خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ٣٠ تموز ٢٠٠٨
في ذاك الحيّ الطرابلسي في منطقة الزاهريّة، صالون حلاقة. لسنوات طويلة خلال الحرب الأهليّة، كان الصالون مقفلاً، وبابه الحديديّ منتفخاً كما لو أنّ انفجاراً قد وقع داخله. لقد وقع الانفجار فعلاً بداية الثمانينيّات. إلا أنّه، حتّى بعد انتهاء المعارك، وعودة الأمور إلى طبيعتها، بقي الباب منتفخاً. تغيّرت أمور كثيرة في الحيّ. توفّي مصلّح الشنط والجزادين الجلديّة، بائع التوابيت بات يشكو قلّة الحركة في السوق، وتحوّلت مكتبة الحيّ إلى سوبر ماركت بعدما نُهبت تعاونيّة المعلّمين أثناء الاشتباكات... إلا أنّ الصالون بقي مقفلاً، كشاهد ربّما على أنّ الحياة لم تعد إلى طبيعتها تماماً، وأنّ المدينة التي لملمت جراحها لم تعد كما كانت بالضبط. كأنّها ارتكبت خطيئة كبرى ستظلّ آثارها بادية على الجبين.
حين أُخبِرنا أنّنا دخلنا مرحلة السلم الأهلي، وأنّ الميليشيات قد سلّمت أسلحتها، عاد الصالون ليفتح أبوابه. لكنّ صاحبه تبدّل. الأرجح أنّ الحلّاق الأصليّ قد قتلته الحسرة، فورث أحد أنسبائه مهنته. اختفى فجأة ذاك الباب الحديديّ الشاهد على حرب مرّت من هنا. وعاد الموسى والمقصّ إلى العمل، جنباً إلى جنب بيع المسابح للكهول القادمين لنزع الشعيرات البيضاء من لحاهم.
الصالون أقفِل من جديد قبل أيّام. لقد أُحرق وسُلبت محتوياته بالتزامن مع الحروب المشتعلة بين منطقتي باب التبانة وبعل محسن. ورغم أنّ حيّ الزاهرية بعيد نسبيّاً عن خطوط النار، إلا أنّ حسابات أخرى غير الجغرافيا جعلت الصالون هدفاً للاعتداء.
الآن فقط توضّحت أسباب ذاك الباب الحديديّ المنتفخ. لقد ارتكب صاحبه، على ما يبدو، خطأً فادحاً وفقاً للمعايير اللبنانية. لقد تجرّأ الحلاق العلويّ على فتح صالون للحلاقة في قلب المدينة السنّيّة!
بعد حرب أهليّة استمرّت قرابة خمسة عشر عاماً، بات من المحرّمات أن يسكن سنّي في الضاحية، أو شيعيّ في الطريق الجديدة، أو علويّ في الزاهريّة، أو فلسطينيّ أو سوريّ بين لبنانيّين... «التطهير» آخذ بالتمدّد في بلاد يقال إنّها مقبلة على انتخابات. لقد بدأ الفقراء يدفعون بدمائهم ثمن ورقة الاقتراع.
التسميات: لبنان
خالد صاغيةالأخبار عدد الثلاثاء ٢٩ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٢٥ تموز ٢٠٠٨
لقد تعبت بعض قيادات 14 آذار، لكنّ الأمانة العامّة لهذه الحركة المجيدة لم تتعب. فها هي تنظّم ورش العمل، وتعدّ لها وثائق للنقاش من أجل الوصول إلى «خلاصات مشتركة بين جميع مكوّنات 14 آذار». كأنّ مصير هذه الحركة مرتبط بتلك الخلاصات المشتركة، لا بقادة طوائف بدأت الحركة تقيّد مصالحهم. لكن، في جميع الأحوال، لا مانع من التسلية ما دامت الحاجة لم تنتفِ كليّاً بعد لإرث «ثورة الأرز». إلا أنّ ملل بعض قادة الصفّ الثاني يبدو أنّه قد ضرب أطنابه، ما شجّعهم على دفع السياسة إلى حافّة الهذيان، وهو ـــــ على أيّة حال ـــــ هواية مفضّلة لدى الأمناء العامّين في أحزاب كثيرة، على امتداد سنين طويلة.
بدأ أول ملامح هذا الهذيان مع البحث عن «سرّ هذه الحركة» الذي أعاده المجتمعون إلى بروز رأي عام «يناقش ولا يتبع». نعم، يقال هذا الكلام عن الرأي العام الذي «لا يتبع» في لحظة سياسيّة لم يعرف لبنان مثيلاً لها لجهة قوّة الاستقطاب الطائفي والتبعيّة المطلقة لقادة الطوائف. طبعاً ينطبق هذا الأمر على حركتَي الثامن والرابع عشر من آذار. إلا أنّ الأخيرة وحدها تملك وقاحة ادّعاء مخاطبتها لرأي عام مكوّن من مواطنين أفراد، لأنّها تدرك أنّ هذا جزء من دعايتها السياسيّة (الموجّهة للغرب كما لخداع الذات). أليست هي من يملك مفاتيح الحداثة في وجه التخلّف القادم من بلاد فارس؟
ليس المجال هنا لمناقشة الموضوع الأساسي لورشة عمل البريستول، أي «السلم الأهلي» و«المساكنة بين السلاح غير الشرعي (اقرأ سلاح المقاومة) والدولة». إلا أنّه يكفي ملاحظة منطلق التحليل الذي يرى أنّ المقاومة قد انكفأت نحو الداخل بعد اندلاع حرب تموز 2006 لتعطيل قيام الدولة، في مزج فاضح بين الدولة والسلطة المهيمَن عليها من قبل أكثريّة نيابيّة رفضت مشاركة الآخرين فيها، كما رفضت اللجوء إلى انتخابات مبكرة بعد زلزال حرب تمّوز وتبدّل موازين القوى. الآن فقط عرفنا مغزى رفض الانتخابات المبكرة، فالابتكار في ورقة 14 آذار يكمن في إيحائها باستحالة الاحتكام إلى الانتخابات النيابية لبتّ الخلافات في ظلّ سلاح المقاومة. وكأنّ السلاح هو ما عطّل حكم الأكثريّة، وليس إصرار هذه الأكثريّة على تهميش ممثّلي طائفتين كبيرتين في ظلّ النظام الطائفي اللبناني، تارةً بحجّة انقلاب «الرأي العام» المسيحي على التيار الوطني الحر، وطوراً بحجّة استمطار «التنوير الشيعي» الذي لن يترك لحزب الله موطئ قدم بين أبناء الطائفة الشيعيّة.
رغم ذلك، يمكننا أن نزفّ البشرى إلى أهل لبنان، والجنوبيين منهم خصوصاً. فصحيح أنّ ورقة 14 آذار قد رفضت التعايش مع سلاح حزب الله الذي تراه تعايشاً مستحيلاً، فإنّها واعية لضرورة حماية لبنان. أمّا كيف تتأمّن هذه الحماية؟ فـ«من خلال توكيد انتمائه (أي لبنان) إلى نظام إقليمي عربي جديد، حديث ومنفتح على العالم، على غرار التجربة الأوروبية المعاصرة، تعيّنت أهم مبادئه في إعلان الرياض»! لقد باتت حماية الجنوبيّين مؤمّنة إذاً شرط انتمائهم إلى عروبة حديثة أرسيت دعائمها ـــــ ويا لسخرية القدر ـــــ في الرياض، عاصمة الحداثة والتنوير وحرية المرأة وحقوق الإنسان. وسيتولّى المجتمع الدولي إقناع إسرائيل بوقف اعتداءاتها على لبنان لأنّ هذا البلد بات حديثاً، وهي حجّة مقنعة، وخصوصاً أنّ كلّ ما تطلبه وتطمح إليه إسرائيل هو اقتداء العالم العربي بالتجربة الأوروبية الحديثة.
هنا يأخذ الهذيان مداه، لم تعد الحداثة شعاراً تواجَه به أيديولوجيّة حزب الله الدينيّة وحسب، بل أصبحت طلسماً تنجلي معه كلّ الأمور المستعصية.
يستمرّ العرض المشوّق طويلاً، وسط التعامي في تحليل الواقع اللبناني عن المسألة الطائفية التي تغيب تماماً، باستثناء الإشارة ربّما إلى الاحتقان المذهبي الذي يتحمّل مسؤوليته طرف لبناني واحد، على ما يبدو. آه... نسينا. من يحتاج إلى أخذ الطائفية بعين الاعتبار بعدما تحوّل اللبنانيون إلى «رأي عام سياسي يحاسب، يتراجع، ويتقدّم، يناقش ولا يتبع». هكذا لم يتّسع التحليل المعمّق إلا لتكرار شعارات «تحييد لبنان» و«حق الدولة في احتكار السلاح» و«ثقافة الوصل»، وصولاً إلى تمجيد «القيم اللبنانية» التي تعرّضت لـ«انتهاكات بالغة جراء الحرب والوصاية السورية والفساد المتوطن في مؤسسات الدولة»! وكأنّ هذا الفساد وتلك الحرب لا علاقة لهما بقيم لبنانية أصيلة يحملها شعب متخيّل يُدعى شعب 14 آذار.
التسميات: لبنان
خالد صاغيةاالأخبار عدد الخميس ٢٤ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغية
الأخبار عدد الأربعاء ٢٣ تموز ٢٠٠٨
يبدو أنّ الموالاة والمعارضة السابقتين مصرّتان على المضيّ بعيداً في مسرحيّة الوحدة الوطنيّة. فبعد الصورة التذكاريّة للحكومة، دخل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وسنافِره وبعضٌ من الوزراء الآخرين في ورشة تفكير عميقة لإصدار البيان الوزاري. فالبيان المذكور ينبغي أن يعكس نصُّه روح الوحدة الوطنية التي سادت خلال تأليف الحكومة، وأن يؤسّس لخطّة العمل في الأشهر المقبلة.
لقد سبق لنا أن شاهدنا الفيلم نفسه قبل ثلاثة أعوام. يومها، استغلّ فريق من اللبنانيّين أوضاعاً إقليميّة ودوليّة ليحقّق انتصاراً على فريق آخر. وفي نشوة النصر، تصنّع الفريقان المودّة، وألّفا حكومة وحدة وطنيّة. وبالمناسبة، وضعا لها أيضاً بياناً وزارياً شاملاً. وعند أوّل مفترق طرق، وجد البيان نفسه يتيماً... مجرّد حبر على ورق.
الواقع أنّ عمليّة استيلاد البيان الوزاري لا تكاد تتجاوز حفظ ماء الوجه. وسيجهد الوزراء لإيجاد عبارات لا معنى لها سوى أنّها تخفي تراجع فريق عن شعارات ردّدها طيلة ثلاث سنوات. وهو تراجع يسير وفقاً لخطّ بياني انحداريّ ينبغي أن لا يُسعد أحداً.
كان يمكن لهذا التراجع أن يكون أقلّ كلفةً لو لم يصرّ البعض على التعامي عن رؤية الواقع، والتطوّع للعب أدوار لا تناسب أحجامه. كان يمكن لهذا التراجع أن يكون أقلّ فضائحيّةً لو لم يبلغ الرهان على تطوّرات دوليّة حدّاً باتت معه اللعبة الداخليّة غير ذات معنى. كان يمكن لهذا التراجع أن يكون أقلّ حدّةً لو لم يُنظَر إلى حرب تمّوز على أنّها حدث عابر، وأنّ المنتصر فيها لن يتمكّن من استثمار انتصاره داخلياً. العبارة الأخيرة لا تثير إلا الضحك، وخصوصاً حين يكون المنتصر قد تعرّض طيلة أيّام الحرب لمحاولات دفعه إلى الاستسلام، على أقلّ تقدير.
في 14 آب 2006، كان على الأكثريّة النيابيّة أن تملك الشجاعة الكافية للدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة. كان ذلك ليقيها شرّ الفضيحة، وليحفظ للبلاد بعض توازنها بدلاً من هذا الانهيار السريع لثورة الأرز وأحلامها الحلوة والمرّة. لم يبقَ في الساحة إلا الساموراي الأخير محمّد علي الجوزو.
التسميات: لبنان
خالد صاغيةالأخبار عدد الثلاثاء ٢٢ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغيةالأخبار عدد الاثنين ٢١ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغيةالأخبار عدد الجمعة ١٨ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغيةالأخبار عدد الخميس ١٧ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغية
الأخبار عدد الاربعاء ١٦ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغيةالأخبار عدد الثلاثاء ١٥ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ١٤ تموز ٢٠٠٨
في 14 آب 2006، حين صدر العدد الأوّل من صحيفة «الأخبار»، كان رئيس التحرير المؤسّس جوزف سماحة يحمل حلمين كبيرين: حلم سياسي بالتغيير مدفوعاً بنتائج حرب تمّوز، وحلم مهنيّ بتجديد الصحافة اللبنانيّة والعربيّة. وكان أستاذنا الراحل يعتقد أنّ لـ«الأخبار» دوراً تؤدّيه على هاتين الجبهتين. حين توقّف قلب جوزف عن الخفقان، كان قد بات واضحاً أنّ التغيير السياسي ما زال عصيّاً في هذا الوطن المعلّق. وقد عبّرت عن ذلك مقالات جوزف الأخيرة. كتب فواز طرابلسي في رثائه آنذاك: «أعرف أمراً واحداً: كنتَ تتمزّق بين رغبتك في «تغيير» نذرنا له العمر كلّه... وخوفك من تكرار الاقتتال اﻷهلي». كان جوزف يتمزّق فعلاً، لكنّ مقالاته بقيت تراقص الكلمات. أمّا «الأخبار»، طفلته وحبيبته وحلمه المهني، فرغم النجاح في إصدارها، ورغم اتّساع حجم انتشارها الذي فاق توقّعات رئيس التحرير الراحل، فإنّ صدورها المُبكر (بعد حرب تمّوز مباشرةً) حمل الكثير من «تشوّهات الولادة» التي زادها الاستقطاب السياسي حدّةً.
تصدر «الأخبار» اليوم بحلّة جديدة، وهي لم تكمل سنتها الثانية بعد. الصفحات التي بين أيديكم ليست تماماً الجريدة التي حلم بها جوزف ذات يوم. لكنّها حتماً خطوة هامّة باتّجاه سدّ الثغرات والرغبة في التطوير التي حدّدها سماحة في افتتاحيّته الأولى، «الانتقال بـ«الأخبار» إلى صورتنا عنها، إلى عدد الصفحات الذي كان مقرراً، إلى استعادة الأبواب والزوايا التي اضطررنا إلى تعليقها، إلى نشر المواضيع التي كنا نتمنّى الخوض فيها».
وتماماً كما أعلنت «الأخبار» في عددها الأوّل، نكرّر اليوم إعلان رفضنا الوقوف على الحياد، والانتماء سياسياً إلى «معسكر رافضي الهيمنة، وهو معسكر يمتدّ من قلب الولايات المتحدة الأميركية إلى أقاصي الشرق وأفريقيا وأميركا الجنوبية وأوروبا».
غير أنّ طريقاً طويلةً لا تزال أمامنا لنحقّق «صورتنا» عن «الأخبار». هذه محطّة ثانية وحسب، في المغامرة التي دعانا جوزف إليها، والتي، بدورنا، ندعو القرّاء إلى الالتحاق بها، واعدين إيّاهم بأن نستمرّ في ممارسة هوايتنا المفضّلة، «أن نرمي غير بحصة في بحيرة الإعلام اللبناني».
التسميات: لبنان
خالد صاغيّةالأخبار عدد الجمعة ١١ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان
خالد صاغيّةالأخبار عدد الاربعاء ٩ تموز ٢٠٠٨
التسميات: لبنان