الجمعة، 30 نوفمبر 2007,7:30 م
أنا أو الحرب

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٣٠ تشرين الثاني


حين تصل السياسة إلى مأزق، تلجأ الدول البرلمانيّة عادة إلى الانتخابات.حين تصل السياسة إلى مأزق، يلجأ لبنان إلى الجنرالات.الهروب من السياسة إلى خارجها لعبة يتقنها الزعماء اللبنانيّون، ويمارسونها بخفّة لا تكاد تُحتمَل.هكذا اعتبرت السلطة أيّ حديث عن انتخابات مبكرة خرقاً للدستور، وتزويراً لإرادة الشعب. أمّا تعديل الدستور لإيصال قائد الجيش إلى سدّة الرئاسة، فهو ما ترحّب به السلطة نفسها. بكلام آخر، حين قرّرت السلطة تقديم تنازل ما، فضّلت تقديمه لحكم العسكر على تقديمه لحكم المواطنين.يحدث ذلك، وتجربة إميل لحود المريرة لم تمضِ أيّام على انتهائها، ومخيّم نهر البارد لا يزال منطقة منكوبة بعدما شهدت ساحتها أبشع أنواع الارتكابات. يحدث ذلك، وجرح الضنّية لمّا يندمل.لسنا هنا أمام من يخيّرنا، كما يفعل الجنرالات عادة، بين حريّة أكثر أو عدالة أكبر. سنكون بالتأكيد أمام عودة التحالف بين السياسات الاقتصادية المنحازة طبقياً والجزمة العسكرية الجاهزة للقمع. شهدنا تفاهماً من هذا النوع في النصف الأوّل من التسعينيات. نستطيع أن نتخيّل نتيجة تحالف كهذا حين يأتي معطوفاً على معادلة: «أنا أو الحرب الأهليّة».كالعادة، سيترحّم اللبنانيّون على العهود السيّئة التي كلّما انقضت جاء عهد أسوأ منها.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 29 نوفمبر 2007,7:29 م
مدلج الفينيسيا

خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ٢٩ تشرين الثاني

«لا علاقة تنظيمية بين أفواج طرابلس وتيار المستقبل. لكن حركة التوحيد تابعة تسليحاً وتدريباً وتمويلاً لحزب الله». هذه خلاصة طلع بها أحد نوّاب «المستقبل» من أبناء طرابلس البارّين.ليس واضحاً سبب تدخّل سعادة النائب للحديث عن مشاكل الأحياء الصغيرة، فهي لا تستحق أصلاً أن يعطيها بعضاً من تحليلاته. فالنائب المستقبلي مكلّف عادة بمتابعة القضايا الاستراتيجية من الحرب المحتملة على إيران، إلى نشر الديموقراطية في المنطقة، إلى القدرة على لحظ التفاصيل الخفيّة التي تربط بين خطاب للجنرال ميشال عون وسقوط قتيل من الجيش الأميركي في العراق. وأحياناً، كان سعادته ينتقل من الاستراتيجيا إلى القضايا الفكرية، فيشرح تفصيلاً عن اللغة الخشبية لليسار وأخواته.محلّل استراتيجي من هذا الطراز كان عليه ألّا يقع في فخ التذاكي الرخيص، وخصوصاً أنّ اثنين من أبناء المدينة التي انتخبته قد سقطا ضحايا الأجواء المسمومة التي ساهم التيار الذي ينتمي إليه في نشرها.لكن كيف لأحد أن يوجّه نقداً لسعادة النائب. فهو لم يخرج أصلاً من بيننا. إنّه قادم من مسرحية رحبانية. فقصّته، كما كتبها ذات مرّة في الصحيفة التي تحمل اسم تياره السياسي، هي قصّة بطل «جبال الصوان». كان النائب بكل تواضع يشرح لابنته الصغرى لماذا يسكن الآن بين جدران فندق.مدلج على بوّابة الفينيسيا. الموت المجاني بدأ يضرب. أبعدوا مدلج عن شاشات التلفزيون.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 28 نوفمبر 2007,7:28 م
عالم الدمى
خالد صاغيّة
الأخبار عدد الاربعاء ٢٨ تشرين الثاني

الدمية تريد أن تشكر سيّدها.فلنصنع لها مؤتمراً كي تشكر سيّدها. ولندعُ العالم كي ينظر إلى الدمية وهي تشكر سيّدها.الدمية تريد أن تشكر سيّدها.فلنعدّ المنبر كي تقف الدمية وتشكر سيّدها.ثمّة من سحب خيطاً، فمشت الدمية. ثمّة من شدّ خيطاً، فتوقّفت الدمية. ثمّة، من حرّك خيطاناً، فنطقت الدمية:يا سيّد الكون، ما أجملك. يا سيّد الكون، ما أكملك.انظر إليّ جيّداً، واحتقرني جيّداً.من أجلك ارتديت ربطة عنق، فاخنقني بها. ومن أجلك تعلّمت لغات، فاشتمني بها.ومن أجلك، أهنْتُ شعبي وقتلت نسائي، فاسمح لي، يا سيّد الكون، أن أشكرك.العالم كلّه يسمع. أريد أن أشكرك. فلسطين كلّها تسمع. أريد أن أشكرك.ها قد جئت هنا مع زملائي من عالم الدمى. جميعهم يريدون أن يشكروك. يا من أمرت بشنّ الحروب علينا. يا من صنعت الأسلحة التي قتلتنا.زميلتي الدمية الأولى جاءت تعتذر عمّا فعله أهلها.وزميلتي الدمية الثانية تحلم، منذ زمن، بمصافحة قاتلها.وزميلتي الدمية الثالثة لا شغل لها هنا، إنّما جاءت نكاية.وزميلتي الدمية الرابعة والخامسة والسادسة...انظر إلينا جيّداً، واحتقرنا جيّداً.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 27 نوفمبر 2007,7:26 م
ملء عين الفراغ

خالد صاغيّة

الأخبار عدد الثلاثاء ٢٧ تشرين الثاني

ما كاد المواطن ألِف يشعر بقليل من السعادة، وهو يتمشّى في الفراغ، حتّى جاء فؤاد السنيورة ليملأه. كان ألِف سعيداً بتحدّي قوانين الجاذبية، والأعراف السياسية، ومستمتعاً بالعيش وحيداً في فراغ مطلق. لكن، سرعان ما عُكِّر مزاجه، وتنطّح من يعطي لنفسه دوراً لم يطلبه منه أحد.يدرك رئيس الحكومة ذلك. وقد سعى لطمأنة المواطنين إلى أنّ حكومته «لن تقدم على أيّ خطوة استفزازيّة».ثمّة من لا يريد أن يفهم. ليست الخطوات اللاحقة ما يمكن أن يستفزّ اللبنانيين. في الواقع، لقد سبق الفضل. فقد ارتكب رئيس الحكومة ما يكفي من خطوات سابقة، ودعسات ناقصة، حتّى أصبح شخصه الكريم على رأس الحكومة، بحدّ ذاته، أمراً مستفِزّاً لقسم كبير من اللبنانيّين.بمعنى آخر، أصبح فؤاد السنيورة، ومع الأسف، يشكّل بالنسبة إلى قسم من اللبنانيين ما شكّله إميل لحود بالنسبة إلى القسم الآخر. الفارق أنّ الأخير احتاج لتسع سنوات لبلوغ هذه الحال، فيما لم يتطلّب السنيورة أكثر من سنتين.لكن لا أحد يرغب في النظر في المرآة، على ما يبدو. فرئيس الحكومة لا يريد أن يملأ الفراغ وحسب، بل يعد بأن تكون قراراته «مدروسة». لكنّه لا يخبرنا من ذا الذي سيدرسها. فما من شكّ في أنّ القرارات السابقة كانت مدروسة هي الأخرى، وقد أُشبِعت درساً، لكنّ النتائج كانت كارثيّة. هل يا ترى سيشارك أحمد فتفت في الدراسة؟

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 26 نوفمبر 2007,7:25 م
كورنيشون


خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٠٧

رغم أجواء التشاؤم التي أشاعها بقاء موقع الرئاسة فارغاً، أسهمت الأحداث الأخيرة في إنتاج إيجابيات كثيرة:أوّلاً، عاد وزير الخارجية الفرنسي إلى باريس بأفكار جديدة حول النظام السياسي الفرنسي. فكثير من الاحتجاجات التي شهدتها فرنسا أخيراً على سياسات الرئيس نيكولا ساركوزي «الإصلاحية»، ناتجة من انتخاب الرئيس الفرنسي من الشعب مباشرة، من دون مشاركة الإكليروس. سيقترح كوشنير أن تعاد الانتخابات الرئاسية بعد تقديم الكاردينال كورنيشون، كبير أساقفة فرنسا، لائحة بأسماء سياسيّين فرنسيّين يرى فيهم مواصفات صالحة لسيّد الإليزيه.ثانياً، نجح النائب سعد الدين الحريري في إثبات قدرته على وراثة والده. فتماماً كما استوعب الأب تهميش الشارع المسيحي عبر استرضاء البطريرك ودغدغة مشاعره، يحاول الابن القيام بالأمر نفسه. في المرّة الأولى، كانت الحجّة سوريا. وفي المرّة الثانية، إنّها إيران.ثالثاً، سيتمكّن اعتصام وسط بيروت من الاحتفال بعيده السنويّ الأوّل، من دون أن يعكّر ذلك أيّ توافق محتمل.رابعاً، أسقط الشعب اللبناني الكثير من الأوهام التي تحوكها المؤسّسات الحديثة حول نفسها. فالجمهورية من دون رئيس. والحكومة مشكوك بشرعيّتها. والمجلس النيابيّ عاجز عن الاجتماع. ورغم ذلك، «البلد ماشي».بالمناسبة، هل من يذكر تلك الأغنية؟ هديّة كبرى يقدّمها الكاردينال كورنيشون للفائزين، هي عبارة عن صليب لمن يستهوي تعليق نفسه على خشبة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 22 نوفمبر 2007,12:45 ص
العشائر والبطريرك
خالد صاغيّة
الأخبار الأربعاء ٢١ تشرين الثاني
الرئيس الأميركي جورج بوش معجب بتجربة الأنبار في العراق، حيث لُزِّم التصادم مع تنظيم «القاعدة» إلى العشائر المسلّحة أميركيّاً. لذلك، يريد نقل التجربة إلى منطقة القبائل في باكستان.
فالرهان على الحكومة العراقية لوقف أعمال المقاومة والعنف الأهلي، قد سقط. وكذلك الرهان على الدولة المركزية في باكستان، حيث يقتصر طموح برويز مشرّف على حفظ رأسه، وحيث لم يُحصَر استخدام السلاح بالدولة في منطقة القبائل في أيّ يوم من الأيّام.
وإذا كانت التوأمة بين الصحافي والعسكري مطلوبة خلال فترة الحملة العسكرية، للتواطؤ معاً على إخفاء الحقائق المرعبة وتسويق الصور الورديّة حول رشّ الأرزّ على المحرّرين الأميركيين أينما حلّوا، فإنّ التوأمة الآخذة في التمدّد اليوم هي بين العسكري والأنثروبولوجي. لذا بات الجنود الأميركيّون بحاجة إلى من يسعفهم في كيفيّة استمالة الناس والتعاطي مع عاداتهم وتقاليدهم وحاجاتهم اليوميّة.
تقنيّات الاستعمار هذه ليست بجديدة. الجديد أنّها تُستخدَم اليوم لتقويض الأسس التي شُنَّت الحملات العسكرية الأميركية باسمها. فمع انتهاء عملية الغزو في العراق، انصرف الأميركيون إلى مهزلة إعداد برامج لتدريب العشائر على الديموقراطية. وانتهى الأمر بمأساة تدريبهم على السلاح.
هل هي المصادفة وحدها وراء اكتشاف جورج بوش للقبائل في العراق وباكستان، واكتشاف برنار كوشنير للبطريرك الماروني في لبنان؟

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 20 نوفمبر 2007,7:24 م
حنين كوشنير

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٠٧

يا أيّها اللبنانيّون،ها قد جئتكم بنفسي. تركت بلادي المتقدّمة، ولوّثت قدميّ بترابكم، ورئتيّ بهوائكم. لمَ لا تسمعون منّي، وتنفّذون ما أقوله لكم؟ أوتتصرّفون كالمراهقين الذين يحاولون التمرّد على سلطة أهلهم؟ أنا المستعمر السابق هنا. عودوا إلى رشدكم، واسمعوا كلامي.يحاول وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير أن يقول علناً، وبعفوية، ما كانت عينا برنار إيمييه تشي به، وما تخفيه كلمات نيكولا ساركوزي بين سطورها. إنّه الأجرأ على التصرّف بما يفكّر. وهو يظنّ أنّ التعاطي الفوقيّ يكفّ عن كونه كذلك إذا ما جاء مقروناً بحركة جمباز من هنا، وضحكة مصطنعة من هناك. فنحن، اللبنانيين، علينا أن نسير في لائحة البطريرك. فقد قرّر الطبيب الأبيض أنّ رجل الدين الثمانينيّ هذا هو الأكثر حكمة والأكثر تمثيلاً والأكثر إدراكاً لمصلحة طائفته.لذلك، فوجئ كوشنير بأنّ ثمّة «أمراً عالقاً» في العملية الانتخابية. فهو لم يحكّم البطريرك فحسب، بل أخذ بركة سوريا وإيران أيضاً. وهو يتساءل ببراءة «لماذا لا تمشي إذاً مبادرة فرنسا؟»، وخصوصاً أنّ بلداناً أخرى تتدخل دائماً في اللعبة اللبنانية.يا أيّها اللبنانيّون،ها قد جئتكم بنفسي. امشوا معي. لا تجعلوني أبدو غبياً. لقد استأذنت أسيادي الأميركيّين، وأعطوني مهلة كي أنهي هذا الأمر. ماذا سأقول لهم الآن؟ما كان يجب أن ترحل جيوشنا عن هنا. ما كان يجب أن ترحل جيوشنا عن هنا.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 19 نوفمبر 2007,7:16 م
ألعاب خطرة
خالد صاغية
الأخبار عدد الاثنين ١٩ تشرين الثاني ٢٠٠٧
ليس واضحاً من بدأ لعبة تسخيف الانتخابات الرئاسيّة. ليس واضحاً إن كان هذا التسخيف هو المقدّمة لإلغاء الانتخابات، لكنّ الواضح أنّ حصر المسألة بالاتّفاق على «اسم»، وهو ما بلغ مرحلته الكاريكاتوريّة مع الضغط على بكركي لإرسال لائحة أسماء بتشجيع من دبلوماسيّة التهريج الفرنسيّة، هو هروب من الواقع بدلاً من مواجهته، واستدعاء للفراغ بدلاً من السعي لتفاديه.حتّى البطريرك صفير الذي أرسل لائحة الأسماء، إنّما أرسلها، كما صرّح، حتّى لا تُحمَّل بكركي مسؤوليّة الفراغ، ما يوحي أنّ البطريرك نفسه غير مقتنع بهذه الآليّة، وإن كان بفعلته هذه قد رسّخ سابقة كان قد اقترفها عام 1988 ولم تدرّ فائدة لا على البلاد ولا على الصرح البطريركي.أمّا الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري فها هما يُصوَّران كما لو أنّهما يمارسان مهمّة الغربلة بدلاً من الحوار، والبحث في لون عيون المرشّح وتسريحة شعره، بدلاً من تقديم التنازلات المتبادلة في الأمور الأساسيّة التي ستواجه تأليف الحكومة وبيانها الوزاري، ودور الجيش وقوى الأمن، وكيفيّة التعاطي مع القرارات الدولية الصادرة حول لبنان.اللبنانيون الذين يخشون أن تنطلق بين لحظة وأخرى تباشير اشتباكات أهليّة قد تذهب بالبلاد نحو الخراب، يراد لهم أن يقنعوا أنفسهم بأنّ الإشكال كلّه يدور حول أحقيّة الاختيار بين روبير غانم وميشال إدّه مثلاً. ومع الاحترام الشديد للرجلين، فإنّ الواقع، مع الأسف، أكثر تعقيداً من ذلك.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
السبت، 17 نوفمبر 2007,7:17 م
«الأخبار» الآن... هنا!

خالد صاغية - الصفحة الأولى

الأخبار عدد السبت ١٧ تشرين الثاني ٢٠٠٧

لم يكن محور «الأخبار في نظر منتقديها» ليرى النور، لو أنّ أسرة «الأخبار» تعيش حالاً من الرضا والاطمئنان إلى تجربتها. فالحكاية لا تزال في بدايتها، والجريدة التي بين أيديكم الآن، بما تحمله من سلبيّات وإيجابيّات، ليست تماماً الجريدة التي حلمنا بإصدارها.فإذا كان من وصف ينطبق على جريدة "الأخبار"، فهو أنّها جريدة سيّئة الحظّ. أعدّت أعدادها الصفر تحت قذائف حرب تمّوز. وصدرت قبل أوانها نتيجة تلك الحرب. وما كادت أعدادها الأولى تظهر، حتّى دخلت البلاد في استقطاب سياسي حادّ لم تَسْلَم وسائل الإعلام منه، حتّى العريقة بينها. وفي ظلّ البحث عن موقع للجريدة، وعن نقطة توازن بين هوية سياسية لها وقواعد المهنة وآدابها، رحل رئيس التحرير المؤسّس جوزف سماحة رحيلاً مفاجئاً، تاركاً فراغاً لا يملأه أحد.ليس سرّاً القول إنّ رحيل جوزف جعل العديد من زملائه يفكّرون في إقفال الجريدة. ولولا روحه التي لا تزال تملأ المكان، لما أمكن هذا المشروع أن يستمرّ. لكنّ استمراره لم يحصل من دون معوّقات وزلّات، بعضها ثانوي وبعضها الآخر أكثر جديّة. ولعلّ الشائعات المنظّمة التي طالت «الأخبار»، وبدأت تنطلق حتّى قبل صدور الجريدة، ساهمت في إعطاء بعض الأخطاء المهنيّة حجماً ليس حجمها. فكثيراً ما نرتكب خطأً ما، يُفسَّر في اليوم التالي خبثاً سياسياً. هذا لا يعني أنّنا لم نمارس الخبث، لكنّها ممارسات لا نعتزّ بها، ونودّ أن نضعها في خانة كان يسمّيها أستاذنا الراحل «عوارض نموّ». فنحن، كما ذكّرنا أحد منتقدينا، عمرنا سنة واحدة فقط.يحزننا ويخجلنا في الآن نفسه أن ينظر إلينا بعض الأصدقاء كجريدة حزبيّة. فـ«الأخبار» تطمح أوّلاً لتقديم تجربة صحافيّة رائدة، وهي لا ترى ولا في حزب تجسيداً لقيمها وتطلّعاتها. ورغم تعثّرنا في بعض أقسام الجريدة، فإنّنا نفاخر بالتجديد الذي مارسته «الأخبار» على أكثر من صعيد، سواء في العلاقة بين المادّة والإخراج الفنّي، أو في اللغة المستخدمة، أو في الأبواب والزوايا الحديثة، أو في الجرأة والابتعاد عن السائد.لكنّ «الأخبار» التي تحاول بالممارسة تبديد «تهمة» الحزبية، معنيّة بالدفاع لا عن نفسها فحسب، بل عن حقّ الصحيفة والصحافي في أن يملكا موقفاً ورأياً يتمسّكان به تمسّكهما بأصول المهنة.كان همّنا ولا يزال إنتاج جريدة تردم الهوّة بين الأجيال وبين المناطق وبين الطوائف. جريدة تضيء على قضايا العدالة الاجتماعية، وتدافع عن حقوق المرأة والمهمّشين، وتتبنّى التجارب الشابّة حقاً، وتعرّف بالتيّارات الثقافيّة الحديثة. جريدة ترفض هيمنة الأقوى على العالم وثرواته، وترفض جميع أشكال الاستعمار. جريدة تؤمن بأنّ البدائل لا تزال متاحة في هذا العالم، وأنّ الاحتلالات والعنصريّات والديكتاتوريات والقهر الطبقيّ والتسلّط الذكوري ليست أقداراً علينا التكيّف معها. جريدة تميل نحو اليسار، لكنّها ليست من ذاك اليسار الذي يكره الشعب بسبب «تخلّفه»، والذي يحمل عقدة نقص من التقاليد الاجتماعية المحيطة به، وليست طبعاً من اليسار «التحديثي» الذي لا يمانع في حصد مئات آلاف القتلى من أجل تشريع عجلة النموّ للاقتراب من المستقبل الاشتراكي الزاهر.ولأنّنا نؤمن بأنّ ثمّة بديلاً يجب اختراعه، نحبّ أن تضجّ صفحاتنا بالحياة. ضجيج قد يزعج الذين يعتبرون الليبرالية الغربية السائدة مفتاح السعادة والرفاهية، وما على بقيّة سكان الكوكب سوى التسليم لها، ما دام الشقاء هو من صنع الأشقياء أنفسهم، أولئك الذين ترمي بهم ثقافتهم «المتخلّفة» إلى قعر الهاوية.لهذا السبب، ربّما، تُتّهم «الأخبار» بالدفاع عن الماضي والدعوات التوتاليتاريّة. ونحن نفخر أنّنا الجريدة الوحيدة في لبنان التي لم يرد على صفحاتها أيّ مديح لرئيس أو ملك أو نظام في المنطقة. لا بل نفخر أنّ من يتّهمنا بالقرب من الأنظمة التوتاليتارية لا ينفكّ يستخدم خطاب تلك الأنظمة ضدّنا. فتماماً كما تسعى هذه الأنظمة إلى خنق كلّ صوت معارض بحجّة أنّ العدوّ على الأبواب، يُطلب منّا أن نخنق أيّ نقد لأيّ (غير) مسؤول لبناني ما دامت حياته معرّضة للخطر.ندرك أنّ موقف «الأخبار» هذا ليس من السهل ترجمته على الورق، زمنَ اتّجهت فيه معظم الأقلام المعروفة اتّجاهاً معاكساً. وقد عُيِّرنا بأنّنا «خارج التيار العريض للحياة الثقافية في لبنان»، كأنّما السباحة مع «التيّار العريض» أصبحت فضيلة. ونحن يقلقنا أن نكون خارج التيار، ولكن تقلقنا أكثر حال «الحياة الثقافية في لبنان». فنحن أمام حقل مهيمن عليه من جيل واحد منذ ثلاثين عاماً تقريباً. جيل اختار اليسار حين بدأ صعوده، وبدأ يتّجه يميناً بتفاوت مع مرور الزمن ومع إحكام ذلك الجيل سيطرته على الحقل. لا مجال للدخول هنا في سبب الاتجاه هذا أو في تقييمه. ما يعنينا أنّ هذه التحوّلات ترافقت مع عقم ثقافي بحيث بات معظم مثقّفينا يردّدون اللوازم إيّاها باللغة الخشبية إيّاها، فيما هم يعتقدون أنّ مجرّد التبشير بالحداثة الغربية يجعل أفكارهم حديثة. لا يقودنا ذلك إلى اليأس، ولا إلى نبذ الثقافة والمثقفين لتبنّي نوع من أنواع الشعبويّة. لكن من حقّنا رفع الصوت ضدّ هذا القحط الثقافي. وما يخفّف من قلقنا ويزيد من أملنا هو جيل جديد من المثقّفين والأكاديميّين الذين حضنوا «الأخبار» وشجّعوها والذين بينهم وبين «الأخبار» أكثر من علاقة غواية.ذات يوم من أيام ربيع براغ، قبضت السلطات على الفيلسوف التشيكي جورج لوكاش. وحين سأله المحقّق إن كان يملك سلاحاً، أخرج لوكاش من جيبه قلمه ووضعه على الطاولة. لوكاش نفسه الذي اعتبر قلمه سلاحه، أشار إلى الصحافيين كمثال على أولئك الذين يجبرهم النظام السائد على «تعهير تجاربهم ومعتقداتهم»، أي على «تحويل ذاتيتهم ومزاجهم ومعرفتهم وإمكاناتهم في التعبير إلى عملية ميكانيكية منفصلة عن شخصية صاحبها وعن طبيعة الموضوع».لن نكون هذا النوع من الصحافيّين. ويتطلّب ذلك منّا بذل مزيد من الجهد ومن اكتساب الخبرات المهنية. فنحن ندرك أنّ بعض الاتّهامات بـ«قلّة الموضوعية» أو «الانحياز» أو «عدم الدقّة في نقل الخبر» مردّها لا إلى عيب مهنيّ، بل إلى استنكار لموقفنا السياسي. فلم يعد خافياً أنّ الموضوعية قناع للدفاع عن السائد ولمنع صعود بديل منه، في عصر بتنا ندرك فيه كم أنّ ما يحيط بنا من معرفة مبنيّ على مسلّمات حلّت مكان مسلّمات أخرى لأسباب اجتماعية وسياسية وثقافية، لا علاقة للحقيقة بها.الغريب أنّ من يتّهموننا بالترويج «للتخلّف» لا يكفّون عن إبداء إعجابهم بشكل الصحيفة واحترامها للعناصر البصرية. فيُعامل الإخراج الفني والصور والرسوم الجذّابة كما لو أنّها قالب جميل يخدم المضمون غير الموفّق. لنقل بداية أنّنا في «الأخبار» لا ننظر إلى الشكل كمجرّد وعاء للمضمون. فواجبنا تقديم مستوى مهني عال، يعمل فيه الشكل والمضمون وفقاً لمنطق واحد. لا يمكن أن نُنعت بـ«المتخلّفين» بسبب موقفنا السياسي، وأن يصبح الإخراج لصقة حداثيّة «يبلِفُ» القارئَ بها مخرجٌ موهوب. نحن لا نشك بموهبة مديرنا الفني، لكنّنا لم نستورده من مكان بعيد. فالمدير نفسه عمل في صحف لبنانية من قبل، وصنع «ماكيتات» لصحف أخرى، لكنّنا لم نرَ النتيجة التي نراها اليوم في «الأخبار». غريب كيف أنّ الصحف «الحديثة» لفظت الشكل الحديث. أما «الأخبار»، «حاملة خطاب التخلّف»، فقد اعتمدته!تطمح «الأخبار» أن تكون صحيفة خارج «الإستابليشمانت»، إذا جاز التعبير. لسنا في منافسة مع الصحافة السائدة. ففي العديد من البلدان، هناك صحيفة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار... لكن في العديد من البلدان أيضاً، ثمّة ما يشبه «الأخبار». تلك الصحيفة الخارجة عن السائد والمألوف. تلك الصحيفة التي يخاف منها السائد، ويرذلها المألوف. تلك الصحيفة التي يرفض العاملون فيها أن يتحوّلوا حرّاساً للنظام السائد.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 16 نوفمبر 2007,7:14 م
تهديد

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ١٦ تشرين الثاني ٢٠٠٧

هدّد رئيس جمعيّة المصارف فرانسوا باسيل بأنّ المصارف العاملة في لبنان قد لا يمكنها الاستمرار بإقراض الدولة والقطاع الخاص، في ظلّ الوضع السياسي القائم.إنّه فعلاً تهديد ترتجف له الرُكب. الرجاء من السيّد باسيل وجمعيّته البدء بتنفيذ تهديده اليوم، الآن، وفي هذه الساعة. فمن يسمع السيّد باسيل يظنّ أنّ الشعب اللبناني هو المستفيد من عمليّة الإقراض هذه، وأنّ المصارف لم تكدّس الأرباح من دون بذل أيّ جهد، بل كانت تقوم بواجب وطني، وعمليات شرائها لسندات الخزينة ما كانت لتتمّ لولا الدافع الإنساني المحض.يطالب السيّد باسيل بـ«اتّخاذ إصلاحات اقتصاديّة»، والمقصود هنا دعوة الحكومة الحالية أو المقبلة إلى عدم المسّ بمكتسبات المصارف، وعدم التفكير في أيّ حلّ يحرّر الدولة والمواطنين من عبء الفوائد المرتفعة التي تُدفع على سندات الخزينة. فمهما كان المخرج من هذه الأزمة السياسية، على الطقم الحاكم الجديد أن يكون هو الطقم الحاكم القديم نفسه، أو على الأقلّ أن يتعهّد بتنفيذ السياسات الاقتصادية نفسها التي لا تمسّ مصالح المصرفيّين.يتذرّع باسيل بذوي الدخل المحدود و«مدّخرات الشعب اللبناني»، للدفاع عن سياسة الاستقرار النقدي التي كلّفت البلاد الجزء الأكبر من الدين العام. وكأنّ هذا الاستقرار لم يكن الطريقة التي استخدمتها المصارف من أجل تحقيق المزيد من الأرباح، وإدخال الاقتصاد اللبناني في دائرة مفرغة.السؤال المطروح هو: إذا لم تقرض المصارف الدولة، فماذا تفعل؟ فهي، منذ زمن بعيد، ما عادت تقوم بدورها، وكفّت عن الدخول في مشاريع تمويل تحمل بعض المخاطر، وخصوصاً بعدما شاركت في إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني بطريقة تستبعد القطاعات المنتجة.بصراحة، نخشى على المصارف من الإقفال إذا ما كفّت عن نهب المواطنين، بالشراكة مع أصحاب القرار المالي في الدولة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 15 نوفمبر 2007,7:15 م
عبوديّة


خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ١٥ تشرني الثاني ٢٠٠٧

على عكس ما يفترض كثيرون، لم يتمكّن نمط الإنتاج الرأسمالي من إلغاء أنماط الإنتاج التي سبقته. يمكن القول إنّه أصبح في كثير من البلدان النمط الأكثر انتشاراً، أو النمط المهيمن أو المسيطر، لكنّ الإقطاعيّة والعبوديّة، على سبيل المثال لا الحصر، لا تزالان محافظتين على وجودهما في العالم الأوّل والثاني والثالث.يأتي تقرير «هيومن رايتس ووتش» عن الخادمات المنزليات في لبنان ليذكّرنا بأنّ العبوديّة ليست بعيدة جدّاً عنّا. إنّها، في الواقع، قريبة منّا أكثر ممّا نتصوّر. لقد دخلت بيوت اللبنانيين، وغرفهم الحميمة. فمصادرة جوازات السفر للخادمات الأجنبيات، وتحديد إقامتهنّ، ومنعهنّ من مغادرة البيوت، وممارسة كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي عليهنّ، ومنع اتصالهنّ بسفارات بلادهنّ... ممارسات تتجاوز علاقة العامل بربّ العمل، كما نشأت في الرأسمالية. لسنا هنا أمام شراء قوّة عمل العامل. إنّنا أمام شراء العامل نفسه لفترة زمنية محدّدة.يمتاز لبنان بتزامن تدنّي المستوى الاجتماعي مع ارتفاع الطلب على توظيف الخادمات، علماً بأنّ معظم الخادمات السريلانكيات والإثيوبيات يعملن في بيوت الطبقات الوسطى، إذ يتّجه الأكثر يسراً إلى توظيف خادمات يتقنّ اللغة الإنكليزية.يقود ذلك إلى الاستنتاج أنّه أمام الإفقار الذي مارسته حكومات ما بعد الحرب المتعاقبة ضدّ الطبقة الوسطى والذي دفع إلى زيادة عدد العاملين في البيت الواحد، ازدادت الحاجة إلى خادمات يساعدن في تدبير شؤون المنزل. أصبحت العائلة تدفع قرابة مئة دولار للخادمة كي تتمكّن ربّة المنزل مثلاً من الحصول على راتب إضافي يمكّن العائلة من المحافظة على الحدّ الأدنى من مستواها المعيشي.يمكننا إذاً أن نضيف إلى العنصريّة المتأصّلة في ثقافتنا، أنّ جزءاً من العنف الذي يمارسه اللبنانيّون تجاه خادماتهم هو انزياح لعنف كان يجب أن يمارَس في اتّجاه آخر.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الأربعاء، 14 نوفمبر 2007,7:12 م
المهرّج


خالد صاغية

الأخبار عدد الأربعاء ١٤ تشرين الثاني ٢٠٠٧

عاد المهرّج إلى لبنان.سيرقص، ويغنّي، وينظّم حملات للمجتمع المدني، ويزجر الصحافيّين، ويدير المفاوضات بين أهل السياسة. وذلك كلّه في أوقات الفراغ التي تمكّن من تخصيصها لبلدنا الصغير.عاد المهرّج إلى لبنان.بدأت الوكالات الإخبارية تتناقل صوره. يداه لا تكفّان عن الحركة في كلّ الاتّجاهات، وعيناه تشيان بدهشة واستغراب دائمين، فيما تعابير وجهه تنمّ عن غرق في تفكير عميق.عاد المهرّج إلى لبنان.وهو يفهم تماماً على الزعماء اللبنانيين وتقلّباتهم. فهو نفسه بهلوان في السياسة، وفي التنقّلات من اليسار إلى اليمين، من دون أن يفقده ذلك شعبيّته.عاد المهرّج إلى لبنان.لديه سلّة اقتراحات، وهو أدرى بأمورنا. فالدولة ومؤسّساتها عندنا هي من صنع آبائه المستعمِرين، وهو منذ زمن كرّس حياته للعناية بضحايا استقلالات ما كان يجب أن تُعطى.حين يلتقي المهرّج بالبطريرك، لا نعلم إن كانت تسمية رئيس للجمهورية تدخل في باب التهريج هي الأخرى. لكن يسود الجلسة اقتناع بأنّ البرلمان والحكومة والبلديّات والمجلس الدستوري... هي كلّها لزوم ما لا يلزم. فمن يحتاج لمؤسّسات مدنيّة كهذه، في ظلّ وجود الحضن الدافئ للمؤسّسات الروحيّة، وعباءاتها الخريفيّة؟عاد المهرّج إلى لبنان.لا يحمل آثار دماء على يديه. لكنّه يحمل تاريخاً عريقاً في التعامل مع شعوب المستعمرات، وصورة لوجهه الأميركي الأبيض حين يخلع قناع المهرّج.عندها، لن يُضحك أحد أحداً.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 13 نوفمبر 2007,7:23 م
لصوص وقتلة


خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١٣ تشرين الثاني ٢٠٠٧

أثارت عبارة «اللصوص والقتلة» التي استخدمها السيّد حسن نصر الله في خطابه الأخير استغراباً واستهجاناً لدى فريق 14 آذار. وتساءل أحد السياسيين كيف يمكن وصف نصف الشعب اللبناني بـ«اللصوص والقتلة»؟ لم يكن كلام ذاك السياسي مجرّد تحريض. فهو يدرك جيّداً أنّ كثيرين من مؤيّدي 14 آذار وجدوا أنفسهم معنيّين بهذا الوصف الذي استنكروه.تشير ردّة الفعل هذه إلى مسألة خطيرة. فالشعب اللبناني ما عاد منقسماً بين تيارين عريضين وحسب، بل بات يتماهى مع قادة هذين التيّارين. فإذا ما وُصف قائد ما باللص وآخر بالقاتل، بات المواطن المناصر لـ14 آذار أو لـ8 آذار معنيّاً بهذا الوصف، كأنّما هو المقصود.ليس هذا تفصيلاً بسيطاً. فالانقسام الذي بات وجهه القبليّ يضاهي وجهه السياسيّ، مرجّح للاستمرار بالضبط لأنّه نجح في إفادة قادة القبائل. فمعظم هؤلاء القادة هم حقيقة إمّا لصوص شاركوا في نهب المال العام (والخاص)، وإمّا قتلة من أمراء الحرب الأهلية، وإمّا الاثنان معاً. وكانت صدقيّتهم غير عالية حتّى لدى مناصريهم، لكنّهم استفاقوا ذات يوم وسط الانقسام الحاصل، ليجدوا شعباً بأمّه وأبيه يهتف بحياتهم.ليس صدفة أنّ الزعيم الذي ينطبق عليه هذا الوصف أكثر من غيره هو من أمعن في التعليق عليه. وفي خطوة لافتة في رمزيّتها، لم يملك هذا الزعيم ردّاً للتهمة إلا في إلصاقها أيضاً بغيره، كأنّه يقول «لست وحدي قاتلاً... لستُ وحدي لصّاً».يظهر الشعب اللبناني اليوم حالاً فريدة من التماهي مع قادة تراوح مآثرهم بين ارتكاب أعمال السطو والقتل على الهوية. إنّ هذا بحدّ ذاته لا يبشّر بمستقبل ورديّ، حتّى لو تمّ التوافق على رئيس... حتّى لو حُلّت مسألة الثلث المعطّل... وحتّى لو تغيّر وجه المنطقة.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 12 نوفمبر 2007,7:10 م
صحوة؟

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ١٢ تشرين الثاني ٢٠٠٧

«سنواجه عملية النهب هذه»، قال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في خطابه أمس، معلّقاً على مشروع خصخصة الخلوي. والواقع أنّ حزب الله، والمعارضة اللبنانية بشكل عام، قد اعتاد إثارة مواضيع اقتصادية حسّاسة كلّما واجه مأزقاً سياسياً، لكنّ هذه الإثارة لا تلبث أن تخبو سريعاً، فيغادر الحزب الباب الاقتصادي، متّكلاً على شبكات الأمان الاجتماعي الخاصة التي يوفّرها لجمهوره.لا يعني ذلك أنّ الحزب ليس صادقاً في معارضته خصخصة الخلوي، لكن على الحزب أن يتّخذ من هذه المعارضة بداية لإعلان نهج جدّي في المجال الاقتصادي، وخصوصاً بعدما حسم أمره لجهة التعاطي في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية. فالحزب يعلم تماماً أنّ عملية النهب لم تبدأ بالخلوي، وهي آخذة في التوسّع منذ نهاية الحرب الأهلية. لقد جرى نهب أملاك عامّة وخاصّة، واستُخدم الدين العام لنهب أموال المواطنين ودفعها فوائد لأصحاب سندات الخزينة، ونُهِبت جيوب المواطنين أنفسهم بالضرائب غير المباشرة من أجل إراحة الشركات الكبرى وجذب استثمارات لم تأتِ، ودُمّرت النقابات العمّالية تدميراً منهجياً لمنع أي أصوات اعتراضية. حدث ذلك كلّه تحت أعين حزب الله الذي لم يحرّك ساكناً.وحين طُرحت خصخصة أحد القطاعات الأكثر حيويّة بالنسبة إلى المواطنين، أي قطاع الكهرباء، لم يبدِ وزير الطاقة المنتمي إلى حزب الله ممانعة، لا بل بدا شريكاً في هذا الطرح.إذا كانت الصحوة الاجتماعية لحزب الله جزءاً من سيناريو التصعيد السياسي، فبإمكان هذا التصعيد أن يأخذ مداه من دون ارتكاب المزيد من الخطايا في الشأن الاجتماعي. أمّا إذا كان الحزب قد حسم أمره في مواجهة المشروع النيوليبرالي في لبنان القائم على النهب المنظّم، فإنّ لذلك أبواباً يعرف الجميع من أين تُطرَق.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 9 نوفمبر 2007,7:09 م
توافق لفكّ الحصار

خالد صاغية
الأخبار عدد الجمعة ٩ تشرين الثاني ٢٠٠٧
من يستمع إلى تصريحات نوّاب الأكثرية ورؤساء كتلهم، يخرج بانطباع أنّ الاتفاق على رئيس بينهم وبين المعارضة هو تنازل إذا ما قاموا به ينتهي دورهم. وقد استخدم بعضهم عبارة «الانتحار السياسي» لوصف حال الأكثرية لدى وصول رئيس توافقي إلى قصر بعبدا. يكرّس ذلك صورة خاطئة بأنّ الرئيس التوافقيّ هو انتصار للمعارضة.فالواقع أنّ مطلب التوافق الذي طرحته المعارضة جاء بعد سلسلة خيبات لها، وبعدما نجح فريق السلطة في الدفاع عن مواقعه. فالتظاهرات الضخمة التي نظمتها المعارضة لم تتمكّن من إسقاط رئيس الحكومة الذي تمترس وراء طائفته، داعياً مفتي الجمهورية إلى الصلاة في السرايا. والاعتصام في وسط بيروت الذي طالب بالثلث المعطّل/ الضامن لم يحصل على ذاك الثلث، وبات اعتصاماً من دون مطلب. ولم تأتِ الدعوة إلى التوافق إلا في خطاب ألقاه نبيه برّي في بعلبك وطرح فيه مبادرة شكّلت المخرج الوحيد من أزمة كادت تدفع البلاد نحو حرب أهلية لا أحد يضمن بقاءها باردة.في الوقت نفسه، كانت الأكثرية تحافظ على موقعها في ما يخصّ المسألتين اللتين رفعت لواءهما: المحكمة والحكومة. أقرّت المحكمة الدولية تحت الفصل السابع كما هدّد الأكثريّون، وبقيت الحكومة وعلى رأسها فؤاد السنيورة في السرايا.التوافق إذاً فرصة لخروج المعارضة من خيباتها المتكرّرة. لكنّه في الوقت نفسه فرصة للأكثرية للخروج من مأزقها العبثيّ: نحن في غالبية الأحيان أمام نوّاب مهدّدون بسبب موقعهم السياسي، وعند اغتيالهم يجري انتخاب بدلاء منهم من الموقع السياسي الآخر. ثمّة إذاً من يستعدّ للموت من أجل من يمثّل، بينما من يمثّله لا يريده في هذا الموقع. الاغتيالات لم تعد وحدها ما يحاصر الأكثرية. حصارها الفعليّ يكمن في عدم قدرتها على التمدّد الشعبي، رغم كلّ شيء...

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 8 نوفمبر 2007,7:08 م
الفوز المنقوص


خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ٨ تشرين الثاني ٢٠٠٧

صحيح أنّ تحالف الحريري ـــــ جنبلاط ـــــ جعجع قد حصد أكثرية المقاعد النيابية خلال انتخابات عام 2005، إلّا أنّ هذا التحالف مني بهزيمة قاسية جداً في المتن وجبيل وكسروان. وكان وليد جنبلاط أوّل من أقرّ بالهزيمة، وقدّر أهمية تأثيرها على الأحداث اللاحقة، فهدّد بالحرب الأهلية على ما يذكر الجميع. اضطرّ سعد الدين الحريري إلى نقل مقرّ إقامته إلى أحد فنادق طرابلس، وإلى إطلاق وعود تنمويّة في مناطق الشمال المحرومة، و«تسويق» المرشّحة ستريدا جعجع في القرى العكارية.جاءت نتائج انتخابات الشمال لتهدّئ من روع البيك ولتنقذ ما بقي من قوى 14 آذار من الهزيمة. لكنّها لم تحقّق لها نصراً تامّاً. فعدد المقاعد التي حصلت عليها الأغلبية الحالية جاءت أدنى بكثير من التوقّعات التي سادت قبيل الانتخابات والتي زعمت قدرة الحصول على مئة مقعد، أو ما يتجاوز ثلثي المجلس.لا يمكن الأغلبية أن تتناسى أنّ فوزها لم يكن «تامّاً»، وأنّ هذا الفوز المنقوص لا يخوّلها، بصرف النظر عن السجالات الدستورية، الاستفراد باختيار رئيس. ولا ينفع القول في هذا السياق إنّ الوضع قد تبدّل، وإنّ الرأي العام المسيحي اكتشف هول ما فعله حين سلّم أمره للعماد ميشال عون. فانتخابات المتن الفرعية أثبتت أنّ هذا التبدّل ليس جذرياً إلى درجة تغيير نتائج صناديق الاقتراع، وقد تمكّن طبيب «عونيّ» مجهول من كسر أقوى مرشّح متني لدى الموالاة. أضف إلى ذلك، أنّ الدخول في أطروحات التبدّل يفتح الأبواب أمام الأخذ في عين الاعتبار تبدّل الخيارات الانتخابية لحزب الله في دائرة بعبدا عاليه.الدعوة إلى التوافق على رئيس للجمهورية اليوم ليست إنكاراً لحق الأكثرية في الاختيار. إنّه تذكير بأنّ هذه الأكثريّة جاء عددها ناقصاً في صناديق الاقتراع.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الثلاثاء، 6 نوفمبر 2007,7:07 م
ضحايا مرّتين

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ٦ تشرين الثاني ٢٠٠٧

يذكر اللبنانيّون جيّداً عبارة «ضبط معك الحساب، بس خربتلّي بيتي» التي ترد على لسان مدير المطعم في مسرحية «بالنسبة لبكرا شو» لزياد الرحباني. العبارة نفسها تنطبق على الحسابات الوطنية للبنان (عام 2005) التي أطلقها أمس بكلّ فخر رئيس الحكومة السيّد فؤاد السنيورة.فوفقاً لهذه الحسابات، بلغت نسبة خدمة الدين العام 111% من الضرائب المباشرة والاشتراكات الاجتماعية. وهذا يعني ببساطة أنّ كلّ ما يدفعه اللبنانيّون من هذه الضرائب إلى الدولة، تعود الدولة وتدفعه فوائد للمصارف وكبار المودعين فيها الذين كانوا قد اشتروا سندات الخزينة. بكلام آخر، تغادر الأموال جيوب المواطنين لتستقرّ في جيوب الأثرياء منهم، ونوع محدّد من هؤلاء الأثرياء.ليست هذه العملية تفصيلاً بسيطاً. إنّنا أمام عمليّة نهب منظّم تقوم بها الدولة لمصلحة طبقة بعينها، والرقم 111% ليس إلا أحد أعمدة هذه العملية. هكذا تحوّلت الدولة في لبنان بعد الطائف، بهمّة الفريق الحاكم نفسه، إلى أداة لتوزيع معاكس للثروة.يقدّم لبنان حالة نموذجيّة لضرورة الإمساك بالدولة من أجل تقليص دورها. فعملية النهب هذه ما كانت لتتمّ لولا سنّ عدد هائل من التشريعات، وجرّ الدولة إلى الاستدانة بلا كوابح، قبل رفع يدها عن القطاعات التي تملكها عبر عمليات الخصخصة بحجّة ضرورة خفض الدين الذي كانت قد جُرّت إليه.ذات يوم، ابتدعت الرأسمالية الضرائب لتتمكّن الدولة من رعاية ضحايا السوق. باتت الضرائب عندنا وسيلة لجعل الضحايا ضحايا مرّتين.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الاثنين، 5 نوفمبر 2007,7:05 م
الاشتراكيّة بخير

خالد صاغية

الأخبار عدد الاثنين ٥ تشرين الثاني ٢٠٠٧

بين الحين والآخر، يستقبل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط وفداً من الاشتراكيّة الدوليّة. والوفد يلتقي السيّد جنبلاط بصفته رئيساً للحزب التقدّمي الاشتراكي، وواحداً من دعاة التقدّم والاشتراكيّة في العالم العربي. لذلك، يدور الحديث دائماً حول الإنجازات الاشتراكية التي حقّقها الحزب في لبنان.فيبدأ البيك الحديث عن صعوبة الإبقاء على نمط إنتاج إقطاعي في ظلّ السيطرة الرأسمالية. ومع ذلك، فإنّ الحزب التقدّمي الاشتراكي تمكّن من الحفاظ على هذا النمط منعاً للهيمنة الكاملة للرأسمالية على الاقتصاد اللبناني.ثمّ ينتقل الحديث إلى السياسات الحكومية التي دعمها الحزب، ولعلّ أهمّها إعادة هيكلة الاقتصاد في خدمة مصالح الطبقات العليا، وذلك لجعل حياة الفقراء أكثر صعوبة، ما يسهّل قيامهم بالثورة الاشتراكية المنتظرة. وهنا يسهب الزعيم الاشتراكي في شرح فوائد الخصخصة، وخفض الضرائب عن الشركات الكبرى، ورفعها على سائر المواطنين. وكلّ ذلك ما كان ليتمّ لولا الإشعاع الحضاري الآتي من «قلعة الاستقلال»، كما يسمّي الزعيم الاشتراكي السرايا الحكومية المغتصبة.أخيراً، يدخل رئيس الحزب والوفد الاشتراكي في عصف فكري في شأن منافع الإمبريالية على شعوب العالم الثالث، ويبدأ الاستشهاد بكتابات كانت على الموضة في القرن التاسع عشر، لتقديمها على أنّها ذروة المعرفة العلمية. فالإمبريالية لا تنقل التقدّم إلى الشعوب المتخلّفة وحسب، بل تسهم أيضاً في نشر الديموقراطية.لم يخطر في بال الزعيم ولا الوفد الزائر، السؤال عمّن سيدافع عن الديموقراطية بعدما دُمّرت النقابات العمّالية منهجيّاً، فيما وُضعت الطبقة الوسطى على طريق الاندثار.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الجمعة، 2 نوفمبر 2007,6:04 م
اقتراحات ميلاديّة

خالد صاغية

الأخبار عدد الجمعة ٢ تشرين الثاني ٢٠٠٧

أمّا وقد قرّر تيار المستقبل، أسوة بأحزابٍ أقرب إلى الفاشيّة، أن يحتفل بذكرى ميلاد مؤسّسه، فمن الواجب الإدلاء ببعض الاقتراحات بهذا الشأن:أوّلاً، إعلان ذكرى الميلاد هذه عطلة رسميّة، وخصوصاً أنه لا حاجة لأيام عمل كثيرة في الدوائر الرسمية، ما دامت سياسات الحكومة متّجهة نحو تقليص دور الدولة، بحجّة بنائها، أي بناء الدولة التي على رأسها «رجل الدولة».ثانياً، اعتبار تجربة الرئيس رفيق الحريري في الحكم مقدّسة وغير قابلة للنقد، والسعي لإحالة المخالفين إلى المحكمة الدولية.ثالثاً، إحياء ذكرى ميلاد الوزير سامي حداد أيضاً، باعتباره المسؤول الأكثر أمانة في حمل مشعل نشر السياسات النيولبرالية في لبنان، والأكثر تحمّساً لإفقار الفقراء قبل إرسال الحسنات إليهم.رابعاً، إحياء ذكرى ميلاد رئيس مجلس إدارة «سوليدير»، أيّاً يكن، باعتباره ممثّلاً لوجه بيروت الحضاري، وللمصالح الاقتصادية لمن استولوا على ممتلكات وسط المدينة.خامساً، إحياء ذكرى ميلاد غازي كنعان (هل تراه قوى 14 آذار شهيداً؟)، باعتباره حائزاً مفتاح مدينة بيروت، وكان قد أدّى دور الشريك في مشروع نقل الديموقراطية من «ثورة الأرز» إلى ربوع سوريا.سادساً، إحياء ذكرى ميلاد المصارف. لمَ لا؟ نقطع قالب حلوى في عيد تأسيس كلّ مصرف لبناني. ونقوم بـ«لمّيّة» للمناسبة، فنمنح أصحاب المصارف كلّ مدّخراتنا، علّنا نوفيها بعض الدين.

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments
الخميس، 1 نوفمبر 2007,6:03 م
أين التدخّلات؟


خالد صاغية

الأخبار عدد الخميس ١ تشرين الثاني ٢٠٠٧

أيتها التدخّلات الخارجيّة، أين أنتِ؟ ما كلّ هذا التعفّف، وكلّ هذه الوداعة، فيما البلاد تسير بخفّة نحو الفراغ؟السفير الأميركي، السيّد جيفري فيلتمان، مصرّ على عدم التدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية، لا بل يعتبر أنّ مهمّته في لبنان تكاد تنحصر في منع التدخّلات الخارجية. يقول ذلك مراراً وبكلّ فخر، كمن ينفي تهمة. السيّد فيلتمان لا يتدخّل، ولا يريد لغيره أن يتدخّل.المسؤولون السوريّون لا يريدون التدخّل أيضاً. وهم يكرّرون، بكلّ براءة وطيبة خاطر، أنّهم يدعمون ما يتوافق عليه اللبنانيّون. فقد ساءهم السلوك اللبناني منذ التمديد للرئيس إميل لحود. وهم قرّروا الابتعاد منذ أن اتّهموا بالاغتيالات.الإيرانيّون أيضاً لا يتدخّلون، وهم منهمكون بملفّهم النووي، وعملهم العربي يقتصر على تقريب وجهات النظر بين السعودية وسوريا.الترويكا الأوروبية أعلنت دعمها وخوفها على اليونيفيل، وقالت إنّها لا تريد التدخّل في الشؤون اللبنانية.حتّى فرنسا، الأمّ الحنون، ترفض التدخّل. واقتصرت ضغوط وزير خارجيّتها على حثّ المجتمع المدني (؟) على تنظيم حملة لم يسمع بها أحد.لقد صدّق العالم أنّ اللبنانيين من هواة الحرية والسيادة والاستقلال. واللّه كنّا نمزح. وهذا الحديث اليوم عن الوصايات غير جدّي بتاتاً. الواقع أنّنا لا نريد سيادة، ولا حرية، ولا استقلالاً. الاستقلال الأوّل كان مزحة لم يصدّقها أحد. أفتصدّقون نكتة الاستقلال الثاني؟أيّتها التدخّلات الخارجيّة، أين أنتِ؟ أتسلّمون بلداً لحفنة من الأولاد؟

التسميات:

 
posted by Thinking | Permalink | 0 comments