الجمعة، 27 يونيو 2008,1:58 م
«الشيف» فؤاد
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الجمعة ٢٧ حزيران ٢٠٠٨
تحدّث فؤاد السنيورة إلى الصحافيّين، فقال: «دعوني أنا في المطبخ، واجلسوا أنتم في غرفة الطعام». الحال أنّنا مستعدّون للجلوس في الحمّام، لا في غرفة الطعام وحسب، شرط أن يغادر السنيورة المطبخ. لكنّ رئيس الحكومة المكلّف لم يكتفِ بدور الطبّاخ، فتقمّص شخصيّة الملك لويس الرابع عشر، رافعاً شعار: «أنا الدولة». فقد رفض دولته البحث في إمكان إعطاء حقيبة الاتصالات للمعارضة، بحجّة أنّ هذه الحقيبة هي «للدولة»! الغريب في الأمر أنّ هذه الغيرة على «حقيبة الدولة» هي من أجل أن تقوم الدولة نفسها بخصخصة قطاع الخلوي، أي من أجل أن تتخلّى الدولة عن إدارتها لهذا القطاع. وقد لمّح السنيورة إلى ذلك بقوله إنّ حقيبتَي الاتصالات والطاقة مرتبطتان بمشروع باريس 3 الذي وصفه بـ«الإصلاحي».
الواقع أنّ هذا النوع من «الإصلاح» يقوم به «الشيف» فؤاد منذ 15 عاماً في مطبخ وزارة المال. هناك، تمكّن السنيورة من أن يعدّ طبقاً يدعى «مقلوبة». إلا أنّ «مقلوبة» السنيورة لا تشبه الطبق المعروف في بعض المناطق اللبنانية، الذي يحمل الاسم نفسه. ففي طبقه، لا مكان للباذنجان ولا للأرزّ. لـ«مقلوبة» السنيورة قصّة تستحقّ أن تروى.
كان يا ما كان في الرأسماليّات الحديثة... حدث أن خرجت الدول من ميدان الإنتاج في معظم القطاعات الاقتصاديّة، وتركت للسوق حريّته في العمل. تلك الحرية، وإن بقيت مضبوطة في مجالات عدّة، أنتجت فوارق طبقيّة كبيرة، وخلّفت الكثير من الضحايا. كان لا بدّ من «تدخُّلٍ» ما تقوم به الدولة. تدخُّل أريد له ألا يشكّك في شرعيّة أرباح التجّار، ولا أن يسائل استغلال أرباب العمل للعمّال. بقيت الدورة الاقتصادية على حالها، مع فارق بسيط: ستقوم الدولة من الآن وصاعداً باقتطاع جزء من هذه الأرباح تحت غطاء يسمّى «الضريبة».
لم تغيّر الضريبة التي فرضتها الدول الحديثة من طبيعة النظام الرأسمالي. بقي العامل ينال أجراً لا يتناسب وحجم إنتاجه، وبقي ربّ العمل هو من يستحوذ على الإنتاج، من دون أن يعمل. رضيت الدولة بهذا النظام، ودعمته. لكن، في المقابل، رأى أولئك الذين ينظرون إلى البعيد أنّ نظاماً غير عادل كهذا لا يمكن أن يستمرّ، ما لم يجرِ الاهتمام بضحاياه. فليُستغلّ العمّال، لكن فلنقتطع جزءاً ممّا بات يسمّى «أرباحاً»، ونسمِّه ضريبة. ولنستخدم هذه الضريبة في تأمين بعض التقديمات الاجتماعيّة التي سيستفيد منها المواطنون كافة، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود.
كان يا ما كان في الرأسماليّات الحديثة... حدث أن فرضت الدول ضرائب على المواطنين، وخصوصاً الأثرياء منهم، واستخدمتها لمنح تقديمات للمواطنين، وخصوصاً الفقراء منهم. إنّها إعادة توزيع محدود للدخل في المجتمع. إنّها عملية صغيرة تعيد للعمّال جزءاً يسيراً ممّا أُخذ منهم عبر الاستغلال.
المكوّنات الأساسيّة في «مقلوبة» السنيورة هي السعي لقلب عمليّة توزيع الدخل هذه. هكذا جرى العمل ليلاً ونهاراً لإدخال البلاد في حلقة تستخدم الضريبة كعنصر لإعادة توزيع الدخل من الفقراء إلى الأغنياء، هذه المرّة.
للأمانة، لم يكن السنيورة خلال تلك الحقبة المسؤول الأوّل عن هذا التوزيع «بالمقلوب». لكنّه كان الأداة التنفيذيّة في وزارة المال، كان «شيف» المطبخ الذي ينفّذ تعليمات صاحب الفندق، أو تعليمات من أراد تحويل هذه البلاد إلى فندق.
نجح الجزء الأوّل من «المقلوبة». بقي الجزء الثاني. الخصخصة على النار.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 26 يونيو 2008,1:56 م
موسم خطِر
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ٢٦ حزيران ٢٠٠٨
بدأ الموسم الانتخابي باكراً... وخطِراً. فأمام الاستقطاب ذي الطابع الطائفي، لم يبقَ أمام الخائفين على مقاعدهم النيابية سوى المزايدة الطائفية من أجل كسب مزيد من التأييد الشعبي وضمان الفوز في الانتخابات. يحار المرء أمام واقع كهذا في ما إذا كان عليه أن يفرح أو يحزن لحسم معظم المعارك الانتخابية سلفاً في اتفاق الدوحة. فقليل من التواضع في ممارسة الديموقراطية قد يكون أفضل من الإسراف في ممارستها، حين تكون كلفة هذا الإسراف مزيداً من السعار الطائفي الذي ينتهي دائماً صراعاً دامياً.
منذ مدّة، والقيادات المتنافسة على الساحة المسيحيّة يزايد بعضها على بعض لكسب الشارع. لعب المسلمون، سنّةً أو شيعةً، دور الفزّاعة التي يرفعها الزعماء المسيحيون أمام أنصارهم. الترميز كان حاضراً بالطبع. استُخدمت عبارات، كسلاح حزب الله أو ولاية الفقيه. واستُخدِمت، في المقابل، الحريريّة والتوطين. لا الحريريّة ضُرِبت، ولا نُزع سلاح المقاومة. ولم يبقَ أمام الشارع المخدوع إلا حشد أعداد غفيرة للمشاركة في تطويب الأب يعقوب الكبوشي، برعاية من الفاتيكان. جائزة ترضية لجمهور اعتقد لوهلة أنّ خروج الجيش السوري من لبنان سيخرجه من حال التهميش.
بعيداً من الملعب المسيحي، تبرز زحمة سنّية على مقاعد مدينة طرابلس. عاد الجميع، موالاةً ومعارضةً، إلى الخطاب المنغلق على الطائفة. لم يواجه سياسيّون موالون كبير عناء في رفع مستوى التحريض الذي امتهنوه في السابق، وسقطوا في فخ منافسة التيار السلفي في هذا المضمار. لكنّ سياسيّين معارضين وجدوا أيضاً الفرصة سانحةً كي يركبوا الموجة الطائفية. ولمّا كانت كلفة التهجّم على حزب اللّه مرتفعة سياسياً، وجدوا في العماد ميشال عون هدفاً ملائماً لشدّ «العصب السنّي» من حولهم. استغلّوا حديث عون بشأن صلاحيات رئيس الحكومة، ليثبتوا أنّهم ـــــ وإن كانوا من خارج فريق الموالاة ـــــ مدافعون أصيلون عن مصالح الطائفة.
بدأ الموسم الانتخابي باكراً... وخطِراً. مواجهات باب التبانة ـــــ بعل محسن قد لا تكون إلا بداية لمزيد من الاقتتال الأهلي الذي تجري على إيقاعه المعارك الانتخابية. وقد بدأ بعض النواب بأداء دور القبضايات. اسألوا مصباح الأحدب، نموذج التجدُّد الديموقراطي!

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 25 يونيو 2008,1:46 م
من أجل استهلاك ذكيّ
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ٢٥ حزيران ٢٠٠٨
خصّصت مجلّة «لونوفل أوبسرفاتور» موضوع غلافها الأسبوع الفائت لـ«ستين فكرة من أجل استهلاك ذكيّ»، أو كيف يمكن العيش بكلفة منخفضة، بعد اشتعال أسعار النفط والغلاء الذي يجتاح العالم. لقد بات الغلاء إذاً، وانخفاض القدرة الشرائيّة لدى عامّة المواطنين، معطى ينبغي التعايش معه والتحايل عليه. ستّون فكرة قد تنقلب غداً إلى ستّمئة. فمخيّلة المحتكرين وأصحاب الرساميل الضخمة لا تكفّ عن العمل من أجل إفقار الفقراء. أمّا هؤلاء الأخيرون، فمخيّلتهم يجب ألاّ تنصبّ على استرداد حقوقهم، أو منع المسّ بها، بل على مجاراة الواقع الجديد والتكيّف معه.
«ستّون فكرة من أجل استهلاك ذكي». على الذين لا يستطيعون اعتماد أفكار كهذه ألا يلوموا إلا أنفسهم، فالخطأ خطأهم ما داموا هم الذين يستهلكون بطريقة غبيّة. أمّا أصحاب السلطة والشركات الكبرى في بلدان كفرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية، فيرسلون جنود بلدانهم للمشاركة في غزوات تسهم في رفع أسعار النفط، ثمّ يطلبون من عائلات هؤلاء الجنود التكيّف مع الغلاء المستجدّ، طبعاً إلى جانب الصلاة من أجل أولادهم، أو من أجل راحة نفس من قضى منهم في سبيل مجد الإمبراطوريّة.
أمّا في بلدان كبلادنا، فالغلاء فرصة بالنسبة إلى أصحاب السلطة. إنّه معطى خارجي، يُستغَلّ داخليّاً ليصبح أضعافاً مضاعفة، ولا خيار أمام المواطن إلا خفض مستوى معيشته أو الهجرة. السياسات الحكومية، سلوك التجّار والمضاربين، محاولة تقسيم الأعباء بين العمّال وأرباب العمل، هي كلّها عناوين خارج النقاش. «غلي الدولار»... «ارتفع سعر اليورو»... «أسعار النفط»... تقال هذه العبارات وكأنّها تشرح كلّ شيء، وكأنّ من عليه أن يتحمّل نتائجها الكارثيّة معروف ومحدّد: إنّه المواطن ذو الدخل المحدود دون سواه من سائر البشر. وحين يجرؤ أحد على رفع الصوت عالياً ومطالبة الحكومة بأيّ خطوة، يأتي الجواب جاهزاً على لسان «الخبراء» والسياسيين: «النموّ... يجب تحفيز النموّ».
تتكرّر هنا لعبة الدول الغربية التي أرسلت أبناءها لتحيي ماضيها الاستعماري. لكنّ بلداننا لا تبعث إلى الخارج جنوداً، بل مهاجرين يبحثون عن فرصة عمل. يُرسَل الأبناء إلى الخارج، ثمّ يُطلَب من أهاليهم الدعاء لهم بالتوفيق كي يرسلوا أموالاً تذهب مباشرة إلى جيوب المحتكرين، أو بالوساطة عبر الرسوم والضرائب التي تستخدمها الدولة لدفع فوائد ديونها. تلك الفوائد التي تذهب إمّا للدول الغربية نفسها، وإمّا للمصارف المحلية وكبار المودعين فيها. وإحياءً لهذه الحلقة الجهنّمية، يمكن من حين إلى آخر إصدار كتيّب عن أساليب الاستهلاك الذكي، أو كيف تكون مواطناً تقيّاً ورِعاً ترضى برغد العيش بالحد الأدنى للأجور.
في إحدى المراحل، كان الدين العام أو عجز الموازنة هو الكلمة السحرية التي تُرفع في وجه كلّ من يطالب برفع الظلم الاقتصادي عنه، والتمتّع بمستوى معيشيّ لائق. فعلى الدولة أن تنصرف لدفع فوائد ديونها المتراكمة، وعلى المواطن أن يؤمّن المال للدولة كي تسدّد ما عليها. اختفى اليوم شعار الدين العام، وحلّ محلّه طلسم آخر هو النموّ، في بلد لا تنمو فيه إلا ناطحات سحاب فارغة من سكانها.
«ستّون فكرة من أجل استهلاك ذكي». شعار مُحتمَل للائحة انتخابيّة تُشكّل برعاية مضاربين عقاريّين ومصرفيّين وتجّار كبار تحت اسم غريب يُدعى... «المستقبل».

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 24 يونيو 2008,1:49 م
كسر الاحتكار
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الثلاثاء ٢٤ حزيران ٢٠٠٨
بعد تسلّمه رئاسة «الفيفا»، عام 1974، أعلن جان ماري هافيلانج: «لقد جئت لأبيع سلعة اسمها كرة القدم». أربعة وعشرون عاماً قضاها على عرش كرة القدم، كانت كفيلة بتحقيق حلمه في تحويل اللعبة الأكثر شعبيّة إلى حلقة تدور فيها مئات مليارات الدولارات. لم يكن هذا النجاح من غير ثمن. فالتقنيات العالية التي نشاهدها أمامنا على شاشة كأس أوروبا قد أطّرت المهارات الفرديّة في قوالب جاهزة. وإذا كان بعض لاعبي أميركا اللاتينيّة لا يزالون مصرّين على خرق هذه القوالب، فإنّ أوروبا تبدو تحت السيطرة تماماً.
لم تكن أساليب اللعب وحدها هي الضحية، بل الدائرون في فلكها أيضاً. فالمَشاهد التي نراها على الشاشة تخفي وراءها الكثير من الحكايات القاتمة، بدءاً من أطفال شرق آسيا الذين يعملون في ظروف غير إنسانيّة ليخيطوا كرات الملاعب، وصولاً إلى نظام العبودية حيث تتمتّع النوادي بملكيّة اللاعبين، تبيعهم وتشتريهم، وتمنعهم من الانتقال من نادٍ إلى آخر من دون إذنها. فالعبوديّة التي تراءى لكثيرين أنّها اختفت مع بروز السيطرة الرأسماليّة، ما زالت تجد لها متنفّساً من خلال الألعاب الرياضية (والصناعة الجنسية).
لا يجري التذكير بهذه الوقائع لممارسة إفساد متعة عشّاق هذه اللعبة الساحرة، كما يفعل عادة الـParty Poopers، أو بعض الذين يرون أنّ العالم لا يستحق العيش ما لم نفرغه من متعه. في الواقع، إنّ مزيداً من المتعة قد يكون في الانتظار مع كسر الاحتكارات المحيطة بهذه اللعبة. وإذا كان ذلك مستعصياً في المجال الإعلاني، حيث سلّمت صفقات مشبوهة شركات ضخمة رعاية اللعبة، فها هي الألقاب تُفتَح شيئاً فشيئاً أمام فرق من خارج النادي الضيّق للدول العريقة في اللعبة.
لقد انتقلت تركيا وروسيا وإسبانيا إلى الدور نصف النهائي في كأس أوروبا. سقط بعض العمالقة على الطريق، وفرق كبيرة لم تتأهّل حتّى للمشاركة في الكأس. يتّخذ كسر الاحتكار هذا بعداً مضاعفاً في لحظات سياسية محدّدة. فقد تمكّنت تركيا من فرض «حضورها الأوروبي» عبر كرة القدم، فيما لا يزال كبار اللعبة يرفضون دخولها إلى الاتحاد الأوروبي. بعض الدول «المستضعَفة» التي كانت كرة القدم مناسبة لسحقها في الملاعب، كما يجري سحقها على حلبات السياسة، باتت تستخدم الملاعب لتستعيد ثقتها بنفسها. ليست الفرق وحدها من يفعل ذلك، بل اللاعبون والعمّال المهاجرون الذين يتماهون معهم أيضاً. زين الدين زيدان لم يعد فرداً، بات حالة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 23 يونيو 2008,1:51 م
بحثاً عن روزا الحمراء
خالد صاغيّة
الاخبار عدد الاثنين ٢٣ حزيران ٢٠٠٨
منذ أوائل الثمانينيات، واشتباكات باب التبانة ـــــ بعل محسن مستمرّة. إلا أنّها نوع خاص من الاشتباكات. تهدأ لفترة طويلة، ثمّ تشتعل فجأة. لا أحد يعرف لما هدأت، ولا أحد يعرف لما اشتعلت. وهي تبدو مرتبطة بالأوضاع السياسية العامة، لكن بخيط رفيع لا يكاد يُرى. لكن ما هو مرئيّ جيّداً، وبوضوح كامل، هو أنّ هاتين المنطقتين تحويان الشرائح الأفقر في طرابلس، وربّما الأفقر على امتداد مساحة الوطن كلّها. وما هو مرئيّ أيضاً، وبوضوح كامل، أنّ الدولة تتعامل ـــــ منذ نشوئها ـــــ مع هاتين المنطقتين وكأنّهما ليستا جزءاً من المساحة الجغرافية التي عليها أن تدير شؤونها.
ففيما تعيش منطقة جبل محسن تهميشاً لا مثيل له في لبنان، حتّى كأنّها تبدو كإقطاع منفصل عن بقية المدينة وبقية الوطن، تحوّلت منطقة باب التبانة ذات الاكتظاظ السكاني القابع تحت خط الفقر إلى مرتع للزعامات السياسية الناشئة، والقائمة على تقديم الخدمات. نائب يعمّر جامعاً، وآخر يبني له قاعة، وثالث يفتح مستوصفاً، ورابع يتكفّل ببعض المطالب المالية الصغيرة لحيّ أو شارع في التبانة. وفي المقابل، يرفع الأهالي داخل منازلهم الصغيرة صوراً كبيرة للنائب أو الزعيم المحسن الكريم الذي لم يسعفه كرمه إلا في تقديم فتات الموائد.هذا واحد من أساليب عديدة ابتكرتها هذه المنطقة منذ الخمسينيات من أجل الحصول على ما يمكّن سكّانها من العيش. لقد جرّبت أساليب «روبن هود»، وجرّبت «الإدارة الذاتية»، وجرّبت التعاطي البراغماتي مع زعماء الأمر الواقع.
ثمّة رواية شهيرة في طرابلس عن زعيم تقليدي قيل له في الستّينيات بضرورة الشروع ببناء مدارس في التبانة، فكان ردّه أنّ أهلها «مش خرجن العلم»، فأجيب: لكن أهلها هم من ينتخبونك يا حضرة الزعيم!
لا يزال هذا الردّ صالحاً إلى اليوم. فلا أحد من مصلحته أن يخرج أهل التبانة من الوضع الذي يعيشون فيه. يريدونهم خزّاناً بشرياً للحملات الانتخابية، ولجولات العنف التي تخدم مصالحهم في العاصمة أو في أحياء طرابلس الثريّة.
فإذا كانت الموالاة تريد أن تثأر لمعركة بيروت، أو أن تحرتق على اتفاق الدوحة، فلمَ لا تفعل ذلك في شارع المعرض مثلاً؟ ولمَ ينبغي لفقراء التبانة أن يحموا عرش قريطم، وخصوصاً أنّ أصحاب ذاك العرش لم يقدّموا لهم إلا المساعدة على إبقاء الفقراء على قيد الحياة، شرط أن يبقوا فقراء، وأن يبقوا ناخبين مطيعين، وأن يبقوا داخل المربّعات المقفلة التي أريد لهم العيش فيها.وإذا كانت المعارضة ـــــ كما تتّهمها الموالاة ـــــ هي التي تريد أن يبقى الوضع الأمني متوتّراً، فلمَ لا تدع أبناء بكواتها ينزلون إلى ساحات المعارك؟
■ ■ ■
«اليوم، رحلت روزا الحمراء
لقد أخبرت الفقراء حقيقة الحياة
ولذلك، قتلها الأثرياء،
فلترقد روحها بسلام»
هكذا رثى الشاعر الألماني برتولد بريخت المناضلة الماركسيّة روزا لوكسمبورغ التي رفعت الصوت عالياً ضدّ المشاركة في الحرب العالميّة الأولى، والتي رفضت أن يكون الفقراء حطب الحروب التي يخوضها الأثرياء دفاعاً عن مصالحهم. فالحرب التي ينبغي للفقراء أن يخوضوها هي حرب من نوع آخر.
كلامٌ كلّف روزا الحمراء حبل المشنقة. التغاضي عنه يكلّفنا اليوم مقصلة جماعيّة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 19 يونيو 2008,7:26 ص
اتّفاق لم «يُبلَع»
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ١٨ حزيران ٢٠٠٨
من البقاع إلى الشمال، تدور حوادث واشتباكات تثبت أنّ اتفاق الدوحة، حتّى لو «بلعته» القوى السياسية، فإنّ الأنصار على المستوى الشعبي ما زالوا رافضين له، فما بالك إن كان شدّ الحبال لا يزال قائماً بين أهل السياسة؟
فلنتخيّل مناصراً لتيار المستقبل. قيل له طيلة ثلاث سنوات إنّ حزب اللّه هو حزب فارسي ينفّذ طموحات النظامين السوري والإيراني على حساب لبنان. إنّه يدافع عن القتلة ومرتكبي الاغتيالات. أدخل البلاد في حرب ضروس مع إسرائيل خدمة للمشروع النووي الإيراني، ولإسقاط المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. أمّا التيار الوطني الحرّ، فمجموعة من الصبية المتحلّقين حول طامح لرئاسة الجمهورية مستعدّ لإحراق البلاد من أجل تحقيق طموحه. صدّق هذا المناصر أنّه يخوض معركة الاستقلال في وجه التابعين، ولم يمانع في سبيل النصر الانتساب إلى شركات أمنية، وحمل السلاح. وحين دقّت الساعة الصفر، تُرك وحيداً في الميدان، وما كاد يستعدّ للثأر، حتّى كان الاتفاق يوقَّع في الدوحة بين أبناء الوطن الواحد.
لنتخيّل، في المقابل، مناصراً لحزب اللّه. قيل له طيلة الفترة الأخيرة إنّ قوى 14 آذار غارقة حتى أذنيها بالعمالة لمشروع أميركي ـــــ سعودي ـــــ إسرائيلي، وإنّ السنيورة وفريق حكومته عمل جهده خلال حرب تمّوز من أجل فرض نزع سلاح حزب الله بالقوّة، بدلاً من السعي لوقف إطلاق النار. وأطلِقت أمامه أبشع النعوت بحق وليد جنبلاط. العالم كلّه يتآمر على المقاومة، وما فريق 14 آذار إلا الأداة المحلية لهذه المؤامرة. وحين دقّت الساعة الصفر، نزل هذا المناصر مع شبّان آخرين كثيرين وشنّوا حملة عسكريّة فرضت سيطرتها على بيروت، ودبّت الذعر في الجبل، وأجبرت الحكومة على التراجع. وما كاد هذا المناصر يعلن نصره على «الخونة»، حتّى كان الاتفاق يوقَّع في الدوحة بين أبناء الوطن الواحد.
وعلى الرغم من نص الاتفاق الذي يفرض هدنة إعلامية، لم تكفّ وسائل الإعلام التابعة للطرفين عن التحريض، مؤجّجة حالة الغضب الشعبي، ومحتفلة بزيادة عدد المشاهدين.
لندع الإشكالات الأمنية جانباً. ولنتمعّن في رسالتين وزّعهما «المجتمع الأهلي» عبر البريد الإلكتروني ومواقع الإنترنت.
الرسالة الأولى تكبّد أصحابها عناء القيام بإحصاء عدد الشركات والمحال التجارية المملوكة من أبناء الطائفة الشيعيّة، داعين إلى مقاطعة هذه المحال. وأرفقت الدعوة طبعاً بعبارات نابية بحق الشيعة، في صورة صافية لخلاصة الصراع بين الطوائف المقفلة على جمهورها. وقد جرى تبادل هذه الرسالة بغبطة فائقة على منتديات شبابيّة تابعة للقوى «السياديّة».
الرسالة الثانية اتّجه أصحابها نحو ما يعتبرونه، على ما يبدو، فكاهة. فألّفوا نصاً يُفترض أنّه مرسل من «فهود طريق الجديدة» إلى قائدهم النائب سعد الدين الحريري. تتحدّث الرسالة، بلسان «الفهود»، عن تمضية الوقت بالأركلة، والاختباء في «الكوريدورات» أثناء حوادث بيروت الأخيرة، فيما الأسلحة متروكة لتحرس وحدها المكاتب الحزبية. رسالة مليئة بتمجيد قيم الذكورة والقوّة الجسديّة. ولم ينسَ أصحاب الرسالة المقارنة بينها وبين الرسالة التي بعث بها المقاومون إلى الأمين العام لحزب الله خلال حرب تمّوز، مفترضين أنّ مقارنة كهذه تعلي من شأن المقاومين...
يدأب بعض اللبنانيّين في أوقات فراغهم على السخرية من الزعماء، واتّهامهم بإنزال المصائب على رؤوس المواطنين. وقد استمتع البعض بالاستماع إلى أغنية «فلّوا الزعما من لبنان» خلال مؤتمر الدوحة. أمّا الواقع فهو أنّ نزق الزعماء يتحوّل حكمةً حين يقارَن بالحماسة التي يبديها المناصرون لخوض حروب الطوائف التي لا تنتهي.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 18 يونيو 2008,7:21 ص
الغاوية
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الثلاثاء ١٧ حزيران ٢٠٠٨
قبل مجيئها إلى لبنان، زارت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إسرائيل. لم يعر أحد اهتماماً لتلك الزيارة التي تعاطت معها وسائل الإعلام الإسرائيليّة ببرودة تامّة. حتّى تصريحات رايس المعترضة على السياسة الاستيطانيّة لم تثر ردود فعل غاضبة، وهي التي كان يمكن لها ـــــ في ظروف أخرى ـــــ أن تخلق أزمة دبلوماسيّة بين البلدين، كما رأى أحد المعلّقين الإسرائيليّين. فَرَايس التي باتت أشبه بـ«بطّة ميتة»، بحسب «جيروزاليم بوست»، تستعدّ لمغادرة منصبها والتفرّغ للعمل الأكاديمي.
في بيروت، يبدو المشهد مختلفاً. ثمّة رئيس للجمهورية منتخب حديثاً بحاجة لأي دعم خارجيّ ليثبت سلطته وسط طوائف متحلّقة حول زعمائها، ما يجعله مجبراً على البحث عن سطوة وشعبيّة في خرم الإبرة. وثمّة رئيس مكلّف بتأليف حكومة ما زالت ولادتها متعثّرة. قضى فترته الأخيرة في السرايا أشبه بأسير، وعاد إلى رئاسة الحكومة من باب النكاية ليس إلا. كان يستقبل رايس في السابق لتشدّ من أزر فريقه وترفع معنويّاته. يعانقها كمن يعانق أمّاً جاءت تنقذ طفلها من ورطة. يعرف السنيورة أنّ المشهد لم يعد هو نفسه اليوم. فالحكومة التي يسعى لتأليفها لا يتمثّل حزب اللّه فيها وحسب (وهو المنظّمة الإرهابيّة وفقاً للتصنيفات الأميركيّة)، إنّما يمتلك الحزب وحلفاؤه فيها الثلث المعطّل، بعد اتفاق عقد في الدوحة، وأيّدته قسراً أو عن طيب خاطر سائر العواصم.
ماذا جاءت رايس تفعل في لبنان؟
أجاءت تعتذر لأنّها تستعدّ لترك منصبها من دون أن تحقّق ما وعدت به من شرق أوسط جديد؟أجاءت تعتذر لأنّ مئات آلاف الضحايا سقطوا في المنطقة تحت شعارات الديموقراطية ونشر الحرية التي وُضعت على الرفّ بانتظار قرن مقبل؟
أجاءت تعتذر لأنّها أهملت موازين القوى الشعبية والعسكرية، فورّطت حلفاءها في لبنان وفلسطين بمواقف ما زالوا يدفعون ثمنها الباهظ؟أجاءت تعتذر لأنّها أشعلت الجنوب، ودمّرت أجزاء من الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، من دون أن يسفر المخاض الذي دعت لتحمّل آلامه، عن ولادة شرق أوسط جديد؟
لا. لم تعتذر رايس. جاءت، على ما يبدو، في مهمّة/ مغامرة جديدة عنوانها المُعلَن «مزارع شبعا»، وعنوانها المُضمَر منع الحلفاء المخلصين من تقديم مزيد من التنازلات. فحذارِ أن يصدّق الفريق الحليف خطابه حول دولة المؤسسات. لن يكون تأليف الحكومة، ولا إجراء الانتخابات النيابية، أكثر أهميّة من القدرة على الحدّ من الخسائر.
ككثير من الإدارات الأميركيّة السابقة، تعرب الإدارة الحاليّة عن نيّتها المساهمة في حلّ النزاع في الشرق الأوسط. لكنّ ما يجب أن تكون هذه الإدارة قد لاحظته هو أنّ كلّ المسارات المقفلة التي تحرّكت في الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط، قد فعلت ذلك إمّا رغماً عن الإرادة الأميركية، وإمّا من دون تدخّلها. إنّ هذه الحقيقة وحدها كافية للإدراك بأنّ تحرّك رايس لا يندرج ضمن إطار تفعيل مفاوضات السلام، أو دعم اتفاق الدوحة.
بكلام آخر، لسنا اليوم أمام أُمّ تشدّ من عزائم ابنها، بل أمام غاوية تحضّ على مغامرة جديدة. والحلفاء اللبنانيون أمام خيارين: إمّا الدخول في مغامرة جديدة بقيادة أميركية ـــــ سعودية، وإمّا العودة إلى المجتمع اللبناني للبحث عن سبل لتدعيم الاتفاق بين مكوّناته. لقد قامت كلّ من الموالاة والمعارضة بخطوات رعناء كثيرة في السنوات الثلاث الماضية. الأجدى ألّا ينقاد أيّ منهما اليوم وراء «بطّة» يعرف الجميع أنّها ستخرج من الحلبة عمّا قريب.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 17 يونيو 2008,7:17 ص
بوّابة فرنسا
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاثنين ١٦ حزيران ٢٠٠٨
الرئيس السوري بشّار الأسد مدرج على لائحة المدعوّين إلى الاحتفالات الفرنسيّة بمناسبة العيد الوطني في باريس في 13 تمّوز. رئيس الحكومة الفرنسي فرانسوا فيون يقول: سوريا نفّذت تعهّداتها في النزاع اللبناني بسماحها بانتخاب رئيس جديد. المستشار الدبلوماسي لنيكولا ساركوزي، جان دافيد ليفيت، والأمين العام لقصر الإليزيه كلود غيان التقيا في دمشق الرئيس السوري ووزير خارجيّته وليد المعلّم، وأجريا محادثات وُصِفت بأنّها «مفيدة وبنّاءة».
ليس سرّاً أنّ الحصار الفرنسي على سوريا لم يبدأ مع مشكلة الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة. فحين جرى استخدام لبنان ساحة للضغط على سوريا، لم يكن انتخاب رئيس جديد مطروحاً بعد. والواقع أنّ الملف اللبناني ــ السوري مثّل البوّابة التي أعاد منها الرئيس السابق جاك شيراك وصل ما انقطع مع الولايات المتّحدة الأميركيّة إثر غزو العراق. بعد غياب قسري عن قضايا الشرق الأوسط، حكّ المستعمر السابق رأسه، فلمعت لديه فكرة: استخدام نفوذه ومعرفته بمستعمرتين سابقتين، سوريا ولبنان، لخدمة مصالح الولايات المتّحدة الأميركيّة الغارقة في المستنقع العراقي.
صدر القرار 1559. بدا أنّ الأميركيين مستعدّون لدفع الفرنسيّين إلى الواجهة، وإعطائهم حصّة في شرق أوسطهم الجديد، ما دامت المحصّلة: ثورة «غوتشي» يتفرّج عليها الجمهور الغربي، وهو يأكل الشيبس ويشرب البيرة، مطمئنّاً إلى أنّ مشروع جورج بوش في نشر الحريّة يسير بخطى ثابتة في الشرق الأوسط.
ولأنّ الشاشات غالباً ما تخدع المشاهد، بالغت فرنسا في تأييد فريق من اللبنانيين ضدّ آخر، وفي إحكام الضغط على سوريا من خلال لبنان، وفي إطلاقها مواقف «غير مشرّفة» خلال حرب تمّوز.
جاءت نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان مخيّبة لآمال الأميركيّين. وفهموا أنّ مضاعفات تلك الحرب تحتّم عليهم العودة إلى زمام القيادة، للإمساك مباشرة بدفّة السفينة التي كادت تغيّر مسارها.
حاول الفرنسيّون استخدام مأزق الانتخابات الرئاسية اللبنانية للعودة إلى الواجهة. خاضوا مفاوضات على جبهتين: جبهة فولكلوريّة قادها وزير الخارجيّة برنار كوشنير، وجبهة جدّية قادها كلود غيان. وفيما انتهت مساعي الأخير بالفشل، بعدما رفض النظام السوري إغراءات رمزيّة لا مجال لصرفها عمليّاً، توقّفت جولات كوشنير البهلوانيّة إثر اتّصال تأنيب تلقّاه من السيّدة كوندوليزا رايس. فكما يبدو، لم يفهم كوشنير حدود مهمّته: بإمكانه أن يخاطب اللبنانيين كمستعمِر سابق، وأن يعطيهم دروساً في الأدب والأخلاق، لكن من ضمن الاستراتيجيّة الأميركيّة ومصالح حلفائها.
رايس نفسها أبدت حذرها من الخطوة الفرنسيّة تجاه سوريا. فأعربت عن أملها في أن تنقل باريس «الرسالة الصحيحة» إلى دمشق. وذكّرت أنّ المشكلة تتجاوز الانتخابات الرئاسية في لبنان، داعيةً سوريا لـ«القيام بواجباتها بموجب قراري مجلس الأمن 1559 و1701 اللذين يدعوانها إلى عدم التدخّل في الشؤون اللبنانية، وترسيم حدودها مع لبنان، وتعيين سفير فيه».
لكنّ حذر رايس لم يتحوّل اعتراضاً. فنحن في مرحلة ما بعد 7 أيّار الذي حرّك المياه اللبنانية الراكدة. هكذا اختفت لغة التهديد تجاه سوريا إثر لقاء الرئيسين بوش وساركوزي، إذ طالب الرئيسان بتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان «بنيّة طيّبة». طبعاً، كرّر بوش مطالبه التقليديّة من سوريا، لكنّه فعل ذلك كمن يبارك زيارة ساركوزي لها.
مرّة أخرى، يحاول رئيس فرنسي العودة إلى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط، باحثاً عن دور قياديّ، من البوّابة نفسها، البوابة اللبنانيّة ــ السوريّة. ومرّة أخرى، يسمح الأميركيّون بذلك حذِرين. في المرّة الأولى، دفع شيراك بلادنا إلى حافة حرب أهليّة. في المرّة الثانية، يلعب ساركوزي في الوقت الضائع... علّه يسجّل هدفاً.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 13 يونيو 2008,9:40 م
ألو... كوندي؟
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الجمعة ١٣ حزيران ٢٠٠٨
المتّصِل: رئيس الحكومة اللبنانيّة فؤاد السنيورة
المتّصَل بها: وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس
موضوع الاتّصال: تحرير مزارع شبعا ما نعرفه هو ما أوحي لنا بأنّه جرى على الجهة الأولى من الاتّصال: فقد جاء في خبر تناقلته الصحف أنّ رئيس الحكومة اللبنانية دعا السيّدة رايس إلى ضرورة تشديد الضغط على إسرائيل لكي تنسحب من مزارع شبعا، ووضعها تحت وصاية الأمم المتحدة بانتظار ترسيم الحدود مع سوريا.
أمّا على الجهة الثانية من الاتّصال، فلا نعرف دقّة ما جرى. لكنّ الأكيد أنّ الإجابة قد تراوحت بين «كبِّر عقلك يا فؤاد» و«La 3iounak».
لا. إنّها مزحة. لم تجب كوندوليزا رايس «لعيونك». لكنّ الغريب هو كيف تتصرّف بعض الدمى الأميركيّة المتحرّكة في المنطقة. تظنّ أنّ ابتسامةً أو عناقاً أو تربيتَ كتف تعني حقاً تعبيراً عن صداقة، أو عن علاقة من الندّ للندّ.
ليس رئيس حكومتنا وحيداً في السقوط ضحيّة تخيّلات كهذه. محمود عباس يبني استراتيجيّة كاملة على قدرته على إقناع الإدارة الأميركيّة بالوقوف إلى جانبه ضدّ المصالح الإسرائيليّة. قد يكون حامد قرضاي الواقعيّ الوحيد في شلّة الأُنس هذه. فقد أدرك باكراً، وكان واضحاً في التعبير عن ذلك، أنّه لا مشروع لديه، وأنّه يقود جهوداً غربيّة لتغيير الوضع في أفغانستان. وفي أيّ لحظة تخبو فيها الجهود الأميركيّة تحديداً في أفغانستان، ينتفي أيّ معنى لوجود قرضاي على رأس السلطة.
لا يتّسم السنيورة بواقعيّة قرضاي. في السابع من أيّار، تُركت قوى 14 آذار على قارعة الطريق. فرنسا تفكّ طوق العزلة عن سوريا. جورج بوش يستعدّ لمغادرة البيت الأبيض، وسط سخط شعبيّ من سياساته في الشرق الأوسط، وفؤاد السنيورة يعود إلى رئاسة الحكومة اللبنانية.
لقد ذهب السنيورة ضحيّة خطابه حول بناء الدولة. فالواقع أنّ قيام الدول الحديثة، وابتكار مؤشّرات موحّدة لقياس الظواهر الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية، ساهمت في ليّ عنق الواقع حتّى يبدو متكسّراً، تماماً كما تبدو الأجسام الصلبة حين يدخل جزء منها تحت الماء. يقود ما يسمّى علم الاقتصاد التأسيس لهذه الخرافات الجامعة، إذ يتعامل مع الدول باعتبارها آلات متشابهة وُضعت بالصدفة في أماكن جغرافيّة مختلفة. هكذا صرنا نتحدّث عن رئاسة حكومة أو معدّلات نموّ في لبنان كما في البرازيل وبريطانيا، ونقيم مقارنات بين هذه الأرقام، وكأنّ الاختلافات في الحجم وعدد السكان والتاريخ والجغرافيا والإمكانات غير ذات أهميّة. حين يتحدّث السنيورة أو ربيبه في وزارة المال عن جذب الاستثمارات وتحفيز النموّ، يكون سنيورةٌ آخر في مكان آخر من هذا العالم يردّد الكلام نفسه المنتَج داخل مراكز الأبحاث نفسها. باتت اللغة واحدة والهدف واحداً. المعضلة هي أنّ ثمّة من يتكلّم هذه اللغة براحة، وثمّة من يلهث وراءها دون جدوى لأنّها لغة لا تتناسب ومجتمعه وإمكاناته.
لا. إنّها مزحة. لم تجب كوندوليزا رايس «لعيونك». لا بدّ أنّها أجابته: «اسمع يا فؤاد. أقدّر وضعك، وحاجتك السياسيّة لاتّصال كهذا، ولتصوير نفسك حريصاً على مزارع شبعا. لكنّك لا تنتظر منّي جواباً جدّياً. Do You؟».
لم تجب كوندوليزا رايس «لعيونك». وربّما لم تكن بحاجة للكلام. اكتفت برفع يدها، حتّى تتحرّك الخيوط بين أيديها، فتقفز بعض الدمى، ويصيح بعضها الآخر، ويلتزم بعض ثالث الصمت.
***
المتّصِل: رئيس الحكومة اللبنانيّة فؤاد السنيورةالمتّصَل بها: وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس
على الجهة الأميركيّة من الاتّصال، سُمع صوت يقول: أعطوني محمّد شطح للتفاهم معه.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 11 يونيو 2008,9:39 م
وزارة المال
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ١١ حزيران ٢٠٠٨
يطالب العماد ميشال عون بحقيبة المال التي يريد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن يتولّاها بنفسه. الدافع وراء هذه المطالبة، كما أعلن عون نفسه، معرفة ماذا يجري في دهاليز هذه الوزارة، وخصوصاً أنّ الدين العام في لبنان وصل إلى حدود خمسة وأربعين مليار دولار. استخدام كلمة «دهاليز» في هذا السياق يوحي بأنّ داخل الوزارة ما يشبه مغارة علي بابا التي يتولّى النهب فيها أربعون حراميّاً يرتدون الشارات الزرقاء، ويضعون على صدورهم قلادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. الواقع أنّ الدهاليز والدَّين، في هذا السياق، هما الوجه الظاهر لجوهر الخطاب العونيّ القائم على شعار محاربة الفساد. والتيار الوطني الحر يعد أنّه، في حال تسلّمه هذه الحقيبة، سيقطع دابر السرقة، ويفضح ممارسات تيّار المستقبل الذي احتكر هذه الوزارة سنوات طوالاً.
في المقابل، يبدو تمسُّك رئيس الحكومة بوزارة المال هو أيضاً دفاعاً عن جوهر الخطاب الذي يحمله فؤاد السنيورة. فالرجل القادم من خارج النادي السياسي كان بحاجة إلى صورة يروّجها عن نفسه، وتداعب مخيّلة المواطنين. لقد أدّت الإدارة السيّئة لإميل لحود، ثمّ اغتيال الرئيس الحريري، إلى محو صورة السنيورة كجابي ضرائب ثقيل الظل. وابتدع المحبّون والأصحاب لقب «رجل الدولة»، وألبسوه للمصرفيّ الآتي إلى رئاسة الوزراء. فهو الذي «صمد» في السرايا الحكومية مدافعاً عن المؤسّسات في وجه «الغوغاء»، وهو الذي دافع عن فكرة احتكار الدولة للعنف، مؤيّداً نزع سلاح المقاومة. لم يعد بإمكان هذا الوجه من السنيورة أن يُستثمَر بعد ما جرى في بيروت، وبعد اتفاق الدوحة. وكان رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ماكراً حين ذكّر في جلسة انتخاب العماد ميشال سليمان ببرنامج باريس 3. فالسنيورة ــــ2 سيتوجّه اهتمامه مجدّداً إلى الشؤون الاقتصاديّة، ليستحقّ لقبه كرجل دولة من هذا الباب.
لن يتنازل رئيس الحكومة عن وزارة المال، كما أوحى أمس الرئيس أمين الجميّل، إلا مكرهاً. فهي ما بقي له من «حبّ الحياة». وهي، بالمناسبة، النافذة التي بقيت لتيّار المستقبل إذا ما أراد أن يخرج من الصورة التي حشر نفسه فيها أخيراً، كتيّار سياسي ممثّل للطائفة السنّية و«مصالحها»، ليس إلا.
يعرف اللبنانيّون برنامج فؤاد السنيورة في الوزارة. وعليهم أن يخافوا ممّا يعرفونه. لكنّ ما لا يعرفه اللبنانيون هو برنامج التيار الوطني الحر في وزارة المال، وهم لا يعرفون شيئاً أصلاً عن البرنامج الاقتصادي لهذا التيار. يمكن التقاط بعض الإشارات المضيئة كإخفاء التيار للبرنامج الاقتصادي ــــ الفضيحة الذي أورده في كرّاس وُزّع خلال حملته الانتخابيّة. يمكن أيضاً التفاؤل ببعض الانتقادات للحريريّة التي ترد على لسان الجنرال، وكذلك بإبداء اهتمامه في بعض الخطب بلقمة عيش الفقراء من اللبنانيّين. لكنّ كلّ هذه الإشارات لم تتحوّل إلى رؤية اقتصادية لدى التيّار. وهي تكاد تضيع في ظلّ الترداد شبه اليوميّ لحكايات الفساد، والسرقة، والدهاليز. وكأنّ ما جناه تيار المستقبل على المستوى المعيشي للمواطنين هو نتيجة هدر من هنا، واختلاس من هناك، لا نتيجة سياسات اقتصادية محدّدة تتميّز برؤية شديدة اليمينيّة إلى الاقتصاد، تهمّش دور الدولة، وتخفّف الأعباء عن كاهل أصحاب الرساميل بحجّة مساهمتهم في تحفيز النموّ، وتوزّع تلك الأعباء على العامّة وذوي الدخل المحدود.
إنّ استمرار التيار الوطني الحر في تصوير سياسات الحريريّة القائمة على النهب المنظّم (والقانوني)، كما لو أنّها عمليّة مدّ يد على الخزينة، لا يفيد في شيء. ثمّة فارق كبير بين قلّة النزاهة وقلّة العدالة. إنّ الخطر الذي يمثّله رجل كفؤاد السنيورة في وزارة المال هو خطر كبير بالضبط لأنّ الرجل يجمع في شخصه صورةً ما من النزاهة، وإحساساً معدوماً بالعدالة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 10 يونيو 2008,9:38 م
درس بودولسكي

خالد صاغيّة

الأخبار عدد الثلاثاء ١٠ حزيران ٢٠٠٨

لم تكن المباراة الأخيرة بين المنتخبين الألماني والبولوني اعتياديّة. ففي كرة القدم، حين لا يُحتفل بتسجيل الأهداف، تفقد اللعبة بعض بريقها. اللاعب الألماني لوكاس بودولسكي الذي سجّل هدفين في المرمى البولوني في أولى مباريات فريقه في كأس أوروبا، رفض أن يحتفل وفقاً للطريقة المعتادة. اكتفى بفرح خجول، قبل أن يستدير نحو الجمهور البولوني كمن يطلب التفهّم. فبودولسكي، اللاعب ذو الثلاثة والعشرين عاماً، الذي كبر وترعرع في ألمانيا، هو بولوني الأصل. ولا يزال جزء من عائلة مقيماً هناك، وجمهور بلده الأمّ الجالس على المدرّجات يعرف هذه الحقيقة.

لم يكن بوسع بودولسكي أن يخون منتخبه، وألّا يسجّل الأهداف. ولم يكن بوسعه أن يؤجّل إنجازاته الفرديّة: «لديّ دم بولوني، لكنّي كبرت كلاعب في ألمانيا. لذلك، لديّ هدف واحد: أن يربح فريقي». إلا أنّ مضيّه في تحقيق هدفه لم يترافق مع استخفاف بمشاعر الجماهير، ولا مع تجاهل للقواعد والتقاليد.

تختصر قصّة بودولسكي الكثير من مسائل الهجرة والعمل والهويّة في زمن العولمة. لكنّها تحكي أيضاً عن الطموحات الخاصّة في مواجهة المجتمع. لقد احترم بودولسكي مشاعر البولونيّين، وطلب منهم، في المقابل، أن يتفهّموه. لم يتنازل عن طموحه. ولم يزدرِ مشاعرهم.

الجميع في لبنان يملك طموحات خاصّة. لكنّه لا يطلب تفهّماً من أحد، ولا يحترم مشاعر أحد. هل من يخبر الباحثين عن أمجادهم وسط الحقائب الوزاريّة أنّ ثمّة شعباً بأكمله يعيش منذ ثلاث سنوات في ظروف غير طبيعيّة، وأنّه آن لهذا الفصل المسرحي أن ينتهي؟

بات كلاماً ممجوجاً أن يُطلب من القوى السياسية التخلّي عن مشاريع خاصّة لا تتلاءم ومصلحة المجتمع. لكن، هل من بودولسكي واحد على امتداد مساحة هذا الوطن، يحترم ــــ على الأقلّ ــــ مشاعر الناس الذين وُلد وإيّاهم على الأرض نفسها؟

هل من بودولسكي واحد يضحّي، ولو بالاحتفال بفوزٍ أو بتسجيل هدف، احتراماً لمشاعر الخاسرين؟

هل من بودولسكي واحد يعترف بأنّ أهدافه النبيلة والشريفة قد سبّبت الأسى لشعب بات يمضي حياته متفرّجاً على المدرّجات؟ه

ل من بودولسكي واحد يعتذر من أهالي الضحايا الذين سقطوا في اشتباكات متفرّقة، بعضها عبثيّ وبعضها الآخر ممعن في العبثيّة؟

هل من بودولسكي واحد يعتذر من أولئك المواطنين الذين يبحثون في القمامة عن لقمة عيش، أم أنّ الفقر قدر لا علاقة له بما يفعله صنّاع السياسات وراء مكاتبهم؟

هل من بودولسكي واحد يعتذر من الذين نزلوا إلى الساحات، رافعين أحلام التغيير، فلم يحصدوا إلا الخيبة؟

لا تطرح قضيّة لوكاس بودولسكي سؤالاً على القوى السياسيّة اللبنانية وحسب. إنّها قضية تطال المجتمع برمّته. مجتمع يُطلَق فيه الرصاص ابتهاجاً، فيما الحزن يلفّ الطرقات...

لم تكن المباراة الأخيرة بين المنتخبين الألماني والبولوني اعتياديّة. كانت أكثر من لعبة، وكان بودولسكي أكثر من لاعب. لقد سجّل هدفين في مرمى الخصم، وأكثر من هدف في مرمى العالم.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 9 يونيو 2008,9:37 م
إنّه الخوف
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاثنين ٩ حزيران ٢٠٠٨
لسنا وحدنا في هذا العالم. يمكن استخدام هذا الشعار للقول إنّنا لسنا وحدنا من يراقب الأفق المسدود الذي تدفعنا القوى السياسيّة إليه، قبل أن تعود مجتمعاتنا وتجدّد بألف طريقة وطريقة لهذه القوى نفسها. فقد أعاد الإيطاليّون سيلفيو برلسكوني إلى الحكم، وقد سبقهم الفرنسيّون باختيارهم نيكولا ساركوزي رئيساً، مصوّتين لقِيَم وسياسات سبق اختبارها. لقد استغلّ اليمين الأوروبي إخفاقات اليسار، لكنّه استغلّ أيضاً ــــ وفق ما رأى المحلّلون ــــ عامل الخوف: الخوف من العامل الغريب، الخوف من أبناء الضواحي، الخوف على المستوى المعيشي مع انهيار مكاسب عمرها عشرات السنين...
الخوف نفسه دفع اللبنانيين إلى التمترس وراء زعيم أوحد للطائفة، وإلى الهتاف باسمه، والتماهي معه، وإشاحة النظر عن أخطائه وخطاياه. إنّه خوف من الخارج، سوريّاً كان أو سعوديّاً أو أميركيّاً أو إسرائيليّاً. إنّه خوف من الطائفة الأخرى، في بلد لا يستطيع الصراع السياسي، مهما بلغت حدّته، أن ينفي وجهه الطائفي. وقد تعزّز هذا الخوف بعد الدعم الدولي الجارف الذي تلقّاه أحد الأطراف، وبعدما شنّ الطرف الآخر حملته العسكريّة الخاطفة داخل مدينة بيروت وبعض قرى الجبل. إنّه خوف على المكتسبات المعيشيّة بعد ارتفاع الأسعار الفاحش وضمور دور قنوات التوزيع عبر الحكومة شبه الغائبة.
كثيراً ما جرى الحديث في السنوات الثلاث السابقة عن ضعف التمترس لدى المسيحيّين وراء زعيمهم. والواقع أنّ شعبيّة العماد ميشال عون عرفت مدّاً وجزراً خلال تلك السنوات. لكنّ الوقائع أثبتت أنّ عون عرف، وقت الشدائد، كيف يشدّ العصب المسيحي، في ظلّ خوف هذه الطائفة المتزايد من التهميش والإبعاد عن المشاركة، من دون أن يعني ذلك احتكار عون للتمثيل المسيحي، كما حصل لدى الطوائف الأخرى. لقد انتصر في الشارع المسيحي هذا النوع من الخوف، في ظلّ غياب قوى رديفة تذهب بالسياسة نحو عوالم مختلفة. فقد اقتصرت محاولات القوى المسيحيّة المناوئة لعون على بثّ خوف... من أنواع أخرى.
بعد حوادث بيروت الأخيرة، ربّما أصبح من الأسهل كسر احتكار «المستقبل» للتمثيل السنّي. لكن، هذه المرّة أيضاً، سيكون الخوف سيّد الموقف. فقد ارتفعت أصوات داخل الطائفة السنّية تدين تيّار المستقبل لظهور «عجزه» عن حماية الطائفة!
سيظهر هنا دور لقوى عديدة تلعب لعبة المستقبل نفسها في توفير ما يمكن أن نسمّيه «شبكات أمان محليّة». فلم يكن «المستقبل» وحيداً في محاولة ملء الفراغ، بعدما تراجع دور الدولة في توفير حاجات المواطن الأساسيّة. تميّز دور المستقبل بأنّ سياساته أضعفت الدولة (فهو ينادي بدولة قوية في كلّ شيء، إلا في توفير التقديمات الاجتماعية)، أمّا سعيه إلى إنشاء الشبكات في الأحياء أو دعم شبكات كانت قائمة، فلا يختلف فيه عن قوى سياسية أخرى قامت بالأمر نفسه، وخصوصاً في مدينة طرابلس. لقد بات دور هذه الشبكات أساسياً في اختيار الزعماء. وهو خيار قائم على الخوف، هو الآخر.
المخيف في لبنان أنّ سياسة الخوف هذه لا تكاد تخيف أحداً. بالعكس تماماً، ينخرط الجميع فيها من دون تردّد، كلٌّ من زاويته...
في رواية سمجة للاستقطاب الحاد في لبنان، يصرّ البعض على إظهار نفسه كمدافع عن «ثقافة الحياة» في وجه «ثقافة الموت». الواقع أنّنا جميعاً أسرى ثقافة الخوف الذي يبتلع البلاد من أقصاها إلى أقصاها.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 5 يونيو 2008,9:34 م
قرنة شهوان
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الخميس ٥ حزيران ٢٠٠٨
رغم أجواء الودّ والوئام التي سادت في الدوحة وما بعد الدوحة، يواجه تأليف الحكومة بعض العوائق الوطنيّة الكبرى. ولعلّ أبرز هذه العوائق أنّ الحكومة تتشكّل على أبواب انتخابات نيابيّة. ففي مثل هذا التوقيت، تصبح الوزارة مسرحاً يتقاطر إليه الممثّلون لتقديم عروض متواصلة أمام المواطن الذي سيتحوّل مقترعاً في مستقبل قريب.
يمكن التوقّف طويلاً أمام صراعات الكتل الكبرى، وطريقة اختيارها لممثّليها، وخصوصاً تلك التي تواجه وفرةً في مرشّحيها لانتخابات نيابيّة بدأ يضيق عدد مقاعدها على الطامحين لملئها، كما يمكن التمادي في وصف اللهاث وراء الحقائب الخدماتيّة. إلا أنّه يكفي النظر إلى حالة نموذجيّة في هذا السياق. حالة تُدعى «قرنة شهوان».
لقد سبق لهذا اللقاء السياسي أن حلّ نفسه طوعاً، وأعلن ذلك أمام الملأ. وأعضاؤه السابقون الذين يتمثّلون اليوم في المجلس النيابي لا يشكّلون كتلة تحمل اسم اللقاء السابق، وإنّما ينتمون إلى كتل سياسيّة مختلفة أو يمثّلون أنفسهم ومناطقهم كمستقلّين. لكنّنا شهدنا، وما زلنا نشهد، صراعاً بشأن تمثيل هذا اللقاء الذي لم يعد قائماً، في الحكومة المقبلة.
إنّها حالة فريدة حقّاً، أن تطالب كتلة نيابيّة غير موجودة، تمثّل لقاءً سياسياً غير موجود، بحصّتها الوزاريّة. لكن ما العمل، ما دامت الموالاة بحاجة إلى منافسة التيار الوطني الحر في الشارع المسيحي، حتّى لو تطلّب الأمر إعادة إحياء عظام الموتى، وهي رميم.
لنتجاوز هذه الملاحظة الشكليّة، وننتقل إلى ما رشح من تفاصيل بشأن تعيين وزير من لقاء قرنة شهوان.
حُسم الأمر بدايةً لمصلحة النائب بطرس حرب. فالرجل يستعدّ لخوض أمّ المعارك بوجه الصهر المدلّل للجنرال ميشال عون. وللصهر في لبنان حكاية تطول تمتدّ من سليمان فرنجيّة إلى إميل لحود، وصولاً إلى الجنرال ميشال عون (ولا ننسى الرئيس أمين الجميّل). بطرس حرب يستحقّ الوزارة ليضمن فوزه في هذه المعركة الكبرى. فماذا يبقى للتيّار الوطني الحرّ إذا هُزم جبران باسيل في البترون؟
لكن، مهلاً... السيّدة نائلة معوّض تنوي التقاعد، وإعداد ابنها السيّد ميشال لوراثتها في دورها الوطني. صحيح أنّ ميشال يستطيع أن يتّكل على رصيده الشخصي، وعلى إرث عائلي في مدينة ترفع من شأن العائلة فوق كلّ اعتبار، إلا أنّ إطلالةً وزاريّة قد تسمح له بحسم المعركة لمصلحته مسبقاً. ميشال القادم من حضن العائلة اصطدم بتقاليد وطن العائلات نفسه. فقد درجت العادة على احترام القاعدة التالية: إذا ما وُزّر أحد من عائلة معوّض في حكومة ما (الست نائلة في هذه الحالة)، ينبغي أن يوزَّر أحد من عائلة زغرتاويّة أخرى في الحكومة التالية. وبناءً عليه، فقد السيّد ميشال حظوظه في وراثة مقعد والدته الوزاري، على أمل أن تقدّم له قوانين الإرث مقعداً نيابياً.
لم يكن حظّ بطرس أفضل من حظّ ميشال. ذلك أنّ أولويّات المعركة الانتخابيّة تفرض تأمين كتلة مسيحيّة لا بأس بها لرئيس الجمهورية المنتخب حديثاًَ. لذلك، اتّجهت الأنظار صوب الشلّة السياسيّة التي تحيط بالعماد ميشال سليمان، ووقع الاختيار على السيّد منصور غانم البون، أملاً بقدرته على خوض معركة انتخابية في كسروان تصيب عصفورين بحجر واحد: تحجيم التيار الوطني الحر، وبناء كتلة دعم للرئيس الجديد.
ما زال الأمر غير محسوم حتّى اللحظة. غير أنّ البون يبدو الأوفر حظّاً وفقاً لآخر أحوال البورصة. وفي جميع الأحوال، ليس اسم الوزير ما يهمّنا هنا. ما يهمّنا أنّه يُراد لنا كأفراد وكشعب أن نمضي وقتنا في متابعة ترّهات من هذا النوع، ودائماً تحت شعار «بناء الدولة».

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 4 يونيو 2008,9:34 م
أنقِذونا من الانفراج!
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ٤ حزيران ٢٠٠٨
ثمّة في لبنان من يحاول رفع المسؤوليّة عن نفسه، وتمرير الرسالة الآتية: إنّ تدهور الوضع المعيشي هو نتيجة للأجواء السياسية التي سادت البلاد في الفترة السابقة. وما إن تُفتَح الطريق أمام مرحلة سياسية جديدة، حتّى ينتعش الاقتصاد اللبناني. وغالباً ما تترافق هذه الرسالة مع دعوات من نوع: أبعدوا الاقتصاد عن السياسة، ولا تدخلوا الصراعات السياسية في النقاشات الاقتصادية.
يمثّل وزير المال الحالي الوجه الأبرز لهذا المنطق، يساعده في ذلك ادّعاؤه دخول الشأن العام من باب الدراسة الجامعية، لا من باب الانتماء السياسي. ورغم أدائه دور التلميذ النجيب للرئيس فؤاد السنيورة، تجنّب طوال المرحلة السابقة إطلاق تصاريح سياسيّة، والتزم بحدود وظيفته التي سعى جاهداً لإبراز وجهها التقنيّ ليس إلا، حتّى ليحار المرء ما إذا كان أمام وزير للمال ومهندس للسياسات الضريبية والمالية، أو أمام حرفيّ يقوم بواجب روتيني. أكّد جهاد أزعور أمس أنّ «الوضع الاقتصادي والوضع المالي سيكونان أفضل، وحتى الوضع المعيشي».
كأنّ هذه الـ«حتّى» تؤكّد الأولويّات الأزعوريّة التي تحظى فيها المؤشّرات العامّة بمرتبة أعلى من تلك المتّصلة بحياة المواطنين اليوميّة. ذلك أنّه، بحسب وزير المال، «ما يؤثّر سلباً على الوضع المعيشي هو عدم وجود حركة اقتصادية كبيرة تخلق فرص عمل وإمكان نموّ».
لقد حفظ أزعور الدرس جيّداً. فالنموّ، كما تخبرنا الكتب المدرسيّة، يخلق فرص عمل، وفرص العمل تعني انخفاضاً في معدّلات البطالة، وارتفاعاً في مستوى المعيشة. لكنّ الواقع ــ ويا للأسف ــ لا يطابق دائماً النظريّات المبسّطة. والنموّ في لبنان، نتيجة سياسات اقتصاديّة محدّدة ومختارة بعناية، ليس غالباً من النوع الذي يخلق فرص عمل. وقد أدرك اللبنانيّون ذلك، وانتشروا في بقاع الأرض يبحثون عن وظيفة، وباتوا يكترثون لانخفاض القيمة الشرائيّة لتحويلات المغتربين أكثر من اهتمامهم بمعدّلات النموّ العقيم. أمّا سبب هذا الانخفاض، فيعرفه وزراء الحكومة تماماً، ولا سيّما أنّهم غطّوا لعبة رفع الأسعار من أجل امتصاص مسبق لتصحيح الأجور.تخفيفاً لتوقّعات ليست في محلّها، تنبغي الإشارة إلى أنّ انفراج الأجواء السياسيّة قد يخلق فعلاً بعض الوظائف الموسميّة المعتمدة على السياحة، وقد يحرّك القطاع العقاريّ الذي لا ناقة لكثير من اللبنانيين فيه، باستثناء فقدانهم أيّ أمل بالتملّك داخل بلدهم. لكنّ انفراج الأجواء السياسيّة قد يعني أيضاً إطلاق يد رئيس الحكومة السابق واللاحق في فرض مزيد من السياسات المنحازة لمصلحة طبقة بعينها. لذلك يجب الحذر والانتباه.
فانخفاض الوضع المعيشي لم ينجم عن خمول في الحركة الاقتصادية وحسب، يل عن سياسات ماليّة وضريبيّة تعمّدت توزيع الأعباء الضريبية بين اللبنانيين بطريقة غير عادلة، وسعت جاهدة إلى توفير أسباب الربح السريع لطبقة محدّدة، واعتمدت سياسة جائرة تجاه ذوي الدخل المحدود، ودفعت (وما زالت) الدولة إلى التخلّي عن مسؤوليّاتها في تأمين سلع أساسيّة بأسعار مخفوضة... إلخ.
إنّ الدعوة لرفع يد السياسة عن الاقتصاد هي دعوة مضلّلة. فهي تدعو، من جهة، إلى عدم وضع العصيّ في العجلة الاقتصادية خدمةً لمناكفات سياسيّة. لكنّها توحي، من جهة أخرى، كأنّ الاقتصاد يسير وفقاً لقواعد وقوانين علميّة لا سجال بشأنها، وكأنّ القيّمين على السياسات الاقتصادية لا ينطلقون من أفكار وميول ومواقع محدّدة، إنّما هم زاهدون ينفّذون السياسة المثلى التي حدّدتها لهم علوم حياديّة.
بعكس هذه الدعوة المشبوهة، ينبغي جعل السجال بشأن السياسات الاقتصادية أحد الأسس الرئيسية للانقسام السياسي... قبل أن تقدم حكومة «الوحدة الوطنية» على ارتكاب حماقات عجزت الحكومة «غير الشرعية» عن ارتكابها.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 3 يونيو 2008,9:32 م
سمير قصير
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الثلاثاء ٣ حزيران ٢٠٠٨
اختار النائب وليد جنبلاط ذكرى استشهاد الصحافي والمؤرّخ سمير قصير ليشنّ هجوماً على «بعض المثقّفين الآخرين الذين ينظّرون للثورة، من المتمركسين إلى المتأسلمين». ليس واضحاً كيف تمكّن البيك الاشتراكي من استخدام ذكرى صحافيّ اتّسم بثورته الدائمة، لشتم المنظّرين للثورة.
فقد تكون إحدى السمات الأساسيّة لسمير قصير أنّه، بعكس الكثير من زملائه الصحافيّين والأكاديميّين، لم يختر لنفسه موقع المثقّف النقدي الحيادي. كان من ذاك الصنف الذي يعرف أنّ على المثقّف أن يختار جيّداً موقعه السياسي، وأن يدافع عن هذا الموقع، من دون أن يفقد حسّه النقدي تجاه الجالسين معه في الخندق نفسه.
هكذا لم تقلّل حماسة سمير قصير لانتفاضة الاستقلال من غيظه وضيقه من الشعارات العنصريّة التي رُفعت خلال تلك الانتفاضة. ولم تُعمِه حماسة الخطباء عن التحذير من اللحظة التي سينقلب فيها القادة على أحلام المنتفضين. لقد كان شريكاً في صناعة تلك الانتفاضة، ولم يمنعه ذلك من انتقاد جماهيرها حيناً وقادتها حيناً آخر، إلى أن كتب مقالته «انتفاضة في الانتفاضة» التي وجّه فيها انتقادات إلى قادة في قوى 14 آذار لا يحسنون إلا اللهاث وراء المكاسب الضيّقة.
لكنّ ذلك لم يدعُ سمير إلى الخروج من ملعب 14 آذار. فقد كان يعرف أيضاً أنّ المثقّف لا يختار موقعه السياسي في الفراغ، في فضاء من الأفكار والمبادئ المفصولة عن الزمان والمكان، بل في لحظة تاريخيّة معيّنة، ووسط موازين قوى محدّدة. اختار سمير خندقه في تلك اللحظة، وكثيرون من الرفاق اليساريّين انتقدوا مشاركة فصيل يساريّ ومثقّف يساري في «ثورة الأرز».
لكنّ سمير عرف كيف يصنع لليسار موقعاً وموقفاً وقيمة إضافيّة داخل تحالف هجين كتحالف قوى 14 آذار.
قد يكون هذا هو بالضبط الدور الذي لم يحسن تأديته التيّار الذي تركه سمير قصير وراءه. فقد أخفق اليسار الديموقراطي في إضفاء أي معنى على وجوده ضمن حلف الأكثرية في لبنان. لم تكن المشكلة، كما صوّرها خصومه من أهل اليسار، في التحاق تيار يساري «بركب الإمبريالية»، بل في ضآلة التأثير الذي حاول هذا التيار أن يقوم به داخل المركب الذي اختاره لنفسه.
فلم يحسن ذاك اليسار استخدام توجّهاته اللاطائفية داخل تجمّع من القوى الممعنة في ممارسة أبشع أشكال التحريض المذهبي. ولم يحسن رفع لواء القضايا الاجتماعية والاقتصادية للتخفيف من مغالاة بعض الحلفاء في تطبيق السياسات المنحازة طبقياً. ولم يحسن الدعوة إلى عدم اختزال التيار السيادي إلى تيار معادٍ لسوريا حصراً. ولم يحسن ضبط النزعات العنصرية. من سوء الحظّ، لم يخفق اليسار الديموقراطي وحسب، بل دفع اللهاث وراء المراكز بعض قادته للمزايدة على أمراء الطوائف في لبنان.
كان سمير قصير حادّاً وحازماً في دفاعه عن التقدّم وقيم التنوير، إلا أنّه لم ينظر ولا مرّة إلى الإسلاميّين في لبنان كجسم غريب، بعكس كثير من المثقفين الذين يرفضون حتى معاملة حزب الله وسواه من الحركات الإسلامية كلاعب سياسي. كان قصير يدرك أنّ هؤلاء هم جزء من أهله وشعبه، وأنّه مهما بلغت حدّة الانقسام، يبقَ اللقاء معهم جزءاً من مسؤوليّة تقع على عاتق الجميع.
مرّة أخرى، لم يجد سمير من يكمل طريقه هذا داخل قوى 14 آذار، باستثناء أصوات خفيضة عبثاً تحاول ألا يبقى سمير وحيداً في حديقة، وسط المدينة التي أحبّها حتّى الموت.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 2 يونيو 2008,9:31 م
مسؤوليّة المعارضة
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاثنين ٢ حزيران ٢٠٠٨
عند ترشيح الأكثريّة النيابيّة للرئيس فؤاد السنيورة لولاية ثانية، سادت نكتة سمجة مفادها أنّ المعارضة ستردّ على هذه الخطوة عبر ترشيح وزراء هجوميّين أو مشاكسين. فترشيح السنيورة عُدّ استفزازيّاً، وعلى المعارضة أن تردّ بخطوة استفزازيّة مقابلة. من حسن الحظّ أنّ هذه الفكرة قد طُوِيَتْ سريعاً. فالإقدام عليها يعني، ببساطة، أنّ المعارضة لا تدرك حجم المسؤوليّة الملقاة على عاتقها في الفترة المقبلة. واللجوء إلى وزراء مشاكسين أو هجوميّين يوحي كأنّ المعارضة مستعدّة للتضحية بمصالح الناس التي تؤتمن عليها ضمن الوزارات التي ستتسلّمها، خدمةً للنكايات السياسيّة. والواقع أنّ المعارضة اليوم أمام امتحان صعب لأسباب عديدة:أوّلاً، إذا ما استثنينا حركة أمل التي كانت شريكاً فاعلاً في الحكم طيلة الحقبة السوريّة، فإنّ فصيلاً أساسيّاً في المعارضة، هو التيّار الوطني الحرّ، كان مقصىً بصورة كاملة عن المشاركة. أمّا حزب اللّه، فقد شارك مباشرة للمرّة الأولى في الحكومة السابقة، إلا أنّ الانسحاب السريع لوزرائه لم يسمح برسم صورة واضحة عن أدائهم في وزاراتهم. إنّها، إذاً، فرصة أمام التيار الوطني الحر وحزب الله للبرهان أنّهما، كما يدّعيان، يقدّمان نموذجاً مختلفاً في الحكم.ثانياً، بغضّ النظر عن جدوى خطاب محاربة الفساد، فإنّ التيار الوطني الحر جعل من هذا الخطاب أحد العناوين الرئيسة لعمله السياسي. وكان من السهل عليه انتقاد الفساد والفاسدين، ما دام خارج السلطة. ولم تكن تجربة الحكومة الانتقاليّة التي رأسها العماد ميشال عون عام 1988، والظروف التي أحاطت بها، من النوع الذي يسمح بتقويم أداء الجنرال كمشارك في السلطة. اليوم، أصبح هذا الخطاب على المحكّ، وعلى التيّار أن يثبت فعلاً، لا قولاً، لمناصريه قبل خصومه، أنّه بعيد عن شبهة الفساد.ثالثاً، سبق لحزب اللّه أن أعلن أنّه من الآن فصاعداً سيكون معنيّاً بتفاصيل تفاصيل الحياة السياسيّة اللبنانيّة، وأنّ هذا الموقف لا تراجع عنه. وهذا يعني أنّ نشاط الحزب السياسي لن يقتصر بعد اليوم على المقاومة وحدها. وهذا ليس حقاً للحزب وحسب، بل واجب عليه كحزب منتخب من الشعب اللبناني وممثَّل في البرلمان. لذلك، لا تبدو خطوة التنازل عن مقاعد الحزب الوزارية لحلفائه موفّقة، وخصوصاً أنّ بعض هؤلاء الحلفاء لا يختلفون في أدائهم عن أحزاب السلطة وتيّاراتها.رابعاً، يخطئ حزب الله إن ظنّ أنّ مصلحته بعد التوافق تقضي بأداء دور «شاهد ما شفش حاجة» في الحكومة، وأن يكتفي باعتراض خفيض الصوت على سياسات اجتماعية واقتصادية جائرة، بحجّة حماية الوحدة الوطنيّة، كأنّ الوحدة الوطنيّة لا تقوم إلا على أكتاف الفقراء والمهمّشين. لقد استخدم بعض المراقبين عبارة «هروب» حزب اللّه من وزارة الطاقة (التي كانت في عهدة الوزير محمّد فنيش في الحكومة السابقة)، نظراً إلى ما تحويه هذه الوزارة من تعقيدات. إذا كان هذا «الهروب» صحيحاً، فهو لا يُسجَّل في مصلحة حزب اللّه، وخصوصاً أنّ شأناً هامّاً كخصخصة الكهرباء مطروح على الطاولة.تُؤلّف هذه الحكومة فيما نحن على أبواب انتخابات نيابيّة. لا بدّ من الملاحظة أنّ الموالاة والمعارضة تتهافتان بالحماسة نفسها على الحقائب الخدماتيّة، في مشهد ذي دلالة على النظرة إلى معنى الوزارة ومعنى النيابة. صحيح أنّ التغيير بمعناه الواسع لم يكن يوماً على جدول أعمال المعارضة، لكن ثمّة خطوات صغيرة لا بدّ من القيام بها، ولو من باب الإصرار على التمايز.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments