ وبقرار لا تملكه كليّاً السلطة السياسيّة الممثّلة بمجلس الوزراء. والفريق الثاني تسقط أيضاً كلّ شرعيّته، إن لم يكن علّة وجوده، في اللحظة التي يفقد فيها سلاح المقاومة حريّة استخدامه. انتظار الانتخابات قد لا يكون سوى تعلّق بسراب، وانتظار تغيّرات إقليميّة قد لا يساعد إلا على الهروب إلى الأمام.
لقد بات إنجاز طاولة الحوار الوحيد هو الاجتماع لتحديد موعد الاجتماع اللاحق. لكنّ التوقيت هذه المرّة أسهم بتحقيق إنجاز آخر. فقد اغتنم فخامة الرئيس ميشال سليمان المناسبة ليتوجه بأطيب تمنياته بمناسبة الأعياد!
لكلّ مسرحيّة ضرورات الديكور. المفاجئ حقاً هو قبول الممثّلين المخضرمين بأداء دور الكومبارس.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 19 ديسمبر 2008,7:00 م
الضّحايا معروفون
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ١٩ كانون الأول ٢٠٠٨
عشر طائرات ميغ 29 ستدخل إلى مخازن الجيش اللبناني، والحبل على الجرّار. بات الآن بوسع الحكومات اللبنانيّة أن تمارس حقدها على المخيّمات الفلسطينيّة وعلى أحياء الفقراء والمهمّشين بصورة أكثر فاعليّة. وزير الدفاع الروسي قال: خذوا ما تشاؤون. الطائرات هبة، والباقي بأسعار تشجيعيّة. سال لعاب وزير الدفاع اللبناني الذي وصل موسكو بطلبات متواضعة، ويعود منها بوعود تشفي نزعاته الماريشاليّة.
لكن، ماذا ستكون مهمّة هذه الطائرات يا ترى؟ من العبثيّ القول إنّها ستطير في مهمّات دفاعيّة عن الحدود. لكنّ العدد عشرة مناسب لمهمّات أخرى يستميت وزير دفاعنا المرّ من أجلها. وقد كان رئيس الجمهوريّة واضحاً في إحدى جولاته الخارجيّة التي لا تنتهي، حين قال إنّ بلادنا بحاجة إلى السلاح لمواجهة الإرهاب.
لقد بات اليوم سهلاً مثلاً تدمير مخيّم آخر. هكذا تستطيع السلطة السياسية فعل ذلك من دون تكبّد الكثير من شهداء الجيش. سيكون سهلاً تدفّق مزيد من الحقد ضدّ الفلسطينيّين، كأنّ ما أصاب مخيّماتهم خلال الحرب الأهليّة ليس كافياً.
وبات اليوم أسهل مطاردة الفتية في الأحياء الفقيرة، وحصدهم بالعشرات حين يحتجّون على حرمانهم من الكهرباء أو حين يشعلون الإطارات التي تجرح حساسيّة ليبراليّي الزمن التعيس.وبات اليوم أسهل اختراع «بعبع» في الضنيّة أو في أيّ مكان آخر، وتقديم أجساد فقرائنا أضحيات للسيّد الأميركيّ في حربه على الإرهاب.
وبات اليوم أسهل قمع أيّ تظاهرة ضدّ الغلاء، وأيّ مطالبة بسياسات مختلفة وبزيادة رواتب مختلفة.
قد يبدو غريباً ألا يثير تسليح الجيش بعض البهجة. لكنّ الواقع أنّ الجيش يتحرّك بإمرة الحكومات. والطاقم السياسي عندنا ما برح يجدّد لنفسه منذ زمن طويل، ووجهة استخدام السلاح الرسمي، بالنسبة إلى هذا الطاقم، معروفة. وضحايا هذا الاستخدام معروفون هم أيضاً. معروفون سلفاً، سواء كان السلاح روسيّاً أو أميركيّاً.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 18 ديسمبر 2008,7:15 م
رشوة
خالد صاغية
الأخبار عدد الخميس ١٨ كانون الأول ٢٠٠٨
نشهد منذ نهاية الحرب إقبال الأثرياء ورجال الأعمال على العمل السياسي، ونشهد أيضاً إقبال المواطنين على انتخابهم. الإقبال مشترك والطرفان راضيان. ثمّة من يريد الوجاهة، وثمّة من يريد السترة، وكلاهما مدرك عبثيّة العمليّة الانتخابيّة. فبكلّ بساطة، لن يتغيّر شيء، أو على الأقلّ، ثمّة اقتناع عميق لدى شريحة كبرى من اللبنانيّين بهذه الفرضيّة. لذلك، حين يقف أحد النوّاب ويتحدّث عن أهالي دائرته قائلاً إنّهم لا يمكن أن يكونوا ممّن يتلقّون الرشى، لأنّهم شرفاء، يظنّ أنّه يدافع عنهم ويذود عن كرامتهم. لكن، حين تنظر إلى ذاك النائب، وتحاول أن تجد الأسباب التي دفعت أبناء دائرته إلى انتخابه، يصبح تأكيد قبولهم الرشوة هو الدفاع الوحيد عن كراماتهم. فإذا كان ذاك النائب قد رشاهم في الدورة السابقة، ويرغب في رشوتهم في هذه الدورة، يمكننا أن نفهم لماذا انتخبوه ويستمرّون في انتخابه. أمّا إذا كانت الرشوة غائبة، فما الذي يمكن أن يدفع المواطنين إلى انتخاب «شتلة» كسعادته؟
إذا كان النائب الكريم حريصاً على كرامات ناخبيه فعلاً، فعليه أن يؤكّد رشوته لهم، وأن يبحبح الرشوة ليقوّي موقفهم المتمثّل بانتخابه. التصريح بالرشوة إنقاذ للكرامة في واقعنا اللبناني. لكنّ النوّاب اللبنانيين غير عابئين بكرامات ناخبيهم. يريدون أن يرشوا، وأن يعلنوا محاربة الرشوة. لا بل يريدون أيضاً، كما طالب أحد النوّاب، عدم تسهيل هجرة اللبنانيين. أي إنّهم يريدون أن يرشوا الناخبين أوّلاً، وأن يجبروهم ثانياً على البقاء هنا كشهود على أعمالهم الخيّرة وخطاباتهم الإصلاحيّة، علماً أنّ كلا الفريقين مدرك عبثيّة العمليّة الانتخابيّة. فبكلّ بساطة، لن يتغيّر شيء، أو على الأقلّ، ثمّة اقتناع عميق لدى شريحة كبرى من اللبنانيّين بهذه الفرضيّة.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 17 ديسمبر 2008,7:17 م
خدمات
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ١٧ كانون الأول ٢٠٠٨
بقي نوّابنا فترة طويلة عاطلين من العمل. كانت الظروف الأمنيّة لا تسمح لمعظمهم بالتنقّل، ثمّ أدّت الخلافات السياسيّة إلى إقفال أبواب البرلمان، فحُرِمنا فترة طويلة من حقّ دفاع نوّاب الأمّة عن مصالحنا، عبر ممارسة سلطتهم الرقابيّة على الحكومة. أمس، تكلّم النوّاب كما شاؤوا. وتبيّن أنّهم مصرّون على تلبية رغبات الشعب مباشرة. إنّهم لا يريدون ممارسة مهمّاتهم التشريعيّة والرقابيّة وحسب، بل يريدون خدمتنا، نحن المواطنين، مباشرة. يريدون لنا التنمية والوظائف والزفت والنظافة والرواتب المرتفعة والضرائب المخفوضة والقانون الذي يحمينا وكلّ شيء... كلّ شيء. إنّهم ليسوا نوّاباً. إنّهم الأب والأم والمتعهّد والعامل... لكن، ما بيدهم حيلة. فغالباً ما تقف الحكومة في وجههم، وتمنعهم من خدمتنا كما يحبّون، في هذا الموسم الانتخابي الفضيل.
لذلك، أودّ أن أقدّم اقتراحاً شخصيّاً كي يقوم النوّاب بواجباتهم تجاهي كمواطن، ما داموا قد عرضوا خدماتهم، من دون أن تتمكّن الحكومة من عرقلة مساعيهم الخيّرة:
أوّلاً، آظان الماء. الآظان معطّل في البيت منذ أسبوعين، ولا وقت لديّ لإصلاحه، أو للتفتيش عن سنكري ثمّ انتظاره كي يأتي ويغيّر الآظان. لذا، يرجى من أحد السادة النوّاب أن يهتمّ بالأمر.
ثانياً، الكهرباء. الأسلاك الكهربائيّة في البيت مرّ عليها الزمن، لأنّ البناء الذي أسكن فيه قديم. وهناك عدد كبير من «البرايز» في الحيطان لم تعد تعمل. قيل لي إنّه يجب تمديد أسلاك خارجيّة. لكن، مرّة أخرى، لا أعرف أيّ كهربجي، ولا وقت لديّ لإصلاح هذا العطل.
ثالثاً، زيت السيّارة. منذ 500 كلم، كان عليّ أن أغيّر زيت المحرّك. هل من نائب يخدمني هذه الخدمة؟
رابعاً، الرطوبة. ثمّة رطوبة أصابت جداراً في المطبخ وآخر في غرفة النوم، ممّا يزيد من حدّة الربو الذي أعانيه. وهذا يتطلّب معالجة أسباب النشّ، ثمّ قشر الدهان القديم وطلي الجدران من جديد.
لا أدري كم صوتاً يجب أن أملك كي أحصل على هذه الخدمات. لكنّي مستعدّ لمناقشة الموضوع مع سائر أفراد العائلة، إذا أبدى أحد النوّاب استعداداً للقيام بواجباته.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008,7:22 م
خطر انقلاب الأدوار
خالد صاغية
الأخبار عدد الثلاثاء ١٦ كانون الأول ٢٠٠٨
في الفصل السابق على السابع من أيّار من تاريخ الصراع اللبناني الدائر بين فريقي 8 و14 آذار، كان الفريق الأكثر أذيةً من الكلام الطائفي هو حزب الله. ليس لأنّه أقلّ طائفية من سائر القوى، ولا لأنّ سائر القوى أكثر طائفية منه، بل لأنّ مصلحته السياسيّة كانت تقضي آنذاك باتّخاذ موقف حريص على منع الفتنة في البلاد، وخصوصاً الفتنة الشيعيّة ـــــ السنّية. فأيّ فتنة كهذه تنهي مشروع الحزب كمقاومة، وتسقط أي ذريعة لاحتفاظ الحزب بسلاحه.
وقد عرف الطرف المناوئ كيف يستغلّ نقطة «الضعف» هذه. فكان أحمد فتفت، كلّما ضاقت به الدنيا، يشهر سلاح الفتنة ليهدّد حزب الله به. والواقع أنّ الأمين العام لحزب اللّه كان صريحاً في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد صدور القرارين الحكوميّين الشهيرين، حين لمّح إلى أنّ موضوع الفتنة بات وراءه بفضل الأطراف السنّية التي بقيت وفيّة لمواقفها من إسرائيل ومن المشروع الأميركي، فوقفت إلى جانب المقاومة.
مهما يكن رأي المرء بالانقسام الذي كان قائماً آنذاك، بدا واضحاً أنّ جماعة 8 آذار كانت حريصة على التشديد على أنّ الانقسام في البلاد هو انقسام سياسي، فيما كان الخطاب العلنيّ الآخر يهدّد بالفتنة، ناهيك بالكلام العنصريّ الذي ظلّ يصدر منذ 14 آذار 2005 تجاه الطائفة الشيعيّة.
انتهت هذه المرحلة مع اتفاق الدوحة. واقتنع الجميع بضرورة تهدئة الأجواء، وبردت حدّة الكلام الطائفي. وها نحن نقترب الآن من انتخابات نيابية قُسِّمت دوائرها في الدوحة بشكل جعل المعركة المقبلة محصورةً في الدوائر الانتخابية المسيحية.
على حزب اللّه وحليفه التيار الوطني الحر أن يختارا طريقة خوض هذه الانتخابات، وما إذا كان التحريض الطائفي هو الخطاب الذي سيعتمدانه. طبعاً، سيبقى آل الجميّل بالمرصاد للمزايدة الطائفيّة من الجهة الأخرى، لكنّ ما نراه اليوم لا يبشّر بالكثير من الخير. ففي مقابل سلاح المال السياسي الذي يتقن تيار المستقبل كيف يستخدمه، لا ينبغي استسهال رفع حدّة الخطاب الطائفي. فإذا كان الخيار بين الرشوة والتحريض، تبقى الرشوة أقلّ ضرراً بما لا يقاس.
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 15 ديسمبر 2008,7:38 م
قبلة الوداع
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ١٥ كاون الأول ٢٠٠٨
إذا كان هناك من لم يعرف بعد إلى أين تأخذ الاتفاقية الأمنية العراق، أوضح الرئيس جورج بوش أمس الوجهة المتّبعة: الاتفاقية «تمهّد للمضيّ قدماً من أجل مساعدة العراقيّين ليلمسوا نعمة المجتمعات الحرّة». إنّنا، إذاً، نسير نحو تلك النِّعم. وهذا المسير، بحسب بوش نفسه، مدخل إلى تحقيق «الانتصار» في «حرب لم تنتهِ بعد». الرئيس العراقي جلال طالباني أكثر تفاؤلاً ممّن نصّبه رئيساً. بالنسبة إليه، النِّعم وصلت ولسنا في طريقنا إليها. فبحسب الرئيس، باتت «لدينا اليوم ديموقراطيّة وحقوق الإنسان». أمام هذا التحوّل التاريخي، وعلى مرمى حجر من «الانتصار»، من تراه يسأل عن الضحايا. إنّهم وقود التقدّم. وسائل للحصول على النِّعم. انظروا إلى العراق. لن تتمكّنوا من رؤيته. إنّه يغرق يغرق... بالنِّعم: ديموقراطية، حقوق الإنسان، وسوق حرّة أيضاً. لقد منحه العسكر الأميركي «الباكادج» كاملاً كي ينعم به.
بالرغم من ذلك، لا تبدو على وجوه العراقيّين هيئة النِّعم. لا نعمة أبو غريب. ولا نعمة الكوليرا. ولا نعمة النهب المنظّم. ولا نعمة السيّارات المفخّخة. ولا نعمة الجوع. ولا نعمة الخراب. لكن، مهلاً. قائد مسيرة الاحتلال كان دقيقاً: إنّنا نمضي قدماً نحو نِعمة المجتمعات الحرّة، ولم نصل بعد. لبلوغ النهاية، لا بدّ من ضحايا جُدد. لا بدّ من تعذيب أكثر. وقتل أكثر. وخراب أكثر.
ثمّة تصميم لبلوغ الهدف من قبل المحتلّ ومن قبل دميته. لذلك، حين قذف ذاك الصحافي العراقي بوش بحذائه، امتدّت يد نوري المالكي لتحمي وجه الرئيس. يد المالكي لم تكن تدافع عن شخص جورج بوش. يد المالكي كانت هناك لتذود عن النِّعم الغربيّة. يد المالكي كانت هناك لتحمي «الانتصار» المقبل.
إنّها «قبلة الوداع يا كلب»، قال الصحافي العراقي. جملة ستجرح شعور الليبراليين الجدد الذين لم يصدّقوا أعينهم وهم يشاهدون جيوش الغرب عائدةً إلينا لتكمل ما بدأه الاستعمار من تحديث. لكنّها جملة ستُردَّد أكثر من مرّة. وسيأتي يوم يقال فيه لآخر جنديّ أميركيّ يغادر أرض العراق: «إنّها قبلة الوداع يا ...».
 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 12 ديسمبر 2008,11:59 م
بخطاب واحد

خالد صاغية

الأخبار عدد ١٢ كانون الأول ٢٠٠٨


رغم كلّ شيء، لا يستطيع المرء إلّا أن يبدي إعجابه بالفئة الأكبر من السياسيّين اللبنانيّين. فهم يحاولون، وسط العواصف الإقليمية والدولية، أن يحافظوا على تسيير شؤون البلاد والحفاظ على وحدتها. صحيح أنّ هؤلاء السياسيّين يرتكبون الأخطاء أحياناً، وصحيح أنّه كانت لهم، من دون شك، يد في ما وصلنا ونصل إليه، إلا أنّهم على الأقلّ يعرفون أحجامهم، ولا يدّعون ما ليس لهم. فإذا كانت هناك من صفة جامعة لهم، رغم كلّ الانقسامات، فهي التحلّي بالتواضع.
على سبيل المثال لا الحصر، سُئل الرئيس أمين الجميّل أمس عن رأيه في مطالبة العماد ميشال عون بتعديل الطائف، فأجاب: «مسرورون، فالخطاب الذي ألقيتُه في الفوروم دو بيروت بمناسبة عيد الحزب وذكرى استشهاد نجلي بيار، رفع مستوى النقاش في البلد، وانتقلنا من مرحلة السجالات العقيمة والشتائم، إلى البحث في العمق، في لبّ المشكلة اللبنانية وضرورة تطوير النظام».
درس في التواضع ونكران الذات والاعتراف بالخطأ. لا يسع المرء إلا التوجّه بالشكر إلى ربّ العالمين والملائكة والأولياء والقدّيسين لكون هذا الرجل قد ارتضى أن يكون واحداً من الطاقم السياسي اللبناني. بخطاب واحد، نقل البلاد من حال إلى حال. أنهى السجالات العقيمة. ابتعد عن الشتائم والمهاترات، وأخذنا مباشرةً إلى لبّ المشكلة.
وكيف للّبنانيين أن ينسوا الخطاب الاستثنائي في عمقه الذي ألقاه الرئيس أمين الجميّل. أوَتذكرون تلك الجملة الشعريّة التي شعر بالزهو وهو يلقيها، ونالت إعجاب الحاضرين، حين قارن بين باريس 1 وباريس 2 وباريس 3، وزلزال 1 وزلزال 2 وزلزال 3؟
لنضع جانباً كلّ البثّ العنصري والطائفي والمطالبة بالفدرالية... كلّ ذلك من الكلام المعلوك. ولنفكّر في هذه الجملة العميقة. يا اللّه: باريس 1 مقابل زلزال 1. هل يُعقل كلّ هذا التواضع بعد هذا التجلّي العبقري؟
فعلاً، لا يستطيع المرء إلا أن يبدي إعجابه بالفئة الأكبر من السياسيّين اللبنانيّين. فها هو سياسيّ واحد بخطاب واحد قد غيّر المعادلة. لا عجب إذاً أن نُقصَف كلّ يوم بسيل من الخطابات. فمعادلات كثيرة لا تزال تنتظر التغيير.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 11 ديسمبر 2008,11:56 م
الطائف والسلاح

خالد صاغية

عدد الخميس ١١ كانون الأول ٢٠٠٨


من المفهوم أن يثير الحديث عن تعديل الطائف اعتراضات كثيرة، إلا أنّه حديث لا بد من فتح أوسع نقاش حوله، لأنّه يمثّل لُبّ المشكلة اللبنانيّة اليوم، وهي سقوط التوافقات الدولية والإقليمية التي أدّت إلى توقيع الاتفاق وحمايته، وزوال المبرّرات السياسيّة الداخلية للقبول به، وغياب البوليس الإقليمي الذي يقمع الاعتراضات عليه. لكن ثمّة من لا يريد فتح الحديث، يريد الاستمرار في خوض الانتخابات النيابية تحت شعارات عَضَلاتيّة، كنزع سلاح حزب الله. الجميع يعلم أنّ هذا الموضوع مطويّ الآن، منذ السابع من أيار، لا بسبب ما حمله هذا التاريخ من عنف استخدمه حزب الله وحسب، بل لما يحمله هذا التاريخ من إشارة إلى تغيّرات في التوازنات الإقليمية والدولية سمحت للحزب بأن يفعل ما فعله. وحتّى التوافق على استراتيجيّة دفاعيّة يبدو مؤجّلاً حتّى إشعار آخر، وها هي طاولة الحوار تتأجّل بسبب ومن دون سبب كمن يريد أن يبعد كأس الحوار عنه.
لا مكان في عالم السياسة اليوم لمطلب نزع سلاح حزب الله، إلا بانتظار موجة أخرى من المتغيّرات في المنطقة وعمليّة السلام فيها. الاستمرار في توتير الأجواء تحت هذا الشعار يخدم فكرة واحدة: التعمية عن الأزمة الأساسية، عن أزمة النظام اللبناني والعلاقات بين طوائفه في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري.
قد لا يكون تعديل الطائف ممكناً اليوم، لكن لا يكفي أن يتغنّى المدافعون عنه بقدسيّته. عليهم أن يدلّونا على حلّ لمشكلة الصلاحيات والثغرات الدستوريّة التي ظهرت في السنوات الثلاث السابقة، وأن يعطوا جواباً للأكثرية المسيحية إن كانت هذه الأكثرية لا تزال ترى الطائف مهمِّشاً لها، وأن يقترحوا بديلاً من تقسيم العمل الشيعي ـــــ السنّي (المقاومة ـــــ الإعمار) الذي كان سائداً خلال الحقبة السوريّة.
لكنّ كلّ ذلك يراد له أن يُغفَل تحت شعار: لا مسّ بالطائف، والحلّ بالالتفاف حول الدولة. لكنّ الدولة عندنا ليست إلا دولة الطوائف التي لم يعد الطائف، مع الأسف، قادراً على صوغ علاقاتها.



التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 5 ديسمبر 2008,7:23 م
وقت ضائع من جهة واحدة

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٥ كانون الأول ٢٠٠٨

ثمّة وقت ضائع في لبنان بانتظار الانتخابات النيابيّة. يعرف الجميع أنّه ليس باستطاعتهم القيام بخطوة كبيرة قبل الاستفتاء الشعبي، العام المقبل. وثمّة وقت ضائع في لبنان بانتظار الإدارة الأميركية الجديدة. يعرف الجميع أنّه ليس باستطاعتهم القيام بخطوة كبيرة قبل تسلّم الرئيس باراك أوباما زمام الأمور، وقبل تحديد الوجهة التي ستتعاطى بها الإدارة مع عملية السلام في الشرق الأوسط، ومع الملف النووي الإيراني، ومع الانفتاح على سوريا. لكن، رغم هذا الوقت الضائع، يقوم فريق المعارضة ـــ سابقاً بمبادرات كثيرة. يستغلّ هذا الوقت الضائع لتحسين مواقعه وقضم مراكز قوى جديدة وتحسين صورته أمام جمهوره، سواء كانت حساباته خاطئة أو لا. يدفع حزب اللّه مثلاً إلى مزيد من المصالحات والتهدئة بعد تحرّك السابع من أيّار. يحاول وزراء التيار الوطني الحر ونوّابه اتّخاذ خطوات لافتة في المجلس النيابي وفي مجلس الوزراء، لتعزيز فكرة الإصلاح والتغيير. يقوم العماد ميشال عون بزيارة دمشق بعد طهران، موسِّعاً دائرة الأرضية المشتركة بين المعارضة اللبنانية ـــ سابقاً وإيران وسوريا، ومظهراً نفسه أمام جمهوره كزعيم قويّ تتّجه إليه الأنظار أينما حلّ، ويُستقبل بحفاوة بالغة في دول فاعلة في المنطقة، وسط زوال القطيعة التي كانت مفروضة عليه من الدول الأخرى.

في المقابل، يبدو فريق 14 آذار فاقداً للمبادرة، وكأنّه مسلّم بهزيمة مقبلة، أو باستحالة فعل أي شيء. جلّ ما يتمخّض عنه هذا الفريق هو التأكيد اليومي، الذي بات يشبه النفي، بأنّ 14 آذار ستخوض الانتخابات موحّدة على لوائح واحدة. لا خطاب جديداً. لا أداء مميّزاً. تفكّك حتّى على مستوى النقاشات في مجلس الوزراء والمجلس النيابي. حتّى مقابلة النائب وليد جنبلاط، أوّل من أمس، التي أريد لها أن تنافس زيارة عون إلى دمشق، جاءت من دون أي جديد. كان يمكنها أن تُبَثّ قبل شهرين مثلاً.

قد يكون ذلك نتيجة الإحساس بأنّنا في الوقت الضائع. لكن من المفيد التذكير بأنّ هذا الوقت الضائع ستطول مدّته، وخصوصاً أنّ الانتخابات قد لا تجري تحوّلات كبرى، وأنّ الإدارة الأميركية قد تتأخّر كثيراً قبل الالتفات مجدّداً إلينا. إنّ ترك الساحة لفريق واحد، على هذا النحو المفضوح، لا يفيد أحداً.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 4 ديسمبر 2008,7:16 م
من أين سيأتون؟
خالد صاغية
الأخبار عدد الخميس ٤ كانون الأول ٢٠٠٨
«بسبب الحوادث التي حصلت في كليّة العلوم الاجتماعية ووضعت الجامعة وميثاقها وأمن الأشخاص في الحرم الجامعي على المحكّ، قرّر رئيس الجامعة، بناءً على طلب من المسؤولين في هذا الحرم، وبعد تدخّل المجلس التأديبي، واستناداً إلى ميثاق الجامعة وبناءً على طلب مسؤولي الهيئات الطالبية وموافقتهم، قرّر وقف العمل والنشاط السياسي في كل فروع الجامعة». هذا بيان صادر عن الجامعة اليسوعيّة التي أنهت أخيراً انتخاباتها الطالبيّة. وكانت الجامعة اللبنانية قد سبقتها وقامت بما هو أقسى، فألغت انتخاباتها الطالبيّة.
ما لم تطهّره الحرب الأهلية، تكفّلت به السنوات الثلاث المنصرمة. وبقيت بعض الجامعات، لا كلّها، مساحة اختلاط فريدة. لكن ثمّة من يريد الانتقام من هذا الاختلاط:
ـــــ بعد صدور نتائج الانتخابات في أكثر من جامعة، بدأت بعض الأطراف السياسية وبعض الإعلام عرض جداول تظهر انتماءات الطلاب الطائفية داخل كلّ فرع، لمعرفة ما إذا كان الطلاب المسلمون هم الذين صوّتوا لممثّل هذا التيّار أو ذاك، أم هم الطلاب المسيحيون.
ـــــ شهدت بعض الفروع نزوحاً إلى فروع أخرى، لأسباب سياسية ـــــ طائفية.
ـــــ اتّهمت أحزاب سياسية أحزاباً أخرى بمحاولة التسلّل عبر الجامعات، فبات تسجيل طلاب من طائفة معيّنة في جامعة يقع حَرَمها في منطقة ينتمي معظم سكانها إلى طائفة أخرى، عملاً غير مرغوب فيه. دعوة مفضوحة للتطهير الطائفي داخل الجامعات.
ـــــ حصلت إشكالات متنقّلة بين الطلاب في أكثر من جامعة وأكثر من منطقة.
ماذا بعد؟ هل ثمّة حَكَم في الملعب؟ هل من قوانين أصلاً لهذه اللعبة؟ هل من مدّة للمباراة؟ نصف ساعة، ساعة، سنة، ثلاث سنوات، أربع، أم اللعب مفتوح؟ ألم يتعب اللاعبون؟ فليرتاحوا قليلاً، ويرسلوا لنا الاحتياط.
حين يصبح وضع الجامعات على هذا النحو، يتساءل المرء عن جدوى الانتخابات النيابية، وعن جدوى البحث عن أفراد يُسقطون أوراقهم الصغيرة داخل صندوق الاقتراع. من أين سيأتي هؤلاء الأفراد؟

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 3 ديسمبر 2008,7:21 م
زعامة متوهّمة
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ٣ كانون الأول ٢٠٠٨
تترافق زيارة العماد ميشال عون إلى دمشق مع عزف جماعي لأسطوانة غريبة: الجنرال زعيم وممثّل لمسيحيّي الشرق. لا ندري ماذا تعني هذه الزعامة، ولا كيف نسج عون خيوط علاقاته مع المسيحيّين من بين شعوب المنطقة. ما نعرفه هو أنّ خطاب عون شهد تراجعاً هائلاً من شعار الدولة المدنيّة في لبنان إلى الزعامة المسيحيّة فيه، ثمّ التعويض عن انحسار الزعامة بطائفة واحدة عبر ادّعاء تمثيل هذه الطائفة تمثيلاً عابراً للحدود الوطنية. نفهم أن تكون التركيبة الطائفية في لبنان قد أضعفت الانتماء الوطني لدى جميع الطوائف، وأن تكون جموع كبيرة من اللبنانيين تعرّف عن نفسها بطائفتها أوّلاً، وانتمائها الوطني ثانياً، لكن منذ متى يبحث مسيحيّو الشرق عن زعامة جامعة من خارج الحدود؟ هل أقباط مصر ومسيحيّو طنجة الذين يتغنّى بهم الوزير جبران باسيل تائقون فعلاً إلى زعامة الجنرال ميشال عون؟
حتّى سوريا التي يزورها عون اليوم، هل يرضى النظام السوري أصلاً بأن يكون لمسيحيّيها ولاء لزعامات من خارج حدودها؟ هل هي عدوى يحاول اللبنانيون نقلها إلى سائر أوطان الشرق، بأن يجري تقسيم أبناء هذه الأوطان إلى مسيحيّين ومسلمين، لكلّ منهم زعامته، التي قد تكون من داخل الوطن وقد لا تكون؟
إنّ التركيبة السياسية اللبنانية غالباً ما منعت الزعيم المسيحي الأقوى من الوصول إلى رئاسة الجمهورية، التي بقيت مقعداً للمعتدلين والمساومين والباحثين عن الحلول الوسط. لا بيار الجميّل وصل إلى الرئاسة، ولا ريمون إدّه، ولا ميشال عون. وحين وصل بشير الجميّل، كان الاغتيال بالمرصاد. الابتعاد عن الحلم الرئاسي يمكنه أن يعوّض بألف طريقة وطريقة، من دون الحاجة إلى هذا النفخ الخطير في الروح الطائفية في المنطقة.
أن تكون الزعامة المسيحية اللبنانية قد اختارت الوقوف إلى جانب المقاومة التي تحظى بشعبيّة في العالم العربي، يمنح هذه الزعامة دون شك تقديراً عربياً لها. تقدير يتشارك فيه المسيحي والمسلم. أمّا التمثيل السياسي، فأمر مختلف.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008,7:19 م
مفاضلة في غير محلّها
خالد صاغية
الأخبار عدد الثلاثاء ٢ كانون الأول ٢٠٠٨
لا يمكن أن تنتظر إعادة وصل العلاقات بين لبنان وسوريا صدور أحكام المحكمة الدولية. ومن المفضّل أن يقوم بهذا الوصشل مسؤولون من خارج الطبقة السياسية التي ارتبطت بعلاقات ودّية أو عدائيّة مع النظام السوري. شكّلت زيارة وزير الداخلية زياد بارود إلى دمشق مدخلاً مهمّاً في هذا السياق. فمن المفيد عدم بناء علاقات جديدة على التكاذب مرّة أخرى، ما دام الجميع يشدّد على وجود مصالح سوريّة في لبنان، وما دامت الرغبة اللبنانية عارمة في إقامة علاقات مميزة شرط احترام استقلال البلدين.
لكنّ ما يحدث لبنانيّاً، ناهيك بما يحدث سوريّاً، بعيد عن هذه الوجهة. هناك من ناحيةٍ تصويب على رستم غزالة وكأنّه هو من صاغ شكل العلاقات اللبنانية السورية، وكأنّ من كان معتمداً قبله في لبنان أرسى علاقات طبيعية ونزيهة بين البلدين. وفي الناحية الأخرى، هناك شيطنة لثالوث الشهابي ـــ خدّام ـــ كنعان من أجل تحميله مسؤولية كلّ ما جرى من موبقات وتبرئة النظام السوري ـــ كنظام، وكأنّ ذاك الثالوث كان يتحرّك بمفرده، وفقاً لمصالحه الشخصيّة. وكأنّ الفترة التي تسلّم فيها رستم غزالة عنجر كانت فترة ورديّة في تاريخ العلاقات اللبنانية ـــ السورية.
إنّ الإصرار على حرف رواية الحقبة السوريّة بهذا الاتّجاه لا يؤسّس إلا لعلاقات مشوّهة بين البلدين. علاقات يستثمرها فريق لبناني لضرب فريق آخر. لا شكّ في أنّ كيفية التعاطي مع التوازنات اللبنانية والزعامات التقليدية اختلفت بين كنعان ورستم. لكن، كما كرّس الأوّل زعماء محظيّين، مهمِّشاً الآخرين، هكذا فعل الآخر. وكما بنى الأوّل شبكة الفساد خاصّته، هكذا فعل الآخر. وكما تذلّل زعماء لبنانيون، مستنوبون ومستوزرون، على عتبة باب الأوّل، هكذا حصل على عتبة الآخر. وكما يحصل في أفلام المافيا، غالباً ما أطلقت النيران بأمر من الأوّل، وأيضاً بأمر من الآخر.
إنّ الدخول في لعبة المفاضلة هنا هو عودة طائعة إلى الحقبة السورية. تلك الحقبة التي لم يُعرف عنها أنّها أعطتنا حتّى ترف المفاضلة بين ما نحبّ وما نكره.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 1 ديسمبر 2008,7:28 م
اركض... اركض

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١ كانون الأول ٢٠٠٨

المشاركون في ماراثون بيروت افتقدوا هذا العام الرئيس فؤاد السنيورة. دولته، بعد تعيينه رئيساً للحكومة للمرّة الأولى، أراد أن يمحو من ذاكرة الناس صورة مدقّق الحسابات الذي يفرض الضرائب، وأن يعطي عن نفسه صورة تقرّبه من الشعب. وهو من دون شك كان يتابع في الصحف صور رؤساء دول وحكومات يقومون بالجوغينغ الصباحي أمام أعين الناس وكاميراتهم، فلم يتأخّر عن ارتداء الشورت والمشاركة في ماراثون بيروت. لكن، هذا العام، لم يتمكّن الرئيس السنيورة من المشاركة. إلا أنّ ذلك لم يمنعه من الركض.

السنيورة ركض فعلاً يوم أمس، لكنه سلك طريقاً غير طريق الماراثون. فهو لا يستطيع التوقّف عن الركض أصلاً. طموحاته لا يمكن أن تتحقّق وفق سرعة سير عاديّة. لا بدّ من الركض، من الجري، من النطنطة، من الهرولة، من الشقلبة، من تسلّق الحبال، والقفز العالي...

فليس سهلاً الاستمرار في السياسات الاقتصادية نفسها بعد الأزمة العالميّة. يحتاج الأمر لبعض الركض قبل أن تأتي مؤسّسة دوليّة وتضربنا على أيدينا وتقول: كفى. لا نيوليبرالية بعد الآن. لا يمكن الاستمرار في إفقار الفقراء إلى ما لا نهاية.

يحتاج الأمر لبعض الركض قبل أن يتوقّف الخليج العربي عن إنكار تأثّره بالأزمة، فيعيد إلينا «الأدمغة» التي شجّعناها، أو شجّعتها السياسات الاقتصادية نفسها، على الهجرة.

يحتاج الأمر لبعض الركض حتّى يتمكّن من حوّلوا أنفسهم بيادق للمشروع الأميركي المتعثّر، أن يستمرّوا على رأس السلطة.

يحتاج الأمر لبعض الركض للهروب من الواقع، حتّى لا يرى المرء الهزيمة على وجوه حكّام إسرائيل بعد تمّوز 2006.

يحتاج الأمر لبعض الركض حتّى يستمرّ في نبذ الطائفيّة وإشعال نارها في الآن نفسه.اركض... اركض... يا دولة الرئيس. ففي نهاية الطريق، لا بدّ من أن تصادف إشارة النهاية.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments